بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الاخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) ﴾ ( يونس )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى منّ علينا وخلع علينا أجمعين خلعة ولايته ، وجعلنا من قبل القبل من أهل عنايته ، وجعلنا فى الدنيا من أهل قربه ومودته .
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذى أرسي الله به فى قلوبنا أنوار الهداية ، وجعل فى سرائرنا أسرار العناية ، وجمّلنا بجمالات الله التى يحبها من البداية إلى النهاية .. صلىّ الله عليه وعلى آله الذين وافقوه فى الغاية .. وأصحابه الذين رافقوه من البداية إلى النهاية ، وأتباعه الذين شاركوه فى هذه العناية .. وإحعل لنا يا ربنا قسطاً عظيماً معهم فى هذه الرعاية أجمعين ... آمين يا رب العالمين ..
إخوانى وأحبابى بارك الله فيكم أجمعين ..
الآيات التى إستمعنا إليها الآن من الله بشرى لنا أجمعين ، فنحن جميعاً بنصّ الآية أولياء لله عزّ وجلّ ، لأن الله قد حدد الولاية فى قوله :﴿ ا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ ونحن والحمد لله مؤمنين ونتقى الله ، كما قال فى القرآن :
﴿ فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ ( التغابن : 16) ، فكلٌ على حسب إستطاعته .. وكل من قال لا إله إلاّ الله محمدٌ رسول الله من ذكرٍ أو أُنثى فهو ولىٌ لله عزّ وجلّ ، ولكن الولاية درجات :
فهناك الولاية العامة وهى التى نحن جميعاً فيها .. وهناك ولاية الخاصّة التى نبتغيها جميعاً ونبحث عنها : ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ ونحن جميعاً قد أخذنا هذه البُشرى فالإنسان عادةً يخاف على نفسه ، ويحزن على غيره ، ونحن بهذه الولاية لن نخاف على أنفسنا ، ولن نحزن على زوجاتنا وأولادنا وأحبابنا ، وذلك لأن سيدنا رسول الله صلىّ الله عليه وسلم عندما كان فى الغار ومعه الصدّيق الأكبر رَضِىَ اللهُ عَنهُ وقال : يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميِه لرآنا ، فلم يقل له صلىّ الله عليه وسلم لا تخف ، لأنه لا يخاف على نفسه ، وإنّما يخاف على رسول الله ، وهذا ما نسمّيه : ( الحُزْنْ ) والحُزن هو الخوف على الغير ، ولذلك قال له : ﴿ لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا ﴾( التوبة : 40) وهى معيّة لم يبلغها أحدٌ من قبل حتى من أنبياء الله ورسل الله .. فإنّ معيّة سيدنا موسى قال فيها :﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾( الشعراء : 62) وهى معيّة الربوبيّة ، أمّا معية الألوهيّة فهى خاصّةٌ بالمصطفى خير البريّة صلىّ الله عليه وسلم ...
والربوبيّة للجميع :﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾( الفاتحة : 2) ومعية الألوهيّة خصوصيّة للحضرة المحمديّة إنّ الله معنا .. أمّا نحن فلنا معيّة الهُويّة : ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ ( الحديد : 4) فتعاملنا كله مع حضرة الهُويّة :﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ﴾(الأحزاب : 43) بالهُويّة ..
أمّا حضرة النبىّ : ﴿ إِنَّ الله ـ معيّة الألوهيّة ـ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾( الأحزاب : 56) ونحن جميعاً يا إخوانى لنا نصيب فى هذه الخصوصيّة ، ولن يخاف واحدٌ منّا لأنه مادام قد قال :
لا إله إلاّ الله محمدٌ رسول الله ، فيا بشراه ويا هناه ، لأن له ما لاعينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر يوم يلقى الله جَلّ فى عُلاهُ ، وإليكم البيان :
فإذا كان آخر واحد فى الكشف من الذين سأخذون عفواً ويخرجون من النار بسبب شفاعة رسول الله ، يقول له حضرة الله
( تمنّى .. فيقول أتمنّى أن أخرج من النار وأدخل الجنّة .. فيقول الله عزّ وجلّ : إنّ لك فى الجنّة مثل الدنيا كلهّا من أولها إلى آخرها عشر مرات .. فيقول : أتهزأ بى وأنت رب العالمين .. فيقول الله تعالى له : إنّ لك مثل الدنيا عشر مراتٍ ومثله معه .. وفى رواية ومثليه معه )
وهذا لمن يدخل النار ويكون آخر واحدٍ يخرج فى كشف العفو .. فما بالكم بأهل الجنّة كم يكون لهم فى الجنّة يا أحباب ؟ !!
لا يستطيع أحدٌ حساب ذلك ولا عدّ ذلك لأنه حساب الحسيب الأعظم عزّ وجلّ لعباده المؤمنين ،
وكذلك لن يحزن واحدٌ منّا لقول رسول الله صلىّ الله عليه وسلم .. وإنتبهوا إلى الحديث الصحيح :
( إستكثروا من الإخوان ، فإنّ لكل مؤمنٌ شفاعة يوم القيامة ) وهذه الشفاعة فيمن إستوجبوا النار ، وتكون الشفاعة لكل واحدٍ حسب رتبته ودرجته وتقواه ، وما يحدّده له الله وما يعطيه له ويسلمّه له سيدنا رسول الله .. فهناك من يشفع فى عشرةٍ وهناك من يشفع فى سبعين وهناك من يشفع فى سبعمائة وهناك من يشفع فى خمسة ملايين وهناك من يشفع فى أمّةٍ .
ولذلك بشرّنا رسول الله ببشريات الله جَلّ فى عُلاهُ الوارد فى أول الآية :﴿ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ وقدم الله البشرى هنا على العمل ، ومعنى ذلك أن العمل تحصيل حا صل مثل الذى يعطيك شهادة الدكتوراه ، ثمّ يقول لك حضّر الرسالة ، فقد حصلت على الدكتوراه ، وقد أخذنا الدكتوراه يا إخوانى من الأول وذلك فى : ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾( آل عمران : 110) فأنت يا أخى من الدكاترة الذين إختارهم الله ورقّاهم وأدناهم وجعلهم فى أعلى المقامات عنده بين الناس ، وقال للحبيب كل ماتريده من أجل هؤلاء موافق عليه :﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ ( الضحى : 5) أى سيعطيك ما تريد كله لأنه رضى عن هؤلاء القوم .
إذن فكل مؤمنٌ ولىٌ لله عزّ وجلّ ، ولكنها ولا ية عامة .
أما الولاية الخاصّة والتى يكون لصاحبها خصوصية ومزيّة وعطايا خاصّة إلهية وأنوار فى قلبه ذاتيّة ، وإمدادات ذاتيّة من الحضرة المحمديّة يلزمها منهج فى التبعيّة وصفه الله عزّ وجلّ أيضاً فى الآيات القرآنيّة :﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي ﴾( آل عمران : 31) .
فإن كنت تريد الولاية الخاصّة فعليك أن تبدأ بالمتابعة لسيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ، وهذا هو الميزان الذى تزن به كل من يدّعى ولا ية الله الخاصّة .. ميزان شرع الله ومتابعة حبيب الله ومصطفاه ..
ولذلك الشيخ أبو اليزيد البسطامى رضى الله عنه قال : { لو رأيتم الرجل يطير فى الهواء أو يمشى على الماء فلا تغترّوا به حتى تروه عند الأمر والنهى } أى عند الأومر الإلهيّة ، والنواهى الربانيّة فهذا هو الذى يُظهر معدنه ويُظهر جوهره .. فطلبوا منه زيادة الإيضاح فقال :
ليست الكرامة أن تطير فى الهواء ، لأن الطير فى السماء تفعل ذلك .. وليست الكرامة أن تمشى على الماء ، لأن الأسماك فى البحار تفعل ذلك ، وليست الكرامة أن تقطع ما بين المشرق والمغرب فى لحظةٍ لأن إبليس وهو رأس الكفر يفعل ذلك ولكن { الإستقامة خيرٌ من ألف كرامة }.
وهذا هو الميزان الذى أوجده الله لكى تزن به هؤلاء الرجال الذين يكون لهم حال مع الله ، أو خصوصيّة مع سيدنا رسول الله ... فالميزان هو الإستقامة ، والكرامات يا أحباب نوعان :
فهناك كرامات حسيّة ، وهناك كرامات معنويّة ..
قال العلماء فى الكرامات الحسيّة أنها قد تكون تأييد وبرهان ، وقد تكون إستدراج لصاحبها من حضرة الرحمن ، لكن الكرامات المعنويّة كالإستقامة والتوفيق والزهد فى الدنيا والورع فيما حرّم الله والحكمة فى تصريف الأمور ، والخشوع بين يدى الله فى الصلاة ، ومراقبة الله فى السّر والعلانية ، وفى الجهر والخفاء ، وهذه هى الكرامات المعنوية التى يعطيها الله للأولياء ليعلمهم بها أنهم أولياء وهؤلاء لا يريدون أن يجاهروا أمام الخلق بأنهم أولياء ليلتفّوُا حولهم ، فماذا يفعلون بالخلق ؟ .. فهم يريدون الله ، ولا يريدون أحداً سواه ، وإذا أراد الله أن يجعلهم أئمة للخلق ، فإنهم يقبلون ذلك وهم متضررون فى البداية ولكنهم يؤثرون رضاء الله على رضاء أنفسهم ، ويقول فى ذلك الشيخ أحمد أبو شرقاوى رضى اللع عنه :
قد رمت نهجاً خفيّاً اســـتريح به لكن ربّ العلا للخلق أبدانى
هو الذى أظهرنى رغما بذا عنّى فصرت لله مشــــكاةً ومئذنةً
طوبى لمن للهُدى والبشر يلقانى
وهو بذلك أصبح مصباحاً ينير للسائرين فى الظلمات ، ومئذنةً تنادى على الطالبين لهذه الحضرات ولم يكن يريد الرجل ذلك ، فالولىّ يريد ما رادته السيدة رابعة عندما كانت تقول :
راحتى يا إخوتى فى خلوتى وحبيبى دائماً فى خظوتى
يريد الواحد منهم أن يعيش فى خلوته ليكون مع الحبيب بلا رقيب .
إذاً فالكرامات المعنويّة هى الكرامات الإلهيّة التى يعطيها الله للعارفين لكى يعرفوا أنهم متحققين بالمنهج الأقوم على طريق سيد الأولين والآخرين .. فما هو المنهج الذى يسيرون عليه لكى يصلوا إلى هذه الأحوال ، وينزلهم الله فى منازل هؤلاء الرجال ؟
﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ .. لو نظرنا إلى أعاظم وأكابر الأولياء منذ عصرسيدنا رسول الله إلى يومنا هذا ، فإنك تجد أن المنهج لم يتغير ، إذ يبدأ بحفظ ما تيسر من كتاب الله ، ثمّ يتعلم شرع الله الذى يحتاجه فى العمل الصالح الذى به ينال رضا مولاه ، ثمّ يعمل .. وقبل ذلك كله لا بد أن يؤجج فؤاده بالحب لله ، والحب لسيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فكلنا يعمل ، لكن أين الحب .. فالحب هو الذى يوصّل إلى المراد ويفتح الأبواب ، وهو الذى يطهّر القلوب لحضرة الحبيب المحبوب عزّ وجلّ ، وكان كل الرجال على هذا المنهاج ، ومنهم سيدى أبو الحسن الشاذلىّ الذى حفظ القرآن أولاً ، ثم رحل إلى تونس فى طلب العلم وبعد ذلك إتخذ له شيخاً يأخذ بوصاياه ، ويشير عليه بالعمل الذى يقرّبه إلى الله ، ويراقب أحواله ليُعليَه ويرقيه فى إطار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا بد من الشيخ لأنه هو الذى يعرف خفايا النفس بنور الله الذى جعله الله عزّ وجلّ فى قلبه وفى فؤاده .. ويبين لى أطوارى وتطوراتى وتحولاتى وقصودى ونواياى وإتجاهاتى .. مثل الذى يختصر لى الطريق ، ومثال ذلك : أننى مثلاً نزلت طفنيس ولا أعرف البلدة ، وأريد الذهاب إلى المسجد الكبير ولو إعتمدت على نفسى فى ذلك لظللت طوال النهار أمشى فى كل الشوارع ولا أهتدى ، لكن لونزلت وسألت أحد الذين يعرفون الطريق إلى المسجد ، لأخذنى فوراً ، وإختصر لى الطريق فى دقائق إلى المسجد الكبير ..
كذلك الأمر بالنسبة للشيخ ، فلأنه يعرف الطريق ، فإنه يختصر لى الطريق ويوصّلنى إلى عالم التحقيق .. إذاً فلا بد من الشيخ فى طريق الله عزّ وجلّ كما قال الصالحون :
أملاك ربى لهم شيخٌ يعلمّهم فكيف لا تطلبون الشيخ بالهمم
فالملائكة أنفسهم كان لهم شيخٌ ، وهو آدم : ﴿ قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ﴾ ( البقرة : 33) الذى نصّبه الله شيخاًلهم فى الحقائق والشيخ فى طريق الله لا بد منه لأنه منهج رسول الله الذى رسمه لأصحابه الكرام إلى يومنا هذا .. بل إلى يوم الذين إن شاء الله رب العالمين ..
مثل سيدى أبو الحسن الشاذلى ، وسيدى عبد القادر الجيلانى ، وسيدى أحمد بن إدريس .. كل الصالحين السابقين واللاحقين ، وجميعهم على هذا المنهاج : شريعة أولاً ـ ثمّ قرآن وسُنّة ـ ثمّ حقيقة ـ ولا تأتى الحقيقة إلاّ من حبٍ ، وشيخٌ يأخذ بيده فى هذا الهدى القرآنىّ ، ويبصّره بعقبات الطريق لأن الطريق مملوء بالعقبات كما قال الرجل الصالح :
إنّما القوم مســــــــــافرون لحضــــــــــــــــــــــــــــرة الله وظاعنون
فا فتقروا فيه إلى رفيــــق عالمٌ بالســــــــــــــــــــــــير وبالطريق
قد سلك الطريق ثم عــــاد لينبيء القوم بمـا إســــــــتفاد
وهكذا يكون الأمر ، وبعد أن يتقن الشريعة ، ويدخل على رياض الحقيقة مع الشيخ يعمل بعلمه فيتحقق فيه قول الحبيب : ( من عمل بما علم ، ورّثه الله علم مالم يكن يعلم ) فيبدأ بما بدأ به رسول الله ، وبدأ به أولياء الله ، وبدأت به ورثة رسول الله .. فقد كان سيدنا رسول الله يختلى فى غار حراء ، وهذه هى السُنّة .. وكذلك كان لكل ولىّ خلوة ، ومن الجائز أن تكون هذه خَلوْة ، وهو فى جَلوْة ، وهى تكون فضلٌ من الله عزّ وجلّ .. لكنه لا بّد من له من خلوة ، والخلوة تعنى خُلُو القلب من غير الله عزّ وجلّ ، وليست الخلوة فى مكان ، لأنه قد يخلوا فى مكان والقلب ما زال مشغولاً ، وبذلك يجلس فى هذه الخلوة وتأتيه شرائط الأكوان .
فأساس الخلوة خُلُو القلب ، ولذلك لا يأذن الشيخ للمريد بالخلوة إلاّ إذا تيقّن أنّ القلب قد خلا من كل مما سوى الله عزّ وجلّ وذلك لكى تأتى الثمار بسرعة من الحضرات الإلهيّة الربانيّة كما قال الله له
﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الاخِرَةِ ﴾ ( يونس : 64) وهى البشريات التى ذكرناها كالتوفيق والإستقامة والإخلاص والصدق والخشوع .. وهى الكرامات الأولى التى بها ينال المُريد ولاية الله إذا أقامه داعياً لله جلّ فى عُلاه مع أنها لا يراها ولا يريدها .. هذه الكرامات تكون للضرورات التى تقتضى أن اإنسان ربما يفعل ويصنع المعجزات والكرامات تخطيّاً لهذه الضرورات التى لا يستطيع الإنسان فعلها ,, فمن الجائز أن يكون قد كلفّه الله الدعوة ، وله تلميذ فى مكان فى أقصى الأرض فيطوى الله له الأرض .
فسيدى عبد السلام بن مشيش رضى الله عنه وكان شيخ سيدى أبو الحسن الشاذُلى .. كان شيخه يأتيه فى خلوته على الجبل ويلقّنه ولا يعرف إسمه ، وفى ذات مرّة سأله : ياسيدى من أنت ، ومن أىّ موضعٍ أنت ، قال : يا بُنىّ إذا ذهبت إلى مدينة رسول الله ، فا سأل عن عبد الرحمن الزيّات فى حارة الزيّاتين .. إذاً فهو يسكن المدينة المُنوّرة ، ومع ذلك يلقّن الشيخ عبد السلام بن مشيش فى أقصى بقاع الأرض فى بلاد المغرب .. ومع هذا يطوى الله عزّ وجلّ له الأرض تحقيقاً لهذا الغرض ، وليس من أجل الشُهرة أو الرياء والسُمعة ، لأنهم تخلصوا من كل هذه الحظوظ .. وإنّما تحقيقاً للمراد .. فقد يطوى الله عزّ وجلّ له الزمان فالذى يصنعه الواحد منّا فى قرن من الزمان .. يصنعه هو فى ساعة ..
فالشيخ عبد الوهاب الشعرانىّ رضى الله عنه أقامه الله فى زمانه لإبراز حقائق الصوفية ، وذلك لأنه قد إنتشرت الخزعبلات والخرافات بين الناس فى شأن الصوفيّة ، وقد كان عالماً ثم تحقق لإبراز شأن الصوفيّة ، والدفاع عن كبار الصوفيّة الذين يقع الناس فيهم بسوء الإعتقاد والإنتقاد والإعتراض ، لأنهم يجهلون حقائقهم فيحكى الرجل عن نفسه أنه كان يؤلف كتاباً عن عقائد الصالحين وسمّاه الكبريت الأحمر فى عقائد الشيخ الأكبر ، وهو سيدى محى الدين بن العربى ، فيقول : إحتجت فى يومٍ إلى مطالعة ( كتاب الفتوحات المكيّة ) لسيدى محى الدين بن العربى أربع مرّات ، فأعاننى الله وطوى لى الزمان ، فقرأته كله من أوّله إلى آخره أربع مرّات فى يومٍ واحد ، مع أن كتاب الفتوحات أربع مجلّدات من الحجم الكبير ..
قد يسأل سائل وكيف قرأه .. لا تقل كيف ، لأنه بنفسه يحكى عن نفسه ويقول : لما قرأت عن طىّ الزمان سألت شيخى سيدى على الخوّاص : يا سيدى كيف يحدث طىّ الزمان ؟
قال : ستجده إن شاء الله يا عبد الوهاب .. قال : وفى ذات يومٍ قال لى : إذهب وصلىّ المغرب فى مسجد الإمام الشافعىّ رضى الله عنه ، قال : فذهبت فقرأ الإمام سورة الفاتحة والشافعيّة تختلف عن المالكيّة ، لأن لهم سكتةٌ بعد الفاتتحة ، فسكت الإمام فقرأت فى هذه السكتة :
﴿ بسم الله الرحمن الرحيم : ا لّم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) ﴾( البقرة ) ، وإسترسلت فى القراءة ، وإنتبهت وأنا أقرأ :
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾( المُلك : 1) .
فانظر كيف قرأ القرآن من أوّله ، إلى أول سورة تبارك فى السكتة التى بعد الفاتحة !!
لكنها قراءة روحانيّة نورانيّة .. وليست قراءة لسانيّة أو عينيّة ، فقد يطوى الله عزّ وجلّ له الزمان كما قلت لتحقيق الغرض فى أن ينتهى من الكتاب الذى يؤلفه .
كذلك كان الشيخ جلال الدين السيوطىّ رضى الله عنه ، وهو من كبار الأئمة المحققين ، وكان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويُصّحح عليه الأحاديث ، وقد سمّاه النبىّ ( شيخ الحديث )
عندما قال له : إقرا يا شيخ علىّ الحديث .. فلم يجمع أحدٌ أحاديث مثله فى الأولين والآخرين ، فله كتاب إسمه (جمع الحوامع ) وهو أكبر كتاب فى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد نظروا إلى المؤلفات التى تركها ، وعدّوُا صفحاتها ، وحسبواعُمْرَه ، وكان خمسةً وخمسين عاماً وإنتقل إلى جوار ربه بعدها .. أى أنهم عملوا إحصائيّة ومقارنة بين الكتابة التى كان يكتبها كل يومٍ وبين عمره .. فوجدوا أنه لكى يُنجز هذه المؤلفات يحتاج إلى كتابة ثلاثين صفحة من الحجم الكبير كل يوم من أيّام عمره كله من بدايته إلى نهايته .. فمتى طالع ومتى قرأ ومتى ناقش ومتى تلقّى العلم .... فعلموا أن ذلك فتحٌ من الله عزّ وجلّ .
وقد حدث ذلك فى عصرنا مع الشيخ عبد الحليم محمود رحمة الله عليه .. فقد كان هناك مذيعةٌ فى التليفزيون إسمها كريمة حمزة ، وكان والدها رجلٌ من الصالحين ، وقد وضع كتاباً من حولى خمسمائة صفحة ، قالت كريمة حمزة : طلبت من الشيخ عبد الحليم محمود أن يضع مقدمة لهذا الكتاب ، فأعطيته الكتاب .. وإذا به فى الصباح يعطينى الكتاب ، ومعه المقدمة ، ولما قرأت المقدمة علمت منها أنه قد طالع كل حرفٍ فى الكتاب .. فكيف قرأ الكتاب كله فى ليلة واحدةٍ ؟
هذا ما يُسمّى بطىّ الزمان .. فقد يقلب الله عزّ وجلّ للولىّ الأعيان من الحاجة ، فإذا ظهر فى مكان ولم يجد فيه طعاماً لمن معه من بنى الإنسان .. فإن الله عزّ وجلّ يقلب له الأعيان من أجل أن يطعم من معه من بنى الإنسان ... إذاً فليست الكرمة من أجل الشهرة أو السمعة ..
وقد يكرم الله الولىّ أيضاً ويطلعه على خفايا القلوب لكى يطلع المريدين على العيوب ، أو يطلع المُبعدين على أنّ خفاياهم لاتغيب عن حضرة علاّم الغيوب ، فينقلبوا تا ئبين ويصلحُوا أحوالهم لكى يكونوا صالحين .. فهذه كلها بشريات يعطيها الله عزّ وجلّ للصالحين والصالحات .
لكن أعظم البشريات وأرقى العنايات ، أن يكرمه الله عزّ وجلّ برؤية سيد السادات صلى الله عليه وسلم مناماً .. فإذا قوىَ الوجد والهيام رآه يقظةً كسيدى عبد الرحيم القنائى رضى الله عنه الذى كان يقول :{ لى ليلتان كل أسبوعٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينى ليلة الإثنين ، وليلة الجمعة .. فأعرض عليه ما إستشكل علىّ من المسائل ، فيجيبنى عنها جميعاً }.
وقد يراه كل ليلة .. فقد قال الإمام مالك رضى الله عنه :
{ ما بتّ ليلة إلاّ وأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام }
وقد لا يغيب عنه كما قال أبو الحسن الشاذلى وأبو العباس المرسى ، فقد كان كل رجلٍ منهم يقول : { بقى لى أربعين عاماً لو غاب عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ، ما عددت نفسى من المؤمنين } ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الاخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) ﴾ ( يونس ) .
أمّا عن تكثير الطعام والبركة ، والشفاء من الأمراض ، فهذا شأن عامّة المؤمنين الذين أصلحوا مابينهم وبين ربّ العالمين ، وليس من الخصوصيّات الخاصّة للأولياء والصالحين .
وأخّص الخصوصيات أن يكرمه الله بالعلم الإلهامىّ اللدُنىّ :
﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ ( الكهف : 65) وهو إمّا علمٌ عن طريق الإلهام ، وإمّا علمٌ عن طريق المكاشفة يعجز اللسان عن بيانها ، وعن عدّها وعن حصرها ، بل وعن وصف عناوينها .. وإمّا أن يكرمه بتلقى هذا العلم من الأولياء السابقين ، وإمّا من الملائكة المقرّبين .. وإمّا أن يكرمه بتلقى العلم من سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ..
يأتوه وينفثوا فيه هذا العلم الذى يسمّى بعلم البّث :
﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله ﴾ ( يوسف : 86) ... إكرامات وعنايات ليس لها عدّ ٌ ولا حدّ ٌ .
نسأل الله عزّ وجلّ أن يجعلنا من أهل العطايا .. وأن يتفضّل علينا بهذا الإنعام .. وأن يجعلنا أهلاً لهذا إكرام .. وأن يكرمنا أجمعين بالحُظوة الكُبرى بالمصطفى عليه أفضل الصلاة ، وأتمّ السلام ..
وأن يجعلنا دائماً وأبداّ من الموفقين لطاعته ، والذاكرين الشاكرين الفاكرين لحضرته ، والمتمسكين فى كل أنفاسنا بشريعته ، والمحافظين فى كل أنفاسنا على مراقبة حضرته ، حتى لا يغيب عنّا طرفة عين ولا أقلّ .. ونراه ونستحضره بأرواحنا ونردد: الله .. الله .. الله
وصلى الله على سينا محمدٍ وعلى آاله وصحبه وسلمّ
﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الاخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) ﴾ ( يونس )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى منّ علينا وخلع علينا أجمعين خلعة ولايته ، وجعلنا من قبل القبل من أهل عنايته ، وجعلنا فى الدنيا من أهل قربه ومودته .
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذى أرسي الله به فى قلوبنا أنوار الهداية ، وجعل فى سرائرنا أسرار العناية ، وجمّلنا بجمالات الله التى يحبها من البداية إلى النهاية .. صلىّ الله عليه وعلى آله الذين وافقوه فى الغاية .. وأصحابه الذين رافقوه من البداية إلى النهاية ، وأتباعه الذين شاركوه فى هذه العناية .. وإحعل لنا يا ربنا قسطاً عظيماً معهم فى هذه الرعاية أجمعين ... آمين يا رب العالمين ..
إخوانى وأحبابى بارك الله فيكم أجمعين ..
الآيات التى إستمعنا إليها الآن من الله بشرى لنا أجمعين ، فنحن جميعاً بنصّ الآية أولياء لله عزّ وجلّ ، لأن الله قد حدد الولاية فى قوله :﴿ ا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ ونحن والحمد لله مؤمنين ونتقى الله ، كما قال فى القرآن :
﴿ فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ ( التغابن : 16) ، فكلٌ على حسب إستطاعته .. وكل من قال لا إله إلاّ الله محمدٌ رسول الله من ذكرٍ أو أُنثى فهو ولىٌ لله عزّ وجلّ ، ولكن الولاية درجات :
فهناك الولاية العامة وهى التى نحن جميعاً فيها .. وهناك ولاية الخاصّة التى نبتغيها جميعاً ونبحث عنها : ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ ونحن جميعاً قد أخذنا هذه البُشرى فالإنسان عادةً يخاف على نفسه ، ويحزن على غيره ، ونحن بهذه الولاية لن نخاف على أنفسنا ، ولن نحزن على زوجاتنا وأولادنا وأحبابنا ، وذلك لأن سيدنا رسول الله صلىّ الله عليه وسلم عندما كان فى الغار ومعه الصدّيق الأكبر رَضِىَ اللهُ عَنهُ وقال : يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميِه لرآنا ، فلم يقل له صلىّ الله عليه وسلم لا تخف ، لأنه لا يخاف على نفسه ، وإنّما يخاف على رسول الله ، وهذا ما نسمّيه : ( الحُزْنْ ) والحُزن هو الخوف على الغير ، ولذلك قال له : ﴿ لا تَحْزَنْ إِنَّ الله مَعَنَا ﴾( التوبة : 40) وهى معيّة لم يبلغها أحدٌ من قبل حتى من أنبياء الله ورسل الله .. فإنّ معيّة سيدنا موسى قال فيها :﴿ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾( الشعراء : 62) وهى معيّة الربوبيّة ، أمّا معية الألوهيّة فهى خاصّةٌ بالمصطفى خير البريّة صلىّ الله عليه وسلم ...
والربوبيّة للجميع :﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾( الفاتحة : 2) ومعية الألوهيّة خصوصيّة للحضرة المحمديّة إنّ الله معنا .. أمّا نحن فلنا معيّة الهُويّة : ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ ( الحديد : 4) فتعاملنا كله مع حضرة الهُويّة :﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ﴾(الأحزاب : 43) بالهُويّة ..
أمّا حضرة النبىّ : ﴿ إِنَّ الله ـ معيّة الألوهيّة ـ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾( الأحزاب : 56) ونحن جميعاً يا إخوانى لنا نصيب فى هذه الخصوصيّة ، ولن يخاف واحدٌ منّا لأنه مادام قد قال :
لا إله إلاّ الله محمدٌ رسول الله ، فيا بشراه ويا هناه ، لأن له ما لاعينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر يوم يلقى الله جَلّ فى عُلاهُ ، وإليكم البيان :
فإذا كان آخر واحد فى الكشف من الذين سأخذون عفواً ويخرجون من النار بسبب شفاعة رسول الله ، يقول له حضرة الله
( تمنّى .. فيقول أتمنّى أن أخرج من النار وأدخل الجنّة .. فيقول الله عزّ وجلّ : إنّ لك فى الجنّة مثل الدنيا كلهّا من أولها إلى آخرها عشر مرات .. فيقول : أتهزأ بى وأنت رب العالمين .. فيقول الله تعالى له : إنّ لك مثل الدنيا عشر مراتٍ ومثله معه .. وفى رواية ومثليه معه )
وهذا لمن يدخل النار ويكون آخر واحدٍ يخرج فى كشف العفو .. فما بالكم بأهل الجنّة كم يكون لهم فى الجنّة يا أحباب ؟ !!
لا يستطيع أحدٌ حساب ذلك ولا عدّ ذلك لأنه حساب الحسيب الأعظم عزّ وجلّ لعباده المؤمنين ،
وكذلك لن يحزن واحدٌ منّا لقول رسول الله صلىّ الله عليه وسلم .. وإنتبهوا إلى الحديث الصحيح :
( إستكثروا من الإخوان ، فإنّ لكل مؤمنٌ شفاعة يوم القيامة ) وهذه الشفاعة فيمن إستوجبوا النار ، وتكون الشفاعة لكل واحدٍ حسب رتبته ودرجته وتقواه ، وما يحدّده له الله وما يعطيه له ويسلمّه له سيدنا رسول الله .. فهناك من يشفع فى عشرةٍ وهناك من يشفع فى سبعين وهناك من يشفع فى سبعمائة وهناك من يشفع فى خمسة ملايين وهناك من يشفع فى أمّةٍ .
ولذلك بشرّنا رسول الله ببشريات الله جَلّ فى عُلاهُ الوارد فى أول الآية :﴿ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ وقدم الله البشرى هنا على العمل ، ومعنى ذلك أن العمل تحصيل حا صل مثل الذى يعطيك شهادة الدكتوراه ، ثمّ يقول لك حضّر الرسالة ، فقد حصلت على الدكتوراه ، وقد أخذنا الدكتوراه يا إخوانى من الأول وذلك فى : ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾( آل عمران : 110) فأنت يا أخى من الدكاترة الذين إختارهم الله ورقّاهم وأدناهم وجعلهم فى أعلى المقامات عنده بين الناس ، وقال للحبيب كل ماتريده من أجل هؤلاء موافق عليه :﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ ( الضحى : 5) أى سيعطيك ما تريد كله لأنه رضى عن هؤلاء القوم .
إذن فكل مؤمنٌ ولىٌ لله عزّ وجلّ ، ولكنها ولا ية عامة .
أما الولاية الخاصّة والتى يكون لصاحبها خصوصية ومزيّة وعطايا خاصّة إلهية وأنوار فى قلبه ذاتيّة ، وإمدادات ذاتيّة من الحضرة المحمديّة يلزمها منهج فى التبعيّة وصفه الله عزّ وجلّ أيضاً فى الآيات القرآنيّة :﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي ﴾( آل عمران : 31) .
فإن كنت تريد الولاية الخاصّة فعليك أن تبدأ بالمتابعة لسيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ، وهذا هو الميزان الذى تزن به كل من يدّعى ولا ية الله الخاصّة .. ميزان شرع الله ومتابعة حبيب الله ومصطفاه ..
ولذلك الشيخ أبو اليزيد البسطامى رضى الله عنه قال : { لو رأيتم الرجل يطير فى الهواء أو يمشى على الماء فلا تغترّوا به حتى تروه عند الأمر والنهى } أى عند الأومر الإلهيّة ، والنواهى الربانيّة فهذا هو الذى يُظهر معدنه ويُظهر جوهره .. فطلبوا منه زيادة الإيضاح فقال :
ليست الكرامة أن تطير فى الهواء ، لأن الطير فى السماء تفعل ذلك .. وليست الكرامة أن تمشى على الماء ، لأن الأسماك فى البحار تفعل ذلك ، وليست الكرامة أن تقطع ما بين المشرق والمغرب فى لحظةٍ لأن إبليس وهو رأس الكفر يفعل ذلك ولكن { الإستقامة خيرٌ من ألف كرامة }.
وهذا هو الميزان الذى أوجده الله لكى تزن به هؤلاء الرجال الذين يكون لهم حال مع الله ، أو خصوصيّة مع سيدنا رسول الله ... فالميزان هو الإستقامة ، والكرامات يا أحباب نوعان :
فهناك كرامات حسيّة ، وهناك كرامات معنويّة ..
قال العلماء فى الكرامات الحسيّة أنها قد تكون تأييد وبرهان ، وقد تكون إستدراج لصاحبها من حضرة الرحمن ، لكن الكرامات المعنويّة كالإستقامة والتوفيق والزهد فى الدنيا والورع فيما حرّم الله والحكمة فى تصريف الأمور ، والخشوع بين يدى الله فى الصلاة ، ومراقبة الله فى السّر والعلانية ، وفى الجهر والخفاء ، وهذه هى الكرامات المعنوية التى يعطيها الله للأولياء ليعلمهم بها أنهم أولياء وهؤلاء لا يريدون أن يجاهروا أمام الخلق بأنهم أولياء ليلتفّوُا حولهم ، فماذا يفعلون بالخلق ؟ .. فهم يريدون الله ، ولا يريدون أحداً سواه ، وإذا أراد الله أن يجعلهم أئمة للخلق ، فإنهم يقبلون ذلك وهم متضررون فى البداية ولكنهم يؤثرون رضاء الله على رضاء أنفسهم ، ويقول فى ذلك الشيخ أحمد أبو شرقاوى رضى اللع عنه :
قد رمت نهجاً خفيّاً اســـتريح به لكن ربّ العلا للخلق أبدانى
هو الذى أظهرنى رغما بذا عنّى فصرت لله مشــــكاةً ومئذنةً
طوبى لمن للهُدى والبشر يلقانى
وهو بذلك أصبح مصباحاً ينير للسائرين فى الظلمات ، ومئذنةً تنادى على الطالبين لهذه الحضرات ولم يكن يريد الرجل ذلك ، فالولىّ يريد ما رادته السيدة رابعة عندما كانت تقول :
راحتى يا إخوتى فى خلوتى وحبيبى دائماً فى خظوتى
يريد الواحد منهم أن يعيش فى خلوته ليكون مع الحبيب بلا رقيب .
إذاً فالكرامات المعنويّة هى الكرامات الإلهيّة التى يعطيها الله للعارفين لكى يعرفوا أنهم متحققين بالمنهج الأقوم على طريق سيد الأولين والآخرين .. فما هو المنهج الذى يسيرون عليه لكى يصلوا إلى هذه الأحوال ، وينزلهم الله فى منازل هؤلاء الرجال ؟
﴿ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ .. لو نظرنا إلى أعاظم وأكابر الأولياء منذ عصرسيدنا رسول الله إلى يومنا هذا ، فإنك تجد أن المنهج لم يتغير ، إذ يبدأ بحفظ ما تيسر من كتاب الله ، ثمّ يتعلم شرع الله الذى يحتاجه فى العمل الصالح الذى به ينال رضا مولاه ، ثمّ يعمل .. وقبل ذلك كله لا بد أن يؤجج فؤاده بالحب لله ، والحب لسيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فكلنا يعمل ، لكن أين الحب .. فالحب هو الذى يوصّل إلى المراد ويفتح الأبواب ، وهو الذى يطهّر القلوب لحضرة الحبيب المحبوب عزّ وجلّ ، وكان كل الرجال على هذا المنهاج ، ومنهم سيدى أبو الحسن الشاذلىّ الذى حفظ القرآن أولاً ، ثم رحل إلى تونس فى طلب العلم وبعد ذلك إتخذ له شيخاً يأخذ بوصاياه ، ويشير عليه بالعمل الذى يقرّبه إلى الله ، ويراقب أحواله ليُعليَه ويرقيه فى إطار سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا بد من الشيخ لأنه هو الذى يعرف خفايا النفس بنور الله الذى جعله الله عزّ وجلّ فى قلبه وفى فؤاده .. ويبين لى أطوارى وتطوراتى وتحولاتى وقصودى ونواياى وإتجاهاتى .. مثل الذى يختصر لى الطريق ، ومثال ذلك : أننى مثلاً نزلت طفنيس ولا أعرف البلدة ، وأريد الذهاب إلى المسجد الكبير ولو إعتمدت على نفسى فى ذلك لظللت طوال النهار أمشى فى كل الشوارع ولا أهتدى ، لكن لونزلت وسألت أحد الذين يعرفون الطريق إلى المسجد ، لأخذنى فوراً ، وإختصر لى الطريق فى دقائق إلى المسجد الكبير ..
كذلك الأمر بالنسبة للشيخ ، فلأنه يعرف الطريق ، فإنه يختصر لى الطريق ويوصّلنى إلى عالم التحقيق .. إذاً فلا بد من الشيخ فى طريق الله عزّ وجلّ كما قال الصالحون :
أملاك ربى لهم شيخٌ يعلمّهم فكيف لا تطلبون الشيخ بالهمم
فالملائكة أنفسهم كان لهم شيخٌ ، وهو آدم : ﴿ قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ﴾ ( البقرة : 33) الذى نصّبه الله شيخاًلهم فى الحقائق والشيخ فى طريق الله لا بد منه لأنه منهج رسول الله الذى رسمه لأصحابه الكرام إلى يومنا هذا .. بل إلى يوم الذين إن شاء الله رب العالمين ..
مثل سيدى أبو الحسن الشاذلى ، وسيدى عبد القادر الجيلانى ، وسيدى أحمد بن إدريس .. كل الصالحين السابقين واللاحقين ، وجميعهم على هذا المنهاج : شريعة أولاً ـ ثمّ قرآن وسُنّة ـ ثمّ حقيقة ـ ولا تأتى الحقيقة إلاّ من حبٍ ، وشيخٌ يأخذ بيده فى هذا الهدى القرآنىّ ، ويبصّره بعقبات الطريق لأن الطريق مملوء بالعقبات كما قال الرجل الصالح :
إنّما القوم مســــــــــافرون لحضــــــــــــــــــــــــــــرة الله وظاعنون
فا فتقروا فيه إلى رفيــــق عالمٌ بالســــــــــــــــــــــــير وبالطريق
قد سلك الطريق ثم عــــاد لينبيء القوم بمـا إســــــــتفاد
وهكذا يكون الأمر ، وبعد أن يتقن الشريعة ، ويدخل على رياض الحقيقة مع الشيخ يعمل بعلمه فيتحقق فيه قول الحبيب : ( من عمل بما علم ، ورّثه الله علم مالم يكن يعلم ) فيبدأ بما بدأ به رسول الله ، وبدأ به أولياء الله ، وبدأت به ورثة رسول الله .. فقد كان سيدنا رسول الله يختلى فى غار حراء ، وهذه هى السُنّة .. وكذلك كان لكل ولىّ خلوة ، ومن الجائز أن تكون هذه خَلوْة ، وهو فى جَلوْة ، وهى تكون فضلٌ من الله عزّ وجلّ .. لكنه لا بّد من له من خلوة ، والخلوة تعنى خُلُو القلب من غير الله عزّ وجلّ ، وليست الخلوة فى مكان ، لأنه قد يخلوا فى مكان والقلب ما زال مشغولاً ، وبذلك يجلس فى هذه الخلوة وتأتيه شرائط الأكوان .
فأساس الخلوة خُلُو القلب ، ولذلك لا يأذن الشيخ للمريد بالخلوة إلاّ إذا تيقّن أنّ القلب قد خلا من كل مما سوى الله عزّ وجلّ وذلك لكى تأتى الثمار بسرعة من الحضرات الإلهيّة الربانيّة كما قال الله له
﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الاخِرَةِ ﴾ ( يونس : 64) وهى البشريات التى ذكرناها كالتوفيق والإستقامة والإخلاص والصدق والخشوع .. وهى الكرامات الأولى التى بها ينال المُريد ولاية الله إذا أقامه داعياً لله جلّ فى عُلاه مع أنها لا يراها ولا يريدها .. هذه الكرامات تكون للضرورات التى تقتضى أن اإنسان ربما يفعل ويصنع المعجزات والكرامات تخطيّاً لهذه الضرورات التى لا يستطيع الإنسان فعلها ,, فمن الجائز أن يكون قد كلفّه الله الدعوة ، وله تلميذ فى مكان فى أقصى الأرض فيطوى الله له الأرض .
فسيدى عبد السلام بن مشيش رضى الله عنه وكان شيخ سيدى أبو الحسن الشاذُلى .. كان شيخه يأتيه فى خلوته على الجبل ويلقّنه ولا يعرف إسمه ، وفى ذات مرّة سأله : ياسيدى من أنت ، ومن أىّ موضعٍ أنت ، قال : يا بُنىّ إذا ذهبت إلى مدينة رسول الله ، فا سأل عن عبد الرحمن الزيّات فى حارة الزيّاتين .. إذاً فهو يسكن المدينة المُنوّرة ، ومع ذلك يلقّن الشيخ عبد السلام بن مشيش فى أقصى بقاع الأرض فى بلاد المغرب .. ومع هذا يطوى الله عزّ وجلّ له الأرض تحقيقاً لهذا الغرض ، وليس من أجل الشُهرة أو الرياء والسُمعة ، لأنهم تخلصوا من كل هذه الحظوظ .. وإنّما تحقيقاً للمراد .. فقد يطوى الله عزّ وجلّ له الزمان فالذى يصنعه الواحد منّا فى قرن من الزمان .. يصنعه هو فى ساعة ..
فالشيخ عبد الوهاب الشعرانىّ رضى الله عنه أقامه الله فى زمانه لإبراز حقائق الصوفية ، وذلك لأنه قد إنتشرت الخزعبلات والخرافات بين الناس فى شأن الصوفيّة ، وقد كان عالماً ثم تحقق لإبراز شأن الصوفيّة ، والدفاع عن كبار الصوفيّة الذين يقع الناس فيهم بسوء الإعتقاد والإنتقاد والإعتراض ، لأنهم يجهلون حقائقهم فيحكى الرجل عن نفسه أنه كان يؤلف كتاباً عن عقائد الصالحين وسمّاه الكبريت الأحمر فى عقائد الشيخ الأكبر ، وهو سيدى محى الدين بن العربى ، فيقول : إحتجت فى يومٍ إلى مطالعة ( كتاب الفتوحات المكيّة ) لسيدى محى الدين بن العربى أربع مرّات ، فأعاننى الله وطوى لى الزمان ، فقرأته كله من أوّله إلى آخره أربع مرّات فى يومٍ واحد ، مع أن كتاب الفتوحات أربع مجلّدات من الحجم الكبير ..
قد يسأل سائل وكيف قرأه .. لا تقل كيف ، لأنه بنفسه يحكى عن نفسه ويقول : لما قرأت عن طىّ الزمان سألت شيخى سيدى على الخوّاص : يا سيدى كيف يحدث طىّ الزمان ؟
قال : ستجده إن شاء الله يا عبد الوهاب .. قال : وفى ذات يومٍ قال لى : إذهب وصلىّ المغرب فى مسجد الإمام الشافعىّ رضى الله عنه ، قال : فذهبت فقرأ الإمام سورة الفاتحة والشافعيّة تختلف عن المالكيّة ، لأن لهم سكتةٌ بعد الفاتتحة ، فسكت الإمام فقرأت فى هذه السكتة :
﴿ بسم الله الرحمن الرحيم : ا لّم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) ﴾( البقرة ) ، وإسترسلت فى القراءة ، وإنتبهت وأنا أقرأ :
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾( المُلك : 1) .
فانظر كيف قرأ القرآن من أوّله ، إلى أول سورة تبارك فى السكتة التى بعد الفاتحة !!
لكنها قراءة روحانيّة نورانيّة .. وليست قراءة لسانيّة أو عينيّة ، فقد يطوى الله عزّ وجلّ له الزمان كما قلت لتحقيق الغرض فى أن ينتهى من الكتاب الذى يؤلفه .
كذلك كان الشيخ جلال الدين السيوطىّ رضى الله عنه ، وهو من كبار الأئمة المحققين ، وكان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويُصّحح عليه الأحاديث ، وقد سمّاه النبىّ ( شيخ الحديث )
عندما قال له : إقرا يا شيخ علىّ الحديث .. فلم يجمع أحدٌ أحاديث مثله فى الأولين والآخرين ، فله كتاب إسمه (جمع الحوامع ) وهو أكبر كتاب فى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد نظروا إلى المؤلفات التى تركها ، وعدّوُا صفحاتها ، وحسبواعُمْرَه ، وكان خمسةً وخمسين عاماً وإنتقل إلى جوار ربه بعدها .. أى أنهم عملوا إحصائيّة ومقارنة بين الكتابة التى كان يكتبها كل يومٍ وبين عمره .. فوجدوا أنه لكى يُنجز هذه المؤلفات يحتاج إلى كتابة ثلاثين صفحة من الحجم الكبير كل يوم من أيّام عمره كله من بدايته إلى نهايته .. فمتى طالع ومتى قرأ ومتى ناقش ومتى تلقّى العلم .... فعلموا أن ذلك فتحٌ من الله عزّ وجلّ .
وقد حدث ذلك فى عصرنا مع الشيخ عبد الحليم محمود رحمة الله عليه .. فقد كان هناك مذيعةٌ فى التليفزيون إسمها كريمة حمزة ، وكان والدها رجلٌ من الصالحين ، وقد وضع كتاباً من حولى خمسمائة صفحة ، قالت كريمة حمزة : طلبت من الشيخ عبد الحليم محمود أن يضع مقدمة لهذا الكتاب ، فأعطيته الكتاب .. وإذا به فى الصباح يعطينى الكتاب ، ومعه المقدمة ، ولما قرأت المقدمة علمت منها أنه قد طالع كل حرفٍ فى الكتاب .. فكيف قرأ الكتاب كله فى ليلة واحدةٍ ؟
هذا ما يُسمّى بطىّ الزمان .. فقد يقلب الله عزّ وجلّ للولىّ الأعيان من الحاجة ، فإذا ظهر فى مكان ولم يجد فيه طعاماً لمن معه من بنى الإنسان .. فإن الله عزّ وجلّ يقلب له الأعيان من أجل أن يطعم من معه من بنى الإنسان ... إذاً فليست الكرمة من أجل الشهرة أو السمعة ..
وقد يكرم الله الولىّ أيضاً ويطلعه على خفايا القلوب لكى يطلع المريدين على العيوب ، أو يطلع المُبعدين على أنّ خفاياهم لاتغيب عن حضرة علاّم الغيوب ، فينقلبوا تا ئبين ويصلحُوا أحوالهم لكى يكونوا صالحين .. فهذه كلها بشريات يعطيها الله عزّ وجلّ للصالحين والصالحات .
لكن أعظم البشريات وأرقى العنايات ، أن يكرمه الله عزّ وجلّ برؤية سيد السادات صلى الله عليه وسلم مناماً .. فإذا قوىَ الوجد والهيام رآه يقظةً كسيدى عبد الرحيم القنائى رضى الله عنه الذى كان يقول :{ لى ليلتان كل أسبوعٍ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينى ليلة الإثنين ، وليلة الجمعة .. فأعرض عليه ما إستشكل علىّ من المسائل ، فيجيبنى عنها جميعاً }.
وقد يراه كل ليلة .. فقد قال الإمام مالك رضى الله عنه :
{ ما بتّ ليلة إلاّ وأرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام }
وقد لا يغيب عنه كما قال أبو الحسن الشاذلى وأبو العباس المرسى ، فقد كان كل رجلٍ منهم يقول : { بقى لى أربعين عاماً لو غاب عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ، ما عددت نفسى من المؤمنين } ﴿ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الاخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) ﴾ ( يونس ) .
أمّا عن تكثير الطعام والبركة ، والشفاء من الأمراض ، فهذا شأن عامّة المؤمنين الذين أصلحوا مابينهم وبين ربّ العالمين ، وليس من الخصوصيّات الخاصّة للأولياء والصالحين .
وأخّص الخصوصيات أن يكرمه الله بالعلم الإلهامىّ اللدُنىّ :
﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ ( الكهف : 65) وهو إمّا علمٌ عن طريق الإلهام ، وإمّا علمٌ عن طريق المكاشفة يعجز اللسان عن بيانها ، وعن عدّها وعن حصرها ، بل وعن وصف عناوينها .. وإمّا أن يكرمه بتلقى هذا العلم من الأولياء السابقين ، وإمّا من الملائكة المقرّبين .. وإمّا أن يكرمه بتلقى العلم من سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ..
يأتوه وينفثوا فيه هذا العلم الذى يسمّى بعلم البّث :
﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله ﴾ ( يوسف : 86) ... إكرامات وعنايات ليس لها عدّ ٌ ولا حدّ ٌ .
نسأل الله عزّ وجلّ أن يجعلنا من أهل العطايا .. وأن يتفضّل علينا بهذا الإنعام .. وأن يجعلنا أهلاً لهذا إكرام .. وأن يكرمنا أجمعين بالحُظوة الكُبرى بالمصطفى عليه أفضل الصلاة ، وأتمّ السلام ..
وأن يجعلنا دائماً وأبداّ من الموفقين لطاعته ، والذاكرين الشاكرين الفاكرين لحضرته ، والمتمسكين فى كل أنفاسنا بشريعته ، والمحافظين فى كل أنفاسنا على مراقبة حضرته ، حتى لا يغيب عنّا طرفة عين ولا أقلّ .. ونراه ونستحضره بأرواحنا ونردد: الله .. الله .. الله
وصلى الله على سينا محمدٍ وعلى آاله وصحبه وسلمّ
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin