القول الصوفي من المنظور البلاغي “كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة” للنفري نموذجا
حـســن بـنـيـخـلــف
للخطاب الصوفي ، بأنماطه المختلفة ، جاذبية خاصة ؛ فهو يدفع إلى القراءة ، كما يغري بالتحليل ، شرحا وتفسيرا وتأويلا ؛وذلك لتوضيح مصطـلحاته ، وبيان قضاياه وظواهره ، وضبط إشاراته ورموزه. فلا غرو ، إذن ، أن تقارب بناءات أنماطه سرديا ، وأن تعالج حكاياته وكراماته سيميائيا ، وأن ترصد تراكيبه وأساليبه بلاغيا ؛ إضافة إلى الاحتفاء بمضامينه سياسيا و إيديولوجيا.
ولقد حظيت أقوال الصوفية بعناية خاصة ، قديما وحديثا ، لما تفردت به من جمال في المبنى ، وغنى في المعنى؛ ومنها قول النفري:”كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”؛ وهي القولة التي سنعمل على رصد أبعادها وسماتها البلاغية.
سياق القولة نوعيا و نصيا :
يقول النفري في الموقف الثامن والعشرين ، وهو الموقف المعنون ب(موقف ما تصنع بالمسألة) : “أوقفني وقال لي إن عبدتني لأجل شيء أشركت بي. وقال لي كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة. وقال لي العبارة ستر فكيف ما ندبت إليه. وقال لي إذا لم أسو وصفك وقلبك إلا على رؤيتي فما تصنع بالمسألة، أتسألني أن أسفر وقد أسفرت أم تسألني أن أحتجب فإلى من تفيض…”.(1)
يطرح هذا الموقف ، ببنائه وموضوعاته المتنوعة ، سؤال “النوع” الأدبي ؛ ذلك أنه من المشروع أن نتساءل عن انتماء النص/الموقف النوعي ؛ وأن نبحث عن الأسباب التي دفعت النفري إلى معالجة جملة من القضايا والموضوعات الصوفية ضمن ما يسمى ب”الموقف” أو “الوقفة”.
إن “الموقف” نص متفرد بناء ومعجما وتلقيا ؛ يستهله النفري بعبارتيه المشهورتين (أوقفني في … وقال لي … / أوقفني وقال لي …) ؛ ولهذا مثلت هذه البداية لازمة تفتتح بها كل وقفة.(2) هذا فضلا عن تصدير كل جملة ترد بعد العبارتين بقوله : (وقال لي …).من هنا استمد “الموقف” تسميته ؛ كما اكتسب طابعه الحواري الخاص؛ ولهذا تتخذ “المواقف”ــ إضافة إلى “المخاطبات”ــ شكل محادثة بين الألوهية وبين الصوفي.(3)
يتأسس “الموقف”، بناء على ما سبق ، على الحوار؛ أو بعبارة أدق على نوع من الحوار خاص ، إذ يبدو النفري في معظم المواقف مستمعا لصوت المطلق فقط.(4) ولهذا كان “الموقف” خطابا موجها من الحق إلى العبد ؛ غير أن العبد (النفري) في هذا الخطاب ليس محاورا ، بل متلقيا ؛ وذلك لكونه يكتفي بالإنصات للخطاب الإلهي.(5)
تصبح “المواقف” جملة من النصوص المتميزة ب”حواريتها” و”كثافتها” ؛ ولهذا أدرجها بعض الدارسين ــ نوعيا ــ ضمن ما يسمى ب”الشذرة”.(6) وهي نوع من الكتابة قائم على الانفتاح بين الشعر والنثر ، وعلى تكسير الحدود بينهما.(7) ومن المصطلحات التي تستعمل ــ صوفيا ــ للدلالة على “الشذرة” ، مصطلح “الإشارة” أو “اللطيفة”؛ والإشارة “قد تكون حكمة أو مخاطبة وقد تكون حوارا مقتضبا”.(
نخلص ، إذن ، إلى أن “الموقف” ، نص حواري يتكون من عدد من الشذرات ؛ وهي شذرات مكثفة ومترابطة تركيبيا ودلاليا.(9) كما أن “المواقف” تتفرد من حيث ظواهرها الأسلوبية ، وحمولاتها الدلالية ، ووظائفها البلاغية.
وإذا ما عدنا إلى “موقف ما تصنع بالمسألة” ، وجدنا أن أبرز قولة / شذرة فيه هي قول النفري : ” وقال لي كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”؛ وهي القولة التي اشتهرت وتدوولت أكثر من غيرها لأسباب كثيرة ، سنعمل لاحقا على تحديد بعضها.
إن النفري يتناول ، في “الموقف” المذكور سابقا ، موضوعات متعددة تتعلق بالعبادة والشرك ، والرؤية والعبارة ، والرؤية والغَيبة ، والصمت والكلام ، ورؤية الحق ومعرفته وشكره على نعمه ، ومعرفة الحال. بيد أن لفظة “الرؤية” ، بمشتقاتها المختلفة ، هي التي ترددت أكثر من غيرها ؛ ولهذا يمكن أن نعيد ترتيب قضايا “الموقف” وموضوعاته كما يلي : الرؤية ، والمعرفة ، والعبارة ؛ علما بأن بين المصطلحات الثلاثة صلات ووشائج ، وذلك لكونها تترابط دلاليا ووظيفيا.
أبعاد القولة وظلالها :
“وقال لي كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”، غصن رطب من شجرة المواقف النفرية الغضة. إنها واسطة عقده الجامع لأقواله ؛ قد نذكر أقواله الأخرى فيخبو صوتها ، ونردد قولة “الرؤية والعبارة” فتلمع كلماتها وتتوهج ؛ كلمات ترددها الألسن وعيا أو جذبا ، حتى تحولت إلى حكمة أو مثل ؛ حكمة نداري بها ضعفنا وعجزنا وقلة حيلتنا ، تعبيرا وتبليغا.
لم تُتَداول القولة لشهرة قائلها ، لأن معظم المرددين لها لصاحبها جاهلون ، وعن باقي مواقفه ومخاطباته معرضون . إننا نرددها لأنها اتسعت لمعان ضاقت بها أمثالها ؛ واجتمعت فيها من السمات ما تفرق في أقرانها. ونرددها لسحرها ، تركيبا ودلالة وبلاغة ؛ فهي موجزة ، ومعبرة ، ومحفزة.
هي كلمات تلقاها النفري من مولاه ، أو حكاها عنه ، رؤيا أو وجدا (أوقفني وقال لي ) ؛ ف”الإيقاف”(10) دليل على مقام “الموقوف” ، إذ هو من أهل الاجتباء والاختصاص ، ممن يأخذون علمهم من الحق تعالى على الكشف.(11) فما مضمون الخطاب الذي وجهه الحق تعالى إلى النفري حسب حكاية هذا الأخير؟
تتكون القولة ، موضوع هذه الدراسة ، من عبارتين دالتين هما : (اتسعت الرؤية) و(ضاقت العبارة) ، تترابطان بواسطة كلمة “كلما” التي تنطوي على معان خاصة ، كما تضطلع بوظائف محددة ؛ إنها مكونة من كلمتين هما : “كل” المنصوبة على الظرفية باتفاق ، و”ما” المصدرية ؛ والتقدير : كل اتساع للرؤية… غير أنها لاتربط بين قولين بينهما علاقة علية ، بل هي علاقة زمانية؛(12) وبهذا يصبح المعنى : كل وقت اتساع الرؤية ؛ غير أن بعض النحاة يعد كلمة (كلما) من أدوات الشرط ، وبالتالي ستصبح العلاقة بين الجملتين “علية”.(13)
أما فيما يخص قول النفري : “كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة” ، فالأنسب ألا نعتبر “كلما” دالة على “العلية” ، وإنما على “الزمانية” لأن الاتساع ـ بمفهومه الكمي ـ ليس الشرط الوحيد في ضيق العبارة ؛ وذلك لأن العبارة تضيق ، صوفيا ، مهما تكن الرؤية القلبية. ولهذا يصبح المعنى : في الوقت الذي تتسع فيه الرؤية القلبية ، تضيق العبارة ؛ ولهذا لم يكن ضيق العبارة ناتجا عن اتساع الرؤية فقط ، وإنما عن نوع هذه الرؤية كذلك ، أي دون نظر إلى ما يقترن بالرؤية من أوصاف وأعراض كـ”الاتساع”.
كما أن كلمة “كلما” بدلالتها على الوقت أو الزمان ، تنسجم مع المصطلحات والمفاهيم الصوفية كالحال والارتقاء ؛ ومن ذلك أن تغير الأحوال الباطنية يعبر عنه القوم ب”الوقت”.(14) ففي الوقت الذي تتسع فيه الرؤية (أي تتغير فيه أحوال الصوفي الباطنية) تضيق العبارة ؛ يقول محمد عزام في هذا الإطار : “ولكن اتساع الرؤية بفعل التجربة يؤدي بالصوفي إلى إدراك جهات أخرى للحقيقة كانت خافية قبلها”.(15)
إن النفري كان دقيقا في اختياره لكلمة “كلما” ؛ كما كان بليغا في توظيفها ، وذلك لكونها تؤدي من المعاني والوظائف ما تعجز الكلمات الأخرى ــ من أدوات الشرط وغيرها ــ عن أدائها لمناسبتها للسياق والمقام.
بيد أن معاني كلمة “كلما” لا تكتمل إلا بتحديد مفهومين رئيسين هما : الرؤية والعبارة. فــ”الرؤية” ، لغة ، هي “المشاهدة بالبصر حيث كان أي في الدنيا والآخرة”.(16) أما اصطلاحا ، ف”المقصود بها رؤية الحق ، وهي عند الصوفية من شواهد الأحوال والمقامات”.(17) ولهذا ف”الرؤية” ليست معاينة ، لاعتمادها البصيرة لا البصر؛ فهي ، إذن ، رؤية قلبية ؛ ولهذا قال ابن عربي في إحدى إشاراته : “رؤية القلوب على قدر صفائها ونورها ، ورؤية الأبصار على مقدار قلوبها”.(18) غير أن “الرؤية” في هذا السياق قد تحيل إلى ما يعرف ، صوفيا ، بـ”الإشارة” ، أي “ما يخفى على المتكلم كشفه بالعبارة للطافة معناه”.(19) وكيفما كان الحال ، تبقى الرؤية هي الطريقة أو الوسيلة التي يدرك بها الصوفي الوجود بمكوناته المختلفة ، فيُحصِّل بها من المعارف والحقائق والأسرار ما تعجز عن تحقيقه الوسائل الأخرى ؛ كما يتعذر تبليغها بالعبارة.
إن عبارة النفري (اتسعت الرؤية) يطرح جملة من الأسئلة والإشكالات منها : من هو الرائي ؟ بأي وسيلة يرى ؟ في أي حال يرى ؟ ما المقصود بالاتساع ؟ ما شروطه ؟
نشير ، جوابا عن بعض هذه الأسئلة ، إلى أن عبارة (كلما اتسعت الرؤية) تختزن دلالات كثيرة ؛ فهي تدل ـ فضلا عما تمت الإشارة إليه سابقا ـ على الامتداد والارتقاء والدقة واللطف والقوة ؛ ومن ذلك أن تدق معرفة الرائي وتلطف ، ويقوى إدراكه ويمتد ، وتغتني تجربته وتنضج. وبهذا يصبح قادرا على التلقي والتحصيل ، فيدرك حقائق القرآن ، وأسرار العالم ، وخفايا الإنسان.
إن لـ”الاتساع” ، انطلاقا من هذه التحديدات ، دلالات روحية هي الأنسب للرؤية الصوفية ولطبيعتها؛ كما أن تلك الدلالات علامة من علامات الارتقاء ، و دليل على غنى التجربة ، وشاهد من شواهد العرفان.
لكن “العبارة” ، من حيث هي اللغة المباشرة المعبرة عن المعاني الظاهرة ، غير مناسبة لـ”الرؤية” نوعا وطبيعة ؛ ويزداد التنافر بينهما في حال “اتساع الرؤية” ، لأن”اتساع الرؤية” يصطدم بمعيقات تحول دون أن يتواصل الصوفي مع المتلقين ، ومنها ”ضيق العبارة” ؛ فيتعثر التواصل ، كما يتعذر التبليغ. ولهذا يجد الصوفي نفسه عاجزا عن التعبير عن “رؤياته”و”مواجيده”، وعن تبليغها إلى متلقيه ؛ وذلك لأن “تبليغ وجد الصوفي إلى غيره لا يمكن أن يكون إلا تقريبا وتلميحا بواسطة لغة العرف المشترك… لذا كان الصوفي مهددا في تبليغه لتجربته بأن يقع إما في الإغراب أو الإلباس”.(20)
إن “اتساع الرؤية” مع “ضيق العبارة” تصوير بليغ لمعاناة وجودية ومعرفية ؛ معاناة يعيشها الصوفي وهو يحاول أن يجمع بين الرؤية والعبارة ، أو بين التصوف واللغة ؛ إنهما تجربتان مختلفتان من حيث الطبيعة ، ولكنهما تتفقان غاية ومقصدا.
إذا كانت “الرؤية” انخراطا في التجربة الصوفية الروحية ، فإن “العبارة” خوض لتجربة فنية إبداعية تحيل إلى تجربة الكتابة بشروطها وأهدافها.غير أن “العبارة” في القولة ليست إنجازا لغويا ذاتيا فحسب ، أي ليس شأنا متعلقا بالمرسل وحده ، وإنما هي إجراء تداولي يستهدف متلقيا مخصوصا. ولهذا نؤكد أن القولة لا يمكن أن تفهم الفهم السليم إذا اقتصرنا على عناصرها الظاهرة (الرؤية والعبارة) ، بل لا بد من استحضار العناصر الباطنة أو المغيبة كالمرسل (صاحب الرؤية)، والمتلقي (المستهدف بمضمون الرؤية) ، والمقصد (الغرض من تبليغ الرؤية إلى المتلقي).
نخلص ، إذن ، إلى أن القولة تطرح إشكالا من إشكالات التصوف ، والمتمثل في إشكال التبليغ إذ “تجد القوم يشكون أو يعتذرون من قصور العبارة عن التبليغ”(21). ولهذا عمد الصوفية إلى البحث عن وسائل أخرى للتبليغ تناسب “الرؤية” طبيعة ومقصدا ؛ وليس هناك إلا وسيلة واحدة تستوفي الشروط السابقة وهي “الإشارة”.
سماتُ القولة البلاغيةُ :
تستمد قولة النفري شهرتها وأهميتها من دلالاتها العميقة ، و سماتها العديدة ؛ فهي تعتمد الإجمال لتتناول موضوعا صوفيا متشعبا ، مستهدفة أصنافا من المتلقين ، يدركون من القولة ظاهرها أو باطنها ، وذلك حسب ما يقتضيه السياق ، وتبعا لما يفرضه المقام.
ومن أبرز سماتها التكثيف ، و يسمى إيجازا وإجمالا ؛ وهو من السمات المميزة لمواقف النفري ، إذ التكثيف هو الذي يشتغل في بنائها(22)؛ وذلك من حيث هو آلية للاقتصاد في القول من جهة ، وللانتقال من العبارة إلى الإشارة من جهة أخرى(23).
إن التكثيف ، إذن ، هو اختيار أسلوبي تستدعيه جملة من العوامل والشروط التداولية والنصية والدلالية ؛ ومنها مراعاة نمط الخطاب وسياقاته ، ومقام المتلقي ، وموضوع القولة ، والمقصد منها. ولهذا كانت علاقة التكثيف ب”الإشارة” وثيقة ، إذ لا يمكن تناول المعارف والأسرار والحقائق الصوفية ــ من حيث هي “إشارات” أي معان خفية ــ إلا إجمالا وتكثيفا. ولهذا يعمد الصوفي إلى التلميح و الإيجاز في تناوله للفكرة أو الظاهرة أو الموقف أو السلوك الصوفي. ومعنى هذا أن التكثيف يسهم ، دلاليا ، في إنتاج صنف خاص من الدلالة(24)؛ كما يضطلع بوظيفة تداولية لكونه يسمح بإقامة التواصل مع صنف معين من المتلقين؛ وهو الصنف الذي يراه النفري مؤهلا لاستيعاب الإشارات وإدراك مراميها.
كما استندت القولة في بنائها إلى سمة أخرى تسمى “تضادا” ؛ ويتمثل هذا الأخير في ثنائية محددة هي ثنائية (الرؤية والعبارة). ونعتبر مثل هذه الثنائيات سمات بلاغية لسببين : أولهما كونها تستند إلى الوجوه والصور البلاغية ك”المقابلة” (اتسعت الرؤية / ضاقت العبارة) ؛ وثانيهما لأنها تضطلع بوظيفة حجاجية ؛ ذلك أن الثنائيات ــ باعتبارها متقابلات ــ تندرج ضمن النمط الرابع من الحجج إذ تقوم بتقسيم الأفكار والمفاهيم إلى أزواج أو ثنائيات.(25)
إن التضاد في القولة يعتمد آلية التقابل ، لأن التضاد ــ كما يقول التهانوي ــ هو التقابل(26)؛ إذ نجد تقابلا بين طرفين هما : الرؤية والعبارة ؛ وهما الطرفان اللذان لا يمكن الجمع بينهما ضمن نفس النسق الفكري ، وهو النسق الصوفي ؛ وذلك لأن التضاد ــ أو التعارض ــ بين طرفين يظهر عندما يستحيل عليهما أن يتعايشا في نفس النسق.(27)
يقوم التضاد في القولة ، ظاهريا ، بين “اتساع الرؤية” و”ضيق العبارة” ؛ فالعبارة تعجز وتقصر عن “مسايرة” الرؤية اتساعا وامتدادا وعمقا ودقة. غير أننا إذا نظرنا إلى هذه الظاهرة ــ ظاهرة التضاد ــ في سياق أشمل ، وهو النسق الصوفي ، أمكننا القول إن التضاد قائم ، حقيقة ، بين الرؤية والعبارة بغض النظر عن أوصافهما ك”الاتساع” و”الضيق” ؛ ذلك أن العبارة تقابل الرؤية مادامت هذه الأخيرة آلية إدراك تعتمد “البصيرة” دون غيرها من الأدوات الموظفة ، صوفيا ، في تحصيل العلم والمعرفة. ولهذا يستحيل الجمع بين الرؤية والعبارة لما بينهما من التنافي وعدم التناسب ، إذ الأولى مطلقة (اتسعت)، بينما الثانية مقيدة ومحدودة (ضاقت). بيد أنه من المشروع أن نتساءل: لماذا وظف النفري “المقابلة” في التعبير عن هذه الظاهرة الصوفية ؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي منا الفصل في الوظيفة التي تضطلع القولة بأدائها ، وهي وظيفة حجاجية ؛ وبيان ذلك أن القولة إذا كانت تحتمل ، دلاليا ، معنيين : معنى ظاهرا وآخر باطنا ، فإنها تضطلع ، وظيفيا ، بدورين : إخباري وإقناعي. وبين الموضوع والوظيفة علاقة وطيدة ، ذلك أن النظر إلى ظاهر القولة يفضي إلى تأكيد وظيفتها الإخبارية ، والمتمثلة في القول إن العبارة (اللغة) تضيق وتعجز عن التعبير عن مدارك الإنسان إذا اتسعت. أما إذا نظرنا إلى باطن القولة ، فإننا سنرجح وظيفتها الحجاجية ؛ وتتجلى هذه الأخيرة في محاولة إقناع المتلقي بأن العبارة لا تناسب الرؤية ؛ ذلك أن المعارف المحصل عليها بواسطة “الرؤية” إذا دقت ، أصبحت اللغة المباشرة عاجزة عن التعبير عنها وعن تبليغها ؛ وهذا الأمر يعتبر ــ في حد ذاته ــ حجة توجب البحث عن أداة تعبيرية أخرى ، كما تفرض تحديد الفئة المستهدفة بالمعارف والحقائق المحصلة بواسطة “الرؤية”؛ ولن تكون تلك الأداة إلا “الإشارة” لكونها الأنسب لـ”الرؤية”.
إن “الرؤية” ، من حيث هي مكون من مكونات التجربة الروحية ، تسمح بتحصيل العلوم والمعارف التي لا يمكن العبارة عنها إلا إشارة أو رمزا ؛ فإذا اتسعت الرؤية ، كانت الإشارة القناة القادرة على إبلاغها إلى المتلقي. ولهذا يشكل الانتصار لـ”الإشارة” البعد الحجاجي في قولة النفري؛ وهو البعد الذي يتخذ عدة أوجه ؛ ومنها أن الحديث عن الرؤية ، وما يترتب عليها من حقائق وأسرار، لا يمكن أن يتم إلا إيحاء وتلميحا. إضافة إلى أن هذا الصنف من المعارف يقتضي اختيار متلقيه بعناية ، ممن يقوى على تأويل الإشارة ، وتفصيل المجمل ، وشرح المبهم.
يصبح “ضيق العبارة” ، إذن ، حجة موجبة لأمرين هما : اعتماد الإشارة واختيار المتلقي ؛ علما بأن الإشارة عنصر محدد ــ في حد ذاته ــ لأصناف المتلقين ؛ ولهذا ينبغي استحضار المتلقي ومقامه في مثل هذه الأقوال لأنه هو المستهدف بمضمونها وبمقاصدها.
يتجلى البعد الحجاجي في القولة ، كذلك ، في كون الخطاب المتضمن فيها موجها ، في حقيقة الأمر، إلى فئة مخصوصة درجت على أن ترمي التصوف بالغموض ، كما تتهم الصوفية بالتلبيس ؛ والهدف من توجيه الخطاب إليها هو البيان والإقناع ، أي إقناعها بأنه من المتعذر أن ينقل الصوفي إلى المتلقي تجربته الروحية بالعبارة لقصور في هذه الأخيرة ، أو لعلة في المتلقي؛ ولا شك في أن هذا الأخير يجب أن يخاطب بما يناسبه حتى يحقق الخطاب المقصد منه : إفهاما وتعليما ، أو نصحا ووعظا ، أو تأثيرا وإقناعا.
غير أن النظر إلى القولة باعتبارها خطابا إقناعيا يفرض تحديد آلياته الحجاجية؛ومن ذلك قول النفري : “وقال لي ” ، إذ يتحدث حكاية عن الحق ، وينسب إليه ما قاله ؛ ولا يخفى أن نسبة الخطاب إلى الحق يعد مسلكا حجاجيا يروم حمل المتلقي على تقبل مضمون الخطاب ، والاقتناع به ، والعمل بمقتضاه.
كما أن استعمال النفري لكلمة “كلما” أسهم ، رغم الخلاف الحاصل في تحديد دلالاتها ، في إشعار المتلقي بوجود قانون مطرد يتحكم في ظواهر متعددة ، ومنها علاقة الرؤية بالعبارة. ومما يعضد رأينا هذا دلالة “كلما” على “الكلية” و”العموم” و “التكرار”؛ يقول الكفوي : (و”كلما” إذا أطلق يفيد الكلية).(28) ويقول ابن الحاجب النحوي المالكي : (…ولما في كلما من معنى العموم والاستغراق).(29) ولهذا نعتبر كلمة “كلما” أداة حجاجية وظفت في إثبات قانون مطرد ، وتقرير حقيقة ثابتة (كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة).
إضافة إلى ذلك،عمد النفري إلى توظيف آلية بلاغية هي “المقابلة” (اتسعت الرؤية / ضاقت العبارة) ، متوخيا استثمار ما تخلفه في المتلقي من آثار تدعم وظيفتها الإقناعية ، وذلك لما تضفيه “المقابلة” على المعنى من قوة وجودة؛ فهي أداة حجاجية فضلا عن كونها محسنا معنويا ؛ إذ إننا إذا منحنا للمحسن أو الوجه البلاغي دوره الحقيقي ، فإننا سننتهي إلى أن ننسب إليه قيمة حجاجية ، وليس ــ فقط ــ قيمة تزيينية.(30)
ولا شك في أن تقديم النفري لــ”الرؤية” على “العبارة” يشكل إجراء حجاجيا مقصودا ، وذلك لإبراز أهميتها ، وللتنبيه إلى قيمتها. ولهذا يمكن اعتبار هذا النوع من الترتيب القائم على التقديم والتأخير حجة أخرى تثبت السمة الحجاجية للقولة ، خاصة وأنه بالإمكان أن نعبر عن الفكرة ذاتها بقولنا ــ وبغض النظر عن مدى صحة العبارة وفصاحتها ــ : “وقال لي : تضيق العبارة كلما اتسعت الرؤية” ؛ غير أن النفري اختار أن يقدم “الرؤية” باعتبارها أصلا ومصدرا.
إن قولة النفري ، بناء على ما سبق ، خطاب حجاجي ينتصر لـ”الإشارة” ؛ ولهذا رجحنا “حجاجيتها” اعتمادا على معناها الباطن ، واستنادا إلى ما احتوته من قرائن تؤكد وظيفتها الإقناعية وتدعمها ؛ ولهذا فالقول الصوفي ــ في أصله وحقيقته ــ لا يكون إلا إشاريا ، ولا يستهدف إلا صنفا معينا من المتلقين ؛ هذا فضلا عما تضمنته القولة من دعوة رقيقة خفية إلى الارتقاء والسمو،من خلال الرياضات والمجاهدات،للإحساس بعجز العبارة ،ومحدودية اللغة.
الهوامش :
1) كتاب المواقف والمخاطبات لمحمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري ، دار الكتب العلمية بيروت ،1417 هـ ــ 1997 م ، ص 51 ــ 52.
2) الكتابة والتصوف عند ابن عربي : خالد بلقاسم ، دار توبقال للنشر، ط 1 ، 2004 ، ص 204.
3) أبعاد التجربة الصوفية : عبد الحق منصف ، أفريقيا الشرق ، 2007 ، ص 221.
4) الكتابة والتصوف عند ابن عربي ، ص 205 ــ 206 ، بتصرف.
5) أبعاد التجربة الصوفية ، ص 222 ، بتصرف.
6) الكتابة والتصوف عند ابن عربي ، ص 203.
7) نفسه ، ص 202.
نفسه ، ص 200. ومن الصوفية الذين اشتهروا بإشاراتهم ولطائفهم ابن عربي حيث نجد الكثير من الأبواب في كتابه “رسائل ابن عربي” تتكون من إشارات ولطائف ؛ ومن ذلك “باب ترجمة القهر” (رسائل ابن عربي ، ضبط : محمد شهاب الدين العربي ، دار صادر بيروت ، ط 1 ، 1997 ، ص 278).
9) الكتابة والتصوف عند ابن عربي ، ص 204 ، بتصرف.(والرابط تركيبي “وقال لي …” ودلالي “القضية والموضوعة التي يعالجها الموقف”).
10) قد تفيد عبارة “أوقفني” : أشهدني ، أبلغني ، أطلعني ، أفهمني ( انظر : المعجم الوسيط ، دار الفكر ، مادة “وقف”).
11) رسائل ابن عربي ، ص 240 ــ 352
12) التطبيق النحوي : عبده الراجحي ، دار المعرفة الجامعية، 1999، ص319.
13) نفس المرجع والصفحة، بتصرف.
14) المصطلح الصوفي بين التجربة والتأويل : محمد مصطفى العزام ، ط 1 ، يناير 2000 ، ص 64.
15) نفس المرجع والصفحة.
16) كتاب التعريفات للشريف الجرجاني ، دار الفكر ، ط 1 ، 1418 هـ ــ 1997 م ، ص 82.
17) المعجم الصوفي : عبد المنعم الحفني ، دار الرشاد القاهرة ، ط 1 ، 1417 هـ ــ 1997 م ، ص 113.
18) رسائل ابن عربي ، ص 314.
19) اللمع في تاريخ التصوف الإسلامي : أبو نصر السراج الطوسي ، تحقيق : عماد زكي البارودي ، المكتبة التوفيقية ، ص 339. وقد يلاحظ القارئ الكريم أن “الإشارة” ، في هذه الدراسة وغيرها ، تتعدد دلالاتها لتفيد النوع الأدبي ، أو المعنى الصوفي الخفي ، أو الأسلوب الرمزي.
20) المصطلح الصوفي بين التجربة والتأويل : محمد المصطفى عزام ، ص 144.
21) نفس المرجع والصفحة.
22) الكتابة والتصوف عند ابن عربي : خالد بلقاسم ، ص 209 ، بتصرف.
23) نفسه ، ص 210 ، بتصرف.
24) نفسه ، ص 213 ، بتصرف.
25) .Introduction à la rhétorique , Olivier Reboul ,Press Universitaires de France , 3e éd , Avril 1998 , p.192
26) كشاف اصطلاحات الفنون : محمد علي بن علي التهانوي ، دار صادر بيروت ، ص 874.
27) .Introduction à la rhétorique , Olivier Reboul , p.110
28) الكليات : أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي ، أعده للطبع : عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط 1 ، 1412هـ ـ 1992 م ، ص 839.
29) كتاب الكافية في النحو : الإمام جمال الدين أبي عمرو عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب النحوي المالكي ، شرحه : الشيخ رضى الدين محمد بن الحسن الاستراباذي النحوي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2/114.
30) نقلا،بتصرف،عن: .Éléments de rhétorique et d’argumentation , Jean-Jacques Robrieu , DUNOD,Paris 1993, p.42
حـســن بـنـيـخـلــف
للخطاب الصوفي ، بأنماطه المختلفة ، جاذبية خاصة ؛ فهو يدفع إلى القراءة ، كما يغري بالتحليل ، شرحا وتفسيرا وتأويلا ؛وذلك لتوضيح مصطـلحاته ، وبيان قضاياه وظواهره ، وضبط إشاراته ورموزه. فلا غرو ، إذن ، أن تقارب بناءات أنماطه سرديا ، وأن تعالج حكاياته وكراماته سيميائيا ، وأن ترصد تراكيبه وأساليبه بلاغيا ؛ إضافة إلى الاحتفاء بمضامينه سياسيا و إيديولوجيا.
ولقد حظيت أقوال الصوفية بعناية خاصة ، قديما وحديثا ، لما تفردت به من جمال في المبنى ، وغنى في المعنى؛ ومنها قول النفري:”كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”؛ وهي القولة التي سنعمل على رصد أبعادها وسماتها البلاغية.
سياق القولة نوعيا و نصيا :
يقول النفري في الموقف الثامن والعشرين ، وهو الموقف المعنون ب(موقف ما تصنع بالمسألة) : “أوقفني وقال لي إن عبدتني لأجل شيء أشركت بي. وقال لي كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة. وقال لي العبارة ستر فكيف ما ندبت إليه. وقال لي إذا لم أسو وصفك وقلبك إلا على رؤيتي فما تصنع بالمسألة، أتسألني أن أسفر وقد أسفرت أم تسألني أن أحتجب فإلى من تفيض…”.(1)
يطرح هذا الموقف ، ببنائه وموضوعاته المتنوعة ، سؤال “النوع” الأدبي ؛ ذلك أنه من المشروع أن نتساءل عن انتماء النص/الموقف النوعي ؛ وأن نبحث عن الأسباب التي دفعت النفري إلى معالجة جملة من القضايا والموضوعات الصوفية ضمن ما يسمى ب”الموقف” أو “الوقفة”.
إن “الموقف” نص متفرد بناء ومعجما وتلقيا ؛ يستهله النفري بعبارتيه المشهورتين (أوقفني في … وقال لي … / أوقفني وقال لي …) ؛ ولهذا مثلت هذه البداية لازمة تفتتح بها كل وقفة.(2) هذا فضلا عن تصدير كل جملة ترد بعد العبارتين بقوله : (وقال لي …).من هنا استمد “الموقف” تسميته ؛ كما اكتسب طابعه الحواري الخاص؛ ولهذا تتخذ “المواقف”ــ إضافة إلى “المخاطبات”ــ شكل محادثة بين الألوهية وبين الصوفي.(3)
يتأسس “الموقف”، بناء على ما سبق ، على الحوار؛ أو بعبارة أدق على نوع من الحوار خاص ، إذ يبدو النفري في معظم المواقف مستمعا لصوت المطلق فقط.(4) ولهذا كان “الموقف” خطابا موجها من الحق إلى العبد ؛ غير أن العبد (النفري) في هذا الخطاب ليس محاورا ، بل متلقيا ؛ وذلك لكونه يكتفي بالإنصات للخطاب الإلهي.(5)
تصبح “المواقف” جملة من النصوص المتميزة ب”حواريتها” و”كثافتها” ؛ ولهذا أدرجها بعض الدارسين ــ نوعيا ــ ضمن ما يسمى ب”الشذرة”.(6) وهي نوع من الكتابة قائم على الانفتاح بين الشعر والنثر ، وعلى تكسير الحدود بينهما.(7) ومن المصطلحات التي تستعمل ــ صوفيا ــ للدلالة على “الشذرة” ، مصطلح “الإشارة” أو “اللطيفة”؛ والإشارة “قد تكون حكمة أو مخاطبة وقد تكون حوارا مقتضبا”.(
نخلص ، إذن ، إلى أن “الموقف” ، نص حواري يتكون من عدد من الشذرات ؛ وهي شذرات مكثفة ومترابطة تركيبيا ودلاليا.(9) كما أن “المواقف” تتفرد من حيث ظواهرها الأسلوبية ، وحمولاتها الدلالية ، ووظائفها البلاغية.
وإذا ما عدنا إلى “موقف ما تصنع بالمسألة” ، وجدنا أن أبرز قولة / شذرة فيه هي قول النفري : ” وقال لي كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”؛ وهي القولة التي اشتهرت وتدوولت أكثر من غيرها لأسباب كثيرة ، سنعمل لاحقا على تحديد بعضها.
إن النفري يتناول ، في “الموقف” المذكور سابقا ، موضوعات متعددة تتعلق بالعبادة والشرك ، والرؤية والعبارة ، والرؤية والغَيبة ، والصمت والكلام ، ورؤية الحق ومعرفته وشكره على نعمه ، ومعرفة الحال. بيد أن لفظة “الرؤية” ، بمشتقاتها المختلفة ، هي التي ترددت أكثر من غيرها ؛ ولهذا يمكن أن نعيد ترتيب قضايا “الموقف” وموضوعاته كما يلي : الرؤية ، والمعرفة ، والعبارة ؛ علما بأن بين المصطلحات الثلاثة صلات ووشائج ، وذلك لكونها تترابط دلاليا ووظيفيا.
أبعاد القولة وظلالها :
“وقال لي كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”، غصن رطب من شجرة المواقف النفرية الغضة. إنها واسطة عقده الجامع لأقواله ؛ قد نذكر أقواله الأخرى فيخبو صوتها ، ونردد قولة “الرؤية والعبارة” فتلمع كلماتها وتتوهج ؛ كلمات ترددها الألسن وعيا أو جذبا ، حتى تحولت إلى حكمة أو مثل ؛ حكمة نداري بها ضعفنا وعجزنا وقلة حيلتنا ، تعبيرا وتبليغا.
لم تُتَداول القولة لشهرة قائلها ، لأن معظم المرددين لها لصاحبها جاهلون ، وعن باقي مواقفه ومخاطباته معرضون . إننا نرددها لأنها اتسعت لمعان ضاقت بها أمثالها ؛ واجتمعت فيها من السمات ما تفرق في أقرانها. ونرددها لسحرها ، تركيبا ودلالة وبلاغة ؛ فهي موجزة ، ومعبرة ، ومحفزة.
هي كلمات تلقاها النفري من مولاه ، أو حكاها عنه ، رؤيا أو وجدا (أوقفني وقال لي ) ؛ ف”الإيقاف”(10) دليل على مقام “الموقوف” ، إذ هو من أهل الاجتباء والاختصاص ، ممن يأخذون علمهم من الحق تعالى على الكشف.(11) فما مضمون الخطاب الذي وجهه الحق تعالى إلى النفري حسب حكاية هذا الأخير؟
تتكون القولة ، موضوع هذه الدراسة ، من عبارتين دالتين هما : (اتسعت الرؤية) و(ضاقت العبارة) ، تترابطان بواسطة كلمة “كلما” التي تنطوي على معان خاصة ، كما تضطلع بوظائف محددة ؛ إنها مكونة من كلمتين هما : “كل” المنصوبة على الظرفية باتفاق ، و”ما” المصدرية ؛ والتقدير : كل اتساع للرؤية… غير أنها لاتربط بين قولين بينهما علاقة علية ، بل هي علاقة زمانية؛(12) وبهذا يصبح المعنى : كل وقت اتساع الرؤية ؛ غير أن بعض النحاة يعد كلمة (كلما) من أدوات الشرط ، وبالتالي ستصبح العلاقة بين الجملتين “علية”.(13)
أما فيما يخص قول النفري : “كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة” ، فالأنسب ألا نعتبر “كلما” دالة على “العلية” ، وإنما على “الزمانية” لأن الاتساع ـ بمفهومه الكمي ـ ليس الشرط الوحيد في ضيق العبارة ؛ وذلك لأن العبارة تضيق ، صوفيا ، مهما تكن الرؤية القلبية. ولهذا يصبح المعنى : في الوقت الذي تتسع فيه الرؤية القلبية ، تضيق العبارة ؛ ولهذا لم يكن ضيق العبارة ناتجا عن اتساع الرؤية فقط ، وإنما عن نوع هذه الرؤية كذلك ، أي دون نظر إلى ما يقترن بالرؤية من أوصاف وأعراض كـ”الاتساع”.
كما أن كلمة “كلما” بدلالتها على الوقت أو الزمان ، تنسجم مع المصطلحات والمفاهيم الصوفية كالحال والارتقاء ؛ ومن ذلك أن تغير الأحوال الباطنية يعبر عنه القوم ب”الوقت”.(14) ففي الوقت الذي تتسع فيه الرؤية (أي تتغير فيه أحوال الصوفي الباطنية) تضيق العبارة ؛ يقول محمد عزام في هذا الإطار : “ولكن اتساع الرؤية بفعل التجربة يؤدي بالصوفي إلى إدراك جهات أخرى للحقيقة كانت خافية قبلها”.(15)
إن النفري كان دقيقا في اختياره لكلمة “كلما” ؛ كما كان بليغا في توظيفها ، وذلك لكونها تؤدي من المعاني والوظائف ما تعجز الكلمات الأخرى ــ من أدوات الشرط وغيرها ــ عن أدائها لمناسبتها للسياق والمقام.
بيد أن معاني كلمة “كلما” لا تكتمل إلا بتحديد مفهومين رئيسين هما : الرؤية والعبارة. فــ”الرؤية” ، لغة ، هي “المشاهدة بالبصر حيث كان أي في الدنيا والآخرة”.(16) أما اصطلاحا ، ف”المقصود بها رؤية الحق ، وهي عند الصوفية من شواهد الأحوال والمقامات”.(17) ولهذا ف”الرؤية” ليست معاينة ، لاعتمادها البصيرة لا البصر؛ فهي ، إذن ، رؤية قلبية ؛ ولهذا قال ابن عربي في إحدى إشاراته : “رؤية القلوب على قدر صفائها ونورها ، ورؤية الأبصار على مقدار قلوبها”.(18) غير أن “الرؤية” في هذا السياق قد تحيل إلى ما يعرف ، صوفيا ، بـ”الإشارة” ، أي “ما يخفى على المتكلم كشفه بالعبارة للطافة معناه”.(19) وكيفما كان الحال ، تبقى الرؤية هي الطريقة أو الوسيلة التي يدرك بها الصوفي الوجود بمكوناته المختلفة ، فيُحصِّل بها من المعارف والحقائق والأسرار ما تعجز عن تحقيقه الوسائل الأخرى ؛ كما يتعذر تبليغها بالعبارة.
إن عبارة النفري (اتسعت الرؤية) يطرح جملة من الأسئلة والإشكالات منها : من هو الرائي ؟ بأي وسيلة يرى ؟ في أي حال يرى ؟ ما المقصود بالاتساع ؟ ما شروطه ؟
نشير ، جوابا عن بعض هذه الأسئلة ، إلى أن عبارة (كلما اتسعت الرؤية) تختزن دلالات كثيرة ؛ فهي تدل ـ فضلا عما تمت الإشارة إليه سابقا ـ على الامتداد والارتقاء والدقة واللطف والقوة ؛ ومن ذلك أن تدق معرفة الرائي وتلطف ، ويقوى إدراكه ويمتد ، وتغتني تجربته وتنضج. وبهذا يصبح قادرا على التلقي والتحصيل ، فيدرك حقائق القرآن ، وأسرار العالم ، وخفايا الإنسان.
إن لـ”الاتساع” ، انطلاقا من هذه التحديدات ، دلالات روحية هي الأنسب للرؤية الصوفية ولطبيعتها؛ كما أن تلك الدلالات علامة من علامات الارتقاء ، و دليل على غنى التجربة ، وشاهد من شواهد العرفان.
لكن “العبارة” ، من حيث هي اللغة المباشرة المعبرة عن المعاني الظاهرة ، غير مناسبة لـ”الرؤية” نوعا وطبيعة ؛ ويزداد التنافر بينهما في حال “اتساع الرؤية” ، لأن”اتساع الرؤية” يصطدم بمعيقات تحول دون أن يتواصل الصوفي مع المتلقين ، ومنها ”ضيق العبارة” ؛ فيتعثر التواصل ، كما يتعذر التبليغ. ولهذا يجد الصوفي نفسه عاجزا عن التعبير عن “رؤياته”و”مواجيده”، وعن تبليغها إلى متلقيه ؛ وذلك لأن “تبليغ وجد الصوفي إلى غيره لا يمكن أن يكون إلا تقريبا وتلميحا بواسطة لغة العرف المشترك… لذا كان الصوفي مهددا في تبليغه لتجربته بأن يقع إما في الإغراب أو الإلباس”.(20)
إن “اتساع الرؤية” مع “ضيق العبارة” تصوير بليغ لمعاناة وجودية ومعرفية ؛ معاناة يعيشها الصوفي وهو يحاول أن يجمع بين الرؤية والعبارة ، أو بين التصوف واللغة ؛ إنهما تجربتان مختلفتان من حيث الطبيعة ، ولكنهما تتفقان غاية ومقصدا.
إذا كانت “الرؤية” انخراطا في التجربة الصوفية الروحية ، فإن “العبارة” خوض لتجربة فنية إبداعية تحيل إلى تجربة الكتابة بشروطها وأهدافها.غير أن “العبارة” في القولة ليست إنجازا لغويا ذاتيا فحسب ، أي ليس شأنا متعلقا بالمرسل وحده ، وإنما هي إجراء تداولي يستهدف متلقيا مخصوصا. ولهذا نؤكد أن القولة لا يمكن أن تفهم الفهم السليم إذا اقتصرنا على عناصرها الظاهرة (الرؤية والعبارة) ، بل لا بد من استحضار العناصر الباطنة أو المغيبة كالمرسل (صاحب الرؤية)، والمتلقي (المستهدف بمضمون الرؤية) ، والمقصد (الغرض من تبليغ الرؤية إلى المتلقي).
نخلص ، إذن ، إلى أن القولة تطرح إشكالا من إشكالات التصوف ، والمتمثل في إشكال التبليغ إذ “تجد القوم يشكون أو يعتذرون من قصور العبارة عن التبليغ”(21). ولهذا عمد الصوفية إلى البحث عن وسائل أخرى للتبليغ تناسب “الرؤية” طبيعة ومقصدا ؛ وليس هناك إلا وسيلة واحدة تستوفي الشروط السابقة وهي “الإشارة”.
سماتُ القولة البلاغيةُ :
تستمد قولة النفري شهرتها وأهميتها من دلالاتها العميقة ، و سماتها العديدة ؛ فهي تعتمد الإجمال لتتناول موضوعا صوفيا متشعبا ، مستهدفة أصنافا من المتلقين ، يدركون من القولة ظاهرها أو باطنها ، وذلك حسب ما يقتضيه السياق ، وتبعا لما يفرضه المقام.
ومن أبرز سماتها التكثيف ، و يسمى إيجازا وإجمالا ؛ وهو من السمات المميزة لمواقف النفري ، إذ التكثيف هو الذي يشتغل في بنائها(22)؛ وذلك من حيث هو آلية للاقتصاد في القول من جهة ، وللانتقال من العبارة إلى الإشارة من جهة أخرى(23).
إن التكثيف ، إذن ، هو اختيار أسلوبي تستدعيه جملة من العوامل والشروط التداولية والنصية والدلالية ؛ ومنها مراعاة نمط الخطاب وسياقاته ، ومقام المتلقي ، وموضوع القولة ، والمقصد منها. ولهذا كانت علاقة التكثيف ب”الإشارة” وثيقة ، إذ لا يمكن تناول المعارف والأسرار والحقائق الصوفية ــ من حيث هي “إشارات” أي معان خفية ــ إلا إجمالا وتكثيفا. ولهذا يعمد الصوفي إلى التلميح و الإيجاز في تناوله للفكرة أو الظاهرة أو الموقف أو السلوك الصوفي. ومعنى هذا أن التكثيف يسهم ، دلاليا ، في إنتاج صنف خاص من الدلالة(24)؛ كما يضطلع بوظيفة تداولية لكونه يسمح بإقامة التواصل مع صنف معين من المتلقين؛ وهو الصنف الذي يراه النفري مؤهلا لاستيعاب الإشارات وإدراك مراميها.
كما استندت القولة في بنائها إلى سمة أخرى تسمى “تضادا” ؛ ويتمثل هذا الأخير في ثنائية محددة هي ثنائية (الرؤية والعبارة). ونعتبر مثل هذه الثنائيات سمات بلاغية لسببين : أولهما كونها تستند إلى الوجوه والصور البلاغية ك”المقابلة” (اتسعت الرؤية / ضاقت العبارة) ؛ وثانيهما لأنها تضطلع بوظيفة حجاجية ؛ ذلك أن الثنائيات ــ باعتبارها متقابلات ــ تندرج ضمن النمط الرابع من الحجج إذ تقوم بتقسيم الأفكار والمفاهيم إلى أزواج أو ثنائيات.(25)
إن التضاد في القولة يعتمد آلية التقابل ، لأن التضاد ــ كما يقول التهانوي ــ هو التقابل(26)؛ إذ نجد تقابلا بين طرفين هما : الرؤية والعبارة ؛ وهما الطرفان اللذان لا يمكن الجمع بينهما ضمن نفس النسق الفكري ، وهو النسق الصوفي ؛ وذلك لأن التضاد ــ أو التعارض ــ بين طرفين يظهر عندما يستحيل عليهما أن يتعايشا في نفس النسق.(27)
يقوم التضاد في القولة ، ظاهريا ، بين “اتساع الرؤية” و”ضيق العبارة” ؛ فالعبارة تعجز وتقصر عن “مسايرة” الرؤية اتساعا وامتدادا وعمقا ودقة. غير أننا إذا نظرنا إلى هذه الظاهرة ــ ظاهرة التضاد ــ في سياق أشمل ، وهو النسق الصوفي ، أمكننا القول إن التضاد قائم ، حقيقة ، بين الرؤية والعبارة بغض النظر عن أوصافهما ك”الاتساع” و”الضيق” ؛ ذلك أن العبارة تقابل الرؤية مادامت هذه الأخيرة آلية إدراك تعتمد “البصيرة” دون غيرها من الأدوات الموظفة ، صوفيا ، في تحصيل العلم والمعرفة. ولهذا يستحيل الجمع بين الرؤية والعبارة لما بينهما من التنافي وعدم التناسب ، إذ الأولى مطلقة (اتسعت)، بينما الثانية مقيدة ومحدودة (ضاقت). بيد أنه من المشروع أن نتساءل: لماذا وظف النفري “المقابلة” في التعبير عن هذه الظاهرة الصوفية ؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي منا الفصل في الوظيفة التي تضطلع القولة بأدائها ، وهي وظيفة حجاجية ؛ وبيان ذلك أن القولة إذا كانت تحتمل ، دلاليا ، معنيين : معنى ظاهرا وآخر باطنا ، فإنها تضطلع ، وظيفيا ، بدورين : إخباري وإقناعي. وبين الموضوع والوظيفة علاقة وطيدة ، ذلك أن النظر إلى ظاهر القولة يفضي إلى تأكيد وظيفتها الإخبارية ، والمتمثلة في القول إن العبارة (اللغة) تضيق وتعجز عن التعبير عن مدارك الإنسان إذا اتسعت. أما إذا نظرنا إلى باطن القولة ، فإننا سنرجح وظيفتها الحجاجية ؛ وتتجلى هذه الأخيرة في محاولة إقناع المتلقي بأن العبارة لا تناسب الرؤية ؛ ذلك أن المعارف المحصل عليها بواسطة “الرؤية” إذا دقت ، أصبحت اللغة المباشرة عاجزة عن التعبير عنها وعن تبليغها ؛ وهذا الأمر يعتبر ــ في حد ذاته ــ حجة توجب البحث عن أداة تعبيرية أخرى ، كما تفرض تحديد الفئة المستهدفة بالمعارف والحقائق المحصلة بواسطة “الرؤية”؛ ولن تكون تلك الأداة إلا “الإشارة” لكونها الأنسب لـ”الرؤية”.
إن “الرؤية” ، من حيث هي مكون من مكونات التجربة الروحية ، تسمح بتحصيل العلوم والمعارف التي لا يمكن العبارة عنها إلا إشارة أو رمزا ؛ فإذا اتسعت الرؤية ، كانت الإشارة القناة القادرة على إبلاغها إلى المتلقي. ولهذا يشكل الانتصار لـ”الإشارة” البعد الحجاجي في قولة النفري؛ وهو البعد الذي يتخذ عدة أوجه ؛ ومنها أن الحديث عن الرؤية ، وما يترتب عليها من حقائق وأسرار، لا يمكن أن يتم إلا إيحاء وتلميحا. إضافة إلى أن هذا الصنف من المعارف يقتضي اختيار متلقيه بعناية ، ممن يقوى على تأويل الإشارة ، وتفصيل المجمل ، وشرح المبهم.
يصبح “ضيق العبارة” ، إذن ، حجة موجبة لأمرين هما : اعتماد الإشارة واختيار المتلقي ؛ علما بأن الإشارة عنصر محدد ــ في حد ذاته ــ لأصناف المتلقين ؛ ولهذا ينبغي استحضار المتلقي ومقامه في مثل هذه الأقوال لأنه هو المستهدف بمضمونها وبمقاصدها.
يتجلى البعد الحجاجي في القولة ، كذلك ، في كون الخطاب المتضمن فيها موجها ، في حقيقة الأمر، إلى فئة مخصوصة درجت على أن ترمي التصوف بالغموض ، كما تتهم الصوفية بالتلبيس ؛ والهدف من توجيه الخطاب إليها هو البيان والإقناع ، أي إقناعها بأنه من المتعذر أن ينقل الصوفي إلى المتلقي تجربته الروحية بالعبارة لقصور في هذه الأخيرة ، أو لعلة في المتلقي؛ ولا شك في أن هذا الأخير يجب أن يخاطب بما يناسبه حتى يحقق الخطاب المقصد منه : إفهاما وتعليما ، أو نصحا ووعظا ، أو تأثيرا وإقناعا.
غير أن النظر إلى القولة باعتبارها خطابا إقناعيا يفرض تحديد آلياته الحجاجية؛ومن ذلك قول النفري : “وقال لي ” ، إذ يتحدث حكاية عن الحق ، وينسب إليه ما قاله ؛ ولا يخفى أن نسبة الخطاب إلى الحق يعد مسلكا حجاجيا يروم حمل المتلقي على تقبل مضمون الخطاب ، والاقتناع به ، والعمل بمقتضاه.
كما أن استعمال النفري لكلمة “كلما” أسهم ، رغم الخلاف الحاصل في تحديد دلالاتها ، في إشعار المتلقي بوجود قانون مطرد يتحكم في ظواهر متعددة ، ومنها علاقة الرؤية بالعبارة. ومما يعضد رأينا هذا دلالة “كلما” على “الكلية” و”العموم” و “التكرار”؛ يقول الكفوي : (و”كلما” إذا أطلق يفيد الكلية).(28) ويقول ابن الحاجب النحوي المالكي : (…ولما في كلما من معنى العموم والاستغراق).(29) ولهذا نعتبر كلمة “كلما” أداة حجاجية وظفت في إثبات قانون مطرد ، وتقرير حقيقة ثابتة (كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة).
إضافة إلى ذلك،عمد النفري إلى توظيف آلية بلاغية هي “المقابلة” (اتسعت الرؤية / ضاقت العبارة) ، متوخيا استثمار ما تخلفه في المتلقي من آثار تدعم وظيفتها الإقناعية ، وذلك لما تضفيه “المقابلة” على المعنى من قوة وجودة؛ فهي أداة حجاجية فضلا عن كونها محسنا معنويا ؛ إذ إننا إذا منحنا للمحسن أو الوجه البلاغي دوره الحقيقي ، فإننا سننتهي إلى أن ننسب إليه قيمة حجاجية ، وليس ــ فقط ــ قيمة تزيينية.(30)
ولا شك في أن تقديم النفري لــ”الرؤية” على “العبارة” يشكل إجراء حجاجيا مقصودا ، وذلك لإبراز أهميتها ، وللتنبيه إلى قيمتها. ولهذا يمكن اعتبار هذا النوع من الترتيب القائم على التقديم والتأخير حجة أخرى تثبت السمة الحجاجية للقولة ، خاصة وأنه بالإمكان أن نعبر عن الفكرة ذاتها بقولنا ــ وبغض النظر عن مدى صحة العبارة وفصاحتها ــ : “وقال لي : تضيق العبارة كلما اتسعت الرؤية” ؛ غير أن النفري اختار أن يقدم “الرؤية” باعتبارها أصلا ومصدرا.
إن قولة النفري ، بناء على ما سبق ، خطاب حجاجي ينتصر لـ”الإشارة” ؛ ولهذا رجحنا “حجاجيتها” اعتمادا على معناها الباطن ، واستنادا إلى ما احتوته من قرائن تؤكد وظيفتها الإقناعية وتدعمها ؛ ولهذا فالقول الصوفي ــ في أصله وحقيقته ــ لا يكون إلا إشاريا ، ولا يستهدف إلا صنفا معينا من المتلقين ؛ هذا فضلا عما تضمنته القولة من دعوة رقيقة خفية إلى الارتقاء والسمو،من خلال الرياضات والمجاهدات،للإحساس بعجز العبارة ،ومحدودية اللغة.
الهوامش :
1) كتاب المواقف والمخاطبات لمحمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري ، دار الكتب العلمية بيروت ،1417 هـ ــ 1997 م ، ص 51 ــ 52.
2) الكتابة والتصوف عند ابن عربي : خالد بلقاسم ، دار توبقال للنشر، ط 1 ، 2004 ، ص 204.
3) أبعاد التجربة الصوفية : عبد الحق منصف ، أفريقيا الشرق ، 2007 ، ص 221.
4) الكتابة والتصوف عند ابن عربي ، ص 205 ــ 206 ، بتصرف.
5) أبعاد التجربة الصوفية ، ص 222 ، بتصرف.
6) الكتابة والتصوف عند ابن عربي ، ص 203.
7) نفسه ، ص 202.
نفسه ، ص 200. ومن الصوفية الذين اشتهروا بإشاراتهم ولطائفهم ابن عربي حيث نجد الكثير من الأبواب في كتابه “رسائل ابن عربي” تتكون من إشارات ولطائف ؛ ومن ذلك “باب ترجمة القهر” (رسائل ابن عربي ، ضبط : محمد شهاب الدين العربي ، دار صادر بيروت ، ط 1 ، 1997 ، ص 278).
9) الكتابة والتصوف عند ابن عربي ، ص 204 ، بتصرف.(والرابط تركيبي “وقال لي …” ودلالي “القضية والموضوعة التي يعالجها الموقف”).
10) قد تفيد عبارة “أوقفني” : أشهدني ، أبلغني ، أطلعني ، أفهمني ( انظر : المعجم الوسيط ، دار الفكر ، مادة “وقف”).
11) رسائل ابن عربي ، ص 240 ــ 352
12) التطبيق النحوي : عبده الراجحي ، دار المعرفة الجامعية، 1999، ص319.
13) نفس المرجع والصفحة، بتصرف.
14) المصطلح الصوفي بين التجربة والتأويل : محمد مصطفى العزام ، ط 1 ، يناير 2000 ، ص 64.
15) نفس المرجع والصفحة.
16) كتاب التعريفات للشريف الجرجاني ، دار الفكر ، ط 1 ، 1418 هـ ــ 1997 م ، ص 82.
17) المعجم الصوفي : عبد المنعم الحفني ، دار الرشاد القاهرة ، ط 1 ، 1417 هـ ــ 1997 م ، ص 113.
18) رسائل ابن عربي ، ص 314.
19) اللمع في تاريخ التصوف الإسلامي : أبو نصر السراج الطوسي ، تحقيق : عماد زكي البارودي ، المكتبة التوفيقية ، ص 339. وقد يلاحظ القارئ الكريم أن “الإشارة” ، في هذه الدراسة وغيرها ، تتعدد دلالاتها لتفيد النوع الأدبي ، أو المعنى الصوفي الخفي ، أو الأسلوب الرمزي.
20) المصطلح الصوفي بين التجربة والتأويل : محمد المصطفى عزام ، ص 144.
21) نفس المرجع والصفحة.
22) الكتابة والتصوف عند ابن عربي : خالد بلقاسم ، ص 209 ، بتصرف.
23) نفسه ، ص 210 ، بتصرف.
24) نفسه ، ص 213 ، بتصرف.
25) .Introduction à la rhétorique , Olivier Reboul ,Press Universitaires de France , 3e éd , Avril 1998 , p.192
26) كشاف اصطلاحات الفنون : محمد علي بن علي التهانوي ، دار صادر بيروت ، ص 874.
27) .Introduction à la rhétorique , Olivier Reboul , p.110
28) الكليات : أبو البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي ، أعده للطبع : عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط 1 ، 1412هـ ـ 1992 م ، ص 839.
29) كتاب الكافية في النحو : الإمام جمال الدين أبي عمرو عثمان بن عمر المعروف بابن الحاجب النحوي المالكي ، شرحه : الشيخ رضى الدين محمد بن الحسن الاستراباذي النحوي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2/114.
30) نقلا،بتصرف،عن: .Éléments de rhétorique et d’argumentation , Jean-Jacques Robrieu , DUNOD,Paris 1993, p.42
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin