..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: ينابيع المودة ـ الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي
كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Emptyأمس في 19:59 من طرف Admin

» كتاب: إيثار الحق على الخلق ـ للإمام عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسنى
كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Emptyأمس في 19:56 من طرف Admin

» كتاب: الذين رأوا رسول الله في المنام وكلّموه ـ حبيب الكل
كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Emptyأمس في 19:51 من طرف Admin

» كتاب: طيب العنبر فى جمال النبي الأنور ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Emptyأمس في 19:47 من طرف Admin

» كتاب: روضة الأزهار فى محبة الصحابة للنبي المختار ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: دلائل المحبين فى التوسل بالأنبياء والصالحين ـ الشيخ فتحي سعيد عمر الحُجيري
كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: ريحانة الارواح في مولد خير الملاح لسيدي الشيخ علي أمين سيالة
كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: قواعد العقائد فى التوحيد ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي
كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Emptyأمس في 19:35 من طرف Admin

» كتاب: سر الاسرار باضافة التوسل ـ الشيخ أحمد الطيب ابن البشير
كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Emptyأمس في 19:33 من طرف Admin

» كتاب: خطوتان للحقيقة ـ الأستاذ محمد مرتاض ــ سفيان بلحساين
كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Emptyأمس في 19:27 من طرف Admin

» كتاب: محمد صلى الله عليه وسلم مشكاة الأنوار ـ الشيخ عبدالله صلاح الدين القوصي
كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Emptyأمس في 19:25 من طرف Admin

» كتاب: النسمات القدوسية شرح المقدمات السنوسية الدكتور النعمان الشاوي
كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Emptyأمس في 19:23 من طرف Admin

» كتاب: المتمم بأمر المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ الشيخ ناصر الدين عبداللطيف ناصر الدين الخطيب
كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Emptyأمس في 19:20 من طرف Admin

» كتاب: الجواهر المكنونة فى العلوم المصونة ـ الشيخ عبدالحفيظ الخنقي
كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Emptyأمس في 19:16 من طرف Admin

» كتاب: الرسالة القدسية في أسرار النقطة الحسية ـ ابن شهاب الهمداني
كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Emptyأمس في 19:09 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68472
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين Empty كتاب في شرح الحكمة العطائية: إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً ـ مدونة زاد المسافرين ودليل السالكين

    مُساهمة من طرف Admin 21/10/2020, 12:27

    (إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً. أورد عليك الوارد ليستلمك من يد الأغيار، ويحررك من رق الآثار. أورد عليك الوارد، ليخرجك من سجن وجودك إلى فضاء شهوده)
    هذه الحكمة تتألف من ثلاث فقرات كما ترى، وقد عدّ كثير من الشارحين كلاً منها حكمة مستقلة. ولكن الظاهر أنها جميعاً حكمة واحدة، لشدّة ارتباطها بعضها ببعض، ولايتكامل المعنى إلا من خلال فقراتها الثلاث.
    ولنبدأ شرح هذه الحكمة بالوقوف عند كلمة ((الوارد)) ما المعنى المراد بها؟.. يقول علماء هذا الشأن:
    الوارد ما ورد على قلبك من المعارف الربانية واللطائف الرحمانية.
    ولكن ما الفرق بين هذا الذي يسمونه وارداً، وبين ما يرد إلى العقل عن طريق التعلم والدراسة والإصغاء إلى مرشد أو القراءة من كتاب؟! إذ من المعلوم أن كل ذلك واردٌ يرد على العقل أو الفكر، فيكسبه معرفة ومعلومة أو معلومات جديدة.
    الفرق بينهما أن ما يرد أو يفد إلى الذهن عن طريق التعلم والتلقي بأنواعه الكثيرة المختلفة، قد يكون خيراً وقد يكون شراً، وقد يكون أوهاماً باطلة وقد تكون حقائق صحيحة. وفي حال كونها صحيحة قد تبقى حبيسة في خزانة العقل فلاتفيد صاحبها إلا رقماً جديداً في حساب المعارف والمعلومات، وقد تتحول إلى القلب فتقود صاحبها إلى التفاعل بها والسلوك بمقتضاها.
    أما هذا ((الوارد)) الذي يتحدث عنه علماء هذا الشأن، فنفحة ربانية تهجم إلى العقل دون أي وساطة من تعليم أو تلقين أو قراءة من كتاب، ثم تتجه لتستقر في القلب، وقد تحولت فيه إلى وجدان مؤثر وقوة دافعة.
    فالوارد إذن لا يكون إلاّ خيراً إذ هو لا يأتي إلاّ هبة من الله. ولا يكون معلومة تأخذ مكانها بين ذخر المعلومات الأخرى في دائرة العقل، بل سرعان ما تهبط منه لتتحول إلى وجدان يهيمن على القلب.
    مثال ذلك، الرجل يكون منصرفاً إلى تقلباته الدنيوية وأعماله التجارية منشغل البال بآماله وأحلامه التوسعية، وفجأة يقتحم عقله إدراك جديد لحقيقة هذه الدنيا وما فيها، ويستيقن أن كل ما فيها ظل زائل، وأنها لا تستأهل كل هذا الجهد الذي يبذله من أجلها، وأنه إذا نظر إليها غداً عندما يرحل عنها إلى الله، سيراها قمامة تجمعت في مظهر واحة؛ وما يلبث هذا الإدراك العقلي أن يتحول إلى شعور قلبيّ يهيمن على مجامع القلب بالقيادة والتأثير. فيتراجع الحب الكامن فيه للدنيا وأهوائها، وتتقلّص آماله فيها وتعلقاته بها.. فهذا يسمى وارداً إلهياً اتجه إلى القلب من خلال العقل.
    مثال آخر: يكون الرجل ساهياً لاغياً مقصراً في جنب الله، غير مبال بشروده عن صراطه، غير متأثم ولا مبال لانقياده إلى وساوس شيطانه، واستجابته لرغبات أهوائه وغرائزه. وتحين منه ذات يوم التفاتة إلى آية أو آيات في كتاب الله تعالى يقرؤها في القرآن، أو يصغي إليها من قارئ، فإذا الآيات هي: { وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً } { الكهف: 18/50 } ويقف وقفة تأمل وتدبر أمام قوله عز وجل: { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } { الكهف: 18/50 } ؟!.. ويتنبه عقله إلى العتاب المؤثر الرقيق في هذا الكلام المنزّل من الرب الكريم إلى العبد اللئيم!.. وينساق منه العقل إلى ما ينطوي في تضاعيف هذا العتب المؤثر: أمرت هذا المخلوق أن يسجد لك سجود تكريم وتقدير، ولما أبى، واستكبر عليك، طردته من أجلك وحاقت به لعنتي في سبيلك، وبالغت في إكرامك، ومنحتك السيادة على سائر أندادك، فكان جزائي منك على كل ذلك أن أعرضت عني واتخذت من عدوك وعدوي ولياً لك من دوني؟!..
    وما هو إلا أن يتجه فيح هذا الإدراك العقلي لما قد تضمنته هذه الآيات، إلى مكمن العاطفة والوجدان ألا وهو القلب، فتهتاج فيه مشاعر الخجل ويعتصره الألم من هذا اللؤم في مقابل ذلك الدلال والإكرام.. فهذا مثال ثان لما يسمونه ((الوارد)).
    ولعلك لاحظت من بيان المثال الواقعي مزيداً من الفرق الذي ذكرته لك بين المعرفة العقلية التي يكتسبها الإنسان، والوارد الرباني الذي يهجم على العقل ثم لا يلبث أن يسري منه إلى القلب.. ولعلك تأكدت الآن أن المعرفة العقلية المكتسبة ليست دائماً بريد هداية ورجوع إلى الله.. بل كثيراً ما تكون أداة إضلال، وسلعة تجارة، وساحة تنافس على الزعامة والشهرة والمجد… في حين أن الوارد الذي وضعْتُك أمام هذين المثالين له، لا يكون إلا سبيل هداية، ومفتاح اصطلاح مع الله، ودخول على الحضرة الإلهية، كما سنجد. إنما أورد عليك الوارد، لتكون به عليه وارداً. أورد عليك الوارد ليستلمك من يد الأغيار، ويحررك من رق الآثار. أورد عليك الوارد، ليخرجك من سجن وجودك إلى فضاء شهوده – المهمة الأولى التي يحققها الوارد تحرر القلب من التعلق بالأغيار، وبيان أثر الوارد في تحقيق ذلك والآن.. ما المهمة التي يحققها الوارد الذي يكرمك الله به، على النحو الذي أوضحته لك؟
    يضعنا ابن عطاء الله رحمه الله تعالى أمام ثلاث مهامّ لها على الترتيب، كل واحدة منها مبنية على التي قبلها ومتممة لها.
    أما المهمة الأولى، فهي ما عبر عنه ابن عطاء الله بقوله: لتكون به عليه وارداً. والورود على الله لا يكون بقطع المسافات ولا باجتياز المراحل، وإنما يكون بتوجه القلب إليه بالحب والمهابة والتعظيم… ولا يتأتى للقلب أن يتجه إليه بشيء من هذه المشاعر إلا بعد أن يخلو من التعلق بالأغيار، أي بالمال وبالشهوات وبالمبتغيات الشخصية من علو في الأرض وانتصار للعصبية وحب للذات.. وتلك هي الآفة الكبرى التي نعاني منها جميعاً، إلا من رحم ربك.
    فكيف السبيل إلى التخلص من هذه الآفة؟
    سبيل ذلك أن يتلقى القلب وارداً إثر وارد من الله عز وجل، مروراً بالعقل واستقراراً في الفؤاد.
    فإذا تلاقت هذه الواردات محتلّة زوايا القلب، وردت بك من خلال قيادة القلب، إلى الله.
    ولقد ضربت لك مثالين للواردات.. ولكن فلتعلم أن كتاب الله تعالى مليء بالرسائل الموجهة لتكون واردة إليك، وأن المكونات التي صاغها الله من حولك كما يريد، فياضة هي الأخرى بالرسائل الواردة إليك. وإنما الذي يحجبها ويصدّها عن الوصول إليك، تطوحك في بحار غفلاتك، ونسيانك لهويتك وذاتك.

    فإذا أراد الله بك الخير، وجّه إليك من الوارد سهماً يخترق حجب غفلاتك، ويمزق غاشية لهوك ونسيانك، فإذا هو ضياء ينير جوانب العقل، ثم إذا هو قبس وهاج يهيمن على مجامع القلب.. فتلك هي أولى مراحل التوجه إلى الله ثم السير إليه. إذ يبدأ القلب عندئذ بالتحرر من أثقال رغباته وأهوائه وتعلقاته الدنيوية المختلفة، ويصحو إلى مصدر حنينه، ويتجه بالبحث عن محبوبه الحقيقي، ويقف بعد تيهٍ طويل على سيرة ذاته وقصة وجوده ونهاية رحلته، وعلى القبضة الإلهية التي يتحرك في داخلها ويخضع لسلطانها ويعيش على رفدها وإحسانها.. وعندئذ يجتوي السواقي ويملّ من تتبعها والسير بين منعرجاتها، إذ يبدأ يشدّ نفسه إلى حيث المعين والينبوع… إلى مصدر كل خوف وأمان، وموئل كل فضل وإحسان.. إلى الله الذي له الخلق والأمر وبيده النفع والضر وإليه وحده الملاذ والمآب.
    فهذه هي المهمة أو الخطوة الأولى التي تتحقق على أثر الوارد أو الواردات التي يتحدث عنها ابن عطاء الله، وعن النتائج المترتبة عليها.
    أما المهمة أو المرحلة الثانية التي تتحقق على أثر الوارد الإلهي، فهي ما عبر عنه ابن عطاء الله بقوله: ((أورد عليك الوارد ليستلمك من الأغيار، ويحررك من رق الآثار)).
    وبيان ذلك أن القلب إذا توجه إلى الله بالخجل والخوف منه والتعظيم له، فذلك هو المؤشر على بدء الصراع بين ما تراكم في القلب من الرغبات الدنيوية، والشهوات الغريزية والعصبيات للنفس والذات من جانب، وما أشرق في جنباته من مشاعر تعظيم الله وحبه والحياء منه من جانب آخر.
    ونظراً إلى أن هذه الإشراقة إنما تحققت بفعل الوارد الإلهي الذي سبق أن عرفتك عليه وذكرت لك مثالين له، فلابدّ أن تكون الغلبة في هذا الصراع لسلطان الوارد، وإن استنفد ذلك وقتاً قد يطول، واحتاج صاحب هذا الوارد إلى الاستعانة بقدر كبير من ذكر الله تعالى، والالتجاء بالدعاء والضراعة إليه عز وجل.
    والنتيجة هي أن نفسه تعزف عن الدنيا بعد التعلق الشديد بها والسير الدائم وراءها، إذ يرى ضآلة شأنها أمام ما هو مقبل عليه، وهو ما لم يكن يراه أو يحسّ به من قبل. وإذا فرغ القلب من التوجه إليها والتعلق بها، فلابدّ أن تشرق عليه محبة الذات الإلهية، إذ هو كالمرآة لابدّ أن تشرق عليه وتظهر فيه صورة ما.. فإن نكستها موجهة إلى الأودية والآبار المظلمة اصطبغت بالسواد واختفى من سطحها بريق الشفافية والصفاء. وإن توجهت بها إلى الأعلى حيث الشمس المشرقة، تألقت بالضياء وانبعثت منها الأشعة الساطعة.
    كذلكم القلب.. أصفا أداة في جهاز الإنسان، ما اتجه إلى شيء إلا تأثر به وظهر عليه.. ووظيفة الإنسان، بما أوتيه من عقل ورشدٍ، أن لا يوجهه إلاّ إلى حضرة الله عز وجل، وأن لايجعل عليه سلطاناً من دون سلطان ذاك الذي خلقه وبرأه. فإذا أراد الله بعبده خيراً، وقد سيطر عليه من الضعف ما جعل قلبه مملوكاً بيد الرغائب والأهواء، أكرمه بوارد من الواردات التي يفيض بها كتاب الله وتنطق بها آفاق الدنيا وصفحة المكونات، فالتمعت من ذلك بارقة نور سرت في أنحاء القلب، وما هو إلا أن تتقلّص عنه ظلمات تلك الأهواء والرغائب وينقشع عنه الران الذي نسجته على سطحه محبة الأغيار، فإذا القلب وعاء طاهر مطهر عاد إلى يد مالكه وخضع لسلطان بارئه.. وهكذا يستلمك الله، باستلامه لقلبك، من الأغيار، أي من محبة كل ما عدا الله. وإذا عاد القلب إليه عاش مع ما هو مقبل إليه، من الشوق إلى لقاء الله والأمل برحمته وعظيم إكرامه، والوجل من أحداث يوم القيامة، وبطشته بالممقوتين من عباده. فأنى للدنيا – والحالة هذه – أن تجد سبيلاً لها إلى هذا القلب الذي غدت الآخرة شغله الشاغل؟
    وإنما كانت سبيل الوصول إلى الله في حياة أصحاب رسول الله، هذه الواردات التي سرت بفضل رسول الله إلى عقولهم ثم استقرت عاطفة ووجداناً في قلوبهم فوجّهتهم إلى الآخرة وصرفتهم عن الدنيا وأعتقتهم كما يقول ابن عطاء الله من رق الآثار الكونية لتربطهم بالمكون وسمت بهم عن التعلق بالأغيار إلى محبة الله الواحد القهار. انظر إلى هذا الحوار الذي جرى بين رسول الله ، والحارث بن مالك الأنصاري، لتتبيّن أثر الواردات القلبية الوافدة من عند الله على حياة الإنسان وسلوكه، ولتعلم شدة حاجتنا اليوم إليها:
    قال له رسول الله: كيف أصبحت ياحارث؟
    قال له حارث: أصبحت مؤمناً حقاً!
    قال له رسول الله: انظر ما تقول، فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك؟
    قال حارث: عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها.
    قال له رسول الله: ياحارث، عرفت فالزم. وفي رواية: عبد نور الله قلبه.
    لعلك تقول: أين أنا من حارث بن مالك، وأمثاله من أصحاب رسول الله، حتى أتلقى مثل الوارد الذي تلقاه، فيفعل في نفسي مثل هذا الفعل؟
    والجواب أن المعين الذي تلقّى منه الحارث، الوارد الذي أوصله إلى هذه الحال، موجود أمامك، قد لايكون أكثر من قول الله تعالى: { لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ، مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادِ } { آل عمران: 3/196-197 } والاستعداد واحد والفطرة الإسلامية موجودة في كيان كل إنسان، ويرحم الله ابن الوردي إذ يقول في لاميته:
    لا تقل قد ذهبت أيامه كل من سار على الدرب وصل هذا عن انصراف قلبك عن الأغيار إلى الله عز وجل.
    أما عن تحررك من رق الآثار، فهو من مستلزمات زول حجاب الأغيار مما بينك وبين الله عز وجل.. أنظر إلى هؤلاء الذين يحيلون ما يسمونه باضطراب الطبيعة، من موجات حرارية وافدة، أو زلازل أو عواصف وأعاصير، إلى شؤون طبيعية مثلها كطبقة الأوزون، أو بؤرات انهدامية في باطن الأرض أو موجات كهراطيسية.. إنها الآثار التي يحبسون أنظارهم وعقولهم في داخلها..
    ولكن ماذا عن المؤثر الذي أوجد هذه الآثار، فجعلها أداة لهذه التقلبات؟
    إن اختراقها إلى المؤثر، يتوقف على الوارد الذي يجعلك تقف أمام اليد التي تحرك، والسلطان الذي يدير ويدبر.. وربما كان الوارد النفحة الربانية التي تدركها في مثل قوله عز وجل: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } { الملك: 67/16-17 } أو في قوله عز وجل عن سيدنا نوح: { وَحَمَلْناهُ عَلَى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ، تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ } { القمر: 54/13-14 } فينقلك هذا الوارد الرباني، بعد التأمل فيه، من الوقوف أمام آثار القوانين الفيزيائية التي بها تقلُّ البحار السفن، أو آثارِ قانون الجاذبية الذي به تقلّ الأرض من فوقها، إلى الوقوف بين يدي الإله الذي قنّنها ثم أقامها خادماً لمشيئته وأحكامه في هذه الدنيا.
    وفرق ما بين التائه المتطوح بين هذه الآثار، والمتحرر من أسرها الواقف على سلطان خالقها المستخدم والمسخر لها، فرق ما بين نوح عليه الصلاة وابنه. يوم قال له ابنه من سجنه الذي هو فيه { سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماء } { هود: 11/43 } وأجابه والده عليه السلام، وهو يطلّ عليه من فضاء شهوده لحكم الله وسلطانه { لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاّ مَنْ رَحِمَ } { هود: 11/43 }.
    أما المرحلة الثالثة والأخيرة التي تتحقق على أعقاب الوارد الإلهي إلى القلب عن طريق العقل، فهي ما عبّر عنه ابن عطاء الله بقوله: ((أورد عليك الوارد ليخرجك من سجن وجودك إلى فضاء شهودك)).
    فكيف يكون الإنسان سجين وجوده؟
    أجل.. يكون الإنسان سجين وجوده، عندما يعيش مع ذاته، قاطعاً نظره وصلته بالعالم الذي ينتسب إليه، والغيب الذي انحدر منه، والمآل الذي سينتهي إليه. لاريب أنه، والحالة هذه سجين، إذ إنه لايرى من حقائق العالم المحيط به إلا جدران ذاته، متمثلة في رغائبه، ووحي غرائزه ومشتهياته وعصبيته لذاته.. ومآل احتباسه داخل جدران هذا السجن أن يتقلب مع الأوهام بعيداً عن الحقائق، إذ الحقائق لاتتجلّى له إلا بعد الخروج من سجن ذاته والتأمل في صلة ما بينه وبين العالم المحيط به والذي انحدر منه، والذي سيؤول إليه.
    أليس الذي يقطع صلة ما بينه وبين النظام الذي أقامه الله لهذا الكون من خلال أمره التكويني ويقطع صلة ما بينه وبين النظام الذي أقامه لحياة الإنسان، من خلال أمره التشريعي، ثم ينطوي على ذاته ليلزمها بالنهج الذي يراه (وهو لايرى في هذه الحالة إلا ما تريه أهواؤه وغرائزه) أليس هذا الذي حكم على نفسه بهذه القطيعة، سجيناً، داخل سجن الذات بحكم من نفسه على نفسه؟!..
    وما هي عاقبة هذا السجن الذي حكم على نفسه به؟
    عاقبته الشقاء عاجلاً وآجلاً.. أما عاجلاً، فلأنه لما تجاهل النظام الرباني الساري من حوله في الكون والشرعة الهادية للسلوك الأمثل في تقلبات الحياة، كان لابد أن يصطدم بجدران هذا النظام الكوني ومعالمه وحدوده، فيعاني من ذلك مرارة الخيبة وآلام القلق واليأس!.. وأما آجلاً فلأن لوجوده قصة تجاهلها، ونهاية أعرض عنها، وأغلق على نفسه (وهو في سجن ذاته) نافذة ما بينه وبينها. فلابدّ أن يقع في مغبّة ما قد تجاهله وأعرض عنه.
    وانظر.. تجد أن أقطاب الفلسفة الوجودية هم أبرز نموذج للمتقوقعين في سجن الذات!.. إنهم يصرون، من خلال فلسفتهم الوهمية الذاتية، على أن تبقى نوافذ السجن الذاتي الذي يقبعون في داخله موصدة، إذ إنهم لايريدون أن يطلّوا منها على ما يشغلهم ويقيد حرّيتهم بصلة ما بينهم وبين الآخرين، وبالوقوف على أنظمة وقيم ليس فيها إلا ما يضيق عليهم مجال رغباتهم وينتقص من معنى وجودهم وأهميته.
    ولكنهم في تقلباتهم المعيشية لم يستطيعوا أن يجعلوا من فلسفته الوهمية هذه حاكماً يحررهم من أنظمة الكون ومن سلطان المكون، بل كان لابدّ أن تكون تلك الأنظمة هي الحاكمة عليهم، وكان لابدّ للسلطان الإلهي أن يتحكم بهم.. فكانت العاقبة أن اصطدمت حرياتهم المجـنّحة المطلقة بهذا النظام والسلطان، وكان لابدّ للحرية وأهوائها أن تكون هي المرتدة على أعقابها الخائبة في آمالها.. ونظراً إلى أنهم أصرّوا، حتى بعد هذا التصادم، على أن يظلّوا قابعين في سجن العكوف على الذات، فقد استخرجوا من آلام خيبتهم هذه قانوناً تواصوا فيما بينهم بقبوله والخضوع له، وباقتطاف آلامه القدسية التي ينبغي أن يسعدوا بتحملها واجترارها.. إنه قانون ما يسمونه: اليأس والقلق والسقوط!!..
    وإذا كان أصحاب هذه الفلسفة الخرقاء، هم العيّنة الأولى لمن آثروا أن يقبعوا من حياتهم التي يعيشونها في سجن الذات، فإن كثيرين هم الذين يشاركون أصحاب هذه ((الفلسفة)) في الوجود داخل هذا السجن.. وبكلمة جامعة أقول: إن كل من حاول أن يتخذ من أهوائه وسلطان غرائزه وعصبيته قانوناً هادياً لحياته، يحتكم إليه بدلاً من القانون الرباني الساري في تضاعيف هذا الكون، فهو بلاريب، يشترك مع أقطاب الفلسفة الوجودية الخرقاء، في التقوقع داخل سجن الذات.
    فإذا ساعد الوافد أو الوارد الإلهي الإنسان على خروجه من سجن ذاته، وكان قبل ذلك قد تخلّص من حب الأغيار وتحرر من رق الآثار، على النحو الذي بينت وفصلت لك، فما الذي يواجه هذا الإنسان بعد ذلك؟
    غابت عن مركز الحب من قلبه الأغيار، بكل معانيها وتنوعاتها، ولم يعد يحفل بالآثار بعد أن بدأ يعيش مع المؤثر جل جلاله.. وهاهو الآن قد تخلص من سجن العكوف على ذاته:
    غرائزه، رغائبه الشهوانية، مشاعِر العصبية والأنانية، إذن ما الذي سيجد أمامه الآن؟ سيجد نفسه أمام فضاء غير متناه من شهود الله عز وجل.. مهما وقعت عيناه على مشاهد للمكونات تتحرك أمامه، فلن ترى بصيرته من خلالها إلاّ المكون.. ومهما نظر فرأى من حوله عالم الأسباب تؤدي وظائفها وتنتج مسبَّباتها، فلن تريه عيناه منها إلاّ المسبب الفعال جل جلاله.
    وتلك هي حالة وحدة الشهود التي سبق أن عرّفتك بها وتحدثت لك عنها في مناسبة مرّت، فلاداعي إلى تكرار الحديث عنها اليوم.
    غير أني أذكرك بأن هذه الرحلة التي بدأتْ من النفْسِ إلى القلبِ، فإلى فضاء الشهود الإلهي، إنما كانت بفضل الوارد الذي اتجه من الله إلى عقل الإنسان فقلبه.. ولقد بينت لك أن كتاب الله يفيض بالواردات الإلهية الكثيرة المتنوعة، وليس بينها وبين الإنسان من مسافات تحتاج إلى اجتياز، بل هي قريبة منه، كل ما في الأمر أنه بحاجة إلى أن يتعرض لها، وأن يعلن لله عن افتقاره إليها، وصدق الله القائل: { وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ } { يوسف: 12/105 } .
    فلا يقولن قائل: فما لهذه الواردات لا تتجه إليّ ولا تفعل فعلها في كياني ونفسي.. هل تعرّضتَ لها بما تملكه من التأمل والتدبر، ثم لم تتجه بفضل الله إليك ولم تسِرْ بك في المراحل الثلاث التي ذكرها ابن عطاء الله؟
    والعجيب أن أحدنا يقطع مسافات طويلة من بيته ليصل إلى الكعبة المشرفة فيطوف بها ويقف منها على معالم الألوهية ودلائل الربوبية.. ثم لا يقطع المسافة القصيرة من نفسه إلى قلبه، ليوقظ فيه كوامن حب الله عز وجل ومشاعر مهابته وتعظيمه.
    وسائل نقلك إلى بيت الله الحرام مكلفة وربما عسيرة، ووسائل انتقالك من نفسك الأمارة إلى مرآة قلبك موفورة ويسيرة. إنها الواردات الإلهية التي تنتظرك.. تنتظر منك التفاتة إليها و قبالاً شعورياً منك عليها.
    ومع ذلك فإن الآلاف المؤلفة يرحلون كل عام، خلال سياحة مكانية يجتازون فيها آلاف الأميال ليصلوا إلى معالم الألوهية من بيت الله الحرام، ثم يعودون فيجتازون المسافة ذاتها، كما رحلوا.. ومعالم الألوهية كامنة في قلوبهم، ليس بينهم وبين الوصول والانجذاب إليها والخضوع لسلطانها، سوى أن يخترقوا إليها حواجز نفوسهم وغواشي أهوائهم وعصبياتهم!..
    ليس المهم، على طريق التقرب إلى الله، قطع ما بين دارك والبيت الحرام من المسافات، وإنما المهم قطع ما بين نفسك وقلبك من الشهوات والأهواء وغواشي الطبائع المذمومة التي تحجبك عن الله.
    وإذا كانت وسائط النقل لطيّ المسافات الطويلة بين دارك والبلد الحرام كثيرة وميسرة اليوم، فإن وسائط النقل لطيّ ما بينك وبين قلبك أكثر وأيسر.. إنها الواردات الإلهية التي يفيض بها خطاب الله لك في محكم كتابه.. وإنها لتناديك دائماً، فأقبل إليها وتعرض لنفحاتها، تنقلك من أثقالك النفسية إلى أشواقك العلوية، في رحلة ذات ثلاث مراحل، هي تلك التي حدثك عنها ابن عطاء الله في هذه الحكمة، والتي شرحتها لك بما قد علمت.

      الوقت/التاريخ الآن هو 24/9/2024, 15:30