كتاب: مصطفى الرافعى.. أرق وأدق كلماته ـ د. ناجح إبراهيم

مصطفى الرافعى.. أرق وأدق كلماته
د. ناجح إبراهيم
كلماته أجمل الكلمات، فيها أرق وأدق المعانى، لم يترك معنى من المعانى السامية إلا وطرقه بأجمل عبارة، أديب، شاعر، فقيه، صاحب مدرسة فكرية وأدبية من أعظم المدارس فى تاريخ مصر والعرب الحديث، ظُلم فى كل العصور من وزارة الثقافة لأنه أول من تحدى د. طه حسين.

لك أن تتابعه وهو يتحدث فى الدين فيقول: «إن الله لا يُمسك عنّا فضله، إلا حين نطلب ما ليس لنا، أو ما لسنا له»، وعن الأعياد: «كان العيد فى الإسلام هو عيد الفكرة العابدة فأصبح عيد الفكرة العابثة»، ويقول: «ليس العيد إلا إشعار هذه الأمة بأن فيها قوةَ تغيير الأيام، لا إشعارها بأنّ الأيام تتغير».

وعن الثقة بالله والتوكل عليه: «الثقة بالله أزكى أمل، والتوكل عليه أوفى عمل»، وعن عطاء الله ومنعه: «إن الطبيب الحكيم لا يجارى العليل وإنما ينظر إلى العلّة، وإن الله سبحانه لا يبالى باصطلاح الناس ولكنه ينظر مصلحتهم حين يعطى ويمنع».

وعن الظلم: «دموع المظلومين هى فى أعينهم دموع، ولكنها فى يد الله صواعق يضرب بها الظالم»، وعن القدر: «حين ينجح الإنسان يقول فعلت وفعلت، وحين يفشل يقول القدر ويسكت».

وعن الإلحاد: «المُلحد لا موضع فى قلبه للحب لأنّ الحُب مؤمن»، وعن التواضع: «إن الله مع المنكسرة قلوبهم».

وعن اللغة العربية: «إن الأمة لا تحيا إذا ماتت لغتها، ولن تموت لغة أمة حية»، وعن غياب القدوة: «كما يضر أهل الشرّ غيرهم إذا عملوا الشرّ، يضر أهل الخير غيرهم إذا لم يعملوا الخير»، وعن أهمية العمر للمؤمن: «إن يوماً باقياً من العمر هو للمؤمن عُمرٌ ما ينبغى أن يُستهانَ به»، وعن تأخر الرزق للصالحين عادة: «رزق الصالحين كالصالحين أنفسهم، يصوم عن أصحابه اليوم واليومين»، وعن أهمية بركة الرزق لا كثرته: «إن العبرة بروح النعمة لا بمقدارها».

وعن سباب ضياع العرب والشرقيين: «لم يضيع الشرقيين ضعف القوة أكثر مما ضيعهم ضعف البصيرة»، وعن موات الوعاظ والخطباء: «ليت المنابر الإسلامية لا يخطب عليها إلا رجال فيهم أرواح المدافع لا رجال فى أيديهم سيوف خشب».

وعن جنة براءة الأطفال: «ولا تزال الجَنَّةُ مع الطفل، حتّى إذا كبُر قيل له كما قيل لآدم: اهبط منها»، وعن روعة الكون: «ما أجمل الأرض على حاشية الأزرقين، البحر والسماء، يكاد الجالس هنا يظن نفسه مرسوماً فى صورة إلهية، وعن شغلك بعيوب الآخرين: «من شغل نفسه بعيوب الآخرين كثرت عيوبه وهو لا يدرى»، وعن كرامة المرأة: «المرأة للرجُل نفس لنفس، لا متاعٌ لشاريه»، وعن كيفية معرفة المرأة: «كم من امرأةٍ جميلةٍ تراها أصفى من السماء، ثمَّ تثورُ يوماً فلا تدل ثورتُها على شىءٍ إلا كما يدل المستنقع على أنَّ الوحلَ فى قاعه، فأغضبِ المرأة تعرفها».

وعن سجن الفكرة: «أشد سجون الحياة قسوة، فكرة بائسة يسجن المرء منا نفسه بداخلها»، وعن انتشار الوقاحة فى عصره: «فى مِثل هذا العصر، يكاد يكون التَّعريف الصَّحيح للأفضل مِن النَّاس: أنَّه الأقلُّ سفالة»، ولا أرى كيف لو عاش فى عصرنا؟!

وعن أهمية الخيال والحب: «خفف الله على الإنسان؛ فأودع فيه قوة التخيُّل، يستريح إليها من الحقائق؛ فإذا ضجر أهل الخيال من الخيال، لم يُصلحهم إلا الحب».

وعن خطورة بعض الأسرار: «إن بعض الأسرار فيه ضربة العنق فلا يباح منه شىء، وبعضها يكون فيه ألم النفس الكبيرة فلا يباح كذلك»، وعن سعادة النفوس المتسامحة: «إذا استقبلت العالم بالنفس الواسعة، رأيت حقائق السرور تزيد وتتسع، وحقائق الهموم تصغر وتضيق، وأدركت أن دنياك إن ضاقت فأنت الضيق لا هى»، وعن شقاء الملوك بالملك: «أعظم الملوك لن يستطيع بكل ماله أن يشترى الطريقة الهنيئة التى ينبض بها الساعة قلب هذا الطفل».

وعن تقسيم الكتاب: «الفرق بين كاتب متعفف وبين كاتب مُتعهِّر أن الأول مثقل بواجب، والآخر مثقل به ذلك الواجب»، وعن سبب هوان الأمم: «الأمة التى تبذل كل شىء وتستمسك بالحياة جبناً وحرصاً لا تأخذ شيئاً والتى تبذل أرواحها فقط تأخذ كل شىء»، وعن العمل الصالح: «نحن على الأرض نبنى لأرواحنا فى السمــاء».

وعن الحرية غير المنضبطة: «وما زال رأى الفساق فى كل زمن أن الحرية هى حرية الاستمتاع، وأن تقييد اللذة إفساد للذة»، وعن ذل الفقير فى الدنيا: «يا للعدالة كانت، الصفعة على وجه ابن الفقير وكان الباكى منها ابن الغنى»، ويقول عن الحب: «إن الحبَّ هو تجديدُ النفس»، وعن الطائع والعاصى: «أشدّ ما يفضح الثوب القذر أن تنزل فيه رقعة نظيفة».

وعن خطورة استدعاء الحزن: «لا يريد الهمّ منك أكثر من أن تريدَه فيأتى»، وعن فضيلة الكفاح يقول: «للكفاح غريزة تجعل الحياة كلها نصراً»، وعن تناقض العقل مع الهوى: «يحمل الإنسان فى نفسه نقيضين هما عقله وهواه، فإذا أطلقهما معاً أفسداه، وإذا قيدهما أفسداه، ولكن تمام الإنسان أن يطلق عقله ويحد الهوى، وما دامت الأهواء مقيدة فى حدودها فليس فى العقل إلا محض الخير».

وعن حكمة ذكر الصلاة على الرسول فى كل أذان يقول: «وكأنه فرض على المسلمين ألا ينقطعوا عن نبيهم يوماً يوماً واحداً من التاريخ ولا جزءً من اليوم فيمتد الزمن كما يشاء والإسلام كأنه على أوله وكأن المسلم مع نبيه بين يديه تشرق فى نفسه إشراقات النبوة يومياً».

كل هذه الحكم الرائعة نطق بها عقل وروح العبقرى مصطفى صادق الرافعى الذى له حظ كبير من اسمه الثلاثى، رحمه الله رحمة واسعة، وتكفيه جوائز السماء لتغنيه عن أهل الأرض.