بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله صحبه وسلم
الله . . ليس كذلك
كتبه / عبد الرحمن (ود الكبيدة)
هذا عنوان لكتاب ألفته الكاتبة المفكرة الألمانية (زيغريد هونكه)، وترجمه إلى العربية الدكتور غريب محمد غريب. ونشرته دار الشروق - القاهرة، 1416هـ / 1996م.
والكاتبة زيغريد سبق لها كتابها: "شمس العرب تسطع على الغرب" ذلك الكتاب الذي سلط الضوء على الأثر العلمي العميق الذي تركه العرب على فكر وثقافة الغرب، عندما أخذ الغرب هذا الفكر من عرب الأندلس والمشرق العربي، فكان ذلك الفكر العربي مصابيح أضاءت طريق الغرب المعرفي.
وهذا الكتاب من عنوانه يشير إلى
أفهام خاطئة لدى الغربيين عن الذات الإلهية وعن الدين الإسلامي وعن المسلمين.
تفتتح الكاتبة حديثها بمقولة الفرنسي رومان رولاند: "لا ريب في أن الآراء المطلقة المتوارثة، تجعل تفهم الشعوب بعضها بعضاً أمراً عسيراً، كما تجعل احتقار بعضها البعض الآخر أمراً هيناً يسيراً" . وبهذا تود الكاتبة أن تشير إلى إساءة الغرب فهم المسلمين والإسلام والعرب والعروبة، وذلك بسبب الأحكام الجائرة المتعسفة الموروثة عن القرون الوسطى. ومن هنا نشأت موجات العداء الجديدة المغرضة في الغرب والتي تستهدف الإسلام وتكيد له.
* وأول هذه المفاهيم الغربية الخاطئة عن الإسلام إطلاق لفظ "المحمديين" (1) على المسلمين، وهو تعبير نقله قبل سبعمئة عام الإنجليزي وليام من مدينة سالسبري عن الرأي العام الشائع في عصره عن سكان إسبانيا إبان حكم المسلمين لها.
* لقد بدأ تحول حاسم في مجرى التاريخ بدعوة البابا أوربان الثاني في السابع والعشرين من نوفمبر عام 1095م في كليرمونت بفرنسا كافة فرسان الغرب إلى حمل الصليب والزحف لتحرير قبر "عيسى المقدس" (2) زاعماً أنه قد هدمه وخربه "أجلاف العرب عبدة الشيطان" على زعم هذا البابا. فتحركت تلك الدعاية المسمومة تواكب هذه الحملة الصليبية البربرية. وللحق أيضاً أن المسلمين العرب ومن غير العرب كالأتراك وغيرهم قد التزموا منذ عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بضمان سلامة النصارى الذين يسعون إلى حج الأرض المقدسة، لا يصدونهم عنها أبداً.
* وثم تصور خاطئ يحكم نظرة الغرب إلى الإنسان المسلم، وذلك أن الغرب يفهم من الإسلام "الإمتثال لأمر الله والاستسلام إلى مشيئته"، وإلى هنا لا غضاضة في هذا الفهم. بيد أن الغرب ينطلق من هذا الفهم ليلبسه ثوب الجبرية، ويفهم منه أن الإنسان مجبر مسير، وأنه يعبد الله نتيجة خطيئة آدم. وهذه بعينها النظرة النصرانية إلى الإنسان النصراني، راح يخلعها على الصورة الإسلامية للإنسان. فالإسلام لا يقول أساساً بوارث "الخطيئة" ولا بأول إنسان كان أثيماً، بمعنى أن الخطيئة والإثم ليس أصل الفطرة التي فطر الإنسان عليها، بل الإثم يغتفر إذا تاب الإنسان توبة نصوحاً، فالإسلام لايرى - كما يرى النصارى - أن آدم أخطأ ولم ينل أحد غفران الله إلّا بواسطة عيسى المُخَلِّص يسوع، بل الإسلام ينص على أن الله غفر لآدم، قال تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) البقرة، 37. وترجع فكرة "عيسى يسوع المُخَلِّص" إلى تفاسير بولس لرسالة عيسى لخلاص الإنسان من خلال موت يسوع المسيح. (3)
هوامش:
(1) إن كلمة "المحمديين" قصد بها الغرب مفهوم أن الإسلام ليس ديناً سماوياً من عند الله تعالى، ولكنه من اختراع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
(2) لا يعتقد المسلمون موت سيدنا عيسى عليه السلام، بل هو عندهم رفعه الله إلى السماء، وسوف ينزل في آخر الزمان ويحكم بالإسلام. فلا يوجد له قبر حتى يسطو عليه المسلمون بالخراب على زعم الغربيين.
(3) هذه الأفكار ليست من وحي الله تعالى في الإنجيل الذي أنزله على سيدناعيسى عليه السلام، ولكنها من أوهام وتفاسير الذين دونوا الإنجيل فيما بعد.
قلنا في الجزء الأول من هذا الحديث أن زيغريد هونكه تصدت في كتابها: "الله . . ليس كذلك" علمياً وموضوعياً لما يلصقه الغرب ظلماً وعدواناً، أو جهلاً بالعرب والمسلمين، لتحررهم من قبضة الفئة التي زيفت التاريخ.
* وهنالك مغالطة يروجها الغرب أن الإسلام انتشر بحد السيف. ولكن التاريخ يثبت لنا أن الدور الحاسم في انتشار الإسلام يرجع إلى التسامح العربي. قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة، 256؛ وقال عز وجل: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف، 29. يبلغ عدد المسلمين من الجنس الملاوي جنوب شرقي آسيا أكثر من 200مليون، أي أكثر من عدد المسلمين العرب، ومعروف أنه لم يصل جيش عربي إلى تلك المناطق، كذلك وصل الإسلام الصين
وروسيا وجنوب إفريقيا بدون جندي عربي واحد. واليوم والمسلمون مستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها، لا قوة لهم ولا سيف، يدخل في الإسلام مئات الألوف سنوياً من الغرب والشرق.
* كان من ظواهر هذا التسامح العربي الإسلامي أنه لا النصرانية ولا اليهودية قد استأصل، بل كفل لكليهما حرية التعبد وممارسة شعائرهم الدينية تحت حكم العرب لإسبانيا والذي دام قرابة ثمانمئة عام. فازدهرت العلوم والفنون ورفرف الرخاء على كل ساكنيها، فكان لها السبق والريادة على أوربا، فكان في قرطبة وحدها أكثر من عشرين مكتبة عامة. وكان ذلك في زمن ساد فيه موقف الكنيسة المعادي للفكر والعلم، فقد ذهب رجال الدين النصارى آنذاك إلى أن طلب العلم والمعرفة بعد ما أنزل الإنجيل تجديف وكفر بالله: "مثلما زعم من قبل توليان وأغسطين اللذان لعنا حب الاستطلاع أو الفضول المريض".
* أما عن المرأة فقد زعم الغرب أن الإسلام يكبت المرأة ويهضمها حقوقها. ولكن عكس ذلك هو الذي نادى به الإسلام، فقد ساوى بين الجنسين في الحقوق والواجبات، (لهن مثل الذي عليهن بالمعروف) البقرة، 228. وحتى تعدد الزوجات الذي أملته ظروف الحرب وجعلته أمثل حل لرعاية الأيامى والثكلى واليتامى، فقد اشترطت لهذا التعدد العدل بين الزوجات وإلّا فلا، قال تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألّا تعدلوا فواحدة) النساء، 3.
* يصم الغرب المسلمين العرب بأنهم مجرد نقلة للتراث اليوناني. غير أن هذه فرية يدحضها ما قام به العرب المسلمون من شروحات وتوضيحات وإضافات للتراث اليوناني. وفي بعض الأحيان قام العرب بنقد وتفنيد بعض الآراء الخاطئة في التراث اليوناني:
- قام المشرح الطبيب العربي عبد اللطيف "أحد أطباء صلاح الدين الأيوبي" بتصحيح خطأين لجالينوس.
- أما ابن النفيس الذي خلف عبد اللطيف في رئاسة المستشفى بالقاهرة فقد بين فساد نظرية جالينوس حول وجود ثقوب في الحجاب الحاجز بالقلب وبيَّن أنها خيال محض.
- هنالك خطأ في نظريتي إقليدس وبطليموس الزاعمة أن العين تسلط نورها على المرئيات، فصوبهما عالم البصريت العربي ابن الهيثم مؤسس علم البصريات التجريبي، والذي وضع نظريات وقوانين عديدة في علم البصريات، مقدماً لأوربا نظرية تكاد تكون متكاملة حول الأشعة، بما في ذلك الأسس التي يقوم عليها استخدام العدسات والمجاهر، وكافة أنواع المرايا وآلة التصوير بالتعتيم الشمسي وكشافات الضوء الكهربية وغير ذلك.
ففي واقع الأمر تظل أوربا مدينة للعرب والمسلمين بما نشروه من علوم كونية وطبيعية وفلسفية اتخذها الغرب منطلقاً لنهضته العلمية الحالية.
يرق لأوربا أن تكون مدينة للعرب والمسلمين في نهضتها العلمية والأدبية والفكرية، بل راحت تنتحل منجزات العرب الفكرية وتدعيها لنفسها.
نسب الغرب العلم التجريبي إلى روجر بيكون (1211م- 1294م). لقد أدرك علماء العرب أن التجريب هو طريقة البحث المثلى لاستخلاص القوانين، وقد قام على هذا التجريب علماء أجلاء مثل ابن الهيثم والكندي. وينسحب هذا أيضاً على الرياضيات، وذلك بوضع المعادلات والقوانين وتنفيذها عملياً للإفادة منها.
* استغل روجر بيكون فكرة التجريب، ممهداً لظهور مخترعات وتطويرات جديدة. ولكن في الوقت الذي أبدع فيه علماء المسلمين والعرب مستخدمين منهج التجربة العلمية، فقد كان رؤساء طائفة الفرنسيسكان يرتابون في علم روجر بيكون ويتهمونه بأنه يتدخل بأفعاله المتعمدة قصداً في تبديل خلق الله. فالغرب يغمط العرب حقهم في ابتكار منهج البحث العلمي ويرده إلى روجر بيكون، ثم بعد ذلك تقف الكنيسة ضده وترفض منهج بيكون التجريبي.
* اعترف أدلهرد فون باث بأنه كثيراً ما نَحَل أفكاره الخاصة مؤلفين عرباً، يبتغي بنسبتها إليهم أن يظفر لها بالتأييد فتسود.
* ادَّعى الغرب اكتشاف الدورة الدموية ونسبها للإسباني ميكائيل سرفت (1553م) والإنجليزي وليام هارفي (1616م)، ولكنها من اكتشافات ابن النفيس رئيس أطباء مستشفى الناصرة بالقاهرة من عام 1260م إلى 1288م. وهؤلاء الأطباء الغربيون عاشوا بعد ابن النفيس بثلاثمئة سنة.
* إن الجراح الأندلسي الكبير أبا القاسم (توفي عام 1013م) هو أول من قام بإيقاف نزيف الأوعية الدموية الكبرى، ولكن الغرب نسب هذا الجهد الطبي للجراح الفرنسي أمبراز باري (1552م).
* كما أن أبا القاسم هذا نصح بوضع التدلي أثناء التوليد، ولكن الغرب نسبه إلى الألماني فالخر (1856م - 1935م) حتى صار يعرف باسم التدلي الفالخري.
* ونجد أيضاً أبا القاسم الذي نصح في إجراء الجراحة في التجويف أسفل السرة بحيث يرفع الحوض والعجيزة والقدمان، والغرب نحله للجراح الألماني ترندلبرج (1844م - 1924م) ويشتهر بالوضع الترندلبرجي.
* كما كان أبو القاسم أول من شخص مرض الفِقَر والمفاصل، غير أن الغرب نسبه إلى برسيفال بوت (1712م - 1788م) وخلده تاريخ الطب باسمه: البلاء البوتي أو البلية البوتية.
* وفي ختام الكتاب دعت الكاتبة كلا من العرب والغرب إلى تجنب الانغلاق والتقوقع الذاتي، بل دعتهم إلى الانفتاح على بعض. ودعت الغرب على وجه الخصوص إلى نبذ التضليل المتعمد فيما يختص بمنجزات العرب والمسلمين. وتقول الكاتبة:
"إن الإسلام هو ولا شك أعظم ديانة على ظهر الأرض سماحة وإنصافاً، نقولها بلا تحيز، ودون أن نسمح للأفكار الظالمة أن تلطخه بالسواد، إذا ما نحينا هذه المغالطات التاريخية الآثمة في حقه، والجهل البحت به، وإن علينا أن نتقبل هذا الشريك والصديق، مع ضمان حقه في أن يكون كما هو".
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله صحبه وسلم
الله . . ليس كذلك
كتبه / عبد الرحمن (ود الكبيدة)
هذا عنوان لكتاب ألفته الكاتبة المفكرة الألمانية (زيغريد هونكه)، وترجمه إلى العربية الدكتور غريب محمد غريب. ونشرته دار الشروق - القاهرة، 1416هـ / 1996م.
والكاتبة زيغريد سبق لها كتابها: "شمس العرب تسطع على الغرب" ذلك الكتاب الذي سلط الضوء على الأثر العلمي العميق الذي تركه العرب على فكر وثقافة الغرب، عندما أخذ الغرب هذا الفكر من عرب الأندلس والمشرق العربي، فكان ذلك الفكر العربي مصابيح أضاءت طريق الغرب المعرفي.
وهذا الكتاب من عنوانه يشير إلى
أفهام خاطئة لدى الغربيين عن الذات الإلهية وعن الدين الإسلامي وعن المسلمين.
تفتتح الكاتبة حديثها بمقولة الفرنسي رومان رولاند: "لا ريب في أن الآراء المطلقة المتوارثة، تجعل تفهم الشعوب بعضها بعضاً أمراً عسيراً، كما تجعل احتقار بعضها البعض الآخر أمراً هيناً يسيراً" . وبهذا تود الكاتبة أن تشير إلى إساءة الغرب فهم المسلمين والإسلام والعرب والعروبة، وذلك بسبب الأحكام الجائرة المتعسفة الموروثة عن القرون الوسطى. ومن هنا نشأت موجات العداء الجديدة المغرضة في الغرب والتي تستهدف الإسلام وتكيد له.
* وأول هذه المفاهيم الغربية الخاطئة عن الإسلام إطلاق لفظ "المحمديين" (1) على المسلمين، وهو تعبير نقله قبل سبعمئة عام الإنجليزي وليام من مدينة سالسبري عن الرأي العام الشائع في عصره عن سكان إسبانيا إبان حكم المسلمين لها.
* لقد بدأ تحول حاسم في مجرى التاريخ بدعوة البابا أوربان الثاني في السابع والعشرين من نوفمبر عام 1095م في كليرمونت بفرنسا كافة فرسان الغرب إلى حمل الصليب والزحف لتحرير قبر "عيسى المقدس" (2) زاعماً أنه قد هدمه وخربه "أجلاف العرب عبدة الشيطان" على زعم هذا البابا. فتحركت تلك الدعاية المسمومة تواكب هذه الحملة الصليبية البربرية. وللحق أيضاً أن المسلمين العرب ومن غير العرب كالأتراك وغيرهم قد التزموا منذ عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بضمان سلامة النصارى الذين يسعون إلى حج الأرض المقدسة، لا يصدونهم عنها أبداً.
* وثم تصور خاطئ يحكم نظرة الغرب إلى الإنسان المسلم، وذلك أن الغرب يفهم من الإسلام "الإمتثال لأمر الله والاستسلام إلى مشيئته"، وإلى هنا لا غضاضة في هذا الفهم. بيد أن الغرب ينطلق من هذا الفهم ليلبسه ثوب الجبرية، ويفهم منه أن الإنسان مجبر مسير، وأنه يعبد الله نتيجة خطيئة آدم. وهذه بعينها النظرة النصرانية إلى الإنسان النصراني، راح يخلعها على الصورة الإسلامية للإنسان. فالإسلام لا يقول أساساً بوارث "الخطيئة" ولا بأول إنسان كان أثيماً، بمعنى أن الخطيئة والإثم ليس أصل الفطرة التي فطر الإنسان عليها، بل الإثم يغتفر إذا تاب الإنسان توبة نصوحاً، فالإسلام لايرى - كما يرى النصارى - أن آدم أخطأ ولم ينل أحد غفران الله إلّا بواسطة عيسى المُخَلِّص يسوع، بل الإسلام ينص على أن الله غفر لآدم، قال تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) البقرة، 37. وترجع فكرة "عيسى يسوع المُخَلِّص" إلى تفاسير بولس لرسالة عيسى لخلاص الإنسان من خلال موت يسوع المسيح. (3)
هوامش:
(1) إن كلمة "المحمديين" قصد بها الغرب مفهوم أن الإسلام ليس ديناً سماوياً من عند الله تعالى، ولكنه من اختراع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
(2) لا يعتقد المسلمون موت سيدنا عيسى عليه السلام، بل هو عندهم رفعه الله إلى السماء، وسوف ينزل في آخر الزمان ويحكم بالإسلام. فلا يوجد له قبر حتى يسطو عليه المسلمون بالخراب على زعم الغربيين.
(3) هذه الأفكار ليست من وحي الله تعالى في الإنجيل الذي أنزله على سيدناعيسى عليه السلام، ولكنها من أوهام وتفاسير الذين دونوا الإنجيل فيما بعد.
قلنا في الجزء الأول من هذا الحديث أن زيغريد هونكه تصدت في كتابها: "الله . . ليس كذلك" علمياً وموضوعياً لما يلصقه الغرب ظلماً وعدواناً، أو جهلاً بالعرب والمسلمين، لتحررهم من قبضة الفئة التي زيفت التاريخ.
* وهنالك مغالطة يروجها الغرب أن الإسلام انتشر بحد السيف. ولكن التاريخ يثبت لنا أن الدور الحاسم في انتشار الإسلام يرجع إلى التسامح العربي. قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة، 256؛ وقال عز وجل: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف، 29. يبلغ عدد المسلمين من الجنس الملاوي جنوب شرقي آسيا أكثر من 200مليون، أي أكثر من عدد المسلمين العرب، ومعروف أنه لم يصل جيش عربي إلى تلك المناطق، كذلك وصل الإسلام الصين
وروسيا وجنوب إفريقيا بدون جندي عربي واحد. واليوم والمسلمون مستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها، لا قوة لهم ولا سيف، يدخل في الإسلام مئات الألوف سنوياً من الغرب والشرق.
* كان من ظواهر هذا التسامح العربي الإسلامي أنه لا النصرانية ولا اليهودية قد استأصل، بل كفل لكليهما حرية التعبد وممارسة شعائرهم الدينية تحت حكم العرب لإسبانيا والذي دام قرابة ثمانمئة عام. فازدهرت العلوم والفنون ورفرف الرخاء على كل ساكنيها، فكان لها السبق والريادة على أوربا، فكان في قرطبة وحدها أكثر من عشرين مكتبة عامة. وكان ذلك في زمن ساد فيه موقف الكنيسة المعادي للفكر والعلم، فقد ذهب رجال الدين النصارى آنذاك إلى أن طلب العلم والمعرفة بعد ما أنزل الإنجيل تجديف وكفر بالله: "مثلما زعم من قبل توليان وأغسطين اللذان لعنا حب الاستطلاع أو الفضول المريض".
* أما عن المرأة فقد زعم الغرب أن الإسلام يكبت المرأة ويهضمها حقوقها. ولكن عكس ذلك هو الذي نادى به الإسلام، فقد ساوى بين الجنسين في الحقوق والواجبات، (لهن مثل الذي عليهن بالمعروف) البقرة، 228. وحتى تعدد الزوجات الذي أملته ظروف الحرب وجعلته أمثل حل لرعاية الأيامى والثكلى واليتامى، فقد اشترطت لهذا التعدد العدل بين الزوجات وإلّا فلا، قال تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألّا تعدلوا فواحدة) النساء، 3.
* يصم الغرب المسلمين العرب بأنهم مجرد نقلة للتراث اليوناني. غير أن هذه فرية يدحضها ما قام به العرب المسلمون من شروحات وتوضيحات وإضافات للتراث اليوناني. وفي بعض الأحيان قام العرب بنقد وتفنيد بعض الآراء الخاطئة في التراث اليوناني:
- قام المشرح الطبيب العربي عبد اللطيف "أحد أطباء صلاح الدين الأيوبي" بتصحيح خطأين لجالينوس.
- أما ابن النفيس الذي خلف عبد اللطيف في رئاسة المستشفى بالقاهرة فقد بين فساد نظرية جالينوس حول وجود ثقوب في الحجاب الحاجز بالقلب وبيَّن أنها خيال محض.
- هنالك خطأ في نظريتي إقليدس وبطليموس الزاعمة أن العين تسلط نورها على المرئيات، فصوبهما عالم البصريت العربي ابن الهيثم مؤسس علم البصريات التجريبي، والذي وضع نظريات وقوانين عديدة في علم البصريات، مقدماً لأوربا نظرية تكاد تكون متكاملة حول الأشعة، بما في ذلك الأسس التي يقوم عليها استخدام العدسات والمجاهر، وكافة أنواع المرايا وآلة التصوير بالتعتيم الشمسي وكشافات الضوء الكهربية وغير ذلك.
ففي واقع الأمر تظل أوربا مدينة للعرب والمسلمين بما نشروه من علوم كونية وطبيعية وفلسفية اتخذها الغرب منطلقاً لنهضته العلمية الحالية.
يرق لأوربا أن تكون مدينة للعرب والمسلمين في نهضتها العلمية والأدبية والفكرية، بل راحت تنتحل منجزات العرب الفكرية وتدعيها لنفسها.
نسب الغرب العلم التجريبي إلى روجر بيكون (1211م- 1294م). لقد أدرك علماء العرب أن التجريب هو طريقة البحث المثلى لاستخلاص القوانين، وقد قام على هذا التجريب علماء أجلاء مثل ابن الهيثم والكندي. وينسحب هذا أيضاً على الرياضيات، وذلك بوضع المعادلات والقوانين وتنفيذها عملياً للإفادة منها.
* استغل روجر بيكون فكرة التجريب، ممهداً لظهور مخترعات وتطويرات جديدة. ولكن في الوقت الذي أبدع فيه علماء المسلمين والعرب مستخدمين منهج التجربة العلمية، فقد كان رؤساء طائفة الفرنسيسكان يرتابون في علم روجر بيكون ويتهمونه بأنه يتدخل بأفعاله المتعمدة قصداً في تبديل خلق الله. فالغرب يغمط العرب حقهم في ابتكار منهج البحث العلمي ويرده إلى روجر بيكون، ثم بعد ذلك تقف الكنيسة ضده وترفض منهج بيكون التجريبي.
* اعترف أدلهرد فون باث بأنه كثيراً ما نَحَل أفكاره الخاصة مؤلفين عرباً، يبتغي بنسبتها إليهم أن يظفر لها بالتأييد فتسود.
* ادَّعى الغرب اكتشاف الدورة الدموية ونسبها للإسباني ميكائيل سرفت (1553م) والإنجليزي وليام هارفي (1616م)، ولكنها من اكتشافات ابن النفيس رئيس أطباء مستشفى الناصرة بالقاهرة من عام 1260م إلى 1288م. وهؤلاء الأطباء الغربيون عاشوا بعد ابن النفيس بثلاثمئة سنة.
* إن الجراح الأندلسي الكبير أبا القاسم (توفي عام 1013م) هو أول من قام بإيقاف نزيف الأوعية الدموية الكبرى، ولكن الغرب نسب هذا الجهد الطبي للجراح الفرنسي أمبراز باري (1552م).
* كما أن أبا القاسم هذا نصح بوضع التدلي أثناء التوليد، ولكن الغرب نسبه إلى الألماني فالخر (1856م - 1935م) حتى صار يعرف باسم التدلي الفالخري.
* ونجد أيضاً أبا القاسم الذي نصح في إجراء الجراحة في التجويف أسفل السرة بحيث يرفع الحوض والعجيزة والقدمان، والغرب نحله للجراح الألماني ترندلبرج (1844م - 1924م) ويشتهر بالوضع الترندلبرجي.
* كما كان أبو القاسم أول من شخص مرض الفِقَر والمفاصل، غير أن الغرب نسبه إلى برسيفال بوت (1712م - 1788م) وخلده تاريخ الطب باسمه: البلاء البوتي أو البلية البوتية.
* وفي ختام الكتاب دعت الكاتبة كلا من العرب والغرب إلى تجنب الانغلاق والتقوقع الذاتي، بل دعتهم إلى الانفتاح على بعض. ودعت الغرب على وجه الخصوص إلى نبذ التضليل المتعمد فيما يختص بمنجزات العرب والمسلمين. وتقول الكاتبة:
"إن الإسلام هو ولا شك أعظم ديانة على ظهر الأرض سماحة وإنصافاً، نقولها بلا تحيز، ودون أن نسمح للأفكار الظالمة أن تلطخه بالسواد، إذا ما نحينا هذه المغالطات التاريخية الآثمة في حقه، والجهل البحت به، وإن علينا أن نتقبل هذا الشريك والصديق، مع ضمان حقه في أن يكون كما هو".
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin