الكمالات الوفية في أنوار التلبية"""
التلبية من شعائر الحج.
للتلبية مظاهر ومراتب عند كل من العامة والخاصة والعارفين قدس ربي أسرارهم ونفعنا بهم وبعلمهم في الدارين آمين.
حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن تلبية سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم:"" لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك""
أخرجه البخاري كتاب الحج25 باب التلبية 26 حديث 1549 مسلم1184.
""حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الاعمش عن عمارة عن أبي عطية عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: إني لأعلم كيف كان النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يلبي:" لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك"".تابعة أبو معاوية عن الاعمش وقال شعبة: أخبرنا سليمان سمعت خيثمة عن أبي عطية سمعت السيدة عائشة رضي الله عنها"". البخاري 1550،والامام في مسنده6/32.
******
قوله باب التلبية:"هى مصدر لبي أي قال:لبيك،ولا يكون عامله إلا مضمرا.
وهو عند سيبويه والأكثرين مثنى لقلب ألفه ياء مع المظهر وليست ثنيته حقيقية بل من المثناة لفظاً.
ومعناها التكثير والمبالغة وهو منصوب على المصدر بعامل مضمر أي:" أجبت إجابة بعد إجابة إلى ما لا نهاية له.
قال الفراء:هو منصوب على المصدر، وأصله لبا لك فثنى على التأكيد أي إلبابا بعد إلباب،وهذه التثنية ليست حقيقية بل هي للتكثير والمبالغة.
قال ابن الأنباري:ومثله حنانيك أي تحننا بعد تحنن.
وقيل:"معنى لبيك اتجاهي وقصدي إليك،مأخوذ من قولهم داري تلب دارك أى تواجهها.
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى:"قال جماعة من أهل العلم معنى التلبية إجابة دعوة سيدنا ابراهيم عليه السلام حين أذن في الناس بالحج.
أخرج ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنها ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد والأسانيد إليهم قوية وأقوى ما فيه عن ابن عباس ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس ابن أبي ظبيان عن أبيه قال:" لما فرغ سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج،قال:رب وما يبلغ صوتي؟ قال:أذن وعلي البلاغ، قال فنادى سيدنا إبراهيم عليه السلام:"ياأيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، فسمعه من بين السماء والأرض، أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون"".
ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه:" فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأول من أجابه أهل اليمن،فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب سيدنا إبراهيم عليه السلام يومئذ"".
*(لطيفة عرفانية:"قال ابن المنير في الحاشية:وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده، بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى.
****"""""وهنا إشارة نورانية محمدية """"""
من خصائص هذه الأمة:" لهم بيت يحجون إليه بناه الأنبياء ودعاهم إلى نبي كريم هو خليل الله سيدنا إبراهيم عليه السلام سر قوله:"وأذن في الناس بالحج)، والمشرع لهم خير الانبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، والإشارة إذا ما كان الجناب رفيعاً مد منه لخادميه لواء"""فأي فضل بعد هذا الفضل!!!!!!.
يقول سيدي محمد ماضي ابو العزائم قدس الله سره:"
وإنما وجبت التلبية وإن كانت المشاهد روحانية ليقظة القلب لحكمة التلبية، التي هي إجابة الداعي، وإن لم تصغ أذن روحه لمن دعاه سبحانه، استحضر أنها إجابة لأذان الخليل عليه الصلاة والسلام بالحج، أو تصديق برسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم واقتداء به في عمله،ومن قصرت به روحه عن أن تحضر معه فتحضره على نفسه فليبك، وليتطهر من رجس الحيوانية ونجاسة النفس الإبليسية، وقاذورات الهمم واللمم الإنسانية حتى يتجلي له ربه جل جلاله فيكشف له الحجاب عن جماله العلي، ويشهد أنوار آياته في هذا الكون الدني ليفقه حكمة الأحكام،او يحتسي من طهور هذا المدام.
****عودا على بدءاً::"""
والنعمة لك:" بكسر النون الإحسان والمنة مطلقا وهي بالنصب على الأشهر عطفا على الحمد،ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة خبر إن،تقديره إن الحمد لك والنعمة مستقرة لك،وجوز ابن الأنباري أن يكون الموجود خبر المبتدأ وخبر إن هو المحذوف.
*(لطيفة:"قال ابن المنير في الحاشية: قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك،لأن الحمد متعلق النعمة،لهذا يقال الحمد لله على نعمه فجمع بينهما كأنه قال:" لا حمد إلا لك، لأنه لا نعمة إلا لك وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله، لأنه سبحانه وتعالى صاحب الملك"".
*_والملك:"بضم الميم والنصب عطفاً على اسم إن وبالرفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره والملك كذلك.
*قال ابن القيم في شرحه على شرح سنن ابي داود:"
في معنى التلبية ثمانية أقوال:
أحدهما:" إجابة لك بعد إجابة،ولهذا المعنى كررت التلبية، إيذاناً بتكرير الإجابة.
الثاني:" أنه انقياد،من قولهم لببت الرجل، إذا قبضت على تلابيبه،ومنه لببته بردائه،والمعنى:
انقدت لك،وسعت نفسي لك خاضعة ذليلة،كما يفعل بمن لبب بردائه، وقبض على تلابيبه.
الثالث:"أنه من لب بالمكان، إذا قام به ولزمه،والمعنى:"
أنا مقيم على طاعتك ملازم لها، اختاره صاحب الصحاح.
الرابع:"أنه من قولهم: داري تلب دارك، أي تواجهها وتقابلها، أي مواجهتك بما تحب متوجه إليك، حكاه عن الخليل.
الخامس:"معناه حبا لك بعد حب،من قولهم:" امرأة لبة إذا كانت محبة لولدها.
السادس:" أنه مأخوذ من لب الشيء وهو خالصه، ومنه لب الطعام،ولب الرجل عقله وقلبه، ومعناه :"
أخلصت لبي وقلبي لك،وجعلت لك لبي وخالصتي.
السابع:"أنه من قولهم:"فلان رخي اللبب، وفي لب رخي، أي في حال واسعة منشرح الصدر، ومعناه:"
إني منشرح الصدر متسع القلب لقبول دعوتك وإجابتها، متوجه إليك بلبب رخي، يوجد المحب إلى محبوبه، لا بكره ولا تكلف.
الثامن:" أنه من الإلباب،وهو الإقتراب أي اقترابا إليك بعد اقتراب، كما يتقرب المحب من محبوبه.
*****نكتة نحوية:"
اختلف النحاة في الياء في:"لبيك:
قال سيبويه:هي ياء التثنية.
وهو من الملتزم نصبه على المصدر، كقولهم: حمدا وشكراً وكرامة ومسرة، والتزموا تثنيته إيذاناً بتكرير معناه واستدامته، والتزموا إضافته إلى ضمير المخاطب لما خصوه بإجابة الداعي،وقد جاء إضافته إلى ضمير الغائب نادراً، كقول الشاعر:"
دعوت لما نابني مسورا فلبى فلبى يدي مسور
والتثنية فيه كالتثنية في قوله تعالى:"ثم ارجع البصر كرتين"" وليس مما يشفع الواحد فقط.
******اشتملت التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة:"
إحداها:" أن قولك:لبيك"يتضمن إجابة داع دعاك ومناد ناداك، ولا يصح في لغة ولا عقل إجابة من لا يتكلم ولا يدعو من أجابه.
الثانية:"أنها تتضمن المحبة كما تقدم،ولا يقال لبيك إلا لمن تحبه وتعظمه،ولهذا قيل في معناه:"أنا مواجه لك بما تحب.
الثالثة:"أنها تتضمن التزام دوام العبودية،ولهذا قيل: هي من الإقامة،اي أنا مقيم على طاعتك.
الرابع:"أنها تتضمن الخضوع والذل،اي خضوعا بعد خضوع، من قولهم:"أنا ملب بين يديك،اي خاضع ذليل.
الخامسة:" أنها تتضمن الإخلاص، ولهذا قيل:" أنها من اللب وهو الخالص.
السادسة:"أنها تتضمن الاقرار بسمع الرب تعالى، إذ يستحيل أن يقول الرجل لبيك لمن لا يسمع دعاءه.
السابعة:"أنها تتضمن التقرب من الله،ولهذا قيل: إنها من الإلباب وهو التقرب.
الثامنة:"أنها جعلت في الإحرام شعارا لانتقال من حال إلى حال،ومن منسك إلى منسك،كما جعل التكبير في الصلاة سبعا للانتقال من ركن إلى ركن،ولهذا كانت السنة أن يلبي حتى يشرع في الطواف،فيقطع التلبية،ثم إذا سار لبي حتى يقف بعرفة فيقطعها ثم يلبي حتى يقف بمزدلفة فيقطعها ثم يلبي حتى يرمى جمرة العقبة فيقطعها، فالتلبية شعار الحج والتنقل في أعمال المناسك.
التاسعة:"أنها شعار التوحيد ملة إبراهيم،الذي هو روح الحج ومقصده،بل روح العبادات كلها والمقصود منها،ولهذا كانت التلبية مفتاح هذه العبادة التي يدخل فيها بها.
العاشرة:"أنها متضمنة لمفتاح الجنة وباب الإسلام الذي يدخل منه إليه،وهو كلمة الإخلاص والشهادة لله بأنه لا شريك له.
الحادية عشرة:"أنها مشتملة على الحمد لله الذي هو من احب ما يتقرب به العبد إلى الله،وأول من يدعي إلى الجنة أهله، وهو فاتحة الصلاة وخاتمتها.
الثانية عشرة:"أنها مشتملة على الاعتراف لله بالنعمة كلها، ولهذا عرفها باللام المفيدة للاستغراق،اي النعم كلها لك،وانت موليها والمنعم بها.
الثالثة عشرة:"أنها مشتملة على الاعتراف بأن الملك كله لله وحده،فلا ملك على الحقيقة لغيره.
الرابعة عشرة:"أن هذا المعنى مؤكد الثبوت بإن المقتضية تحقيق الخبر وتثبيته وأنه مما لا يدخله ريب ولا شك.
الخامسة عشرة:"في "إن":وجهان فتحها وكسرها،فمن فتحها تضمنت معنى التعليل،اي لبيك لأن الحمد والنعمة لك،ومن كسرها كانت جملة مستقلة مستأنفة،تتضمن ابتداء الثناء على الله،والثناء إذا كثرت جمله وتعددت كان أحسن من قلتها،واما إذا فتحتها فإنها تقدر بلام التعليل المحذوفة معها قياساً، والمعنى لبيك لأن الحمد لك والفرق بين أن تكون جمل الثناء علة لغيرها وبين أن تكون مستقلة مرادة لنفسها.
السادسة عشرة:"أنها متضمنة للاخبار عن اجتماع الملك والنعمة والحمد لله عز وجل،وهذا نوع آخر من الثناء عليه، غير الثناء بمفردات تلك الأوصاف العلية،فله سبحانه من أوصاف العلى نوعا الثناء،نوع متعلق بكل صفة على انفرادها ، ونوع متعلق باجتماعها وهو كمال وهو عامة الكمال،والله سبحانه يفرق في صفاته بين الملك والحمد، وسوغ هذا المعنى أن اقتران أحدهما بالآخر من أعظم الكمال والملك وحده كمال،والحمد كمال واقتران أحدهما بالآخر كمال،فإذا اجتمع الملك المتضمن للقدرة مع النعمة المتضمنة لغاية النفع والإحسان والرحمة مع الحمد المتضمن لعامة الجلال والإكرام الداعي إلى محبته،كان في ذلك من العظمة والكمال والجلال ما هو أولى به وهو أهله،وكان في ذكر العقد له ومعرفته به من انجذاب قلبه إلى الله وإقباله عليه، والتوجه بدواعي المحبة كلها إليه ما مقصود العبودية ولبها،وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ونظير هذا اقتران الغنى بالكرم كقوله:"فإن ربي غني كريم"" فله كمال من غناه وكرمه.
واقتران العزة بالرحمة:"وإن ربك لهو العزيز الرحيم""
واقتران العفو بالقدرة:"وكان الله عفوا قديرا""
واقتران العلم بالحلم:""والله عليم حليم""
السابعة عشرة:"أن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال:"أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"" وقد اشتملت بالتلبية على هذه الكلمات بعينها وتضمنت معانيها،وقوله :"وهو على كل شيء قدير"" لك أن تدخلها تحت قولك فى التلبية:" لا شريك لك""ولك أن تدخلها تحت قولك:"إن الحمد لله والنعمة لك"" ولك أن تدخلها تحت إثبات الملك له تعالى.
الثامنة عشرة:" عطف الملك على الحمد والنعمة بعد كمال الخبر،وهو قوله:"إن الحمد والنعمة لك والملك"" ولم يقل إن الحمد والنعمة والملك، لطيفة بديعة وهي:"أن الكلام يصير بذلك جملتين مستقلتين، فإنه لو قال إن الحمد والنعمة والملك لك، كان عطف الملك على ما قبله عطف مفرد، فلما تمت الجملة الأولى بقوله:"لك "ثم عطف الملك،كان تقديره، والملك لك، فيكون مساويا لقوله:" له الملك وله الحمد"" ولم يقل له الملك والحمد،وفائدته تكرار الحمد في الثناء.
التاسعة عشرة:" لما عطف النعمة على الحمد ولم يفصل بينهما بالخبر، كان فيه إشعار باقترانهما وتلازمهما، وعدم مفارقة أحدهما للآخر، فالانعام والحمد قرينان.
العشرون:" في إعادة الشهادة له بأنه لا شريك له، لطيفة وهي:" أنه أخبر لا شريك له عقب إجابته بقوله لبيك، ثم أعادها عقب قوله:" إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" وذلك يتضمن أنه لا شريك له في الحمد والنعمة والملك، والأول يتضمن أنه لا شريك لك في إجابة هذه الدعوة:""" شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائم بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم""
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأنبياءك ورسلك وأوليائك وملائكتك من أهل أرضك وسمواتك صلاة وسلاما سعة الأزل والأبد وزنة الغيب والشهادة وقداسة العرش والسدرة وكمال الغيب والحضرة وإحاطة العلم والقدرة وما بقيت الذات والصفات عدد المعلوم والمجهول والمستور والمنظور والظاهر والباطن وما كان وما يكون إلى يوم الوقت المعلوم في كل لمحة ونفس ما دام وجهك الكريم يا حي يا قيوم
التلبية من شعائر الحج.
للتلبية مظاهر ومراتب عند كل من العامة والخاصة والعارفين قدس ربي أسرارهم ونفعنا بهم وبعلمهم في الدارين آمين.
حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن تلبية سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم:"" لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك""
أخرجه البخاري كتاب الحج25 باب التلبية 26 حديث 1549 مسلم1184.
""حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الاعمش عن عمارة عن أبي عطية عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: إني لأعلم كيف كان النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يلبي:" لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك"".تابعة أبو معاوية عن الاعمش وقال شعبة: أخبرنا سليمان سمعت خيثمة عن أبي عطية سمعت السيدة عائشة رضي الله عنها"". البخاري 1550،والامام في مسنده6/32.
******
قوله باب التلبية:"هى مصدر لبي أي قال:لبيك،ولا يكون عامله إلا مضمرا.
وهو عند سيبويه والأكثرين مثنى لقلب ألفه ياء مع المظهر وليست ثنيته حقيقية بل من المثناة لفظاً.
ومعناها التكثير والمبالغة وهو منصوب على المصدر بعامل مضمر أي:" أجبت إجابة بعد إجابة إلى ما لا نهاية له.
قال الفراء:هو منصوب على المصدر، وأصله لبا لك فثنى على التأكيد أي إلبابا بعد إلباب،وهذه التثنية ليست حقيقية بل هي للتكثير والمبالغة.
قال ابن الأنباري:ومثله حنانيك أي تحننا بعد تحنن.
وقيل:"معنى لبيك اتجاهي وقصدي إليك،مأخوذ من قولهم داري تلب دارك أى تواجهها.
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى:"قال جماعة من أهل العلم معنى التلبية إجابة دعوة سيدنا ابراهيم عليه السلام حين أذن في الناس بالحج.
أخرج ابن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنها ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد والأسانيد إليهم قوية وأقوى ما فيه عن ابن عباس ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس ابن أبي ظبيان عن أبيه قال:" لما فرغ سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج،قال:رب وما يبلغ صوتي؟ قال:أذن وعلي البلاغ، قال فنادى سيدنا إبراهيم عليه السلام:"ياأيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق، فسمعه من بين السماء والأرض، أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون"".
ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه:" فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأول من أجابه أهل اليمن،فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب سيدنا إبراهيم عليه السلام يومئذ"".
*(لطيفة عرفانية:"قال ابن المنير في الحاشية:وفي مشروعية التلبية تنبيه على إكرام الله تعالى لعباده، بأن وفودهم على بيته إنما كان باستدعاء منه سبحانه وتعالى.
****"""""وهنا إشارة نورانية محمدية """"""
من خصائص هذه الأمة:" لهم بيت يحجون إليه بناه الأنبياء ودعاهم إلى نبي كريم هو خليل الله سيدنا إبراهيم عليه السلام سر قوله:"وأذن في الناس بالحج)، والمشرع لهم خير الانبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، والإشارة إذا ما كان الجناب رفيعاً مد منه لخادميه لواء"""فأي فضل بعد هذا الفضل!!!!!!.
يقول سيدي محمد ماضي ابو العزائم قدس الله سره:"
وإنما وجبت التلبية وإن كانت المشاهد روحانية ليقظة القلب لحكمة التلبية، التي هي إجابة الداعي، وإن لم تصغ أذن روحه لمن دعاه سبحانه، استحضر أنها إجابة لأذان الخليل عليه الصلاة والسلام بالحج، أو تصديق برسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم واقتداء به في عمله،ومن قصرت به روحه عن أن تحضر معه فتحضره على نفسه فليبك، وليتطهر من رجس الحيوانية ونجاسة النفس الإبليسية، وقاذورات الهمم واللمم الإنسانية حتى يتجلي له ربه جل جلاله فيكشف له الحجاب عن جماله العلي، ويشهد أنوار آياته في هذا الكون الدني ليفقه حكمة الأحكام،او يحتسي من طهور هذا المدام.
****عودا على بدءاً::"""
والنعمة لك:" بكسر النون الإحسان والمنة مطلقا وهي بالنصب على الأشهر عطفا على الحمد،ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة خبر إن،تقديره إن الحمد لك والنعمة مستقرة لك،وجوز ابن الأنباري أن يكون الموجود خبر المبتدأ وخبر إن هو المحذوف.
*(لطيفة:"قال ابن المنير في الحاشية: قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك،لأن الحمد متعلق النعمة،لهذا يقال الحمد لله على نعمه فجمع بينهما كأنه قال:" لا حمد إلا لك، لأنه لا نعمة إلا لك وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله، لأنه سبحانه وتعالى صاحب الملك"".
*_والملك:"بضم الميم والنصب عطفاً على اسم إن وبالرفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره والملك كذلك.
*قال ابن القيم في شرحه على شرح سنن ابي داود:"
في معنى التلبية ثمانية أقوال:
أحدهما:" إجابة لك بعد إجابة،ولهذا المعنى كررت التلبية، إيذاناً بتكرير الإجابة.
الثاني:" أنه انقياد،من قولهم لببت الرجل، إذا قبضت على تلابيبه،ومنه لببته بردائه،والمعنى:
انقدت لك،وسعت نفسي لك خاضعة ذليلة،كما يفعل بمن لبب بردائه، وقبض على تلابيبه.
الثالث:"أنه من لب بالمكان، إذا قام به ولزمه،والمعنى:"
أنا مقيم على طاعتك ملازم لها، اختاره صاحب الصحاح.
الرابع:"أنه من قولهم: داري تلب دارك، أي تواجهها وتقابلها، أي مواجهتك بما تحب متوجه إليك، حكاه عن الخليل.
الخامس:"معناه حبا لك بعد حب،من قولهم:" امرأة لبة إذا كانت محبة لولدها.
السادس:" أنه مأخوذ من لب الشيء وهو خالصه، ومنه لب الطعام،ولب الرجل عقله وقلبه، ومعناه :"
أخلصت لبي وقلبي لك،وجعلت لك لبي وخالصتي.
السابع:"أنه من قولهم:"فلان رخي اللبب، وفي لب رخي، أي في حال واسعة منشرح الصدر، ومعناه:"
إني منشرح الصدر متسع القلب لقبول دعوتك وإجابتها، متوجه إليك بلبب رخي، يوجد المحب إلى محبوبه، لا بكره ولا تكلف.
الثامن:" أنه من الإلباب،وهو الإقتراب أي اقترابا إليك بعد اقتراب، كما يتقرب المحب من محبوبه.
*****نكتة نحوية:"
اختلف النحاة في الياء في:"لبيك:
قال سيبويه:هي ياء التثنية.
وهو من الملتزم نصبه على المصدر، كقولهم: حمدا وشكراً وكرامة ومسرة، والتزموا تثنيته إيذاناً بتكرير معناه واستدامته، والتزموا إضافته إلى ضمير المخاطب لما خصوه بإجابة الداعي،وقد جاء إضافته إلى ضمير الغائب نادراً، كقول الشاعر:"
دعوت لما نابني مسورا فلبى فلبى يدي مسور
والتثنية فيه كالتثنية في قوله تعالى:"ثم ارجع البصر كرتين"" وليس مما يشفع الواحد فقط.
******اشتملت التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة:"
إحداها:" أن قولك:لبيك"يتضمن إجابة داع دعاك ومناد ناداك، ولا يصح في لغة ولا عقل إجابة من لا يتكلم ولا يدعو من أجابه.
الثانية:"أنها تتضمن المحبة كما تقدم،ولا يقال لبيك إلا لمن تحبه وتعظمه،ولهذا قيل في معناه:"أنا مواجه لك بما تحب.
الثالثة:"أنها تتضمن التزام دوام العبودية،ولهذا قيل: هي من الإقامة،اي أنا مقيم على طاعتك.
الرابع:"أنها تتضمن الخضوع والذل،اي خضوعا بعد خضوع، من قولهم:"أنا ملب بين يديك،اي خاضع ذليل.
الخامسة:" أنها تتضمن الإخلاص، ولهذا قيل:" أنها من اللب وهو الخالص.
السادسة:"أنها تتضمن الاقرار بسمع الرب تعالى، إذ يستحيل أن يقول الرجل لبيك لمن لا يسمع دعاءه.
السابعة:"أنها تتضمن التقرب من الله،ولهذا قيل: إنها من الإلباب وهو التقرب.
الثامنة:"أنها جعلت في الإحرام شعارا لانتقال من حال إلى حال،ومن منسك إلى منسك،كما جعل التكبير في الصلاة سبعا للانتقال من ركن إلى ركن،ولهذا كانت السنة أن يلبي حتى يشرع في الطواف،فيقطع التلبية،ثم إذا سار لبي حتى يقف بعرفة فيقطعها ثم يلبي حتى يقف بمزدلفة فيقطعها ثم يلبي حتى يرمى جمرة العقبة فيقطعها، فالتلبية شعار الحج والتنقل في أعمال المناسك.
التاسعة:"أنها شعار التوحيد ملة إبراهيم،الذي هو روح الحج ومقصده،بل روح العبادات كلها والمقصود منها،ولهذا كانت التلبية مفتاح هذه العبادة التي يدخل فيها بها.
العاشرة:"أنها متضمنة لمفتاح الجنة وباب الإسلام الذي يدخل منه إليه،وهو كلمة الإخلاص والشهادة لله بأنه لا شريك له.
الحادية عشرة:"أنها مشتملة على الحمد لله الذي هو من احب ما يتقرب به العبد إلى الله،وأول من يدعي إلى الجنة أهله، وهو فاتحة الصلاة وخاتمتها.
الثانية عشرة:"أنها مشتملة على الاعتراف لله بالنعمة كلها، ولهذا عرفها باللام المفيدة للاستغراق،اي النعم كلها لك،وانت موليها والمنعم بها.
الثالثة عشرة:"أنها مشتملة على الاعتراف بأن الملك كله لله وحده،فلا ملك على الحقيقة لغيره.
الرابعة عشرة:"أن هذا المعنى مؤكد الثبوت بإن المقتضية تحقيق الخبر وتثبيته وأنه مما لا يدخله ريب ولا شك.
الخامسة عشرة:"في "إن":وجهان فتحها وكسرها،فمن فتحها تضمنت معنى التعليل،اي لبيك لأن الحمد والنعمة لك،ومن كسرها كانت جملة مستقلة مستأنفة،تتضمن ابتداء الثناء على الله،والثناء إذا كثرت جمله وتعددت كان أحسن من قلتها،واما إذا فتحتها فإنها تقدر بلام التعليل المحذوفة معها قياساً، والمعنى لبيك لأن الحمد لك والفرق بين أن تكون جمل الثناء علة لغيرها وبين أن تكون مستقلة مرادة لنفسها.
السادسة عشرة:"أنها متضمنة للاخبار عن اجتماع الملك والنعمة والحمد لله عز وجل،وهذا نوع آخر من الثناء عليه، غير الثناء بمفردات تلك الأوصاف العلية،فله سبحانه من أوصاف العلى نوعا الثناء،نوع متعلق بكل صفة على انفرادها ، ونوع متعلق باجتماعها وهو كمال وهو عامة الكمال،والله سبحانه يفرق في صفاته بين الملك والحمد، وسوغ هذا المعنى أن اقتران أحدهما بالآخر من أعظم الكمال والملك وحده كمال،والحمد كمال واقتران أحدهما بالآخر كمال،فإذا اجتمع الملك المتضمن للقدرة مع النعمة المتضمنة لغاية النفع والإحسان والرحمة مع الحمد المتضمن لعامة الجلال والإكرام الداعي إلى محبته،كان في ذلك من العظمة والكمال والجلال ما هو أولى به وهو أهله،وكان في ذكر العقد له ومعرفته به من انجذاب قلبه إلى الله وإقباله عليه، والتوجه بدواعي المحبة كلها إليه ما مقصود العبودية ولبها،وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ونظير هذا اقتران الغنى بالكرم كقوله:"فإن ربي غني كريم"" فله كمال من غناه وكرمه.
واقتران العزة بالرحمة:"وإن ربك لهو العزيز الرحيم""
واقتران العفو بالقدرة:"وكان الله عفوا قديرا""
واقتران العلم بالحلم:""والله عليم حليم""
السابعة عشرة:"أن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال:"أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"" وقد اشتملت بالتلبية على هذه الكلمات بعينها وتضمنت معانيها،وقوله :"وهو على كل شيء قدير"" لك أن تدخلها تحت قولك فى التلبية:" لا شريك لك""ولك أن تدخلها تحت قولك:"إن الحمد لله والنعمة لك"" ولك أن تدخلها تحت إثبات الملك له تعالى.
الثامنة عشرة:" عطف الملك على الحمد والنعمة بعد كمال الخبر،وهو قوله:"إن الحمد والنعمة لك والملك"" ولم يقل إن الحمد والنعمة والملك، لطيفة بديعة وهي:"أن الكلام يصير بذلك جملتين مستقلتين، فإنه لو قال إن الحمد والنعمة والملك لك، كان عطف الملك على ما قبله عطف مفرد، فلما تمت الجملة الأولى بقوله:"لك "ثم عطف الملك،كان تقديره، والملك لك، فيكون مساويا لقوله:" له الملك وله الحمد"" ولم يقل له الملك والحمد،وفائدته تكرار الحمد في الثناء.
التاسعة عشرة:" لما عطف النعمة على الحمد ولم يفصل بينهما بالخبر، كان فيه إشعار باقترانهما وتلازمهما، وعدم مفارقة أحدهما للآخر، فالانعام والحمد قرينان.
العشرون:" في إعادة الشهادة له بأنه لا شريك له، لطيفة وهي:" أنه أخبر لا شريك له عقب إجابته بقوله لبيك، ثم أعادها عقب قوله:" إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك" وذلك يتضمن أنه لا شريك له في الحمد والنعمة والملك، والأول يتضمن أنه لا شريك لك في إجابة هذه الدعوة:""" شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائم بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم""
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأنبياءك ورسلك وأوليائك وملائكتك من أهل أرضك وسمواتك صلاة وسلاما سعة الأزل والأبد وزنة الغيب والشهادة وقداسة العرش والسدرة وكمال الغيب والحضرة وإحاطة العلم والقدرة وما بقيت الذات والصفات عدد المعلوم والمجهول والمستور والمنظور والظاهر والباطن وما كان وما يكون إلى يوم الوقت المعلوم في كل لمحة ونفس ما دام وجهك الكريم يا حي يا قيوم
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin