علي طريق السير إلي الله
خطوات عملية لإصلاح القلوب
الشيخ تاج الدين الهلالى
لما كانت المعاصي والسيئات تُحدثُ نُكتا سوداء في القلب، وتوجد رانا يغطيه ويغلفه فيكون كالعازل (الصدأ) الذي يعطل سير الدورة الكهربائية داخل أي جهاز كهربائي فلا يكون صالحاً للعمل أو الاستقبال.
تماماً كالأدران والأوساخ التي تصيب وتشوه الأواني أو الثياب، ولإزالتها والتخلص منها نلجأ إلي استعمال المزيلات والمنظفات المختلفة والمتنوعة ليعود للشيء نقاؤه ونظافته. فإن هناك (منظفات) و(مكفرات) ومزيلات لأدران القلوب تختلف باختلاف الران الذي أصاب القلب.
وإذا كان هناك علماء متخصصون في وصف المنظفات الحسية فإن الله تعالي قيض لهذا الدين الحنيف علماء ربانيين متخصصين في وصف المطهرات والمنظفات القلبية المعنوية.
وفي الحديث: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَصْدَأُ، كَمَا يَصْدَأُ الْحَدِيدُ إِذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ ” قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا جِلَاؤُهَا؟ قَالَ: ” كَثْرَةُ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ ” هي لَفْظُ حَدِيثِ الْإِمَامِ، وَفِي رِوَايَةِ الْفَقِيهِ قَالَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا جِلَاؤُهَا؟ قَالَ: ” قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ” وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَوْتَ وَلَا قَوْلَهُ: ” إِذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ “
شعب الإيمان للبيهقى
وإن العبد إذا أخطأ خطيئة نُكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، فإن عاد زيد فيها وهو الران……
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ , فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ مِنْهَا قَلْبُهُ , فَإِنْ عَادَ رَانَتْ حَتَّى يُغْلَقَ بِهَا قَلْبُهُ ” , فَذَاكَ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] “
السنن الكبرى للبيهقى
ونستعين بالله تعالي ونبدأ في بيان الخطوات العلمية علي طريق إصلاح القلوب، لننال ولاية علام الغيوب والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.
أولاً: التوبة:
قال تعالي: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[ التحريم 8
وقال سبحانه: ]وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ .النور 31
والتوبة النصوح لها ثلاثة شروط:
1- الإقلاع. 2- الندم. 3- العزم على عدم العودة .
1-الإقلاع عن المعاصي والمحرمات.
2-الندم علي ما اقترف من خطايا وموبقات، نادماً علي ما فرط في جنب الله، متأسفا علي انتهاكه لحدود الله.
3- العزم والتصميم علي أن لا يعود لمعصية الله بعد توبته ورجوعه إلي الله.
هذا إذا كانت التوبة من حقوق تتعلق بالله جل وعلا. فإن كانت المعصية تتعلق بحق من حقوق العباد. فلا بد من شرط رابع حتى تكون التوبة مقبولة، وهو
4- أن يرد التائب ما في ذمته من حقوق للأخريين إن كانت مادية أو أن يستعفيَ صاحب الحق طالباً عفوه وغفرانه. إن كانت معصية معنوية كالغيبة والبهتان.
ومن عوامل قبول التوبة ودوامها: ترك قرناء السوء، وهجر الأصحاب الفساق أو زيارتهم بنية الدعوة، وأن يعتاد التائب البيئات الإيمانية ويتخذ له إخواناً صالحين يعينونه علي طاعة الله عز وجل. لحديث الرجل الذي قتل (99 نفساً).
والمؤمن الحقيقي: لا ينظر إلي صغر الذنب الذي جناه، بل ينظر إلي الرب الذي عصاه. اقتداء بأصحاب رسول الله (e)
يقول أنس بن مالك: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا نعدها علي عهد رسول الله (e) من الموبقات. قال الراوي يعني المهلكات. (رواه البخاري)
وإلي هذا يشير الصوفي الكبير (ذو النون المصري) لما سُئل عن التوبة. فقال: توبة العوام من الذنوب، وتوبة الخواص من الغفلة.
ويقول عبد الله التميمي: شتان بين تائب وتائب: فتائب يتوب من الذنوب والسيئات، وتائب يتوب من الزلل والغفلات، وتائب يتوب من رؤية الحسنات والطاعات.
فوائد التوبة:
فرح الله بتوبة عبده المؤمن عَنْ أَنَسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ عَنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى، شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّك، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» الصحيحين
نال جائزة التوبة وهى تبديل سيئاته الى حسنات قال تعالى إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان
3- يحبه الله تعالي ويحبه أهل السماء، ثم يكتب له قبول ومحبة أهل الأرض.
للحديث: إذا أحب الله عبداً نادي يا جبريل إني أحببت فلانا. وينادي جبريل في عالم السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يكتب له القبول في الأرض……. أحمد
تغفر ذنوبه. للحديث: التوبة تَجُبُ ما كان قبلها. قال تعالي: ]وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ[ آل عمران 135
5- ينسي الله تعالي شهودَه معاصيه فيلقى الله بلا شاهد عليه يوم القيامة ذلك أن
شهود العبد أربعة
1- الكتاب: ]وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً[ الاسراء 13
2- الحفظة الكتبة: ]وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)الانفطار 10
3- الجوارح: ]الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [ يس 65
4- موضع الفعل من الأرض: ]إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [ الزلزلة
فخليق بالمؤمن الذي يريد لنفسه السعادة والفوز برضى ربه ومولاه أن يلزمها باب التوبة وعتبة الإنابة، يخاطبها في كل وقت وحين.
يا نفسُ توبي فإن الوقت قد حانا واعصي الهوى فالهوى مازال فتاناَ
في كل يــــــــــــــــــــوم لنـا ميت نشيعه نحـي بمصــــــــــــــــــرعه أثـار موتـــــــــــــانــا
يا نفس مالي وللأمــــــــــوال أتركها خلفـي وأخـــــــــــــــــــرج من دنيـاي عريانا
————
حكم المنية في البرية جارى ما هذه الدنيـا بدار قـرار
ومكلف الأيام ضد طباعـها متطلب في الماء جـذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء علي شفير هار
فالعيش نوم والمنيـة يقظة والمرءُ بينهمـا خيال سـارى
فاقضوا مآربكم عجـالاً إنما أعمـاركم سفر من الأسفـار
نعم إن الناس نيام. فإن ماتوا انتبهوا. فلا تقل فيها ملكتُ فلله ملك السموات والأرض.
فما أهل الحياة لنا بأهل ومـا دار الحياة لنا بدار
وما أموالنا والأهل فيها ومـا أولادنـا إلا عوار
وأنفسنا إلي أجل قريب سيأخذها المعير من المعار
فما أهل هذه الحياة الدنيا بأهل ولا أحباب. وسوف ترى العجب العجاب. إذا حانت منيتك وانقطعت عنك الأسباب. إن أصدقاءك يومئذ ثلاثة صديق خسيس يتخلى عنك وينتقل إلي غيرك بمجرد موتك: وهو (مالك) وصديق يصحبك من بيتك مشيعا إلي أن يُدليك في قبرك ويهيل عليك التراب ثم يعود. وهم (أهلك وأقرباؤك). وصديق مخلص وَفي ينزل معك قبرك مؤانساً إلي يوم القيامة وهو عملك الصالح، حيث تجد نفسك وحيدا فريدا مقطوعاً غريبا. ولسان حال الرحمة الربانية يناديك:
عبدي: انظر إلي هِؤلاء الآهل والخلان، في حياتك أحبوك، وبالآمال خدعوك، ومن أجل مالك مدحوك فلما مت عزلوك، وفي كفن بخس لفوك، وإلي القبر حملوك، وتحت التراب وضعوك، وهاهم رجعوا وتركوك، وبعد قليل ينسوك، ولو ظلوا معك ما نفعوك. ولم يبقِ لنا إلا أنا وأنا الحي الباقي الذي لا يموت.
أخي المؤمن:
تـزود من حياتـك للمعاد وتب لله واحمل خيــر زاد
إلي كم ذا التغافل والتمادي وحادي الموت بالأرواح حاد
فلـو كنا جمادا لا تعظنـا ولكنـا أشـد مـن الجمـاد
تنادينـا المنيـة كل يـوم ولكـن الذنوب لفـي ازدياد
إذا ما الزرع قاربه اصفرار فليـس دواؤه غيـر الحصاد
كأنك بالمشيـب وقد تبـدى وبالأخـرى مناديهـا ينـادي
وقالوا قد مضي فاقروا عليه سـلا مًكموا إلي يـوم التنادي
اعداد رضا رجب
خطوات عملية لإصلاح القلوب
الشيخ تاج الدين الهلالى
لما كانت المعاصي والسيئات تُحدثُ نُكتا سوداء في القلب، وتوجد رانا يغطيه ويغلفه فيكون كالعازل (الصدأ) الذي يعطل سير الدورة الكهربائية داخل أي جهاز كهربائي فلا يكون صالحاً للعمل أو الاستقبال.
تماماً كالأدران والأوساخ التي تصيب وتشوه الأواني أو الثياب، ولإزالتها والتخلص منها نلجأ إلي استعمال المزيلات والمنظفات المختلفة والمتنوعة ليعود للشيء نقاؤه ونظافته. فإن هناك (منظفات) و(مكفرات) ومزيلات لأدران القلوب تختلف باختلاف الران الذي أصاب القلب.
وإذا كان هناك علماء متخصصون في وصف المنظفات الحسية فإن الله تعالي قيض لهذا الدين الحنيف علماء ربانيين متخصصين في وصف المطهرات والمنظفات القلبية المعنوية.
وفي الحديث: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَصْدَأُ، كَمَا يَصْدَأُ الْحَدِيدُ إِذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ ” قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا جِلَاؤُهَا؟ قَالَ: ” كَثْرَةُ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ ” هي لَفْظُ حَدِيثِ الْإِمَامِ، وَفِي رِوَايَةِ الْفَقِيهِ قَالَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا جِلَاؤُهَا؟ قَالَ: ” قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ” وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَوْتَ وَلَا قَوْلَهُ: ” إِذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ “
شعب الإيمان للبيهقى
وإن العبد إذا أخطأ خطيئة نُكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، فإن عاد زيد فيها وهو الران……
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ , فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ مِنْهَا قَلْبُهُ , فَإِنْ عَادَ رَانَتْ حَتَّى يُغْلَقَ بِهَا قَلْبُهُ ” , فَذَاكَ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] “
السنن الكبرى للبيهقى
ونستعين بالله تعالي ونبدأ في بيان الخطوات العلمية علي طريق إصلاح القلوب، لننال ولاية علام الغيوب والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.
أولاً: التوبة:
قال تعالي: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[ التحريم 8
وقال سبحانه: ]وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ .النور 31
والتوبة النصوح لها ثلاثة شروط:
1- الإقلاع. 2- الندم. 3- العزم على عدم العودة .
1-الإقلاع عن المعاصي والمحرمات.
2-الندم علي ما اقترف من خطايا وموبقات، نادماً علي ما فرط في جنب الله، متأسفا علي انتهاكه لحدود الله.
3- العزم والتصميم علي أن لا يعود لمعصية الله بعد توبته ورجوعه إلي الله.
هذا إذا كانت التوبة من حقوق تتعلق بالله جل وعلا. فإن كانت المعصية تتعلق بحق من حقوق العباد. فلا بد من شرط رابع حتى تكون التوبة مقبولة، وهو
4- أن يرد التائب ما في ذمته من حقوق للأخريين إن كانت مادية أو أن يستعفيَ صاحب الحق طالباً عفوه وغفرانه. إن كانت معصية معنوية كالغيبة والبهتان.
ومن عوامل قبول التوبة ودوامها: ترك قرناء السوء، وهجر الأصحاب الفساق أو زيارتهم بنية الدعوة، وأن يعتاد التائب البيئات الإيمانية ويتخذ له إخواناً صالحين يعينونه علي طاعة الله عز وجل. لحديث الرجل الذي قتل (99 نفساً).
والمؤمن الحقيقي: لا ينظر إلي صغر الذنب الذي جناه، بل ينظر إلي الرب الذي عصاه. اقتداء بأصحاب رسول الله (e)
يقول أنس بن مالك: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا نعدها علي عهد رسول الله (e) من الموبقات. قال الراوي يعني المهلكات. (رواه البخاري)
وإلي هذا يشير الصوفي الكبير (ذو النون المصري) لما سُئل عن التوبة. فقال: توبة العوام من الذنوب، وتوبة الخواص من الغفلة.
ويقول عبد الله التميمي: شتان بين تائب وتائب: فتائب يتوب من الذنوب والسيئات، وتائب يتوب من الزلل والغفلات، وتائب يتوب من رؤية الحسنات والطاعات.
فوائد التوبة:
فرح الله بتوبة عبده المؤمن عَنْ أَنَسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ عَنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى، شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّك، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» الصحيحين
نال جائزة التوبة وهى تبديل سيئاته الى حسنات قال تعالى إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان
3- يحبه الله تعالي ويحبه أهل السماء، ثم يكتب له قبول ومحبة أهل الأرض.
للحديث: إذا أحب الله عبداً نادي يا جبريل إني أحببت فلانا. وينادي جبريل في عالم السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يكتب له القبول في الأرض……. أحمد
تغفر ذنوبه. للحديث: التوبة تَجُبُ ما كان قبلها. قال تعالي: ]وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ[ آل عمران 135
5- ينسي الله تعالي شهودَه معاصيه فيلقى الله بلا شاهد عليه يوم القيامة ذلك أن
شهود العبد أربعة
1- الكتاب: ]وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً[ الاسراء 13
2- الحفظة الكتبة: ]وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)الانفطار 10
3- الجوارح: ]الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [ يس 65
4- موضع الفعل من الأرض: ]إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [ الزلزلة
فخليق بالمؤمن الذي يريد لنفسه السعادة والفوز برضى ربه ومولاه أن يلزمها باب التوبة وعتبة الإنابة، يخاطبها في كل وقت وحين.
يا نفسُ توبي فإن الوقت قد حانا واعصي الهوى فالهوى مازال فتاناَ
في كل يــــــــــــــــــــوم لنـا ميت نشيعه نحـي بمصــــــــــــــــــرعه أثـار موتـــــــــــــانــا
يا نفس مالي وللأمــــــــــوال أتركها خلفـي وأخـــــــــــــــــــرج من دنيـاي عريانا
————
حكم المنية في البرية جارى ما هذه الدنيـا بدار قـرار
ومكلف الأيام ضد طباعـها متطلب في الماء جـذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء علي شفير هار
فالعيش نوم والمنيـة يقظة والمرءُ بينهمـا خيال سـارى
فاقضوا مآربكم عجـالاً إنما أعمـاركم سفر من الأسفـار
نعم إن الناس نيام. فإن ماتوا انتبهوا. فلا تقل فيها ملكتُ فلله ملك السموات والأرض.
فما أهل الحياة لنا بأهل ومـا دار الحياة لنا بدار
وما أموالنا والأهل فيها ومـا أولادنـا إلا عوار
وأنفسنا إلي أجل قريب سيأخذها المعير من المعار
فما أهل هذه الحياة الدنيا بأهل ولا أحباب. وسوف ترى العجب العجاب. إذا حانت منيتك وانقطعت عنك الأسباب. إن أصدقاءك يومئذ ثلاثة صديق خسيس يتخلى عنك وينتقل إلي غيرك بمجرد موتك: وهو (مالك) وصديق يصحبك من بيتك مشيعا إلي أن يُدليك في قبرك ويهيل عليك التراب ثم يعود. وهم (أهلك وأقرباؤك). وصديق مخلص وَفي ينزل معك قبرك مؤانساً إلي يوم القيامة وهو عملك الصالح، حيث تجد نفسك وحيدا فريدا مقطوعاً غريبا. ولسان حال الرحمة الربانية يناديك:
عبدي: انظر إلي هِؤلاء الآهل والخلان، في حياتك أحبوك، وبالآمال خدعوك، ومن أجل مالك مدحوك فلما مت عزلوك، وفي كفن بخس لفوك، وإلي القبر حملوك، وتحت التراب وضعوك، وهاهم رجعوا وتركوك، وبعد قليل ينسوك، ولو ظلوا معك ما نفعوك. ولم يبقِ لنا إلا أنا وأنا الحي الباقي الذي لا يموت.
أخي المؤمن:
تـزود من حياتـك للمعاد وتب لله واحمل خيــر زاد
إلي كم ذا التغافل والتمادي وحادي الموت بالأرواح حاد
فلـو كنا جمادا لا تعظنـا ولكنـا أشـد مـن الجمـاد
تنادينـا المنيـة كل يـوم ولكـن الذنوب لفـي ازدياد
إذا ما الزرع قاربه اصفرار فليـس دواؤه غيـر الحصاد
كأنك بالمشيـب وقد تبـدى وبالأخـرى مناديهـا ينـادي
وقالوا قد مضي فاقروا عليه سـلا مًكموا إلي يـوم التنادي
اعداد رضا رجب
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin