الكمال البشري ومصداقه في القرآن الكريم
علي الخفاجي
قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56] .
الانسان بطبيعته له نظام اخلاقي ولهذا النظام نظرية اخلاقية يعتمد عليها ويستمد مبادئه الاخلاقية منها ، باعتبار ان الانسان كائن حر في سلوكه ، فلابد ان يكون له هدف يسعى له في حياته حتى يبلغ مراتب عليا في سلم كماله الانساني ، ويبلغ هذه المراتب متى ما توصل لمقام العبودية لله تعالى ، واكمل البشر عبودية هم الرسل والأنبياء وأهل البيت (عليهم السلام) ، والرسول الكريم خاتم الأنبياء هو اكمل البشر على الاطلاق ولهذا اطلق عليه سيد ولد آدم وقد أقسم الباري عز وجل بذلك فقال في كتابه : {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم : 1 - 4] ، لذلك جعله الباري سبحانه وتعالى أعظم اسوة واكبر قدوة في مجالات الدين ، فتجلت قدرته حيث اعطى هذه المنزلة العظيمة والمرتبة السامية لنبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وبما حباه الله من خلق عظيم كان الرسول يعكس هذا النظام الاخلاقي على الناس ويعلمهم الخلق الحسن ، ويحثهم على التكامل الخلقي واخراج السجايا والمواهب التي اعطاهم إياها الله عز وجل وفطر أنفسهم عليها . إذاً فكلما كان الانسان اكثر تحقيقاً للعبودية لله تعالى ارتقى في سلم الكمال ، وكلما ابتعد عن تحقيق العبودية للباري عز وجل كان اكثر انحداراً في سلم كمال نفسه الانسانية .
إذن فمصير الانسان من سعادة او شقاء في الحياة الدنيا والآخرة يتعلق هذا الأمر بسلوكه الاختياري ومدى عمله وسعيه وراء الارتقاء بالعبودية الحقة لله الواحد الأحد .
وقد بين الله ذلك في كتابة العزيز : { يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود : 105 - 108] .
فالسعادة والفوز هما تعبير آخر عن الكمال ينشد إليه كل انسان في ذاته ، بإعتبار الانسان يمتلك شعور اوعقلا وارادة لأجل تحصيل الكمال الذي يتمثل ويتجسد في السعادة والفوز والعمل لغير هذه الغاية يكون شيء من العبث واللهو .
وكان كذلك الامام علي (عليه السلام) يؤمن بأنه لابد للإنسان ان يحرر قلبه وضرورة عبودية الواحد الأحد وهذا شرط اساسي لنيل الكمال المعنوي وتنضيج الشخصية الحقيقية للإنسان .
وجاء في احد رسائل أمير المؤمنين (عليه السلام) انه اشار الى معنى التكامل الانساني :
(لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا ) (1) .
ويعني (عليه السلام) ان الانسان يمتلك الحرية في الوصول لمقام العبودية لله تكريماً منه لعظمة الخلقة التي هو عليها والآدمية التي وجد فيها التي تعطي العظمة الإلهية في خلقه وتفضيله على باقي الخلائق بحيث لا يسمح لنفسه ان يكون عبدا لغير الله تعالى .
وهذه الحرية لابد ان تكون ممنهجة وفيها وعي وتربية فهي لا تأتي من العدم ، ولابد من استثمارها بشكلها الصحيح واتباع الخطوات الصحيحة في تحصيل الكمال الإنساني .
وقد اشار الامام علي في نهج البلاغة الى ذلك بقوله :
(وأيم الله يميناً أستثني فيها بمشيئة الله لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما ، وتقنع بالملح مأدوما ، ولأدعن مقلتي كعين ماء نضب معينها مستفرغة دموعها .
أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك ، وتشبع الربيضة من عِشبها فتربض
ويأكل علي من زاده فيهجع ؟ .
قُرَّتْ إذاً عينه إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة والسائمة المرعية ؟
طوبى لنفس أدت إلى ربها فرضها ، وعركت بجنبها بؤسها .
وهجرت في الليل غمضها حتى إذا غلب الكرى (النوم) عليها افترشت أرضها وتوسدت كفها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم ، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم .
وهمهمت بذكر ربهم شفاههم وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) (2) .
_________________________
1- انظر/ نهج البلاغة ، ص401.
2- انظر / نهج البلاغة / ج3 / ص75.
اعضاء معجبون بهذا
علي الخفاجي
قال تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات : 56] .
الانسان بطبيعته له نظام اخلاقي ولهذا النظام نظرية اخلاقية يعتمد عليها ويستمد مبادئه الاخلاقية منها ، باعتبار ان الانسان كائن حر في سلوكه ، فلابد ان يكون له هدف يسعى له في حياته حتى يبلغ مراتب عليا في سلم كماله الانساني ، ويبلغ هذه المراتب متى ما توصل لمقام العبودية لله تعالى ، واكمل البشر عبودية هم الرسل والأنبياء وأهل البيت (عليهم السلام) ، والرسول الكريم خاتم الأنبياء هو اكمل البشر على الاطلاق ولهذا اطلق عليه سيد ولد آدم وقد أقسم الباري عز وجل بذلك فقال في كتابه : {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم : 1 - 4] ، لذلك جعله الباري سبحانه وتعالى أعظم اسوة واكبر قدوة في مجالات الدين ، فتجلت قدرته حيث اعطى هذه المنزلة العظيمة والمرتبة السامية لنبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وبما حباه الله من خلق عظيم كان الرسول يعكس هذا النظام الاخلاقي على الناس ويعلمهم الخلق الحسن ، ويحثهم على التكامل الخلقي واخراج السجايا والمواهب التي اعطاهم إياها الله عز وجل وفطر أنفسهم عليها . إذاً فكلما كان الانسان اكثر تحقيقاً للعبودية لله تعالى ارتقى في سلم الكمال ، وكلما ابتعد عن تحقيق العبودية للباري عز وجل كان اكثر انحداراً في سلم كمال نفسه الانسانية .
إذن فمصير الانسان من سعادة او شقاء في الحياة الدنيا والآخرة يتعلق هذا الأمر بسلوكه الاختياري ومدى عمله وسعيه وراء الارتقاء بالعبودية الحقة لله الواحد الأحد .
وقد بين الله ذلك في كتابة العزيز : { يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود : 105 - 108] .
فالسعادة والفوز هما تعبير آخر عن الكمال ينشد إليه كل انسان في ذاته ، بإعتبار الانسان يمتلك شعور اوعقلا وارادة لأجل تحصيل الكمال الذي يتمثل ويتجسد في السعادة والفوز والعمل لغير هذه الغاية يكون شيء من العبث واللهو .
وكان كذلك الامام علي (عليه السلام) يؤمن بأنه لابد للإنسان ان يحرر قلبه وضرورة عبودية الواحد الأحد وهذا شرط اساسي لنيل الكمال المعنوي وتنضيج الشخصية الحقيقية للإنسان .
وجاء في احد رسائل أمير المؤمنين (عليه السلام) انه اشار الى معنى التكامل الانساني :
(لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا ) (1) .
ويعني (عليه السلام) ان الانسان يمتلك الحرية في الوصول لمقام العبودية لله تكريماً منه لعظمة الخلقة التي هو عليها والآدمية التي وجد فيها التي تعطي العظمة الإلهية في خلقه وتفضيله على باقي الخلائق بحيث لا يسمح لنفسه ان يكون عبدا لغير الله تعالى .
وهذه الحرية لابد ان تكون ممنهجة وفيها وعي وتربية فهي لا تأتي من العدم ، ولابد من استثمارها بشكلها الصحيح واتباع الخطوات الصحيحة في تحصيل الكمال الإنساني .
وقد اشار الامام علي في نهج البلاغة الى ذلك بقوله :
(وأيم الله يميناً أستثني فيها بمشيئة الله لأروضن نفسي رياضة تهش معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما ، وتقنع بالملح مأدوما ، ولأدعن مقلتي كعين ماء نضب معينها مستفرغة دموعها .
أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك ، وتشبع الربيضة من عِشبها فتربض
ويأكل علي من زاده فيهجع ؟ .
قُرَّتْ إذاً عينه إذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة والسائمة المرعية ؟
طوبى لنفس أدت إلى ربها فرضها ، وعركت بجنبها بؤسها .
وهجرت في الليل غمضها حتى إذا غلب الكرى (النوم) عليها افترشت أرضها وتوسدت كفها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم ، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم .
وهمهمت بذكر ربهم شفاههم وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون) (2) .
_________________________
1- انظر/ نهج البلاغة ، ص401.
2- انظر / نهج البلاغة / ج3 / ص75.
اعضاء معجبون بهذا
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin