الحديث الثامن والأربعون
عن عبدالله بن عمر عن النبي ﷺ قال أربع من كن فيه كان منافقًا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر . خرجه البخاري ومسلم
هذا الحديث خرجاه في الصحيحين من رواية الأعمش عن عبدالله بن مرة عن مسروق عن عبدالله بن عمرو بن العاص وخرجاه في الصحيحين أيضًا من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وفي رواية لمسلم وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم وفي رواية له أيضًا من علامات المنافق ثلاث وقد روى هذا عن النبي ﷺ من وجوه أخر وهذا الحديث قد حمله طائفة ممن يميل إلى الإرجاء على المنافقين الذين كانوا في عهد النبي ﷺ فإنهم حدثوا النبي ﷺ فكذبوه وائتمنهم على سره فخانوه ووعدوه أن يخرجوا معه في الغزو فأخلفوه وقد روى محمد المحرم هذا التأويل عن عطاء وأنه قال حدثني به جابر عن النبي ﷺ وذكر أن الحسن رجع إلى قول عطاء هذا لما بلغه عنه وهذا كذب والمحرم شيخ كذاب معروف بالكذب وقد روي عن عطاء هذا لما بلغه من وجهين آخرين ضعيفين أنه أنكر على الحسن قوله ثلاث من كن فيه فهو منافق وقال حدث إخوة يوسف فكذبوا ووعدوا فأخلفوا وائتمنوا فخانوا ولم يكونوا منافقين وهذا لا يصح عن عطاء والحسن أم هذا من عنده وإنما بلغه عن النبي ﷺ فالحديث ثابت عنه ﷺ لا شك في ثبوته وصحته والذي فسره به أهل العلم المعتبرون أن النفاق في اللغة هو من جنس الخداع والمكر وإظهار الخير وإبطان خلافه وهو في الشرع ينقسم إلى قسمين أحدهما النفاق الأكبر وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله ﷺ ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار والثاني النفاق الأصغر وهو نفاق العمل وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة ويبطن ما يخالف ذلك وأصول هذا النفاق يرجع إلى الخصال المذكورة في هذه الأحاديث وهي خمس أحدها أن يحدث بحديث لم يصدق به وهو كاذب له.
وفي المسند عن النبي ﷺ قال كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا هو لك مصدق وأنت به كاذب قال الحسن كان يقال النفاق اختلاف السر والعلانية والقول والعمل والمدخل والمخرج، وكان يقال أس النفاق الذي بني عليه الكذب والثاني إذا وعد أخلف وهو على نوعين أحدهما أن يعد ومن نيته أن لا يوفي بوعده وهذا أشر الخلق ولو قال أفعل كذا إن شاء الله تعالى ومن نيته أن لا يفعل كان كذبا وخلفا قاله الأوزاعي الثاني أن يعد ومن نيته أن يفي ثم يبدو له فيخلف من غير عذر له في الخلف.
وخرج أبو داود والترمذى من حديث زيد بن أرقم عن النبي ﷺ قال إذا وعد الرجل ونوي أن يفي به فلم يف فلا جناح عليه وقال الترمذي ليس إسناده بالقوي.
وخرج الإسماعيلي وغيره من حديث سلمان أن عليا لقي أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فقال مالي أراكما ثقلين قالا حديث سمعناه من النبي ﷺ ذكر خلال المنافق إذا وعد أخلف وإذا حدث كذب وإذا ائتمن خان فأينا ينجو من هذه الخصال فدخل على النبي ﷺ فذكر له ذلك فقال قد حدثتهما ولم أضعه على الوضع الذي تضعونه ولكن المنافق إذا حدث وهو يحدث نفسه أن يكذب وإذا وعد وهو يحدث نفسه أن يخلف وإذا اؤتمن وهو يحدث نفسه أن يخون وقال أبو حاتم الرازي في هذا الحديث من رواية سلمان وزيد بن أرقم الحديثان مضطربان والإسنادان مجهولان وقال الدراقطني الحديث مضطرب غير ثابت والله أعلم.
وخرجه الطبراني والإسماعيلي من حديث على مرفوعًا العدة دين ويل لمن وعد ثم أخلف قالها ثلاثًا وفي إسناده جهالة ويروى من حديث ابن مسعود قال لايعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له قال قال رسول الله ﷺ العدة عطية وفي إسناده نظر وأوله صحيح عن ابن مسعود من قوله وفي مراسيل الحسن عن النبي ﷺ قال العدة هبة وفي سنن أبي داود عن مولي لعبد الله بن عامر بن ربيعة عن عبدالله بن عامر بن ربيعة قال جاء النبي ﷺ إلى بيتنا وأنا صبي فخرجت لألعب فقالت أمي ياعبد الله تعالى أعطك فقال رسول الله ﷺ ماأردت أن تعطيه قلت أردت أن أعطيه تمرا فقال إن لم تفعلي كتبت عليك كذبة وفي إسناده من لا يعرف وذكر الزهري عن أبي هريرة قال من قال لصبي تعالى هاك تمرا ثم لايعطيه شيئًا فهي كذبة وقد اختلف العلماء في وجوب الوفاء بالوعد فمنهم من أوجبه مطلقا وذكر البخاري في صحيحه أن ابن أشوع قضي بالوعد وهو قول طائفة من أهل الظاهر وغيرهم ومنهم من أوجب الوفاء به إذا اقتضي نفعا للموعود وهو المحكي عن مالك وكثير من الفقهاء لا يوجبونه مطلقا والثالث إذا خاصم فجر ويعني بالفجور أن يخرج عن الحق عمدا حتى يصير الحق باطلًا والباطل حقا وهذا مما يدعو إليه الكذب كما قال النبي ﷺ إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار.
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم وقال ﷺ إنكم لتختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي على نحو مما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار وقال ﷺ إن من البيان لسحرا فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا على أن ينتصر للباطل ويخيل للسامع أنه حق ويوهن الحق ويخرجه في صورة الباطل كان ذلك من أقبح المحرمات وأخبث خصال النفاق وفي سنن أبي داود عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع وفي رواية له أيضًا ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله الرابع إذا عاهد غدر ولم يف بالعهد وقد أمر الله بالوفاء بالعهد فقال وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا الإسراء وقال وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا النحل وقال إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم آل عمران.
وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به وفي رواية إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال ألا هذه غدرة فلان وخرجاه أيضًا من حديث أنس بمعناه.
وخرج مسلم من حديث أبي سعيد عن النبي ﷺ قال لكل غادر لواء عند يوم القيامة يعرف به والغدر حرام في كل عهد بين المسلم وغيره ولو كان المعاهد كافرًا ولهذا في حديث عبدالله بن عمرو عن النبي ﷺ من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماخرجه البخاري وقد أمر الله تعالى في كتابه الوفاء بعهود المشركين إذا أقاموا على عهودهم ولم ينقضوا منها شيئًا وأما عهود المسلمين فيما بينهم بالوفاء بها أشد ونقضها أعظم إثما ومن أعظمها نقض عهد الإمام على من تابعه ورضي به.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فذكر منهم ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه ما يريد وفي له وإلا لم يف له ويدخل في العهود التي يجب الوفاء بها ويحرم الغدر جميع عقود المسلمين فيما بينهم إذا تراضوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللازمة التي يجب الوفاء بها، وكذلك ما يجب الوفاء به لله عز وجل مما يعاهد العبد ربه عليه من نذر التبرر ونحوه الخامس الخيانة في الأمانة فإذا اؤتمن الرجل أمانة فالواجب عليه أن يردها كما قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} النساء وقال النبي ﷺ أد الأمانة إلى من ائتمنك وقال في خطبته في حجة الوداع من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها قال الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} الأنفال فالخيانة في الأمانة من خصال النفاق.
وفي حديث ابن مسعود من قوله وروى مرفوعًا القتل في سبيل الله يكفر كل ذنب إلا الأمانة يؤتي بصاحب الأمانة فيقال له أد أمانتك فيقول من أين يارب وقد ذهبت الدنيا فيقول اذهبوا به إلى الهاوية فيهوي حتى ينتهي إلى قعرها فيجدها هناك كهيئتها فيحملها فيضعها على عنقه فيصعد بها في نار جهنم حتى إذا رأي أنه قد خرج منها زلت فهوي فيهوي هو في أثرها أبد الآبدين قال والأمانة في الصلاة والأمانة في الصوم والأمانة في الحديث وأشد من ذلك الودائع وقد روي عن محمد بن كعب القرظي أنه استنبط ما في هذا الحديث أعني حديث آية المنافق ثلاث من القرآن وقال مصداق ذلك في كتاب الله تعالى إذا جاءك المنافقون المنافقون إلى قوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون المنافقون وقال تعالى {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} إلى قوله {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} التوبة وقال {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} الأحزاب إلى قوله {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ} الأحزاب وروى عن ابن مسعود نحو هذا الكلام ثم تلا قوله {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ} التوبة الآية وحاصل الأمر أن النفاق الأصغر كله يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية كما قاله الحسن.
وقال الحسن أيضًا من النفاق اختلاف القلب واللسان واختلاف السر والعلانية واختلاف الدخول والخروج.
وقال طائفة من السلف خشوع النفاق أن تري الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع.
وقد روى معنى ذلك عن عمر وروي عنه أنه قال على المنبر إن أخوف ما أخاف عليكم المنافق العليم قالوا كيف يكون المنافق عليما قال يتكلم بالحكمة ويعمل بالجور أو قال المنكر وسئل حذيفة عن المنافق فقال الذي يصف الإيمان ولا يعمل به.
وفي صحيح البخا ري عن ابن عمر أنه قيل له إنا ندخل على سلطاننا فنقول له بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عنده قال كنا نعد هذا نفاقا.
وفي المسند عن حذيفة قال إنكم لتكلمون كلاما إن كنا لنعده على عهد رسول الله ﷺ النفاق وفي رواية قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله ﷺ يصير بها منافقًا وأني لأسمعها من أحدكم في اليوم أو في المجلس عشر مرات قال بلال بن سعد المنافق يقول ما يعرف ويعمل ماينكر ومن هنا كان الصحابة يخافون النفاق على أنفسهم، وكان عمر يسأل حذيفة عن نفسه وسئل أبو رجاء العطاردي هل أدركت من أدركت من أصحاب رسول الله ﷺ يخشون النفاق فقال نعم إني أدركت منهم بحمد الله صدرا حسنا نعم شديدًا نعم شديدا.
وقال البخاري في صحيحه.
وقال ابن أبي مليكة أدركت ثلاثين من أصحاب النبي ﷺ كلهم يخاف النفاق على نفسه ويذكر عن الحسن قال ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق انتهى وروى الحسن أنه حلف ما مضي مؤمن قط ولا بقي إلا وهو من النفاق غير آمن وما مضي منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن، وكان يقول من لم يخف النفاق فهو منافق وسمع رجل أبا الدرداء يتعوذ من النفاق في صلاته فلما سلم قال له ما شأنك وشأن النفاق فقال اللهم اغفر لي ثلاثًا لا تأمن البلاء والله إن الرجل ليفتن في ساعة واحدة فينقلب عن دينه والآثار عن السلف في هذا كثيرة جدًا قال سفيان الثوري خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاث فذكر منها قال نحن نقول نفاق وهم يقولون لا نفاق وقال الأوزاعي قد خاف عمر النفاق على نفسه قيل لهم إنهم يقولون إن عمر لم يخف أن يكون يومئذ منافقًا حتى سأل حذيفة ولكن خاف أن يبتلي بذلك قبل أن يموت قال هذا قول أهل البدع يشير إلى أن عمر كان يخاف على النفاق على نفسه في الحال الظاهر أنه أراد أن عمر كان يخاف نفسه في الحال من النفاق الأصغر والنفاق الأصغر وسيلة إلى النفاق الأكبر كما أن المعاصي بريد الكفر وكما يخشي على من أصر على المعصية أن يسلب الإيمان عند الموت كذلك يخشي على من أصر على خصال النفاق أن يسلب الإيمان فيصير منافقًا خالصا وسئل الإمام أحمد ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق قال ومن يأمن على نفسه النفاق، وكان الحسن يسمي من ظهرت منه أوصاف النفاق العملي منافقًا وروى نحوه عن حذيفة وقال الشعبي من كذب فهو منافق وحكي محمد بن نصر المروزي هذا القول عن فرقة من أهل الحديث وقد سبق في أوائل الكتاب ذكر الاختلاف عن الإمام أحمد وغيره في مرتكب الكبائر هل يسمي كافرًا كفرا لا ينقل عن الملة أم لا واسم الكفر أعظم من اسم النفاق ولعل هذا هو الذي أنكره عطاء على الحسن إن صح ذلك عنه ومن أعظم خصال النفاق العملي أن يعمل الإنسان عملًا ويظهر أنه قصد به الخير وإنما عمله ليتوصل به إلى غرض له سييء فيتم له ذلك ويتوصل بهذه الخديعة إلى غرضه ويفرح بمكره وخداعه وحمد الناس له على ما أظهره ويتوصل به إلى غرضه السييء الذي أبطنه وهذا قد حكاه الله في القرآن عن المنافقين واليهود فحكي عن المنافقين أنهم {اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} التوبة.
وأنزل في اليهود {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} آل عمران وهذه الآية نزلت في اليهود سألهم النبي ﷺ عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم وما سئلوا عنه قال ذلك ابن عباس وحديثه مخرج في الصحيحين وفيهما أيضًا عن أبي سعيد أنها نزلت في رجال من المنافقين كانوا إذا خرج النبي ﷺ إلى الغزو وتخلفوا عنه فرحوا بمقعدهم خلافه فإذا قدم رسول الله ﷺ من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
وفي حديث ابن مسعود عن النبي ﷺ قال من غشنا فليس منا والمكر والخديعة في النار وقد وصف الله المنافقين بالمخادعة ولقد أحسن أبو العتاهية في قوله:
ليس الدنيا إلا بدين وليـ *** س الدين إلا مكارم الأخلاق
إنما المكر والخديعة في النا *** ر وهما من خصال أهل النفاق
ولما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو اختلاف السر والعلانية خشي بعضهم على نفسه أن يكون إذا تغير عليه حضور قلبه ورقته وخشوعه عند سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال أن يكون ذلك منه نفاقًا كما في صحيح مسلم عن حنظلة الأسدي أنه مر به أبو بكر رضي الله عنه وهو يبكي فقال مالك قال نافق حنظلة يا أبا بكر نكون عند رسول الله ﷺ يذكرنا بالجنة والنار كأنهما رأي العين فإذا رجعنا عافسنا الأزواج والصبية فنسينا كثيرًا قال أبو بكر فو الله إنا لكذلك فانطلقا إلى رسول الله ﷺ فقال مالك يا حنظلة قال نافق حنظلة يا رسول الله وذكر له مثل ما قال لأبي بكر فقال رسول الله ﷺ لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي لصافتحكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة.
وفي مسند البزار عن أنس قال قالوا يا رسول الله إنا نكون عندك على حال فإذا فارقناك كنا على غيره قال كيف أنتم قالوا الله ربنا في السر والعلانية قال ليس ذاكم من النفاق وروى من وجه آخر عن أنس قال غدا أصحاب رسول الله ﷺ فقالوا هلكنا قال وما ذاك قالوا النفاق قال ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قالوا بلى قال فليس ذاك بالنفاق ثم ذكر يعني حديث حنظلة كما تقدم.
عن عبدالله بن عمر عن النبي ﷺ قال أربع من كن فيه كان منافقًا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر . خرجه البخاري ومسلم
هذا الحديث خرجاه في الصحيحين من رواية الأعمش عن عبدالله بن مرة عن مسروق عن عبدالله بن عمرو بن العاص وخرجاه في الصحيحين أيضًا من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان وفي رواية لمسلم وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم وفي رواية له أيضًا من علامات المنافق ثلاث وقد روى هذا عن النبي ﷺ من وجوه أخر وهذا الحديث قد حمله طائفة ممن يميل إلى الإرجاء على المنافقين الذين كانوا في عهد النبي ﷺ فإنهم حدثوا النبي ﷺ فكذبوه وائتمنهم على سره فخانوه ووعدوه أن يخرجوا معه في الغزو فأخلفوه وقد روى محمد المحرم هذا التأويل عن عطاء وأنه قال حدثني به جابر عن النبي ﷺ وذكر أن الحسن رجع إلى قول عطاء هذا لما بلغه عنه وهذا كذب والمحرم شيخ كذاب معروف بالكذب وقد روي عن عطاء هذا لما بلغه من وجهين آخرين ضعيفين أنه أنكر على الحسن قوله ثلاث من كن فيه فهو منافق وقال حدث إخوة يوسف فكذبوا ووعدوا فأخلفوا وائتمنوا فخانوا ولم يكونوا منافقين وهذا لا يصح عن عطاء والحسن أم هذا من عنده وإنما بلغه عن النبي ﷺ فالحديث ثابت عنه ﷺ لا شك في ثبوته وصحته والذي فسره به أهل العلم المعتبرون أن النفاق في اللغة هو من جنس الخداع والمكر وإظهار الخير وإبطان خلافه وهو في الشرع ينقسم إلى قسمين أحدهما النفاق الأكبر وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله ﷺ ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار والثاني النفاق الأصغر وهو نفاق العمل وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة ويبطن ما يخالف ذلك وأصول هذا النفاق يرجع إلى الخصال المذكورة في هذه الأحاديث وهي خمس أحدها أن يحدث بحديث لم يصدق به وهو كاذب له.
وفي المسند عن النبي ﷺ قال كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا هو لك مصدق وأنت به كاذب قال الحسن كان يقال النفاق اختلاف السر والعلانية والقول والعمل والمدخل والمخرج، وكان يقال أس النفاق الذي بني عليه الكذب والثاني إذا وعد أخلف وهو على نوعين أحدهما أن يعد ومن نيته أن لا يوفي بوعده وهذا أشر الخلق ولو قال أفعل كذا إن شاء الله تعالى ومن نيته أن لا يفعل كان كذبا وخلفا قاله الأوزاعي الثاني أن يعد ومن نيته أن يفي ثم يبدو له فيخلف من غير عذر له في الخلف.
وخرج أبو داود والترمذى من حديث زيد بن أرقم عن النبي ﷺ قال إذا وعد الرجل ونوي أن يفي به فلم يف فلا جناح عليه وقال الترمذي ليس إسناده بالقوي.
وخرج الإسماعيلي وغيره من حديث سلمان أن عليا لقي أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فقال مالي أراكما ثقلين قالا حديث سمعناه من النبي ﷺ ذكر خلال المنافق إذا وعد أخلف وإذا حدث كذب وإذا ائتمن خان فأينا ينجو من هذه الخصال فدخل على النبي ﷺ فذكر له ذلك فقال قد حدثتهما ولم أضعه على الوضع الذي تضعونه ولكن المنافق إذا حدث وهو يحدث نفسه أن يكذب وإذا وعد وهو يحدث نفسه أن يخلف وإذا اؤتمن وهو يحدث نفسه أن يخون وقال أبو حاتم الرازي في هذا الحديث من رواية سلمان وزيد بن أرقم الحديثان مضطربان والإسنادان مجهولان وقال الدراقطني الحديث مضطرب غير ثابت والله أعلم.
وخرجه الطبراني والإسماعيلي من حديث على مرفوعًا العدة دين ويل لمن وعد ثم أخلف قالها ثلاثًا وفي إسناده جهالة ويروى من حديث ابن مسعود قال لايعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له قال قال رسول الله ﷺ العدة عطية وفي إسناده نظر وأوله صحيح عن ابن مسعود من قوله وفي مراسيل الحسن عن النبي ﷺ قال العدة هبة وفي سنن أبي داود عن مولي لعبد الله بن عامر بن ربيعة عن عبدالله بن عامر بن ربيعة قال جاء النبي ﷺ إلى بيتنا وأنا صبي فخرجت لألعب فقالت أمي ياعبد الله تعالى أعطك فقال رسول الله ﷺ ماأردت أن تعطيه قلت أردت أن أعطيه تمرا فقال إن لم تفعلي كتبت عليك كذبة وفي إسناده من لا يعرف وذكر الزهري عن أبي هريرة قال من قال لصبي تعالى هاك تمرا ثم لايعطيه شيئًا فهي كذبة وقد اختلف العلماء في وجوب الوفاء بالوعد فمنهم من أوجبه مطلقا وذكر البخاري في صحيحه أن ابن أشوع قضي بالوعد وهو قول طائفة من أهل الظاهر وغيرهم ومنهم من أوجب الوفاء به إذا اقتضي نفعا للموعود وهو المحكي عن مالك وكثير من الفقهاء لا يوجبونه مطلقا والثالث إذا خاصم فجر ويعني بالفجور أن يخرج عن الحق عمدا حتى يصير الحق باطلًا والباطل حقا وهذا مما يدعو إليه الكذب كما قال النبي ﷺ إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار.
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم وقال ﷺ إنكم لتختصمون إلى ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي على نحو مما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار وقال ﷺ إن من البيان لسحرا فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا على أن ينتصر للباطل ويخيل للسامع أنه حق ويوهن الحق ويخرجه في صورة الباطل كان ذلك من أقبح المحرمات وأخبث خصال النفاق وفي سنن أبي داود عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع وفي رواية له أيضًا ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله الرابع إذا عاهد غدر ولم يف بالعهد وقد أمر الله بالوفاء بالعهد فقال وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا الإسراء وقال وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا النحل وقال إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم آل عمران.
وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به وفي رواية إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال ألا هذه غدرة فلان وخرجاه أيضًا من حديث أنس بمعناه.
وخرج مسلم من حديث أبي سعيد عن النبي ﷺ قال لكل غادر لواء عند يوم القيامة يعرف به والغدر حرام في كل عهد بين المسلم وغيره ولو كان المعاهد كافرًا ولهذا في حديث عبدالله بن عمرو عن النبي ﷺ من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماخرجه البخاري وقد أمر الله تعالى في كتابه الوفاء بعهود المشركين إذا أقاموا على عهودهم ولم ينقضوا منها شيئًا وأما عهود المسلمين فيما بينهم بالوفاء بها أشد ونقضها أعظم إثما ومن أعظمها نقض عهد الإمام على من تابعه ورضي به.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فذكر منهم ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه ما يريد وفي له وإلا لم يف له ويدخل في العهود التي يجب الوفاء بها ويحرم الغدر جميع عقود المسلمين فيما بينهم إذا تراضوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللازمة التي يجب الوفاء بها، وكذلك ما يجب الوفاء به لله عز وجل مما يعاهد العبد ربه عليه من نذر التبرر ونحوه الخامس الخيانة في الأمانة فإذا اؤتمن الرجل أمانة فالواجب عليه أن يردها كما قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} النساء وقال النبي ﷺ أد الأمانة إلى من ائتمنك وقال في خطبته في حجة الوداع من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها قال الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} الأنفال فالخيانة في الأمانة من خصال النفاق.
وفي حديث ابن مسعود من قوله وروى مرفوعًا القتل في سبيل الله يكفر كل ذنب إلا الأمانة يؤتي بصاحب الأمانة فيقال له أد أمانتك فيقول من أين يارب وقد ذهبت الدنيا فيقول اذهبوا به إلى الهاوية فيهوي حتى ينتهي إلى قعرها فيجدها هناك كهيئتها فيحملها فيضعها على عنقه فيصعد بها في نار جهنم حتى إذا رأي أنه قد خرج منها زلت فهوي فيهوي هو في أثرها أبد الآبدين قال والأمانة في الصلاة والأمانة في الصوم والأمانة في الحديث وأشد من ذلك الودائع وقد روي عن محمد بن كعب القرظي أنه استنبط ما في هذا الحديث أعني حديث آية المنافق ثلاث من القرآن وقال مصداق ذلك في كتاب الله تعالى إذا جاءك المنافقون المنافقون إلى قوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون المنافقون وقال تعالى {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} إلى قوله {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} التوبة وقال {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ} الأحزاب إلى قوله {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ} الأحزاب وروى عن ابن مسعود نحو هذا الكلام ثم تلا قوله {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ} التوبة الآية وحاصل الأمر أن النفاق الأصغر كله يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية كما قاله الحسن.
وقال الحسن أيضًا من النفاق اختلاف القلب واللسان واختلاف السر والعلانية واختلاف الدخول والخروج.
وقال طائفة من السلف خشوع النفاق أن تري الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع.
وقد روى معنى ذلك عن عمر وروي عنه أنه قال على المنبر إن أخوف ما أخاف عليكم المنافق العليم قالوا كيف يكون المنافق عليما قال يتكلم بالحكمة ويعمل بالجور أو قال المنكر وسئل حذيفة عن المنافق فقال الذي يصف الإيمان ولا يعمل به.
وفي صحيح البخا ري عن ابن عمر أنه قيل له إنا ندخل على سلطاننا فنقول له بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عنده قال كنا نعد هذا نفاقا.
وفي المسند عن حذيفة قال إنكم لتكلمون كلاما إن كنا لنعده على عهد رسول الله ﷺ النفاق وفي رواية قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله ﷺ يصير بها منافقًا وأني لأسمعها من أحدكم في اليوم أو في المجلس عشر مرات قال بلال بن سعد المنافق يقول ما يعرف ويعمل ماينكر ومن هنا كان الصحابة يخافون النفاق على أنفسهم، وكان عمر يسأل حذيفة عن نفسه وسئل أبو رجاء العطاردي هل أدركت من أدركت من أصحاب رسول الله ﷺ يخشون النفاق فقال نعم إني أدركت منهم بحمد الله صدرا حسنا نعم شديدًا نعم شديدا.
وقال البخاري في صحيحه.
وقال ابن أبي مليكة أدركت ثلاثين من أصحاب النبي ﷺ كلهم يخاف النفاق على نفسه ويذكر عن الحسن قال ما خافه إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق انتهى وروى الحسن أنه حلف ما مضي مؤمن قط ولا بقي إلا وهو من النفاق غير آمن وما مضي منافق قط ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن، وكان يقول من لم يخف النفاق فهو منافق وسمع رجل أبا الدرداء يتعوذ من النفاق في صلاته فلما سلم قال له ما شأنك وشأن النفاق فقال اللهم اغفر لي ثلاثًا لا تأمن البلاء والله إن الرجل ليفتن في ساعة واحدة فينقلب عن دينه والآثار عن السلف في هذا كثيرة جدًا قال سفيان الثوري خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاث فذكر منها قال نحن نقول نفاق وهم يقولون لا نفاق وقال الأوزاعي قد خاف عمر النفاق على نفسه قيل لهم إنهم يقولون إن عمر لم يخف أن يكون يومئذ منافقًا حتى سأل حذيفة ولكن خاف أن يبتلي بذلك قبل أن يموت قال هذا قول أهل البدع يشير إلى أن عمر كان يخاف على النفاق على نفسه في الحال الظاهر أنه أراد أن عمر كان يخاف نفسه في الحال من النفاق الأصغر والنفاق الأصغر وسيلة إلى النفاق الأكبر كما أن المعاصي بريد الكفر وكما يخشي على من أصر على المعصية أن يسلب الإيمان عند الموت كذلك يخشي على من أصر على خصال النفاق أن يسلب الإيمان فيصير منافقًا خالصا وسئل الإمام أحمد ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق قال ومن يأمن على نفسه النفاق، وكان الحسن يسمي من ظهرت منه أوصاف النفاق العملي منافقًا وروى نحوه عن حذيفة وقال الشعبي من كذب فهو منافق وحكي محمد بن نصر المروزي هذا القول عن فرقة من أهل الحديث وقد سبق في أوائل الكتاب ذكر الاختلاف عن الإمام أحمد وغيره في مرتكب الكبائر هل يسمي كافرًا كفرا لا ينقل عن الملة أم لا واسم الكفر أعظم من اسم النفاق ولعل هذا هو الذي أنكره عطاء على الحسن إن صح ذلك عنه ومن أعظم خصال النفاق العملي أن يعمل الإنسان عملًا ويظهر أنه قصد به الخير وإنما عمله ليتوصل به إلى غرض له سييء فيتم له ذلك ويتوصل بهذه الخديعة إلى غرضه ويفرح بمكره وخداعه وحمد الناس له على ما أظهره ويتوصل به إلى غرضه السييء الذي أبطنه وهذا قد حكاه الله في القرآن عن المنافقين واليهود فحكي عن المنافقين أنهم {اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} التوبة.
وأنزل في اليهود {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} آل عمران وهذه الآية نزلت في اليهود سألهم النبي ﷺ عن شيء فكتموه وأخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم وما سئلوا عنه قال ذلك ابن عباس وحديثه مخرج في الصحيحين وفيهما أيضًا عن أبي سعيد أنها نزلت في رجال من المنافقين كانوا إذا خرج النبي ﷺ إلى الغزو وتخلفوا عنه فرحوا بمقعدهم خلافه فإذا قدم رسول الله ﷺ من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا.
وفي حديث ابن مسعود عن النبي ﷺ قال من غشنا فليس منا والمكر والخديعة في النار وقد وصف الله المنافقين بالمخادعة ولقد أحسن أبو العتاهية في قوله:
ليس الدنيا إلا بدين وليـ *** س الدين إلا مكارم الأخلاق
إنما المكر والخديعة في النا *** ر وهما من خصال أهل النفاق
ولما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو اختلاف السر والعلانية خشي بعضهم على نفسه أن يكون إذا تغير عليه حضور قلبه ورقته وخشوعه عند سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال أن يكون ذلك منه نفاقًا كما في صحيح مسلم عن حنظلة الأسدي أنه مر به أبو بكر رضي الله عنه وهو يبكي فقال مالك قال نافق حنظلة يا أبا بكر نكون عند رسول الله ﷺ يذكرنا بالجنة والنار كأنهما رأي العين فإذا رجعنا عافسنا الأزواج والصبية فنسينا كثيرًا قال أبو بكر فو الله إنا لكذلك فانطلقا إلى رسول الله ﷺ فقال مالك يا حنظلة قال نافق حنظلة يا رسول الله وذكر له مثل ما قال لأبي بكر فقال رسول الله ﷺ لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي لصافتحكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة.
وفي مسند البزار عن أنس قال قالوا يا رسول الله إنا نكون عندك على حال فإذا فارقناك كنا على غيره قال كيف أنتم قالوا الله ربنا في السر والعلانية قال ليس ذاكم من النفاق وروى من وجه آخر عن أنس قال غدا أصحاب رسول الله ﷺ فقالوا هلكنا قال وما ذاك قالوا النفاق قال ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قالوا بلى قال فليس ذاك بالنفاق ثم ذكر يعني حديث حنظلة كما تقدم.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin