الدرس الخامس والخمسون
بيانُ قدرِ الصّلاةِ المفروضةِ وتفسيرُ ذِكْرِ اللهِ في بعضِ المواضِع
جامع الخيرات
درسٌ ألقاهُ الأصوليُّ الـمُحدِّثُ الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ العبدريُّ رحمهُ اللهُ تعالى وهو في بيانِ المرادِ بذكرِ اللهِ في حديثِ ألا أخبِرُكُم بخيرِ أعمالِكُم اهـ.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ وعلى ءالهِ وأصحابهِ الطيبينَ الطاهرين.
أما بعد فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ألا أُخبِرُكُم بخيرِ أعمالِكُم وأزْكاها عندَ مَليكِكُم وأرْفَعِها في درَجَاتِكُمْ وخيرٍ لكُم من إنفاقِ الذهبِ والورقِ وخيرٍ لكُم منْ أنْ تَلْقَوا عدُوَّكُم وتضرِبُوا أعناقَهُم ويضرِبُوا أعناقَكُم قالوا بلى يا رسولَ اللهِ قالَ ذكرُ اللهِ1 اهـ.
هذا الحديثُ يجبُ حملُهُ على الصلاةِ أمَّا حملُهُ على الذكرِ اللسانيِّ أي على الإكثارِ من لا إلهَ إلا اللهُ والتسبيحِ والحمْدِ والتكبيرِ فلا يصحُّ لأنهُ ثبتَ ثُبُوتًا قطعيًّا أنَّ أفضلَ الأعمالِ بعدَ الإيمانِ باللهِ ورسولهِ الصلواتُ الخمسُ2. فهذا الحديثُ إنْ حُمِلَ على ظاهِرِهِ يتَنافى مع هذا الأمرِ الذي ثبتَ ثُبوتًا قطعيًّا لذلكَ يُؤَوَّلُ هذا الحديثُ ولا يُحمَلُ على ظاهِرِهِ، يُؤَوَّلُ بأنَّ المرادَ بكلمةِ الذكرِ فيهِ هوَ الصلاةُ لأنَّ الصلاةَ ذِكرٌ شَمَلَتْ أنواعَ الذكرِ أوَّلُها التكبيرُ ثمَّ التمجيدُ ثمَّ قراءةُ القرءانِ ثمَّ الركوعُ وفيهِ تسبيحٌ ثمَّ الاعتدالُ وفيهِ تَمجيدُ اللهِ ثمَّ السجودُ وفيهِ تسبيحٌ ثمَّ في الأخيرِ الشهادتانِ اللتانِ هُما أفضلُ الأقوالِ أي أنَّ أفضلَ ما ينطِقُ بهِ اللسانُ لا إلهَ إلا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ هذا أفضلُ الذكرِ لأنَّ الإنسانَ بهاتَينِ الكَلِمَتينِ يدخلُ في الإسلامِ ويخلُصُ منَ العذابِ الأبديّ ويكونُ من أهلِ النعيمِ الأبديِّ.
فالذينَ يحمِلُونَ هذا الحديثَ على الذكرِ اللسانيّ ويظُنُّونَ أنَّ الواحِدَ إذا جلسَ وقالَ ألفَ مرةٍ أو أقلَّ أو أكثرَ لا إلهَ إلا الله لا إلهَ إلا اللهُ أوِ الحمدُ للهِ الحمدُ للهِ أو سبحانَ اللهِ سبحانَ اللهِ أو نحو ذلكَ منَ الأذكارِ الذي يظُنُّ من هذا الحديثِ أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم يعني أنَّ هذا أفضلُ منَ الصلواتِ الخمسِ وأفضلُ منَ الجهادِ في سبيلِ الله وأفضلُ منْ إنفاقِ الذهبِ والفضةِ للمُحتاجينَ هذا فَهْمُهُ مَعكوسٌ، لا يليقُ هذا أنْ يكونَ مُرادَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إنَّما مرادُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بقولِهِ ذكرُ اللهِ الصلواتُ الخمسُ، الصلواتُ الخمسُ شمَلَتْ أنواعَ الذكرِ فيها التكبير،ُ فيها التحميدُ فيها التسبيحُ فيها التهليلُ.
معرفةُ تفسيرِ هذا الحديثِ أمرٌ مهمٌّ لأنَّ منَ الناسِ مَنْ حَمَلُوهُ على الظاهرِ. بعضُ هؤلاءِ المتصوفةِ الذينَ ما عرفُوا التصوفَ على الحقيقةِ أحدُهم يقولُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم قالَ ذكرُ اللهِ أفضلُ منَ الصلاةِ ومِنْ إنفاقِ الذهبِ والورقِ ومنَ الجهادِ الرسولُ قال هذا أفضلُ، على زعمِهِ الذكرُ اللسانيُّ أفضلُ منْ هذه الأعمالِ فيقولُ أنا ما دُمْتُ أذكرُ في اليومِ كذا وكذا منَ العددِ فأنا ربِحْتُ أكثرَ مما يربَحُهُ الـمُصَلُّونَ والـمُجاهِدونَ والمنفِقُونَ الذهبَ والفضةَ في سبيلِ اللهِ، وهذا عكسُ مفهومِ الإسلامِ، الإسلامُ لا يُقِرُّ هذا ولا يقبلُهُ، الصلواتُ الخمسُ بالإجماعِ هيَ أفضلُ الأعمالِ بعدَ الإيمانِ باللهِ وبرسولهِ فالذي يُفسِّرُ هذا الحديثَ بالوجهِ الآخرِ أيْ أنهُ إذا لزِمَ الإنسانُ كلَّ يومٍ الاشتغالَ بالوِرْدِ والذكرِ اللساني فقال كذا وكذا مرة من التهليل والتسبيح والتحميدِ والصلاةِ على النبيّ صلى الله عليه وسلم يكونُ أعلى منَ الذي يُنفقُ الذهبَ والفضةَ في سبيلِ اللهِ والذي يبذُلُ روحَهُ ابتغاءَ وجهِ اللهِ تعالى بقتالِ الكفارِ والذي يفعلُ كذا وكذا منَ الأعمالِ الدينيَّةِ. هذا قلَبَ الحقيقةَ فوقعَ على فهمٍ خاطئٍ.
الصلاةُ تُسمَّى ذِكرًا، اللهُ تعالى قالَ في سورةِ الجُمعة ﴿يا أيُّها الذينَ ءامَنُوا إذا نُودِيَ للصلاةِ مِنْ يومِ الجُمُعةِ فاسْعَوا إلى ذِكرِ اللهِ وذَرُوا البيعَ﴾. ذِكرُ اللهِ هُنا معناهُ الصلاةُ، اللهُ تعالى سمَّى الصلاةَ ذِكرًا، فإذًا الذِكرُ المذكورُ في هذا الحديثِ هوَ الصلواتُ الخمسُ. كثيرٌ من الناسِ إذا نظروا إلى هذا الحديثِ وفسَّرُوهُ على ظاهِرهِ يقعُونَ في الفهمِ الخاطئِ فتكونُ عندَهُم هذهِ الحَضراتُ التي فيها يُهَلِّلُونَ ويُصَلُّونَ على النبيّ إلى ءاخرِ ما هُنالِكَ يَرَونَ أنَّ هذا أفضلُ منَ الصلواتِ الخمسِ ومنَ الجِهادِ في سبيلِ اللهِ ومن إنفاقِ الذهبِ والفضةِ في سبيلِ الله وهذا بعيدٌ عن معنى الدينِ.
انتهى واللهُ تعالى أعلم.
------------------
1- رواه مالك في الموطأ باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى.
2- روى البخاري ومسلم وغيرهما أن ابن مسعود سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله فقال الصلاة على وقتها قال ثم أي قال ثم بر الوالدين قال ثم أي قال الجهاد في سبيل الله اهـ.
بيانُ قدرِ الصّلاةِ المفروضةِ وتفسيرُ ذِكْرِ اللهِ في بعضِ المواضِع
جامع الخيرات
درسٌ ألقاهُ الأصوليُّ الـمُحدِّثُ الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ العبدريُّ رحمهُ اللهُ تعالى وهو في بيانِ المرادِ بذكرِ اللهِ في حديثِ ألا أخبِرُكُم بخيرِ أعمالِكُم اهـ.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ وعلى ءالهِ وأصحابهِ الطيبينَ الطاهرين.
أما بعد فقد قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ألا أُخبِرُكُم بخيرِ أعمالِكُم وأزْكاها عندَ مَليكِكُم وأرْفَعِها في درَجَاتِكُمْ وخيرٍ لكُم من إنفاقِ الذهبِ والورقِ وخيرٍ لكُم منْ أنْ تَلْقَوا عدُوَّكُم وتضرِبُوا أعناقَهُم ويضرِبُوا أعناقَكُم قالوا بلى يا رسولَ اللهِ قالَ ذكرُ اللهِ1 اهـ.
هذا الحديثُ يجبُ حملُهُ على الصلاةِ أمَّا حملُهُ على الذكرِ اللسانيِّ أي على الإكثارِ من لا إلهَ إلا اللهُ والتسبيحِ والحمْدِ والتكبيرِ فلا يصحُّ لأنهُ ثبتَ ثُبُوتًا قطعيًّا أنَّ أفضلَ الأعمالِ بعدَ الإيمانِ باللهِ ورسولهِ الصلواتُ الخمسُ2. فهذا الحديثُ إنْ حُمِلَ على ظاهِرِهِ يتَنافى مع هذا الأمرِ الذي ثبتَ ثُبوتًا قطعيًّا لذلكَ يُؤَوَّلُ هذا الحديثُ ولا يُحمَلُ على ظاهِرِهِ، يُؤَوَّلُ بأنَّ المرادَ بكلمةِ الذكرِ فيهِ هوَ الصلاةُ لأنَّ الصلاةَ ذِكرٌ شَمَلَتْ أنواعَ الذكرِ أوَّلُها التكبيرُ ثمَّ التمجيدُ ثمَّ قراءةُ القرءانِ ثمَّ الركوعُ وفيهِ تسبيحٌ ثمَّ الاعتدالُ وفيهِ تَمجيدُ اللهِ ثمَّ السجودُ وفيهِ تسبيحٌ ثمَّ في الأخيرِ الشهادتانِ اللتانِ هُما أفضلُ الأقوالِ أي أنَّ أفضلَ ما ينطِقُ بهِ اللسانُ لا إلهَ إلا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ هذا أفضلُ الذكرِ لأنَّ الإنسانَ بهاتَينِ الكَلِمَتينِ يدخلُ في الإسلامِ ويخلُصُ منَ العذابِ الأبديّ ويكونُ من أهلِ النعيمِ الأبديِّ.
فالذينَ يحمِلُونَ هذا الحديثَ على الذكرِ اللسانيّ ويظُنُّونَ أنَّ الواحِدَ إذا جلسَ وقالَ ألفَ مرةٍ أو أقلَّ أو أكثرَ لا إلهَ إلا الله لا إلهَ إلا اللهُ أوِ الحمدُ للهِ الحمدُ للهِ أو سبحانَ اللهِ سبحانَ اللهِ أو نحو ذلكَ منَ الأذكارِ الذي يظُنُّ من هذا الحديثِ أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم يعني أنَّ هذا أفضلُ منَ الصلواتِ الخمسِ وأفضلُ منَ الجهادِ في سبيلِ الله وأفضلُ منْ إنفاقِ الذهبِ والفضةِ للمُحتاجينَ هذا فَهْمُهُ مَعكوسٌ، لا يليقُ هذا أنْ يكونَ مُرادَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إنَّما مرادُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بقولِهِ ذكرُ اللهِ الصلواتُ الخمسُ، الصلواتُ الخمسُ شمَلَتْ أنواعَ الذكرِ فيها التكبير،ُ فيها التحميدُ فيها التسبيحُ فيها التهليلُ.
معرفةُ تفسيرِ هذا الحديثِ أمرٌ مهمٌّ لأنَّ منَ الناسِ مَنْ حَمَلُوهُ على الظاهرِ. بعضُ هؤلاءِ المتصوفةِ الذينَ ما عرفُوا التصوفَ على الحقيقةِ أحدُهم يقولُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم قالَ ذكرُ اللهِ أفضلُ منَ الصلاةِ ومِنْ إنفاقِ الذهبِ والورقِ ومنَ الجهادِ الرسولُ قال هذا أفضلُ، على زعمِهِ الذكرُ اللسانيُّ أفضلُ منْ هذه الأعمالِ فيقولُ أنا ما دُمْتُ أذكرُ في اليومِ كذا وكذا منَ العددِ فأنا ربِحْتُ أكثرَ مما يربَحُهُ الـمُصَلُّونَ والـمُجاهِدونَ والمنفِقُونَ الذهبَ والفضةَ في سبيلِ اللهِ، وهذا عكسُ مفهومِ الإسلامِ، الإسلامُ لا يُقِرُّ هذا ولا يقبلُهُ، الصلواتُ الخمسُ بالإجماعِ هيَ أفضلُ الأعمالِ بعدَ الإيمانِ باللهِ وبرسولهِ فالذي يُفسِّرُ هذا الحديثَ بالوجهِ الآخرِ أيْ أنهُ إذا لزِمَ الإنسانُ كلَّ يومٍ الاشتغالَ بالوِرْدِ والذكرِ اللساني فقال كذا وكذا مرة من التهليل والتسبيح والتحميدِ والصلاةِ على النبيّ صلى الله عليه وسلم يكونُ أعلى منَ الذي يُنفقُ الذهبَ والفضةَ في سبيلِ اللهِ والذي يبذُلُ روحَهُ ابتغاءَ وجهِ اللهِ تعالى بقتالِ الكفارِ والذي يفعلُ كذا وكذا منَ الأعمالِ الدينيَّةِ. هذا قلَبَ الحقيقةَ فوقعَ على فهمٍ خاطئٍ.
الصلاةُ تُسمَّى ذِكرًا، اللهُ تعالى قالَ في سورةِ الجُمعة ﴿يا أيُّها الذينَ ءامَنُوا إذا نُودِيَ للصلاةِ مِنْ يومِ الجُمُعةِ فاسْعَوا إلى ذِكرِ اللهِ وذَرُوا البيعَ﴾. ذِكرُ اللهِ هُنا معناهُ الصلاةُ، اللهُ تعالى سمَّى الصلاةَ ذِكرًا، فإذًا الذِكرُ المذكورُ في هذا الحديثِ هوَ الصلواتُ الخمسُ. كثيرٌ من الناسِ إذا نظروا إلى هذا الحديثِ وفسَّرُوهُ على ظاهِرهِ يقعُونَ في الفهمِ الخاطئِ فتكونُ عندَهُم هذهِ الحَضراتُ التي فيها يُهَلِّلُونَ ويُصَلُّونَ على النبيّ إلى ءاخرِ ما هُنالِكَ يَرَونَ أنَّ هذا أفضلُ منَ الصلواتِ الخمسِ ومنَ الجِهادِ في سبيلِ اللهِ ومن إنفاقِ الذهبِ والفضةِ في سبيلِ الله وهذا بعيدٌ عن معنى الدينِ.
انتهى واللهُ تعالى أعلم.
------------------
1- رواه مالك في الموطأ باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى.
2- روى البخاري ومسلم وغيرهما أن ابن مسعود سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله فقال الصلاة على وقتها قال ثم أي قال ثم بر الوالدين قال ثم أي قال الجهاد في سبيل الله اهـ.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin