الحب الإلهي هبة من الله لأحبابه، وعبور ناجح إلي مرضاته، وسلم لمعراج قدسه، وروح وريحان، ونور مشع يهدي القلب الحيران، إنه وضاءة وطهارة، وسلم وسلام، وأمن دائم وأمان، وهدي وتقي وعرفان، ووصال واتصال، ورضا وإقبال، وسكينة واطمئنان، ورحمة وحنان لقلب يحتمي في حمي الرحمن «ولمن خاف مقام ربه جنتان» (الرحمن: ٤٦)» جنة في الدنيا، وهي جنة الأنس بجمال الله وجلاله، فصاحبها دائماً نشوان، وبذكر حبيبه هيمان، وبعشقه سكران، وأرقي ما في الدنيا: هذه الجنة الخاصة لأهل الصفاء والنقاء في دار البقاء.
وجنة في الآخرة، وهي جنة النعيم والخلود الدائم في دار البقاء، وأرقي ما فيها النظر إلي وجه الله الكريم.
أما حب النبي، صلي الله عليه وآله وسلم، فهو فريضة حتمية، ولا يكمل إيمان المرء إلا به، قال الله تعالي: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم» (آل عمران: ٣١).
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من ولده ووالديه والناس أجمعين» فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من ولدي ووالدي والناس أجمعين إلا نفسي، فقال له صلي الله عليه وسلم: «لا يكمل إيمانك يا عمر حتي أكون أحب إليك من نفسك التي بين جنبيك».
فقال عمر رضي الله عنه: والذي بعثك بالحق نبياً يا رسول الله لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي، فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «الآن كمل إيمانك يا عمر».
الحب هو روح الإيمان، فلا يتصور إسلام ولا إيمان بغير الحب، فلقد جاء حرملة بن يزيد فقال: يا رسول الله الإيمان ها هنا، وأشار إلي لسانه، والنفاق ها هنا وأشار إلي صدره، ولا نذكر الله إلا قليلاً، فسكت عنه صلي الله عليه وآله وسلم، فردد حرملة ذلك، فأخذ صلي الله عليه وآله وسلم بطرف لسان حرملة فقال: «اللهم اجعل له لساناً صادقاً وقلباً شاكراً، وارزقه حبي وحب من يحبني، وصير أمره إلي الخير».
فقال حرملة: يا رسول الله، إن لي إخواناً منافقين كنت فيهم رأساً، ألا أدلك عليهم؟ فقال صلي الله عليه وآله وسلم: «من جاءنا كما جئتنا استغفرنا له كما استغفرنا لك، ومن أصر علي دينه فالله أولي به، ولا نخرق علي أحد ستراً».
رواه الطبراني في الكبير
ويري العلماء المحققون من أهل السنة والجماعة استناداً إلي الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الثابتة الصحيحة: وجوب حب آل البيت علي كل مسلم ومسلمة.
حتي ابن تيمية الذي لعلماء التصوف تحفظات علي آرائه التي خالف فيها إجماع الأمة في أخريات حياته فإنه يوجب حب آل البيت، فيقول: ثبت في حديث صحيح أنه لما نزل قوله تعالي: «إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما» (اللأحزاب: ٥٦) سأل الصحابة: كيف يصلون عليه؟
فقال صلي الله عليه وسلم: «قولوا اللهم صل علي محمد وآله وأزواجه وذريته» وقد استنبط رحمه الله من قوله صلي الله عليه وسلم: «إن الله اصطفي كنانة من ولد إسماعيل، واصطفي من كنانة قريشاً، واصطفي من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» أن آل البيت من أفضل الخلق، فلا ريب أن أعمالهم أفضل الأعمال، وبذلك يكون حب آل البيت فريضة للأحاديث الكثيرة الثابتة في ذلك.
كل من وافاه الله بحظ من الفهم والتذوق لنصوص الإسلام من آيات قرآنية وأحاديث نبوية، ليعلم علم اليقين أن الإسلام دين الحب، وأن المؤمن لا يجد حلاوة الإيمان إلا إذا أحس حرارة الحب ونشوة توجه القلب إلي مولاه، يقول الله سبحانه وتعالي: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم» (آل عمران: ٣١)
وأثبت القرآن الكريم أن حب الله هو أساس سعادة الوجود، وهو لا يتحقق إلا بحب النبي صلي الله عليه وسلم، الذي يتطلب اتباعه والاقتداء به صلي الله عليه وآله وسلم بما يترتب عليه حب الله تعالي للعبد بإيصال الخير له ومغفرة الذنوب السابقة ورضوان من الله أكبر.
وفي السنة المحمدية أحاديث كثيرة في الصحاح، كلها يدعو إلي الحب في جميع روافده: حب الله تعالي، وحب الرسول صلي الله عليه وسلم، وحب الصالحين الذي لا يشوبه غرض ولا مصلحة وإنما حب في ذات الله تعالي، وذلك ما يحقق المذاق الإيماني والشفافية الروحية التي يحتاجها المجتمع المسلم الآن بعد سيطرة المادة والشهوات علي معظم القلوب بما ترتب عليه الضياع النفسي والتردي في مهاوي العقد النفسية والأمراض العصرية الجامحة.
ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلي الكفر كما يكره أن يقذف في النار». بل إن ديننا الإسلامي يأمرنا بالحب أمراً إيجابياً ويحثنا عليه لأنه روح الحياة وقوتها الدافعة وترجمان السعادة الحقة عاجلاً وآجلاً.
فالحياة دون حب جحيم لا يطاق، وشقاء أبدي وانتكاسة إلي الحسرات والويلات والهلاك والثبور: «... وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون» (النحل: ٣٣).
فعلي المسلم العاقل أن يستجيب لدعوة الإسلام إلي الحب الذي هو إكسير كل سعادة، إذ يقول الرسول صلي الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة، وأحبوني لحب الله إياي وأحبوا آل بيتي لحبي».
وكان الرسول صلي الله عليه وسلم المثل الأعلي في حبه لربه ولآل بيته وصحابته وأمته فآية حبه صلي الله عليه وسلم كثرة ذكره له في جميع الأوقات والأحوال، ومن أحب أحداً أحب أن يذكره دائماً، وكذلك طاعته لربه دائماً فلقد ظل يتهجد لربه حتي تورمت قدماه الشريفتان، ولا ننسي كفاحه وجهاده صلي الله عليه وسلم في سبيل دعوة ربه، ومن حبه صلي الله عليه وسلم لآل بيته قوله عليه الصلاة والسلام لعلي وفاطمة والحسن والحسين: «أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم»: رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد في «المسند» والحاكم في «المستدرك».
خلق الله تعالي الإنسان ليؤدي رسالته من منطلق الحب والبشر والسرور، لأن أساس وجوده في هذا الكون هو المعرفة، والمعرفة لا تتأتي إلا بالحب، والحب لا يتحقق إلا بتضحية المحب وترضية محبوبه.
قال الله سبحانه: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» (الذاريات: ٥٦) أي إلا ليعرفون، والمعرفة: عبادية ومذاقية، أي تعني القرب من المعبود أي المحبوب، والمعرفة هي: نفس القرب، والقرب هو: ما أخذ القلب وأثر فيه أثراً يظهر علي الجوارح ويهز المشاعر.
وللحب روافد يستقي منها:
والحب الذي نرنو إليه هو: حب العبد لربه، ذلك الحب الذي يكون نعمة النعم لهذا العبد، لا يعرفها إلا من يتذوقها.
وحب الله لعبد من عباده هو الأصل، والأساس الذي يعجز أي بيان مهما كان عن تصور عظمته وجلاله وجماله، إذ إنه وميض ونفح رباني، وتجل أذلي، ومن إعجاز القرآن العظيم أن يذكر الله سبحانه الحبين في لفظتين اثنتين هما: «يحبهم ويحبونه»، فقد سبق حب الله تعالي حب العبد، فلولا هذا السبق الأزلي ما أحب هذا العبد ربه.
وكثير من الناس في هذه الأيام محرومون من نعمة هذا الحب، لانشغال قلوبهم بمحبة أشياء دنيوية أو امتلاء قلوبهم بالأغيار، مثل العداء القلبي والغيرة والحقد والحسد والطمع والجشع والأثرة والأنانية والرياء وحب التظاهر والفخر والمباهاة وإعجاب المرء بنفسه وسوء الظن بالمسلمين والبخل والشح والخداع والغش والوساوس والهواجس الشيطانية والنزعات العدوانية وحب الضرر للمسلمين والفتنة والوقيعة والكبر والغرور والشماتة بالأعداء، وما شاكل ذلك من مدمني المعاصي.
كالفحش والعربدة وتناول المسكرات والمخدرات والسرقة والنهب وأكل الحرام والغيبة والنميمة وفساد الطوية وحب الجدل وسوء النية والتلصص علي عورات الناس، والكشف عن مساوئهم، واختراع المساوئ للناس، والقدح في أعراضهم، وترك فرائض الصلاة، والإفطار دون عذر في رمضان، ومنع الزكاة، وترك أداء الحج مع الاستطاعة وما إلي ذلك من المحرمات التي تظلم القلب وتقسيه وتكون بمثابة أغلفة وأحجبة عليه.
كحجاب الران مثلاً، فقد قال صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إذا أذنب العبد ذنباً نكتت نكتة سوداء في قلبه، فإذا لم يتب وأتبعه بذنب آخر اتسعت النكتة، وهكذا كلما عاود الذنب حتي تغطي القلب كله فذلكم الران الذي قال الله فيه: «كلا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون» (المطففين: ١٤)
أخرج الشيخان عن ابن مسعود رضي الله تعالي عنه قال: قال رجل للنبي صلي الله عليه وسلم: «يا رسول الله، كيف تري في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟» فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «المرء مع من أحب».
وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم.. «من تشبه بقوم فهو منهم».
*هل حب الشيخ حرام أو كفر كما يدعي البعض؟
ـ إن الحب في الله من أعظم القربات التي يدعو إليها الإسلام ويحث عليها، لأن القلب الذي يعرف الحب لا يعرف البغض ولا الحقد ولا الحسد ولا الفتن ولا الإحن. وتلك أمور خطيرة علي إسلام المرء، نهي الإسلام عنها بأشد النكير.
إذن فالحب في الله تعالي ضرورة إسلامية تدعو إليها حاجة قلب المسلم إلي الصفاء والنقاء الذي أوجبه دين الله، والذي لن نستفيد من الدنيا بما حوت إلا وجوده معنا يوم أن نلقي الله تعالي، قال سبحانه: «يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم» ( الشعراء: ٨٨،٨٩)، فالقلب السليم الصافي النقي هو الأساس في إيمان المرء وفي قبول عمله الصالح وفي رضاء الله عنه، وهذا الصفاء لا يأتي إلا من الحب الإلهي.
والذي يحقق ذلك أولاً: حب الولي، وخصوصاً من نتعلم علي يديه دروس الحب عملياً من أهل الصلة بالله تعالي، وقد قال صلي الله عليه وسلم: «من أحب قوماً حشر معهم».
ومما لا شك فيه أن كل مسلم يعتقد اعتقاداً جازماً فيه أن الأصل في الاستعانة والاستغاثة والطلب والنداء والسؤال هو: أن يكون لله سبحانه وتعالي فهو المعين والمغيث والمجيب، يقول الله عز وجل: «وقال ربكم ادعوني استجب لكم..» ( غافر ٦٠) فمن استعان بمخلوق أو استغاث به أو ناداه أو سأله أو طلبه، سواء أكان حياً أم ميتاً، معتقداً أنه لا ينفع ولا يضر بنفسه استقلالاً، لكنه مجرد سبب فقط بل الفاعل المؤثر الخالق الرازق المحيي المميت هو «الله» وحده، فلا شيء عليه ولا إثم.
فالله تعالي أجاز للخلق أن يستعين بعضهم ببعض، وأن يغيث كل منهم من احتاج إلي الغوث، والأحاديث في ذلك كثيرة والآيات القرآنية، فقد قال الله تعالي: «وتعاونوا علي البر والتقوي» (المائدة: ٢) وقال صلي الله عليه وسلم» «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
ومن يسر علي مُعسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه». وقد جعل الرسول صلي الله عليه وسلم من السبعة الذين يستظلون تحت عرش الرحمن من أنظر معسراً ومن أغاث ملهوفاً.
وكان الصحابة يستغيثون به، صلي الله عليه وسلم، ويطلبون منه الشفاعة، ويشكون حالهم إليه من الفقر والمرض والبلاء، والدين والعجز، ويفزعون إليه عند الشدائد ويطلبون منه ويسألونه معتقدين أنه ليس إلا سببا في النفع والضرر، وإن كان الفاعل حقيقه هو الله.
فهذا قتادة يستغيث به لإصلاح عينه، فلقد ثبت أن قتادة بن النعمان أصيبت عينه، فسالت حدقته علي وجنته فأرادوا أن يقطعوها، فقال: لا، حتي أستأمر رسول الله صلي الله عليه وسلم.. فاستأمره ـ استأذنه ـ فقال: «لا ثم، وضع راحته علي حدقته ثم غمزها فعادت كما كانت فكانت أصح عينيه» رواه البغوي وأبو يعلي، وأخرجه الدارقطني وابن شاهين والبيهقي في دلائل النبوة، ونقله الحافظ ابن حجر في الإصابة ج٣ ص٢٢٥، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ج٤ ص٢٩٧ والسيوطي في الخصائص.
اللهم صل علي سيدنا محمد وآل سيدنا محمد عدد ما في علم الله
صلاة دائمة بدوام ملك الله.
وفي النهاية لكم مني صادق الدعاء، والحشر مع سيدنا رسول الله وآل بيته الكرام.
وكل عام وأنتم بخير
وجنة في الآخرة، وهي جنة النعيم والخلود الدائم في دار البقاء، وأرقي ما فيها النظر إلي وجه الله الكريم.
أما حب النبي، صلي الله عليه وآله وسلم، فهو فريضة حتمية، ولا يكمل إيمان المرء إلا به، قال الله تعالي: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم» (آل عمران: ٣١).
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من ولده ووالديه والناس أجمعين» فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من ولدي ووالدي والناس أجمعين إلا نفسي، فقال له صلي الله عليه وسلم: «لا يكمل إيمانك يا عمر حتي أكون أحب إليك من نفسك التي بين جنبيك».
فقال عمر رضي الله عنه: والذي بعثك بالحق نبياً يا رسول الله لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي، فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: «الآن كمل إيمانك يا عمر».
الحب هو روح الإيمان، فلا يتصور إسلام ولا إيمان بغير الحب، فلقد جاء حرملة بن يزيد فقال: يا رسول الله الإيمان ها هنا، وأشار إلي لسانه، والنفاق ها هنا وأشار إلي صدره، ولا نذكر الله إلا قليلاً، فسكت عنه صلي الله عليه وآله وسلم، فردد حرملة ذلك، فأخذ صلي الله عليه وآله وسلم بطرف لسان حرملة فقال: «اللهم اجعل له لساناً صادقاً وقلباً شاكراً، وارزقه حبي وحب من يحبني، وصير أمره إلي الخير».
فقال حرملة: يا رسول الله، إن لي إخواناً منافقين كنت فيهم رأساً، ألا أدلك عليهم؟ فقال صلي الله عليه وآله وسلم: «من جاءنا كما جئتنا استغفرنا له كما استغفرنا لك، ومن أصر علي دينه فالله أولي به، ولا نخرق علي أحد ستراً».
رواه الطبراني في الكبير
ويري العلماء المحققون من أهل السنة والجماعة استناداً إلي الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الثابتة الصحيحة: وجوب حب آل البيت علي كل مسلم ومسلمة.
حتي ابن تيمية الذي لعلماء التصوف تحفظات علي آرائه التي خالف فيها إجماع الأمة في أخريات حياته فإنه يوجب حب آل البيت، فيقول: ثبت في حديث صحيح أنه لما نزل قوله تعالي: «إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما» (اللأحزاب: ٥٦) سأل الصحابة: كيف يصلون عليه؟
فقال صلي الله عليه وسلم: «قولوا اللهم صل علي محمد وآله وأزواجه وذريته» وقد استنبط رحمه الله من قوله صلي الله عليه وسلم: «إن الله اصطفي كنانة من ولد إسماعيل، واصطفي من كنانة قريشاً، واصطفي من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» أن آل البيت من أفضل الخلق، فلا ريب أن أعمالهم أفضل الأعمال، وبذلك يكون حب آل البيت فريضة للأحاديث الكثيرة الثابتة في ذلك.
كل من وافاه الله بحظ من الفهم والتذوق لنصوص الإسلام من آيات قرآنية وأحاديث نبوية، ليعلم علم اليقين أن الإسلام دين الحب، وأن المؤمن لا يجد حلاوة الإيمان إلا إذا أحس حرارة الحب ونشوة توجه القلب إلي مولاه، يقول الله سبحانه وتعالي: «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم» (آل عمران: ٣١)
وأثبت القرآن الكريم أن حب الله هو أساس سعادة الوجود، وهو لا يتحقق إلا بحب النبي صلي الله عليه وسلم، الذي يتطلب اتباعه والاقتداء به صلي الله عليه وآله وسلم بما يترتب عليه حب الله تعالي للعبد بإيصال الخير له ومغفرة الذنوب السابقة ورضوان من الله أكبر.
وفي السنة المحمدية أحاديث كثيرة في الصحاح، كلها يدعو إلي الحب في جميع روافده: حب الله تعالي، وحب الرسول صلي الله عليه وسلم، وحب الصالحين الذي لا يشوبه غرض ولا مصلحة وإنما حب في ذات الله تعالي، وذلك ما يحقق المذاق الإيماني والشفافية الروحية التي يحتاجها المجتمع المسلم الآن بعد سيطرة المادة والشهوات علي معظم القلوب بما ترتب عليه الضياع النفسي والتردي في مهاوي العقد النفسية والأمراض العصرية الجامحة.
ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلي الكفر كما يكره أن يقذف في النار». بل إن ديننا الإسلامي يأمرنا بالحب أمراً إيجابياً ويحثنا عليه لأنه روح الحياة وقوتها الدافعة وترجمان السعادة الحقة عاجلاً وآجلاً.
فالحياة دون حب جحيم لا يطاق، وشقاء أبدي وانتكاسة إلي الحسرات والويلات والهلاك والثبور: «... وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون» (النحل: ٣٣).
فعلي المسلم العاقل أن يستجيب لدعوة الإسلام إلي الحب الذي هو إكسير كل سعادة، إذ يقول الرسول صلي الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة، وأحبوني لحب الله إياي وأحبوا آل بيتي لحبي».
وكان الرسول صلي الله عليه وسلم المثل الأعلي في حبه لربه ولآل بيته وصحابته وأمته فآية حبه صلي الله عليه وسلم كثرة ذكره له في جميع الأوقات والأحوال، ومن أحب أحداً أحب أن يذكره دائماً، وكذلك طاعته لربه دائماً فلقد ظل يتهجد لربه حتي تورمت قدماه الشريفتان، ولا ننسي كفاحه وجهاده صلي الله عليه وسلم في سبيل دعوة ربه، ومن حبه صلي الله عليه وسلم لآل بيته قوله عليه الصلاة والسلام لعلي وفاطمة والحسن والحسين: «أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم»: رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد في «المسند» والحاكم في «المستدرك».
خلق الله تعالي الإنسان ليؤدي رسالته من منطلق الحب والبشر والسرور، لأن أساس وجوده في هذا الكون هو المعرفة، والمعرفة لا تتأتي إلا بالحب، والحب لا يتحقق إلا بتضحية المحب وترضية محبوبه.
قال الله سبحانه: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» (الذاريات: ٥٦) أي إلا ليعرفون، والمعرفة: عبادية ومذاقية، أي تعني القرب من المعبود أي المحبوب، والمعرفة هي: نفس القرب، والقرب هو: ما أخذ القلب وأثر فيه أثراً يظهر علي الجوارح ويهز المشاعر.
وللحب روافد يستقي منها:
والحب الذي نرنو إليه هو: حب العبد لربه، ذلك الحب الذي يكون نعمة النعم لهذا العبد، لا يعرفها إلا من يتذوقها.
وحب الله لعبد من عباده هو الأصل، والأساس الذي يعجز أي بيان مهما كان عن تصور عظمته وجلاله وجماله، إذ إنه وميض ونفح رباني، وتجل أذلي، ومن إعجاز القرآن العظيم أن يذكر الله سبحانه الحبين في لفظتين اثنتين هما: «يحبهم ويحبونه»، فقد سبق حب الله تعالي حب العبد، فلولا هذا السبق الأزلي ما أحب هذا العبد ربه.
وكثير من الناس في هذه الأيام محرومون من نعمة هذا الحب، لانشغال قلوبهم بمحبة أشياء دنيوية أو امتلاء قلوبهم بالأغيار، مثل العداء القلبي والغيرة والحقد والحسد والطمع والجشع والأثرة والأنانية والرياء وحب التظاهر والفخر والمباهاة وإعجاب المرء بنفسه وسوء الظن بالمسلمين والبخل والشح والخداع والغش والوساوس والهواجس الشيطانية والنزعات العدوانية وحب الضرر للمسلمين والفتنة والوقيعة والكبر والغرور والشماتة بالأعداء، وما شاكل ذلك من مدمني المعاصي.
كالفحش والعربدة وتناول المسكرات والمخدرات والسرقة والنهب وأكل الحرام والغيبة والنميمة وفساد الطوية وحب الجدل وسوء النية والتلصص علي عورات الناس، والكشف عن مساوئهم، واختراع المساوئ للناس، والقدح في أعراضهم، وترك فرائض الصلاة، والإفطار دون عذر في رمضان، ومنع الزكاة، وترك أداء الحج مع الاستطاعة وما إلي ذلك من المحرمات التي تظلم القلب وتقسيه وتكون بمثابة أغلفة وأحجبة عليه.
كحجاب الران مثلاً، فقد قال صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إذا أذنب العبد ذنباً نكتت نكتة سوداء في قلبه، فإذا لم يتب وأتبعه بذنب آخر اتسعت النكتة، وهكذا كلما عاود الذنب حتي تغطي القلب كله فذلكم الران الذي قال الله فيه: «كلا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون» (المطففين: ١٤)
أخرج الشيخان عن ابن مسعود رضي الله تعالي عنه قال: قال رجل للنبي صلي الله عليه وسلم: «يا رسول الله، كيف تري في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟» فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «المرء مع من أحب».
وأخرج الطبراني في الأوسط بإسناد حسن عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم.. «من تشبه بقوم فهو منهم».
*هل حب الشيخ حرام أو كفر كما يدعي البعض؟
ـ إن الحب في الله من أعظم القربات التي يدعو إليها الإسلام ويحث عليها، لأن القلب الذي يعرف الحب لا يعرف البغض ولا الحقد ولا الحسد ولا الفتن ولا الإحن. وتلك أمور خطيرة علي إسلام المرء، نهي الإسلام عنها بأشد النكير.
إذن فالحب في الله تعالي ضرورة إسلامية تدعو إليها حاجة قلب المسلم إلي الصفاء والنقاء الذي أوجبه دين الله، والذي لن نستفيد من الدنيا بما حوت إلا وجوده معنا يوم أن نلقي الله تعالي، قال سبحانه: «يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم» ( الشعراء: ٨٨،٨٩)، فالقلب السليم الصافي النقي هو الأساس في إيمان المرء وفي قبول عمله الصالح وفي رضاء الله عنه، وهذا الصفاء لا يأتي إلا من الحب الإلهي.
والذي يحقق ذلك أولاً: حب الولي، وخصوصاً من نتعلم علي يديه دروس الحب عملياً من أهل الصلة بالله تعالي، وقد قال صلي الله عليه وسلم: «من أحب قوماً حشر معهم».
ومما لا شك فيه أن كل مسلم يعتقد اعتقاداً جازماً فيه أن الأصل في الاستعانة والاستغاثة والطلب والنداء والسؤال هو: أن يكون لله سبحانه وتعالي فهو المعين والمغيث والمجيب، يقول الله عز وجل: «وقال ربكم ادعوني استجب لكم..» ( غافر ٦٠) فمن استعان بمخلوق أو استغاث به أو ناداه أو سأله أو طلبه، سواء أكان حياً أم ميتاً، معتقداً أنه لا ينفع ولا يضر بنفسه استقلالاً، لكنه مجرد سبب فقط بل الفاعل المؤثر الخالق الرازق المحيي المميت هو «الله» وحده، فلا شيء عليه ولا إثم.
فالله تعالي أجاز للخلق أن يستعين بعضهم ببعض، وأن يغيث كل منهم من احتاج إلي الغوث، والأحاديث في ذلك كثيرة والآيات القرآنية، فقد قال الله تعالي: «وتعاونوا علي البر والتقوي» (المائدة: ٢) وقال صلي الله عليه وسلم» «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
ومن يسر علي مُعسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه». وقد جعل الرسول صلي الله عليه وسلم من السبعة الذين يستظلون تحت عرش الرحمن من أنظر معسراً ومن أغاث ملهوفاً.
وكان الصحابة يستغيثون به، صلي الله عليه وسلم، ويطلبون منه الشفاعة، ويشكون حالهم إليه من الفقر والمرض والبلاء، والدين والعجز، ويفزعون إليه عند الشدائد ويطلبون منه ويسألونه معتقدين أنه ليس إلا سببا في النفع والضرر، وإن كان الفاعل حقيقه هو الله.
فهذا قتادة يستغيث به لإصلاح عينه، فلقد ثبت أن قتادة بن النعمان أصيبت عينه، فسالت حدقته علي وجنته فأرادوا أن يقطعوها، فقال: لا، حتي أستأمر رسول الله صلي الله عليه وسلم.. فاستأمره ـ استأذنه ـ فقال: «لا ثم، وضع راحته علي حدقته ثم غمزها فعادت كما كانت فكانت أصح عينيه» رواه البغوي وأبو يعلي، وأخرجه الدارقطني وابن شاهين والبيهقي في دلائل النبوة، ونقله الحافظ ابن حجر في الإصابة ج٣ ص٢٢٥، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ج٤ ص٢٩٧ والسيوطي في الخصائص.
اللهم صل علي سيدنا محمد وآل سيدنا محمد عدد ما في علم الله
صلاة دائمة بدوام ملك الله.
وفي النهاية لكم مني صادق الدعاء، والحشر مع سيدنا رسول الله وآل بيته الكرام.
وكل عام وأنتم بخير
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin