الدرس التاسع والثلاثون
التحذير من الفرق الثلاث
جامع الخيرات
درسٌ ألقاهُ الفقيهُ المتكلمُ الشيخُ عبدُ الله بنُ محمدٍ العبدريُّ رحمهُ الله تعالى في بيروت وهو في بيانِ التحذيرِ منَ الفرقِ الثلاثِ حزبِ الإخوانِ وحزبِ التحريرِ والوهّابيةِ.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ لله رب العالمين لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى ءالهِ وصحبهِ وسلَّم أما بعدُ فإنَّ المسلمينَ كانُوا على عقيدةٍ واحدةٍ بعدَ وفاةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم إلى نحوِ خمسٍ وعشرينَ سنة. ما كانَ بينَهم اختلافٌ في العقيدةِ ثم شذَّ بعضُ الناسِ الذي لـم يَرَوُا الرسولَ صلى الله عليه وسلم عن عقيدةِ الصحابةِ.
أوَّلُ هؤلاءِ يُقالُ لهم الخوارجُ، في عهْدِ سيدِنا عليّ هذا حصل. هؤلاءِ انحرافُهُم أنهم فسَّرُوا بعضَ الآياتِ على غيرِ وجهِها فزَعَمُوا أنَّ مَنْ عَمِلَ معصيةً خرجَ من الإسلامِ، كفرَ، فعِنْدَهُم الحاكِمُ إنْ حكمَ بغيرِ الشرعِ كفرَ. المسلمونَ كلُّهُم كانوا يعتقدونَ قبلَ ظهورِ هؤلاءِ أنَّ مَنْ حكمَ بغيرِ الشرعِ للرِّشوةِ أو للصَّداقةِ أو للقرابةِ لا يكفرُ وإنما هوَ فاسِقٌ، قبلَ ظهورِ هذهِ الفرقةِ هكذا كانت عقيدةُ المسلمينَ. عقيدةُ المسلمينَ التي كانَ عليها الصحابةُ أنَّ المسلمَ لا يخرجُ منَ الإسلامِ لأجلِ المعصيةِ إنْ كانتْ صغيرةً وإن كانتْ كبيرةً. هؤلاءِ خالفُوا هذهِ العقيدةَ فقالوا مَنِ ارتكبَ معصيةً كفرَ. في الأولِ كانوا يقُولونَ الذي حكمَ فقط يكفرُ، لا يقولونَ الرعية تكفرُ لأنَّ الحاكِمَ حكمَ بغيرِ الشرع، ما كانوا يُكفِّرونَ الرعيّةَ لذلك. ثمَّ شذَّ من هؤلاءِ أناسٌ فقالوا الرعيّةُ أيضًا تكفرُ إذا حكمَ الحاكمُ كالملكِ بغيرِ الشرعِ، قالوا كفرَ الحاكِمُ وكفرتِ الرّعيّةُ، هؤلاءِ أكثرُ ضلالًا منَ الأوَّلِينَ، كِلا الفريقَينِ يُقالُ لهم خوارج.
ثمَّ بعدَ ألفٍ وأربعمائةِ سنةٍ من سِنِـي الهجرةِ إلا نحو أربعينَ سنة ظهرَ رجلٌ في مصرَ يُقالُ لهُ سيد قطب فقال كما قالت هذه الفرقةُ التي زادَتْ في الشُّذُوذِ قال أيُّ إنسانٍ يَحْكُمُ بغيرِ الشرعِ ولو بحُكمٍ واحدٍ خرجَ منَ الإسلامِ وخرجَتْ الرَّعيَّةُ التي هو يَحْكُمُها مَنْ شارَكَهُ في الحُكمِ ومَنْ لـم يُشارِكْهُ. هذا الرجلُ كانَ في مصرَ، ماتَ منذُ أربعينَ سنة1 ثم أتباعُهُ صاروا يعتقدونَ هذا الاعتقادَ فكفَّرُوا حُكَّامَ المسلمينَ والرعيّةَ. يقالُ لهؤلاءِ حزبُ الإخوانِ وهُم سَمَّوا أنفُسَهُم في أولِ الأمرِ الإخوانُ المسلمون ثم تَسَمَّوا في بعضِ البلادِ بالجماعةِ الإسلاميةِ ليُوهِمُوا الناسَ أنهم همُ المسلمونَ فقط وأنَّ مَنْ سواهُم ليسُوا مسلمين. هؤلاءِ لـمَّا كفَّروا الحاكِمَ والمحكومَ أي الرعيةَ استحلُّوا دماءَ النّاسِ استحلُّوا قتلَ المسلمينَ فيجبُ الحذرُ منهم. وأكبرُ وسيلةٍ للسلامةِ منْ ضلالهم تعلُّمُ علمِ الدينِ على طريقةِ أهلِ السنةِ.
كانوا في مصرَ ثمَّ توسَّعُوا فصاروا يقتلونَ المسلمينَ للوُصُولِ إلى الحُكْمِ، على زَعْمِهِم يُزيلُونَ هؤلاءِ الحُكَّامَ وهؤلاءِ الرّعيّةَ ليَحكُموا بشريعةِ اللهِ، وهؤلاءِ كاذِبونَ ليسَ غرضُهُم أن يحكُموا بالقرءانِ لو وَصَلوا إلى الرئاسةِ إنما هَمُّهُم الرئاسةُ، لو وصلوا إلى الرئاسةِ لحكَمُوا بالقانونِ كما يحكُمُ الناسُ اليومَ2.
والدليلُ على ذلكَ أنهُ في سورية منذ ثلاثينَ سنة تقريبًا دخلَ ثمانيةَ عشرَ شخصًا منهم في البرلمان واثنانِ من هؤلاء الثمانية عشر شاركا في وضع الدستورِ أي القانون. هذا دليلٌ على أنهم كاذِبُونَ لا يُريدونَ الحكمَ بشرعِ اللهِ لكن يريدُونَ أن يَنْخَدِعَ المسلمونَ بقَولِهِم نحن نريدُ الحكمَ بالشرعِ الإسلاميِّ ليَميلَ إليهمُ الناسُ فيَقْوَوا بهم ليَصِلوا إلى غرضِهِمُ الفاسدِ.
علامةُ حِزبِ الإخوانِ هؤلاءِ أن يقولَ الـمُنتَسِبُ إليهم مَنْ يحكُم بغيرِ حُكمِ اللهِ كافرٌ والرعيةُ الذينَ يعيشونَ في ظِلِّهِ كفَّارٌ.
أما حِزبُ التحريرِ فيُعْرِفُونَ بقولِهِم يجبُ علينا نصْبُ الخليفةِ أي حاكمٍ واحدٍ يحكُمُ جميع المسلمينَ ومَنْ ماتَ قبلَ نصْبِ الخليفةِ ميتَتُهُ ميتةُ الجاهليةِ المشركينَ. يُحرِّفونَ حديثًا إلى هذا الوجهِ، والحديثُ ليسَ معناهُ هذا. الحديثُ هو مَنْ ماتَ وليسَ في عُنُقِهِ بيعةٌ ماتَ ميتةً جاهليةً3 اهـ هذا الحديثُ يُحَرِّفُونَهُ.
والحديثُ معناهُ أنَّ الذي يموتُ وهوَ مُحارِبٌ للخليفةِ الذي ثَبَتَتْ لهُ البَيعةُ كالذينَ قاتَلوا سيدنا عليًّا رضيَ اللهُ عنهُ فمَنْ ماتَ منهم قبلَ أن يتُوبَ فميتَتُهُ كميتةِ الجاهليةِ المشركينَ. ثلاثُ فرقٍ حارَبُوا عليًّا أوَّلُهُم أهلُ وقعةِ الجملِ هؤلاءِ حارَبُوهُ نِصفَ نهارٍ فكسَرَهُم فتابَ مَنْ تابَ وقُتِلَ مَنْ قُتلَ. والفرقةُ الثانيةُ جماعةُ معاويةَ هؤلاءِ حارَبُوهُ ثلاثةَ أشهرٍ. هؤلاءِ ذنبُهُم أعظمُ وذنبُ معاويةَ أعظَمُ. والفرقةُ الثالثةُ هم الخوارجُ حاربُوهُ في النَهْرَوانِ.
عائشةُ وطلحةُ والزبيرُ رضيَ اللهُ عنهم هؤلاءِ حضَرُوا معركةَ الجمل، وقفُوا في مُعَسكرِ الـمُخالفينَ الخارجينَ على سيدِنا عليٍّ لكنْ هؤلاءِ الثلاثةُ تابُوا، عائشةُ ندِمَتْ ندمًا كبيرًا وطلحةُ ما ماتَ حتى انْصَرَفَ لأنَّ سيدنا عليًّا ذكَّرَهُ شيئًا فلَحِقَهُ واحدٌ مِمَّن كان يُقاتِلُ سيدنا عليًّا فقتَلَهُ. والزُّبَيرُ سيدُنا عليٌّ ذكَّرَهُ قالَ لهُ أليسَ قالَ الرسولُ لتُقاتِلَنَّ عليًّا وأنتَ ظالمٌ لهُ قالَ نسيتُ فانصرفَ تائِبًا4 اهـ. هؤلاءِ اللهُ تعالى تابَ عليهم لكن وقَعُوا في معصيةٍ. كلُّ هؤلاءِ من أهلِ السعادةِ لـم يمُوتُوا إلا بعدما تابُوا من هذهِ المعصيةِ، هكذا من كتبَ اللهُ لهُ السعادةَ لا بُدَّ أنْ يتوبَ قبلَ أن تخرجَ روحُهُ ولو بساعةٍ واحدةٍ.
حزبُ التحريرِ قالوا الذي يموتُ ولـم يُبايعْ خليفةً أي لـم يأخذْ عَهْدًا للخليفةِ يمُوتُ ميتةً جاهليةً وأهلُ هذا العصرِ كلُّهُم ليسَ عليهم خليفةٌ فعِنَدَهُم مَنْ يموتُ مِنْ أهلِ هذا العصرِ فميتَتُهُ كميتةِ أولئكَ المشركين. حرَّفُوا الحديثَ كما أنَّ جماعةَ سيد قُطُب حرَّفُوا الآيةَ التي في سورةِ المائدةِ ﴿ومَنْ لـم يحْكُم بما أنزلَ اللهُ فأولَئِكَ هُمُ الكافِرونَ﴾.
أما الوهابيةُ فهم مَعرُوفونَ بأمْرَينِ أحدُهما أنهم يقولونَ: اللهُ قاعِدٌ على العرشِ والأمرُ الثاني مَنْ قال: يا محمدُ أو يا حسنُ أو يا حُسَينُ أو يا عليُّ أو يا عبدَ القادرِ أو يا شيخُ أحمدُ الرفاعيّ عندَهُم كافرٌ حلالُ الدمِ. كذلكَ عندَهُم من زارَ قبرَ نبيٍّ أو وليٍّ لِطَلبِ البركةِ منَ اللهِ بهذهِ الزيارةِ فهوَ كافرٌ حلالُ الدمِ.
هؤلاءِ الثلاثةُ يُحَذَّرُ منهم على هذا الوجهِ. وهؤلاءِ الفرقُ الثلاثُ لا يجوزُ تزويجُهُم بناتِ المسلمينَ، عقيدتُهُم فاسدةٌ. في هذا الزمنِ الوهابيةُ انَدَسُّوا بينَ الناسِ وحزبُ الإخوانِ اختَلَطُوا بالناسِ وحزبُ التحريرِ كذلكَ فإذا جاءَ إنسانٌ يخطُبُ بنتًا لا يُزَوَّجُ البنتَ إلا بعدَ أن يُمْتَحَنَ فيُسألَ ماذا تقولُ فيمَنْ يقولُ بقولِ حزبِ الإخوانِ وماذا تقولُ فيمن يقولُ بقولِ الوهابيةِ وماذا تقولُ فيمن يقولُ بقولِ حزبِ التحريرِ فإذا قالَ هؤلاءِ ضالُّونَ يُزَوَّجُ وإلا فهو خطرٌ كبيرٌ، بعدَ أن يتزوجَ البنتَ يُظهِرُ عقيدَتَهُ فيتعكَّرُ عَيْشُها. وبعضُ رِجالِ المحكمةِ الشرعيةِ هذهِ جُهَّالٌ يقولونَ للمرأةِ إنْ هيَ طلبَتِ الخلاصَ منهُ بعدما عرفَتْ أنهُ وهابيٌّ أو أنهُ من حزبِ الإخوانِ أو أنهُ من حزب التحريرِ يقولونَ لها ارجِعي لا يسمَعُون لها شَكْواها لأنهم ليسُوا مِنْ أهلِ العلمِ إنما يتَعَيَّشُونَ منَ الوظيفةِ في المحكمةِ. الخطرُ اليومَ عظيمٌ.
هؤلاءِ أكثرُ الفِرَقَ ظهورًا ممن يَدْعُونَ باسمِ الدعوةِ إلى الدينِ، ويوجدُ غيرُ هؤلاءِ الثلاثةِ أيضًا كجماعةِ أمين شَيخُو الذي كانَ في دمشقَ وتُوفيَ منذ ثلاثينَ سنة5. هو جاهِلٌ ما تعلَّمَ العلمَ أخذَ الطريقةَ النقشبنديةَ مِنْ أمين كفتارو. أمين كفتارو وليٌّ لكِنْ هذا أمين شيخو كان جاهِلاً مِنْ هؤلاءِ الجَنْدِرْمة فانْحَرفَ وصارَ لهُ أتباعٌ في دمشقَ وهنا قُربَ دارِ الأيتامِ. هؤلاءِ يقولونَ اللهُ شاءَ أن يكونَ كلُّ الخلْقِ سُعداءَ صالحينَ لكنَّ الخلقَ خالفُوا مشيئةَ الله، هذا ضدُّ أهلِ السنةِ، أهلُ السنةِ يقولونَ اللهُ شاءَ لبعضِ عبادِهِ أن يصيروا مؤمنينَ فصاروا مؤمنينَ واللهُ تعالى شاءَ لبعضِ العبادِ أن يصيروا كفارًا بمشيئتِهِم فصاروا كفارًا، هذه عقيدةُ أهلِ السنةِ. على حسبِ قولِ جماعةِ أمين شيخو إنَّ مشيئةَ اللهِ ما تنفذَتْ إنَّما تنفَّذَتْ مشيئةُ العبادِ، هؤلاءِ كُفارٌ.
عقيدةُ أهلِ السنةِ أنَّ اللهَ في الأزلِ شاءَ ما يحصلُ منَ العِبادِ منْ حركاتٍ وسكونٍ واعتقادٍ، اللهُ شاءَ في الأزلِ ما يحصلُ منهم فما لـم يشأ اللهُ في الأزلِ أنْ يكونَ لا يحصلُ، هذا دينُ اللهِ. هؤلاءِ جماعةُ أمين شيخو خالَفُوا العقيدةَ الإسلاميةَ. أغلبُ مشايخِ الشامِ يسكتونَ عن الوهابيةِ وجماعةِ أمين شيخو وحزبِ الإخوانِ والتحريريةِ، يعرفونَ الباطلَ باطلاً لكنْ يسكُتُونَ لذلكَ التحريريةُ وجماعةُ أمين شيخو والوهابيةُ وحزبُ الإخوانِ يتزوَّجُونَ بناتِهم. فاحذَروا هؤلاءِ المنحرفينَ وحذِّروا منهم.
انتهى والله تعالى أعلم.
------------------
1- هذا وقت إعطاء هذا المجلس وإلا فقد مر على موته إلى سنة سبع وثلاثين وأربعمائة وألف للهجرة نحو ستين سنة.
2- وقد حصل هذا في مصر بعد وفاة الشيخ رحمه الله عندما تولى محمد مرسي رئاسة الجمهورية سنة إحدى عشرة وألفين بالتاريخ الروميّ وحكم هو وأتباعه بالقانون وحصل في المملكة المغربية عندما تولى زعيمهم عبد الإله بن كيران رئاسة الحكومة ذلك العام.
3- رواه مسلم في صحيحه باب الأمر بلزوم الجماعةِ عند ظهور الفتن وتحذير الدعاة إلى الكفر.
4- رواه الحاكم في المستدرك في ذكر مقتل الزبير بن العوام رضي الله عنه.
5- أي من تاريخ إعطاء هذا الدرس في حياة الشيخ عبد الله رحمه الله.
التحذير من الفرق الثلاث
جامع الخيرات
درسٌ ألقاهُ الفقيهُ المتكلمُ الشيخُ عبدُ الله بنُ محمدٍ العبدريُّ رحمهُ الله تعالى في بيروت وهو في بيانِ التحذيرِ منَ الفرقِ الثلاثِ حزبِ الإخوانِ وحزبِ التحريرِ والوهّابيةِ.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ لله رب العالمين لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى ءالهِ وصحبهِ وسلَّم أما بعدُ فإنَّ المسلمينَ كانُوا على عقيدةٍ واحدةٍ بعدَ وفاةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم إلى نحوِ خمسٍ وعشرينَ سنة. ما كانَ بينَهم اختلافٌ في العقيدةِ ثم شذَّ بعضُ الناسِ الذي لـم يَرَوُا الرسولَ صلى الله عليه وسلم عن عقيدةِ الصحابةِ.
أوَّلُ هؤلاءِ يُقالُ لهم الخوارجُ، في عهْدِ سيدِنا عليّ هذا حصل. هؤلاءِ انحرافُهُم أنهم فسَّرُوا بعضَ الآياتِ على غيرِ وجهِها فزَعَمُوا أنَّ مَنْ عَمِلَ معصيةً خرجَ من الإسلامِ، كفرَ، فعِنْدَهُم الحاكِمُ إنْ حكمَ بغيرِ الشرعِ كفرَ. المسلمونَ كلُّهُم كانوا يعتقدونَ قبلَ ظهورِ هؤلاءِ أنَّ مَنْ حكمَ بغيرِ الشرعِ للرِّشوةِ أو للصَّداقةِ أو للقرابةِ لا يكفرُ وإنما هوَ فاسِقٌ، قبلَ ظهورِ هذهِ الفرقةِ هكذا كانت عقيدةُ المسلمينَ. عقيدةُ المسلمينَ التي كانَ عليها الصحابةُ أنَّ المسلمَ لا يخرجُ منَ الإسلامِ لأجلِ المعصيةِ إنْ كانتْ صغيرةً وإن كانتْ كبيرةً. هؤلاءِ خالفُوا هذهِ العقيدةَ فقالوا مَنِ ارتكبَ معصيةً كفرَ. في الأولِ كانوا يقُولونَ الذي حكمَ فقط يكفرُ، لا يقولونَ الرعية تكفرُ لأنَّ الحاكِمَ حكمَ بغيرِ الشرع، ما كانوا يُكفِّرونَ الرعيّةَ لذلك. ثمَّ شذَّ من هؤلاءِ أناسٌ فقالوا الرعيّةُ أيضًا تكفرُ إذا حكمَ الحاكمُ كالملكِ بغيرِ الشرعِ، قالوا كفرَ الحاكِمُ وكفرتِ الرّعيّةُ، هؤلاءِ أكثرُ ضلالًا منَ الأوَّلِينَ، كِلا الفريقَينِ يُقالُ لهم خوارج.
ثمَّ بعدَ ألفٍ وأربعمائةِ سنةٍ من سِنِـي الهجرةِ إلا نحو أربعينَ سنة ظهرَ رجلٌ في مصرَ يُقالُ لهُ سيد قطب فقال كما قالت هذه الفرقةُ التي زادَتْ في الشُّذُوذِ قال أيُّ إنسانٍ يَحْكُمُ بغيرِ الشرعِ ولو بحُكمٍ واحدٍ خرجَ منَ الإسلامِ وخرجَتْ الرَّعيَّةُ التي هو يَحْكُمُها مَنْ شارَكَهُ في الحُكمِ ومَنْ لـم يُشارِكْهُ. هذا الرجلُ كانَ في مصرَ، ماتَ منذُ أربعينَ سنة1 ثم أتباعُهُ صاروا يعتقدونَ هذا الاعتقادَ فكفَّرُوا حُكَّامَ المسلمينَ والرعيّةَ. يقالُ لهؤلاءِ حزبُ الإخوانِ وهُم سَمَّوا أنفُسَهُم في أولِ الأمرِ الإخوانُ المسلمون ثم تَسَمَّوا في بعضِ البلادِ بالجماعةِ الإسلاميةِ ليُوهِمُوا الناسَ أنهم همُ المسلمونَ فقط وأنَّ مَنْ سواهُم ليسُوا مسلمين. هؤلاءِ لـمَّا كفَّروا الحاكِمَ والمحكومَ أي الرعيةَ استحلُّوا دماءَ النّاسِ استحلُّوا قتلَ المسلمينَ فيجبُ الحذرُ منهم. وأكبرُ وسيلةٍ للسلامةِ منْ ضلالهم تعلُّمُ علمِ الدينِ على طريقةِ أهلِ السنةِ.
كانوا في مصرَ ثمَّ توسَّعُوا فصاروا يقتلونَ المسلمينَ للوُصُولِ إلى الحُكْمِ، على زَعْمِهِم يُزيلُونَ هؤلاءِ الحُكَّامَ وهؤلاءِ الرّعيّةَ ليَحكُموا بشريعةِ اللهِ، وهؤلاءِ كاذِبونَ ليسَ غرضُهُم أن يحكُموا بالقرءانِ لو وَصَلوا إلى الرئاسةِ إنما هَمُّهُم الرئاسةُ، لو وصلوا إلى الرئاسةِ لحكَمُوا بالقانونِ كما يحكُمُ الناسُ اليومَ2.
والدليلُ على ذلكَ أنهُ في سورية منذ ثلاثينَ سنة تقريبًا دخلَ ثمانيةَ عشرَ شخصًا منهم في البرلمان واثنانِ من هؤلاء الثمانية عشر شاركا في وضع الدستورِ أي القانون. هذا دليلٌ على أنهم كاذِبُونَ لا يُريدونَ الحكمَ بشرعِ اللهِ لكن يريدُونَ أن يَنْخَدِعَ المسلمونَ بقَولِهِم نحن نريدُ الحكمَ بالشرعِ الإسلاميِّ ليَميلَ إليهمُ الناسُ فيَقْوَوا بهم ليَصِلوا إلى غرضِهِمُ الفاسدِ.
علامةُ حِزبِ الإخوانِ هؤلاءِ أن يقولَ الـمُنتَسِبُ إليهم مَنْ يحكُم بغيرِ حُكمِ اللهِ كافرٌ والرعيةُ الذينَ يعيشونَ في ظِلِّهِ كفَّارٌ.
أما حِزبُ التحريرِ فيُعْرِفُونَ بقولِهِم يجبُ علينا نصْبُ الخليفةِ أي حاكمٍ واحدٍ يحكُمُ جميع المسلمينَ ومَنْ ماتَ قبلَ نصْبِ الخليفةِ ميتَتُهُ ميتةُ الجاهليةِ المشركينَ. يُحرِّفونَ حديثًا إلى هذا الوجهِ، والحديثُ ليسَ معناهُ هذا. الحديثُ هو مَنْ ماتَ وليسَ في عُنُقِهِ بيعةٌ ماتَ ميتةً جاهليةً3 اهـ هذا الحديثُ يُحَرِّفُونَهُ.
والحديثُ معناهُ أنَّ الذي يموتُ وهوَ مُحارِبٌ للخليفةِ الذي ثَبَتَتْ لهُ البَيعةُ كالذينَ قاتَلوا سيدنا عليًّا رضيَ اللهُ عنهُ فمَنْ ماتَ منهم قبلَ أن يتُوبَ فميتَتُهُ كميتةِ الجاهليةِ المشركينَ. ثلاثُ فرقٍ حارَبُوا عليًّا أوَّلُهُم أهلُ وقعةِ الجملِ هؤلاءِ حارَبُوهُ نِصفَ نهارٍ فكسَرَهُم فتابَ مَنْ تابَ وقُتِلَ مَنْ قُتلَ. والفرقةُ الثانيةُ جماعةُ معاويةَ هؤلاءِ حارَبُوهُ ثلاثةَ أشهرٍ. هؤلاءِ ذنبُهُم أعظمُ وذنبُ معاويةَ أعظَمُ. والفرقةُ الثالثةُ هم الخوارجُ حاربُوهُ في النَهْرَوانِ.
عائشةُ وطلحةُ والزبيرُ رضيَ اللهُ عنهم هؤلاءِ حضَرُوا معركةَ الجمل، وقفُوا في مُعَسكرِ الـمُخالفينَ الخارجينَ على سيدِنا عليٍّ لكنْ هؤلاءِ الثلاثةُ تابُوا، عائشةُ ندِمَتْ ندمًا كبيرًا وطلحةُ ما ماتَ حتى انْصَرَفَ لأنَّ سيدنا عليًّا ذكَّرَهُ شيئًا فلَحِقَهُ واحدٌ مِمَّن كان يُقاتِلُ سيدنا عليًّا فقتَلَهُ. والزُّبَيرُ سيدُنا عليٌّ ذكَّرَهُ قالَ لهُ أليسَ قالَ الرسولُ لتُقاتِلَنَّ عليًّا وأنتَ ظالمٌ لهُ قالَ نسيتُ فانصرفَ تائِبًا4 اهـ. هؤلاءِ اللهُ تعالى تابَ عليهم لكن وقَعُوا في معصيةٍ. كلُّ هؤلاءِ من أهلِ السعادةِ لـم يمُوتُوا إلا بعدما تابُوا من هذهِ المعصيةِ، هكذا من كتبَ اللهُ لهُ السعادةَ لا بُدَّ أنْ يتوبَ قبلَ أن تخرجَ روحُهُ ولو بساعةٍ واحدةٍ.
حزبُ التحريرِ قالوا الذي يموتُ ولـم يُبايعْ خليفةً أي لـم يأخذْ عَهْدًا للخليفةِ يمُوتُ ميتةً جاهليةً وأهلُ هذا العصرِ كلُّهُم ليسَ عليهم خليفةٌ فعِنَدَهُم مَنْ يموتُ مِنْ أهلِ هذا العصرِ فميتَتُهُ كميتةِ أولئكَ المشركين. حرَّفُوا الحديثَ كما أنَّ جماعةَ سيد قُطُب حرَّفُوا الآيةَ التي في سورةِ المائدةِ ﴿ومَنْ لـم يحْكُم بما أنزلَ اللهُ فأولَئِكَ هُمُ الكافِرونَ﴾.
أما الوهابيةُ فهم مَعرُوفونَ بأمْرَينِ أحدُهما أنهم يقولونَ: اللهُ قاعِدٌ على العرشِ والأمرُ الثاني مَنْ قال: يا محمدُ أو يا حسنُ أو يا حُسَينُ أو يا عليُّ أو يا عبدَ القادرِ أو يا شيخُ أحمدُ الرفاعيّ عندَهُم كافرٌ حلالُ الدمِ. كذلكَ عندَهُم من زارَ قبرَ نبيٍّ أو وليٍّ لِطَلبِ البركةِ منَ اللهِ بهذهِ الزيارةِ فهوَ كافرٌ حلالُ الدمِ.
هؤلاءِ الثلاثةُ يُحَذَّرُ منهم على هذا الوجهِ. وهؤلاءِ الفرقُ الثلاثُ لا يجوزُ تزويجُهُم بناتِ المسلمينَ، عقيدتُهُم فاسدةٌ. في هذا الزمنِ الوهابيةُ انَدَسُّوا بينَ الناسِ وحزبُ الإخوانِ اختَلَطُوا بالناسِ وحزبُ التحريرِ كذلكَ فإذا جاءَ إنسانٌ يخطُبُ بنتًا لا يُزَوَّجُ البنتَ إلا بعدَ أن يُمْتَحَنَ فيُسألَ ماذا تقولُ فيمَنْ يقولُ بقولِ حزبِ الإخوانِ وماذا تقولُ فيمن يقولُ بقولِ الوهابيةِ وماذا تقولُ فيمن يقولُ بقولِ حزبِ التحريرِ فإذا قالَ هؤلاءِ ضالُّونَ يُزَوَّجُ وإلا فهو خطرٌ كبيرٌ، بعدَ أن يتزوجَ البنتَ يُظهِرُ عقيدَتَهُ فيتعكَّرُ عَيْشُها. وبعضُ رِجالِ المحكمةِ الشرعيةِ هذهِ جُهَّالٌ يقولونَ للمرأةِ إنْ هيَ طلبَتِ الخلاصَ منهُ بعدما عرفَتْ أنهُ وهابيٌّ أو أنهُ من حزبِ الإخوانِ أو أنهُ من حزب التحريرِ يقولونَ لها ارجِعي لا يسمَعُون لها شَكْواها لأنهم ليسُوا مِنْ أهلِ العلمِ إنما يتَعَيَّشُونَ منَ الوظيفةِ في المحكمةِ. الخطرُ اليومَ عظيمٌ.
هؤلاءِ أكثرُ الفِرَقَ ظهورًا ممن يَدْعُونَ باسمِ الدعوةِ إلى الدينِ، ويوجدُ غيرُ هؤلاءِ الثلاثةِ أيضًا كجماعةِ أمين شَيخُو الذي كانَ في دمشقَ وتُوفيَ منذ ثلاثينَ سنة5. هو جاهِلٌ ما تعلَّمَ العلمَ أخذَ الطريقةَ النقشبنديةَ مِنْ أمين كفتارو. أمين كفتارو وليٌّ لكِنْ هذا أمين شيخو كان جاهِلاً مِنْ هؤلاءِ الجَنْدِرْمة فانْحَرفَ وصارَ لهُ أتباعٌ في دمشقَ وهنا قُربَ دارِ الأيتامِ. هؤلاءِ يقولونَ اللهُ شاءَ أن يكونَ كلُّ الخلْقِ سُعداءَ صالحينَ لكنَّ الخلقَ خالفُوا مشيئةَ الله، هذا ضدُّ أهلِ السنةِ، أهلُ السنةِ يقولونَ اللهُ شاءَ لبعضِ عبادِهِ أن يصيروا مؤمنينَ فصاروا مؤمنينَ واللهُ تعالى شاءَ لبعضِ العبادِ أن يصيروا كفارًا بمشيئتِهِم فصاروا كفارًا، هذه عقيدةُ أهلِ السنةِ. على حسبِ قولِ جماعةِ أمين شيخو إنَّ مشيئةَ اللهِ ما تنفذَتْ إنَّما تنفَّذَتْ مشيئةُ العبادِ، هؤلاءِ كُفارٌ.
عقيدةُ أهلِ السنةِ أنَّ اللهَ في الأزلِ شاءَ ما يحصلُ منَ العِبادِ منْ حركاتٍ وسكونٍ واعتقادٍ، اللهُ شاءَ في الأزلِ ما يحصلُ منهم فما لـم يشأ اللهُ في الأزلِ أنْ يكونَ لا يحصلُ، هذا دينُ اللهِ. هؤلاءِ جماعةُ أمين شيخو خالَفُوا العقيدةَ الإسلاميةَ. أغلبُ مشايخِ الشامِ يسكتونَ عن الوهابيةِ وجماعةِ أمين شيخو وحزبِ الإخوانِ والتحريريةِ، يعرفونَ الباطلَ باطلاً لكنْ يسكُتُونَ لذلكَ التحريريةُ وجماعةُ أمين شيخو والوهابيةُ وحزبُ الإخوانِ يتزوَّجُونَ بناتِهم. فاحذَروا هؤلاءِ المنحرفينَ وحذِّروا منهم.
انتهى والله تعالى أعلم.
------------------
1- هذا وقت إعطاء هذا المجلس وإلا فقد مر على موته إلى سنة سبع وثلاثين وأربعمائة وألف للهجرة نحو ستين سنة.
2- وقد حصل هذا في مصر بعد وفاة الشيخ رحمه الله عندما تولى محمد مرسي رئاسة الجمهورية سنة إحدى عشرة وألفين بالتاريخ الروميّ وحكم هو وأتباعه بالقانون وحصل في المملكة المغربية عندما تولى زعيمهم عبد الإله بن كيران رئاسة الحكومة ذلك العام.
3- رواه مسلم في صحيحه باب الأمر بلزوم الجماعةِ عند ظهور الفتن وتحذير الدعاة إلى الكفر.
4- رواه الحاكم في المستدرك في ذكر مقتل الزبير بن العوام رضي الله عنه.
5- أي من تاريخ إعطاء هذا الدرس في حياة الشيخ عبد الله رحمه الله.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin