أيّ خطر يخطر وأيّ ضرر يُنتظر وأيّ نص يُعطّل بما زعمتم أنّها إحدى الكبر
إذا اعتقدنا أنّ صلاة الفاتح ليست من كلام البشر وأنّ البكري أُلْهِمَهَا على حدّ موافقات عمر
وإذا قلنا ببقاء وحي الإلهام دون التشريع وعمومه فبماذا تنكرون
فهل تَلَوْتُم آية في الكتاب المجيد أم هل رَوَيْتُم حديثا في صحيح الأسانيد
أم هل سمعتم قولا لِمَن يُعْتدُّ به في التقليد أنّ الكلام الإلهي لا يسمعه من دون الأنبياء من العبيد
فَوَحَق وَحْيٍ جاء إلى أمِّ موسى إنكم لا تجدون
ولئن تعلّقتم من آية الأنعام 1 بسببٍ وَاه وظننتم بها لدعواكم الإتجاه
فقد خالفكم الحق وحالفكم الإشتباه ولو تأمّلتم لانتبهتم وأنّى للمُغرِض انتباه
إذ محط الذم جملة الحال ودعوى المماثلة في الإنزال لو كنتم تعقلون
ولنا أنّ بلوغ الكلام القديم للبشَرِ على ثلاثة أنحاء بِوَحْي أو من وراء حجاب أو يرسِل رسولا فيوحي بإذْنِهِ ما يشاء2
ونَجِدُ في كتاب الله ثبوت ذلك لغير الأنبياء فقد أَوْحَى اللهُ إلى أمّ موسى 3 وأرسل رسولا للعذراء4
وجاء في السُّنّة أن الأمة فيها محدثون5
وما التحديث إلاّ سَمَاُع الكلام القديم الذي أنكرتم وبه فُسِّرَتْ موافقة الفاروق للتنزيل كما علمتم
فإن قُلْتُمْ ما بلغ أم الكليم وأم المسيح كلام الله فقد أقررتم وانتقض حصر ذلك في الأنبياء كما زعمتم
وإنْ أصررتم على الإنكار فأنتم مكابرون
وأيضا فمِنَ المعلوم أنّ الملائكة عليهم السلام هُمُ السفراء في تبليغ الكلام القديم للأفهام
وأثبتَتْ آية فصلت 6 تَنَزُّلَهُم بالبشارة على منِ استقام وقرّرَ المفسرون انقطاع وحي التشريع وبقاء وحي الإلهام
وهاؤم اقرأوا كلامهم إن كنتم تمترون7
إذْ اثبت وقوع الوحي لغير الأنبياء لا تشريعا بل للتّكريم8 وأثبت الكتاب أن الوحي من طرق بلوغ الكلام القديم
وأخبر بوقوع هذا الجائز عَدْلٌ كالإمام التجاني وقوبل بالتسليم فلماذا يستند النافي وللمثبت التقديم
لقد جئناكم بالحق ولكنّ أكثركم للحق كارهون
وشرط اعتقاد ذلك في تحصيل فضلها لمن نوى معقول لِلُزوم تصديق الرّاوي في جملة ما روى
والراوية شملت فضلها ونسبتها للكلام القديم على السوا لذلك كان الأخذ بأحدهما وإطراح الآخر تحكيم للهوى
ويستلزم تكذيب المأخوذ به إذ هو رواية مطعون
إن بقي لكم مطعن في هذا الموضوع باديا تحسبونه في تشبيهها بالقرآن والحال أنها دونه9
فما لكم من حق في ذلك تعتمدونه إذ ليس التشبيه تامّا كما تظنونه
وما هو إلاّ في النسبة لا في الفضل والإعجاز فما لكم كيف تحكمون
وإن أشكل ما نقل من معادلتها بالقرآن فسَنُبَيِّنه بأنّ ذلك إنما هو في حق من لا يحسنه
بدليل أنّ الشيخ 10 شدّد الوصية به على من يتقنه وللتالي حال وآداب ورُبَّ قارئ والقرآن يلعنه
فَلأَِمْثَالِ هؤلاء طريق صلاة الفاتح مأمون
هذا وأما نيل شيخنا رضي الله عنه أربعين من مقامات الأنبياء فلا ينكره أو يكبره إلاّ من هوى في أسفل دركات الأغبياء
وصادم صريح " وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء " وغفل عن براهين الجواز والوقوع الساطعة الضياء
ونسي أنّ عموم الأمة أوتوا ما لم يؤت المرسلون
فضلا عن كونهم ساووهم في بعض المقامات فكانوا شهداء على الأمم مثل الرسل في الميقات11
وبِأيّها12 خاطبهم ربهم مثل الرسل في قوله كُلُوا من الطيبات وثبتت الرفقة 13 والمعية 14 لأهل الطاعة والمحبة بالسُّنَّة والآيات
ونالوا من الخصائص الخمس 15 ما لم ينل موسى وهارون
فإن أنكرتم أصل نيل غير الأنبياء بعضا من مقاماتهم كذّبتم الشواهد وإن كان محطّ الإنكارعدد الأربعين فما له من قواعد
وإن ارتبتم صدق الخبر فإنه يثبت بعدل واحد وإن زعمتم إفضاء ذلك إلى التسوية بين المقامين فالزعم فاسد
وإن أصررتم على المعارضة فإنّا عن اللغو معرضون
وأما مسألة نصب المنبر والتنويه بشيخنا رضي الله عنه يوم المحشر
والنداء بأنه المُمِدّ الأكبر فما لها من منكر إلا من تسرع للمنكر
فاحْث في وجوههم تاليا " أم يحسدون "16
إن كان أصل المسألة عَسر على أفهامهم فليقرأوا إن شاءوا " يوم ندعو كل أناس بإمامهم "17
وجاءت السنة بنصب المنابر للمتقين تنويها بمقامهم وإن كان ثبوت ذلك للشيخ رضي الله عنه هو مثار قيامهم
فهو إمام 18 للمتقين 19 وإن رغم الجاحدون
ولقد أثبت الشيخ الأكبر سليل حاتم20 تلك المناقب الشم لِمُحْرِزِ مقام الخاتم
فلما نال شيخنا ذاك المقام غير مزاحم كان مصداقا لتلك المواهب والمراحم
أفعجبتم أن يؤتي الله عبده بعض فضله أم ماذا تنكرون
وإن كان الإنكار للمصطلحات من الإمداد والفيض فإنه بين القوم أمر مستفيض
ولهم فيه الكلام الطويل العريض وهم الذين رفعوا قواعد قضاياهم فما ثبت لها من نقيض
ونبحتهم شذاذ في مختلف العصور لم يفهموا ما يقولون
فماذا نقمتم فيما سمعتم وأيّ أصل من الدين يصادم ما أنكرتم
وبأيّ كتاب أم بأية سُنّة حكمتم أم دور من قبلكم مع الغزالي أعدتم
حيث أفتوا بحرق الإحياء وجئتم على آثارهم تهرعون
ألا وإنّ من دون هؤلاء فريقا أضلوا السبيل وزعموا أن الولي يقول ما يخالف الشرع خطا أو نحو من هذا القبيل
وأفاموا على ذلك من نفي العصمة أَوْهَى دليل أفَهَلْ يسري ذلك إلى روّاة الحديث وأئمّة التأويل
فترتفع الثقة بما يقولون وما ينقلون
ألم يَدْرِ الغمر داعية الضلالة أن العصمة لا تطلب في قبول المقالة
وإنما نصاب قبُولِها التثبّت والعدالة وأن الولي وإن لم يكن معصوما فهو محفوظ لا محالة
وصرّح الفقهاء أن الأولياء لا تنقض الغيبوبة وضوءهم لأنّهم محفوظون
على أنك تراهم سراعا إلى التخطئة إذا حكم نظرهم بأنّ الكلام غير مستقيم وكم عائب قولا صحيحا وآفته الفهم السقيم
فإن تعلم ففوق كل ذي علم عليم وإن لم تر الهلال فانزع إلى التسليم
ولا تنازع من هم له مبصرون
ربنا إنّا نعوذ بك أن نعادي من واليتَ أو أن نَمَسَّ كرامة من أعْليت
فلا تجعلنا اللهم ممن لهم أمليت الساخرين بمن اصطفيت من عبـادك وتولّيْتَ
واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنّا إليك راغبون
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم :
وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إنّ الشيطان ينزغ بينهم إنّ الشيطان كان للإنسان عدوّاً مبيناً ، صدق الله قوله ووعده ، وبفضله وقفنا عند ما حدّه لمّا نزغ الشيطان بيننا وبين إخوتنا من أبناء المِلّة ، وبُنَاة صفوفنا ، وُجَّاه القبلة الذين نقاسمهم الإيمان بالغيب ، والتصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله بلا ريب ، إذ أوْجَسُوا خيفة علينا من المروق ، فراموا النصح ولكن قلبوه إلى عقوق ، وشرعوا نحونا أسِنَّة الأقلام حدادا ، واستمدوا من سواد الظلم مدادا ، وغضبوا غضبة يحتسبون فبها عظيم الأجر ، فاللهم ربنا علمت حسن نياتهم فكفِّر عنهم ما اكتسبوا بذلك من الوزر ، واشرح صدورهم للرشد ، ونَقِّهَا من الغِلّ والحقد لمن لم ينقض إيمانا ، ولم ينكث أيمانا ، ولم يبسط لهم بالسوء لسانا ، ولم يُسَمِّهِم ظلما ولا عدوانا ، وما نقموا منهم إلا أن اختاروا للاقتداء إماما ، يعرفون نَسَبَه ودينه وصِدقَه وأمانته وفضله ، يأمر باتّباع الشرع ، ويحضّ على مكارم الأخلاق ، وينهى عما نهى الله عنه ، ويجمع الناس على ذكر ربّهم ويجعلهم من المتحابين فيه ، ويبشرهم ببشارات يتسع فضل الله لأضعافها ، ويحذرهم من نكث العهد ولبس حلة الأمان من مكر الله . نُشِر أمره في عاصمة من عواصم العلم والسلطان حيث الشرع قائم ، والحدود غير معطلة ، والناس على دينهم أشحّ ممّن نرى . فما كان من أولئك السابقين إلا الإعتراف بفضله ، والإغتراف من وبله ، وما كان من خلفهم إلا اقتفاء آثار ذلك السلف ، حتى لم يمض يوم إلا وأصحابه يزيدون ولا ينقصون ، لم ينكث واحد منهم عهده سخطة لطريقه ، ولم ينتقصهم سوى شُذّاذ بغير بيِّنة من ربهم أوسعوهم طعنا بجهالة ، ورموهم بالإبتداع والضلالة ، وشتموهم بضعف العقول والنذالة ، وكل ذلك خارج عن حدود الآداب كما يعقله العالمون . ولو تناجوا بذلك أو تنادوا به فيما بينهم لكان لغطهم ضائع الصدى ، ولكنهم عمدوا إلى رجل عهدناه ذا منزلة بين المحررين والعلماء المتثبتين ، والمستمسكين بآداب وأهداب الدين ، فأغاظوه بما زوّروه حتى غاب عنه الرأي الرشيد وأظلم عليه المنار وجاراهم فيما يأفكون . هناك رأيت أنّ السكوت لم يعُد من ذهب ، وأن حق النصيحة قد وجب ، فكاتبت الأستاذ السيد محمد رشيد رضا منشئ مجلة " المنار " الإسلامي بالمكتوب الموالي ، ولا رجاء لي فيه إلا إصلاح ذات البيْن بينه و بين من أساء إليهم ، وتناول من عرضهم بغير حجة تغني عنه يوم ينادَى لا ظلم اليوم ، إذ هو ممن لا يستهان بنسبه وحسبه ، وهو خليق بأن يسمع دعوة الحق فيستجيب ، وما خطر لي أني سطرت ما سطرت بقصد الجدال لعلمي مثلهم أنّ فتح باب الجدال بهذا الأسلوب عقيم الإنتاج . أما الدفاع عن جانب شيخي سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه وأرضاه فأنا أحقر من أن أبرز لميدانه ، وهو أقرب ناصرا وأعز نفرا ، ومن آمن بقوله تعالى : إن الله يدافع عن الذين آمنوا ، قال في هذا المقام حسبنا الله ونعم الوكيل
الإشارة لقوله تعالى : ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ، وهي التي ساقها ناقل اعتراض أهل فاس على الأستاذ النظيفي ، وإن في سوقها في الموضوع لدليلا ناصعا على جهل السائق أو تعمّده المغالطة ، لأن محطّ الذم جملة الحال وهي قوله : ولم يوح إليه شيء . فإذا أرادوا تطبيقا على مسألة الحال يلزمهم إثبات أنّ من جَرَتْ على لسانه صلاة الفاتح لم يوح إليه بها ، ولا يثبت هذا النفي إلاّ بلزوم مستحيل عقلي أو شرعي على ثبوت المنفي ، وقد علمت أنّ الشرع يظاهر العقل على جواز وحي الإلهام ، بل ووقوعه وبقائه لغير الانبياء .
هو صريح قوله تعلى : وماكان لبشر أن يكلمه الله إلاّ وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليّ حكيم
أوحى الله إليها بالأمر والنهي ، والوعد والتبشير ، في آية القصص وأوحينا إلى أمّ موسى الآية
ذكر خطاب الملَك لمريم في سورتها وفي آل عمران بصيغة الجمع ، وفي الأولى صرّح لها جبريل بقوله : كذلك قال ربّكِ هو عليَّ هيّن ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا
في صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم : « إنه كان فيمن قبلكم محدثون وإنْ يكونوا في أمتي فعُمَرُ منهم ».
إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا الآية
في الجزء السابع من تفسير الشهاب الألوسي رحمه الله ، صفحة 542 ، عند الكلام على تفسير قوله تعالى : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلاّ وحيا الآية ، نقل عن الإمام الشعراني ما نصه بحروفه : " واعلم أن حديث الحق للخلق لا يزال أبدا ، غير أن مِنَ الناس من يفهمه حديثا كعمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن ورثه من الأولياء . ومنهم من لا يعرف ذلك ويقول ظهر لي كذا وكذا ، ولا يعرف أن ذلك من حديث الحق سبحانه معه . وكان شيخنا يقول كان عمر من أهل السماع المطلق الذين يحدثهم الله في كل شيء ، ولكن له ألقاب ، وهو أنه إن أجابوه به فهو حديث - أيّ إن وقع الجواب منهم عما ألقيَ إليهم في حال فنائهم عن أنفسهم وشهودهم حضرة الحق جلّ وعلا فهو حديث لانْتِفَاء الغَيْرِبّة - وإن أجابوه بهم فهي محادثة - أيّ إنْ أجابوا الخطاب الإلهي بلسان العبودية فهي محادثة بين العبد وربه -وإنْ سمعوا حديثه سبحانه فليس بحديث في حقهم ، وإنما هو خطاب أو كلام " - اهـ . وهذا الثالث هو الذي ينطبق على صلاة الفاتح ، وقد رأيتَ أنه أطلق الكلام على هذا النوع ، وهو ما ليس له جواب به ولا بهم ، فما المانع من أن يكون مَنْ جرتْ على لسانه محدثا وسمعها حديثا من الحق سبحانه ، فكانت بتقرير الشيخ الشعراني كلاما للحق سبحانه وتعالى . وقال أيضا في آخر بسطة تلي ما نقلنا ما نصه " فالمنقطع إنما هو وحي التشريع لا غير ". ثم قال ما نصه بالحروف : " ومِنَ الأولياء من يُعْطَى الترجمة عن الله سبحانه في حال الإلقاء والوحي الخاص بكل إنسان ، فيكون المترجم موجودا لصور الحروف اللفظية أو المرقومة ، ويكون روح تلك الصور كلام الله عزّ وجلّ لا غير . الخ ... " إنتهى المراد منه . وبه تَعْلَمُ أنْ لا حرج في إطلاق كلام الله على غير القرآن ، والحديث القدسي ، والكتب المنزلة . نَعَمْ إنّ كلام الله المتعلق بأفعال المكلفين لا يأتي إلاّ على يد رسول ، وقد طُوِيَ يساطه حين التحاقه صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى .
سنلتزم في التعليق على هذا المحل قانون الحِجَاج فليقابلنا بمثله مَنْ أراد جدالنا بحق وإلاّ فليقصر ، فإنّا لا نستضيء بسوى البرهان . وإنّ المدّعَى الذي نسوق عليه الدليل يتألف من ثلاث شعب وإليكها مفصلة تفصيلا :
أولا - مطلق الوحي الشامل التشريعي والإلهامي طريق من طرق بلوغ الكلام القديم إلى البشر . فمن أقَرّ بذلك لم يكن لنا خصما ، ومن استشرف للدليل تلَوْنَا عليه آية الشورى فكانت للنزاع حسما وما كان لبشر أن يكلمه الله إلاّ وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ، وفي قوله فيوحي بإذنه ما يشاء وفي خُلُوِّ قوله إلاّ وحيا عن القيد دليل قولنا " مطلق الوحي " .
ثانيا - بلوغ الكلام القديم بطريق الوحي الإلهامي لا يختص بالأنبياء . لنا أن نستظهر على هذا المدَّعَى بقياس اقتراني من أعدل الأشكال صغراه (بلوغ الكلام القديم بطريق الوحي الإلهامي أثبته الله لغير الأنبياء ) ، ودليل هذه الصغرى آية القصص وأوحينا إلى أمّ موسى أن ارضعيه الآية . وكبراه ( وكل ما أثبته الله لغير نبيء لا يختص بالأنبياء ) ، ودليل هذه الكبرى لزوم اجتماع النقيضين على تقدير صدق نقيضها ـ أعني قولك ( بعض ما أثبته الله لغير الأنبياء مختصّ بالأنبياء ) ـ لأن معنى الإختصاص بفريق عدم ثبوته لغيرهم ، فتكون هذه القضية في قوة قولك بعض ما ثبت لغير الأنبياء لا يثبت لغير الأنبياء ، وهو تناقض ظاهر . فتَمّ التقريب بسوْق الدليل طبق المدّعَى ، وبرزت النتيجة ناطقة بقولنا ( بلوغ الكلام القديم بطريق الوحي الإلهامي لا يختص بالأنبياء ) .
ثالثا - الإخبار بكون صلاة الفاتح من الكلام القديم الذي بلغ للشيخ البكري بطريق الوحي الإلهامي مقبول شرعا ، دليلها قياس اقتراني مثل سابقه ، نظْمُهُ هكذا ( هذا إخبار من عدل بجائز شرعي ، وكل ما كان كذلك فهو مقبول شرعا - النتيجة هذا إخبار مقبول شرعا ) . ولسنا في حاجة للإستدلال على الجواز الشرعي لما سيق من البرهان ، كما أنّ عدالة المخبر لا تسام باحتياجها إلى التبيان ، وقبول خبر الواحد لا يختلف فيه اثنان .
إذا قيل إنها من كلام الله القديم كالقرآن فليس المراد أنها مثله من جميع الوجوه ، بل في مجرد نسبتها للكلام القديم ، كما يقال الحديث القدسي مثل القرآن أيّ في مجرد نسبته لكلامه تعالى ، فلا يلزم من هذا التمثيل أن يكون الحديث القدسي ثابتا بالتواتر معجزا ، ركنا من أركان الصلاة الخ . وهذا بَيِّنٌ لكل بصيرة لم يطمسها رمد التعصب ، إذ تشبيه الجواد بالبحر لا يستلزم أن يكون الجواد مالحا مغرقا ، وإنما التشبيه في خاصة من خواصه فقط ، وذلك سنن التشبيه
نقل عن الشيخ رضي الله عنه أن صلاة الفاتح تعدل ختمات من القرآن . قال بعض المعتدلين من نقلته (وهذا القول إن صحّ وجب تأويله ) ، وحاص آخرون حيصة الحمر الوحشية بالصخب واللغط ، واتخذوا ذلك ذريعة لما أرادوا . ولو خففوا مِن غلوائهم لاستبانوا الرشد عن كثب ، فإنّ كتب الشريعة مفعمة بإلحاق يسير الأعمال بخطيرها إلحاقا للعجزة بالقادرين . وخذ لذلك مثلا تعديل الإخلاص بثلث القرءان ، فإنها لمن لا يحسنه ، أما من جمع القرءان فهل يكفيه عنه تلاوة الاخلاص ثلاث مرات ؟ كلاّ ، إن ذلك مفض إلى الإستغناء عن التهجد به ليلا طويلا . وإنما تلك نفحات إلهية سَرَتْ من مهاب الفضل فألحقت المقلّين بالمكثرين ، ومثالها مثال الغذاء الذي يصفه الطبيب للمريض ويقول له إنه يقوم مقام الخبز واللحم حيث لم تكن معدته صالحة لمثل ذلك الغذاء ولو استعمله لهلك ، بخلاف الصحيح فإنه لا يفتقر إلى بدل ، وكذلك الأعمال الصالحة إذا عجز الإنسان عن جلائلها فقد فتح الله له من قلائلها ما يلحقه بالسابقين . ومن كانت حالته منافية للتلاوة هو الذي يجد في صلاة الفاتح إن شاء الله ما يلحقه بالتالين ، كما وجد الجالس في مصلاه بعد الصبح إلى طلوع الشمس ما يلحقه بالمعتمرين .
وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا سورة البقرة الآية 143 .
ملة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس سورة الحج الآية 78 .
خاطبهم خطاب التكريم بلفظ " أيها " في قوله في خطاب الرسل : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات سورة المؤمنون آية 51 .
وفي خطاب المومنين : يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم سورة البقرة آية 182 . وخطاب التكريم من أنبل المقامات .
ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا سورة النساء الآية 69 .
الإشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم لمن يسأل عن الساعة لما قال له : « ما أعددت لها من عمل إلاّ إنّي أحب الله ورسوله ، قال عليه الصلاة والسلام : انت مع من أحببت ».
الإشارة إلى الحديث الشهير « أُعْطِيتُ خمسا لم يعطهن أحد قبلي ... ». ، وأولاها إحلال الغنائم . وهذه نلناها بالتبع له صلى الله عليه وسلم ولم ينلها قبلنا نبي .
الإشارة لقوله تعالى : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله
مال بعض المفسرين إلى تخصيصه بالأنبياء ، وجمهورهم ـ كابن عطية وغيره ـ على العموم لما ثبت عندهم في ذلك من الآثار . قالوا أي ندعو كل أناس من بني آدم الذين فعلنا بهم في الدنيا ما فعلنا من التكريم ، وما عطف عليه بمن ائتموا به من نبيء ، أو مقدم في الدين ، أو كتاب ، أو دين ، فيقال يا أتباع فلان ، يا أهل دين كذا ، أو كتاب كذا . وأخرج ابن مردويه عن عليّ كرّم الله وجهه قال صلى الله عليه وسلم في الاية : « يدعى كل قوم بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم ». . اهـ. من تفسير الألوسي في الآية المذكورة.
وصف الإمامة يثبت النداء بمقتضى الآية .
وصف التقوى يثبت نصب المنبر حيث جاءت السُّنّة بنصْب المنابر للمتقين .
هو الشيخ محي الدين بن عربي رضي الله عنه ، سليل حاتم الطائي ، المعروف لدى الصوفية بالشيخ الأكبر ، وهو مؤلف رسالة عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب ، وصرّح فيها أنّ مستقر الخاتم بفاس ، وكنيته أبو العباس ، وذكر عنه هذا التنويه والنداء والمنبر وغير ذلك ، ولم يثبت أحد الأولياء على دعوى الختمية سوى شيخنا رضي الله عنه . وقد بشّر به سِواه فانظر بغية المستفيد تجدها كما تريد .
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin