ذكر الله وتحصيل الحضور -2
من المسلم به في ديننا الحنيف، أن الإنسان كُوِّن من جانبين :
الجانب المادي المحض : وهو الجسم، وشرع الله له العيش مما تنبته أمه الأرض، وأحل له الطيبات من الرزق، وأمره بالتكاثر والتناسل من أجل عمارة الأرض وإقامة شريعة الله فيها.
الجانب المعنوي : وهو الروح، وهي سماوية علوية أصلها النفخة الإلهية من روح الله عز وجل : {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}[الحجر:29]. ولم يهمل الإسلام هذا الجانب، بل أولاه الأولوية القصوى، إذ شرع للروح قوتها حتى تتغدى، وضَمِن لها أمنا غدائياً حتى لا تُصاب بسوء التغدية فتهزل وتُحدث لصاحبها انخفاضا في ضغط الإيمان على شرايين الجوارح فتضيع عليه مراقبة الحق وحضوره معه. ومن هنا تنوعت أقوات هذا الجانب حيث شُرِّعت العبادات لتحقيق هذا الغرض، وأمر الإسلام أيضا بعمل جامع لكل مقومات الغداء النافع للروح ألا وهو ذكر الله عز وجل.
ولذا فإن هذا الفعل اعتبر قطب رحى الأعمال كلها، ووضع على رأس قائمة القربات التي بها يطل الإنسان على بحر المعرفة، إذ تنكشف له في ذاته معان دقيقة يدرك الإنسان على إثرها حقيقة نفسه ووجوده، ويتعالى إلى المستويات السماوية التي يتفهم بها مقامات اليقين والقرب، ويشرق في سره نور الأنس والمحبة.
وغرضنا من هذا الموضوع في هذه السلسلة وضع نقط على حروف محتها أيد تجاهلت لأهم مقومات الوجود اليقيني لدى المسلم، كامل الإيمان، وزرعت في أدهان الناس مفاهيم مخالفة تمامًا لما عليه سلف هذه الأمة من علمائها العاملين وصوفيتها المخلصين، ونشرت بين صفوف المسلمين جرثومة الفُرقة والتشتُّت عبر الطعن في أسس الروح والقلب حتى غدا مدلول الإسلام جافًّا من هذا المعنى، مع العلم أننا في وقت نضبت فيه عيون المدد الروحي، وجفَّت أوديته للتغافل الحاصل من طرف عامة المسلمين من جهة، وللتنكر لهذا الأساس من طرف غير أبناء المسلمين لِما للمادية المدنية من تأثير بليغ على وجود الإنسان ككل، وهكذا فالطعن في مقومات الروح هو تكريس للأزمة الخانقة التي يعيشها إنسان اليوم، وكأنه يصعد في السماء، وهو أيضا ضرب غير مباشر لجبين هذا الدين وروحه، إذ لا مناص للعبد من تغدية روحه بالذكر والتذكر.
فلذا فإن هذه النقط التي نود وضعها، توضح العوامل الأساسية التي تجعل الذكر علاجا ناجحا لمرض الاختناق الروحي الذي يعيشه ابن العصر، محاولين إبراز هذه العوامل ومشيرين إلى المناخ الحقيقي الذي يجب توفره لاعتبار الذكر كغداء ودواء، وكحمية لتجنب أخطار الغفلة والبعد.
وقد قسمت هذا الموضوع لتوضيح حقيقة هذا المناخ إلى الفصول التالية :
الفصل الأول : وتناولت فيه الأزمة الروحية بسبب هجر الذكر وتركه موضحًا الآفات الناجمة عن ترك الذكر من خلال النصوص الشرعية والواقع الحالي، إذ أن هذه الآفات تظهر جلية إذا ما استقرأنا حالة المسلم الروحية وحاولنا البحث عن مقياس حرارته الإيمانية.
الفصل الثاني : وتكلمت فيه عن حتميات الذكر إذا ما سلمنا شرعًا وحالًا بمخاطر ترك الذكر، ولذا وضحت أن هذه الحتميات مرتبة حسب معنى كل واحد مها، إذ أن حتمية الفعل تدفع إلى حتمية الإذن لتيسر الفعل، وتؤدي هذه الحتمية أيضًا إلى حتمية الانسجام مع الوجود باعتبار الذكر سنة كونية تخضع لها سائر الموجودات.
الفصل الثالث : وفصلت فيه خاصيات الذكر التي لا يتحقق إلا بها، إذ أن الذكر الفردي محقق للخلوة المعنوية للعبد، وتلعب السبحة الدور الأساسي في ضبط العدد الذي يعتبر من هذه الخاصيات، كما أن الذكر الجماعي الجهري سبيل لاستدرار رحمة الله وحضور الملائكة وتآلف القلوب فيما بينها، كما أن الزمان له وضعه في هذه المنظومة النورانية.
الفصل الرابع : وتحدثت فيه على وسائل ترويج نفس الذاكر حتى لا تمل ولا تسأم، ولذا شرع السماع من أجل تنشيط قافلة السير إلى الله عبر حداء الحادي ومزماره في الظاهر والباطن، وكان الحال عملية جمع لزبدة العمل حتى يستغلها العبد في تجديد سيره الشرعي نحو الله تعالى.
الفصل الخامس : ولخصت فيه الكلام على ثمرات الذكر في الحال والمآل.
واعتمدت في هذا التوضيح على آيات القرآن الكريم، وبعض تفاسير السلف الصالح، وعلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض الشراح المعتمدين في هذا الباب، كما تعمدت الاستدلال في أكثر الأحيان بأقوال علماء السلف في هذه المحاور خصوصا الذين يُؤَوَّل كلامهم على غير حقيقته مخللا كلامي هذا ببعض الأقوال المأثورة من الصحابة والتابعين وكبار رجال الصوفية، ومجملا هذا المحور بأحدث شهادات وكلام الصوفية الأحياء في زماننا هذا.
وأملي في الأخيرأن ينفع الله به الذاكرين المتوجهين، ويرشد به الغافلين الصادين ظهورهم عن هذا الهدي، ويرطب به ألسنة جفت عن الذكر وتنكرت.
والسلام
من المسلم به في ديننا الحنيف، أن الإنسان كُوِّن من جانبين :
الجانب المادي المحض : وهو الجسم، وشرع الله له العيش مما تنبته أمه الأرض، وأحل له الطيبات من الرزق، وأمره بالتكاثر والتناسل من أجل عمارة الأرض وإقامة شريعة الله فيها.
الجانب المعنوي : وهو الروح، وهي سماوية علوية أصلها النفخة الإلهية من روح الله عز وجل : {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}[الحجر:29]. ولم يهمل الإسلام هذا الجانب، بل أولاه الأولوية القصوى، إذ شرع للروح قوتها حتى تتغدى، وضَمِن لها أمنا غدائياً حتى لا تُصاب بسوء التغدية فتهزل وتُحدث لصاحبها انخفاضا في ضغط الإيمان على شرايين الجوارح فتضيع عليه مراقبة الحق وحضوره معه. ومن هنا تنوعت أقوات هذا الجانب حيث شُرِّعت العبادات لتحقيق هذا الغرض، وأمر الإسلام أيضا بعمل جامع لكل مقومات الغداء النافع للروح ألا وهو ذكر الله عز وجل.
ولذا فإن هذا الفعل اعتبر قطب رحى الأعمال كلها، ووضع على رأس قائمة القربات التي بها يطل الإنسان على بحر المعرفة، إذ تنكشف له في ذاته معان دقيقة يدرك الإنسان على إثرها حقيقة نفسه ووجوده، ويتعالى إلى المستويات السماوية التي يتفهم بها مقامات اليقين والقرب، ويشرق في سره نور الأنس والمحبة.
وغرضنا من هذا الموضوع في هذه السلسلة وضع نقط على حروف محتها أيد تجاهلت لأهم مقومات الوجود اليقيني لدى المسلم، كامل الإيمان، وزرعت في أدهان الناس مفاهيم مخالفة تمامًا لما عليه سلف هذه الأمة من علمائها العاملين وصوفيتها المخلصين، ونشرت بين صفوف المسلمين جرثومة الفُرقة والتشتُّت عبر الطعن في أسس الروح والقلب حتى غدا مدلول الإسلام جافًّا من هذا المعنى، مع العلم أننا في وقت نضبت فيه عيون المدد الروحي، وجفَّت أوديته للتغافل الحاصل من طرف عامة المسلمين من جهة، وللتنكر لهذا الأساس من طرف غير أبناء المسلمين لِما للمادية المدنية من تأثير بليغ على وجود الإنسان ككل، وهكذا فالطعن في مقومات الروح هو تكريس للأزمة الخانقة التي يعيشها إنسان اليوم، وكأنه يصعد في السماء، وهو أيضا ضرب غير مباشر لجبين هذا الدين وروحه، إذ لا مناص للعبد من تغدية روحه بالذكر والتذكر.
فلذا فإن هذه النقط التي نود وضعها، توضح العوامل الأساسية التي تجعل الذكر علاجا ناجحا لمرض الاختناق الروحي الذي يعيشه ابن العصر، محاولين إبراز هذه العوامل ومشيرين إلى المناخ الحقيقي الذي يجب توفره لاعتبار الذكر كغداء ودواء، وكحمية لتجنب أخطار الغفلة والبعد.
وقد قسمت هذا الموضوع لتوضيح حقيقة هذا المناخ إلى الفصول التالية :
الفصل الأول : وتناولت فيه الأزمة الروحية بسبب هجر الذكر وتركه موضحًا الآفات الناجمة عن ترك الذكر من خلال النصوص الشرعية والواقع الحالي، إذ أن هذه الآفات تظهر جلية إذا ما استقرأنا حالة المسلم الروحية وحاولنا البحث عن مقياس حرارته الإيمانية.
الفصل الثاني : وتكلمت فيه عن حتميات الذكر إذا ما سلمنا شرعًا وحالًا بمخاطر ترك الذكر، ولذا وضحت أن هذه الحتميات مرتبة حسب معنى كل واحد مها، إذ أن حتمية الفعل تدفع إلى حتمية الإذن لتيسر الفعل، وتؤدي هذه الحتمية أيضًا إلى حتمية الانسجام مع الوجود باعتبار الذكر سنة كونية تخضع لها سائر الموجودات.
الفصل الثالث : وفصلت فيه خاصيات الذكر التي لا يتحقق إلا بها، إذ أن الذكر الفردي محقق للخلوة المعنوية للعبد، وتلعب السبحة الدور الأساسي في ضبط العدد الذي يعتبر من هذه الخاصيات، كما أن الذكر الجماعي الجهري سبيل لاستدرار رحمة الله وحضور الملائكة وتآلف القلوب فيما بينها، كما أن الزمان له وضعه في هذه المنظومة النورانية.
الفصل الرابع : وتحدثت فيه على وسائل ترويج نفس الذاكر حتى لا تمل ولا تسأم، ولذا شرع السماع من أجل تنشيط قافلة السير إلى الله عبر حداء الحادي ومزماره في الظاهر والباطن، وكان الحال عملية جمع لزبدة العمل حتى يستغلها العبد في تجديد سيره الشرعي نحو الله تعالى.
الفصل الخامس : ولخصت فيه الكلام على ثمرات الذكر في الحال والمآل.
واعتمدت في هذا التوضيح على آيات القرآن الكريم، وبعض تفاسير السلف الصالح، وعلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعض الشراح المعتمدين في هذا الباب، كما تعمدت الاستدلال في أكثر الأحيان بأقوال علماء السلف في هذه المحاور خصوصا الذين يُؤَوَّل كلامهم على غير حقيقته مخللا كلامي هذا ببعض الأقوال المأثورة من الصحابة والتابعين وكبار رجال الصوفية، ومجملا هذا المحور بأحدث شهادات وكلام الصوفية الأحياء في زماننا هذا.
وأملي في الأخيرأن ينفع الله به الذاكرين المتوجهين، ويرشد به الغافلين الصادين ظهورهم عن هذا الهدي، ويرطب به ألسنة جفت عن الذكر وتنكرت.
والسلام
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin