بسم الله الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل أشرف المرسلين.
دفع قواطع الطريق وهو بأربعة أمور: الخلوة والصمت والجوع والسهر وهذا تحصن من القواطع فإن مقصود المريد إصلاح قلبه ليشاهد به ربه ويصلح لقربه أما الجوع فإنه ينقص دم القلب ويبيضه وفي بياضه نوره ويذيب شحم الفؤاد وفي ذوبانه رقته ورقته مفتاح المكاشفة كما أن قساوته سبب الحجاب ومهما نقص دم القلب ضاق مسلك العدو فإن مجاريه العروق الممتلئة بالشهوات وقال عيسى عليه السلام يا معشر الحواريين جوعوا بطونكم لعل قلوبكم ترى ربكم وقال سهل بن عبد الله التستري ما صار الأبدال أبدالا إلا بأربع خصال بإخماص البطون والسهر والصمت والاعتزال عن الناس ففائدة الجوع في تنوير القلب أمر ظاهر يشهد له التجربة وسيأتي بيان وجه التدريج فيه في كتاب كسر الشهوتين وأما السهر فإنه يجلو القلب ويصفيه وينوره فيضاف ذلك إلى الصفاء الذي حصل من الجوع فيصير القلب كالكوكب الدري والمرآة المجلوة فيلوح فيه جمال الحق ويشاهد فيه رفيع الدرجات في الآخرة وحقارة الدنيا وآفاتها فتتم بذلك رغبته عن الدنيا وإقباله على الآخرة والسهر أيضا نتيجة الجوع فإن السهر مع الشبع غير ممكن والنوم يقسي القلب ويميته إلا إذا كان بقدر الضرورة فيكون سبب المكاشفة لأسرار الغيب فقد قيل في صفة الأبدال إن أكلهم فاقه ونومهم غلبة وكلامهم ضرورة وقال إبراهيم الخواص رحمه الله أجمع رأي سبعين صديقا على أن كثرة النوم من كثرة شرب الماء وأما الصمت فإنه تسهله العزلة ولكن المعتزل لا يخلو عن مشاهدة من يقوم له بطعامه وشرابه وتدبير أمره فينبغي أن لا يتكلم إلا بقدر الضرورة فإن الكلام يشغل القلب وشره القلوب إلى الكلام عظيم فإنه يستروح إليه ويستثقل التجرد للذكر والفكر فيستريح إليه فالصمت يلقح العقل ويجلب الورع ويعلم التقوى وأما حياة الخلوة ففائدتها دفع الشواغل وضبط السمع والبصر فإنهما دهليز القلب والقلب في حكم حوض تنصب إليه مياه كريهة كدرة قذرة من أنهار الحواس ومقصود الرياضة تفريغ الحوض من تلك المياه ومن الطين الحاصل منها ليتفجر أصل الحوض فيخرج منه الماء النظيف الطاهر وكيف يصح له أن ينزح الماء من الحوض والأنهار مفتوحة إليه فيتجدد في كل حال أكثر مما ينقص فلا بد من ضبط الحواس إلا عن قدر الضرورة وليس يتم ذلك إلا بالخلوة في بيت مظلم وإن لم يكن له مكان مظلم فليلف رأسه في جيبه أو يتدثر بكساء أو إزار ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال الحضرة الربوبية أما ترى أن نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه وهو على مثل هذه الصفة فقيل له يا أيها المزمل يا أيها المدثر حديث بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مدثر فقيل له يا أيها المزمل يا أيها المدثر متفق عليه من حديث جابر جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يمينى الحديث وفيه فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا علي الماء باردا فدثروني وصبوا علي ماء باردا قال فنزلت يا أيها المدثر وفي رواية فقلت زملوني زملوني ولهما من حديث عائشة فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فهذه الأربعة جنة وحصن بها تدفع عنه القواطع وتمنع العوارض القاطعة للطريق فإذا فعل ذلك اشتغل بعده بسلوك الطريق وإنما سلوكه بقطع العقبات ولا عقبة على طريق الله تعالى إلا صفات القلب التي سببها الالتفات إلى الدنيا وبعض تلك العقبات أعظم من بعض والترتيب في قطعها أن يشتغل بالأسهل فالأسهل وهي تلك الصفات أعني أسرار العلائق التي قطعها في أول الإرادة وآثارها أعني المال والجاه وحب الدنيا والالتفات إلى الخلق والتشوف إلى المعاصي فلا بد أن يخلى الباطن عن آثارها كما أخلى الظاهر عن أسبابها الظاهرة وفيه تطول المجاهدة ويختلف ذلك باختلاف الأحوال فرب شخص قد كفى أكثر الصفات فلا تطول عليه المجاهدة وقد ذكرنا أن طريق المجاهدة مضادة الشهوات ومخالفة الهوى في كل صفة غالبة على نفس المريد كما سبق ذكره.
من كتاب الرياضة بإحياء علوم الدين لابي حامد الغزالي.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام عل أشرف المرسلين.
دفع قواطع الطريق وهو بأربعة أمور: الخلوة والصمت والجوع والسهر وهذا تحصن من القواطع فإن مقصود المريد إصلاح قلبه ليشاهد به ربه ويصلح لقربه أما الجوع فإنه ينقص دم القلب ويبيضه وفي بياضه نوره ويذيب شحم الفؤاد وفي ذوبانه رقته ورقته مفتاح المكاشفة كما أن قساوته سبب الحجاب ومهما نقص دم القلب ضاق مسلك العدو فإن مجاريه العروق الممتلئة بالشهوات وقال عيسى عليه السلام يا معشر الحواريين جوعوا بطونكم لعل قلوبكم ترى ربكم وقال سهل بن عبد الله التستري ما صار الأبدال أبدالا إلا بأربع خصال بإخماص البطون والسهر والصمت والاعتزال عن الناس ففائدة الجوع في تنوير القلب أمر ظاهر يشهد له التجربة وسيأتي بيان وجه التدريج فيه في كتاب كسر الشهوتين وأما السهر فإنه يجلو القلب ويصفيه وينوره فيضاف ذلك إلى الصفاء الذي حصل من الجوع فيصير القلب كالكوكب الدري والمرآة المجلوة فيلوح فيه جمال الحق ويشاهد فيه رفيع الدرجات في الآخرة وحقارة الدنيا وآفاتها فتتم بذلك رغبته عن الدنيا وإقباله على الآخرة والسهر أيضا نتيجة الجوع فإن السهر مع الشبع غير ممكن والنوم يقسي القلب ويميته إلا إذا كان بقدر الضرورة فيكون سبب المكاشفة لأسرار الغيب فقد قيل في صفة الأبدال إن أكلهم فاقه ونومهم غلبة وكلامهم ضرورة وقال إبراهيم الخواص رحمه الله أجمع رأي سبعين صديقا على أن كثرة النوم من كثرة شرب الماء وأما الصمت فإنه تسهله العزلة ولكن المعتزل لا يخلو عن مشاهدة من يقوم له بطعامه وشرابه وتدبير أمره فينبغي أن لا يتكلم إلا بقدر الضرورة فإن الكلام يشغل القلب وشره القلوب إلى الكلام عظيم فإنه يستروح إليه ويستثقل التجرد للذكر والفكر فيستريح إليه فالصمت يلقح العقل ويجلب الورع ويعلم التقوى وأما حياة الخلوة ففائدتها دفع الشواغل وضبط السمع والبصر فإنهما دهليز القلب والقلب في حكم حوض تنصب إليه مياه كريهة كدرة قذرة من أنهار الحواس ومقصود الرياضة تفريغ الحوض من تلك المياه ومن الطين الحاصل منها ليتفجر أصل الحوض فيخرج منه الماء النظيف الطاهر وكيف يصح له أن ينزح الماء من الحوض والأنهار مفتوحة إليه فيتجدد في كل حال أكثر مما ينقص فلا بد من ضبط الحواس إلا عن قدر الضرورة وليس يتم ذلك إلا بالخلوة في بيت مظلم وإن لم يكن له مكان مظلم فليلف رأسه في جيبه أو يتدثر بكساء أو إزار ففي مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق ويشاهد جلال الحضرة الربوبية أما ترى أن نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه وهو على مثل هذه الصفة فقيل له يا أيها المزمل يا أيها المدثر حديث بدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مدثر فقيل له يا أيها المزمل يا أيها المدثر متفق عليه من حديث جابر جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يمينى الحديث وفيه فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا علي الماء باردا فدثروني وصبوا علي ماء باردا قال فنزلت يا أيها المدثر وفي رواية فقلت زملوني زملوني ولهما من حديث عائشة فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فهذه الأربعة جنة وحصن بها تدفع عنه القواطع وتمنع العوارض القاطعة للطريق فإذا فعل ذلك اشتغل بعده بسلوك الطريق وإنما سلوكه بقطع العقبات ولا عقبة على طريق الله تعالى إلا صفات القلب التي سببها الالتفات إلى الدنيا وبعض تلك العقبات أعظم من بعض والترتيب في قطعها أن يشتغل بالأسهل فالأسهل وهي تلك الصفات أعني أسرار العلائق التي قطعها في أول الإرادة وآثارها أعني المال والجاه وحب الدنيا والالتفات إلى الخلق والتشوف إلى المعاصي فلا بد أن يخلى الباطن عن آثارها كما أخلى الظاهر عن أسبابها الظاهرة وفيه تطول المجاهدة ويختلف ذلك باختلاف الأحوال فرب شخص قد كفى أكثر الصفات فلا تطول عليه المجاهدة وقد ذكرنا أن طريق المجاهدة مضادة الشهوات ومخالفة الهوى في كل صفة غالبة على نفس المريد كما سبق ذكره.
من كتاب الرياضة بإحياء علوم الدين لابي حامد الغزالي.
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin