بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين
حِلية الأبدال
وما يظهر عنها من المعارف والأحوال
لسيدي محي الدين ابن العربي*
الحمد لله على ما أَلْهَم، وأن علّمنا ما لم نكن نعلم، وكان فضل الله علينا عظيماً، وصلّى الله على السيد الأكرم، المعطي جوامع الكلم في الموقف الأعظم، وسلَّم تسليماً.
أما بعد، فإني استخرت الله تعالى ليلة الإثنين الثاني عشر من جمادي الأولى سنة تسع وتسعين وخمسمائة، بمنزل الميه بالطائف، في زيارتنا عبد الله ابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سبب استخارتي سؤال صاحبيَّ أبي محمد عبد الله بدر بن عبد الله الحبشي عتيق أبي الغنائم بن أبي الفتوح الحرّاني رحمه الله، وأبي عبد الله محمد بن خالد الصدفي التلمساني، وفّقهما الله، أن أقيّد لهما في هذه الأيام، أيام الزيارة، ما ينتفعون به في طريق الآخرة.
فاستخرت الله في ذلك، وقيّدت لهما هذه الكرّاسة التي سمّيتها "حِلْيَةُ الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال"، تكون لهما ولغيرهما عوناً على طريق السعادة، وباباً جامعاً لفنون الإرادة. ومن مُوجِد الكون نسأل التأييد والعون.
فصل
الحُكْمُ نتيجة الحكمة، والعِلْمُ نتيجة المعرفة، فمن لا حكمةَ له، لا حُكْمَ له، ومن لا معرفة له، لا علم له. فالحاكم العالم لله قائم، والحكيم العارف بالله واقف، فالحاكمون العالمون لامِيّون، والحكماء العارفون بائِيّون.
لمّا شُغِفَ الزاهد بترك دنياه، والمتوكل بكليّة أمره إلى مولاه، والمريد بالسماع والوجد، والعابد بالعبادة والجَهْد، والحكيم العارف بالهمّة والقصد، غاب العالمون الحاكمون في الغيب، فلم يعرفهم عارفٌ، ولا مريد، ولا عابد، ولا شهدهم متوكل ولا زاهد. فَتَرْكُ الزاهد للعِوَض، ووَكْلُ المتوكل لنيل الغرض، وتواجد المريد لتنفيس الكُرَب، واجتهاد العابد رغبةً في القُرَب، وقَصْدُ العارف الحكيم بهمّته الوصولُ.
وإنما يتجلّى الحقّ لمن امَّحى رسمُه، وزال عنه اسمُه. فالمعرفة حجابٌ على المعروف، والحكمة بابٌ يكون عنده الوقوف. وما بقي من الأوصاف فأسبابٌ كالحروف، وهذه كلها عِلَل تعمي الأبصار وتطمس الأنوار.
فلولا وجود الكون لظهر العيْن، ولولا الأسماء لبرز المسمّى، ولولا المحبة لاستمر الوصال، ولولا الحظوظ به لمُلِكَت المراتب، ولولا الهوية لظهرت الإنّية، ولولا "هو" لكانَ، ولولا "أنت" لبدا رسم الجهل قائماً، ولولا الفهم لقويَ سلطان العلم.
فإذا تلاشت هذه الظُّلَم، وطارت بمرهفات الفنا هذه البُهَم:
تجلّى لقلبكَ من لم يزل.. به قاطناً في غيوب الأزلْ
وما حَجَبَ العينَ عن دَرْكِها.. سواكَ ولكنْ بضربِ المَثَلْ
تبيّن للقلبِ أن الذي.. رآهُ به دائماً لم يزلْ
وجاء خطابٌ يَعُمُّ الكلام.. ويُبدي سناهُ رُسوم المَحَلْ
فصل
كان لنا بمرشانة الزيتون ببلاد الأندلس صاحب من الصالحين يعلّم القرآن، وكان فقيهاً مجيداً حافظاً ذا ورعٍ وفضلٍ وخدمة للفقراء، اسمه عبد المجيد بن سلمة، وأخبرني، وفقه الله، قال: "بينما أنا ليلة في مُصلّاي، قد أكملت حزبي وجعلت رأسي بين ركبتيّ أذكر الله، إذ تحسّستُ بشخص قد نفض مُصلّاي من تحتي، وبسط عوضاً منه حصير خصفٍ، وقال: صلِّ عليه. وباب بيتي عليّ مغلق، فداخلني منه جزع، فقال لي: من تأنّس بالله لم يجزع. ثم قال لي: اتّقِ الله في كل حال. ثم إني أُلْهِمْتُ فقلت له: يا سيدي، بماذا تصير الأبدال أبدالاً؟ فقال لي: بالأربعة التي ذكرها أبو طالب في "القوت": الصمت، والعزلة، والجوع، والسهر. ثم انصرف عني، ولا أعرف كيف دخل، ولا كيف خرج، غير أن بابي على حاله مغلق، والحصير الذي أعطانيه تحتي".
وهذا الرجل هو من الأبدال، واسمه معاذ بن أشرس رضي الله عنه. فهذه الأربعة التي ذكرها هي عماد هذا الطريق الأسنى وقوائمه، ومن لا قَدَمَ له فيها، ولا رسوخ، فهو تائه عن طريق الله تعالى. وغرضنا في هذه الكُرّاسة الكلام في هذه الفصول الأربعة، وما تعطيه من المعارف والأحوال. جعلنا الله وإياكم ممن تحقّق بها وداوم عليها، إنه على ذلك قدير.
فصل في الصمت
الصمت على قسمين: صمتٌ باللسان عن الحديث بغير الله تعالى مع غير الله تعالى جملةً واحدة، وصمتٌ بالقلب عن خاطر يخطر له في النفس في كون من الأكوان البتة. فمن صمت لسانه ولم يصمت قلبه خَفَّ وِزْرُه، ومن صمت لسانه وقلبه ظهر له سرّه وتجلّى له ربه. ومن صمت قلبه ولم يصمت لسانه فهو ناطق بلسان الحكمة. ومن لم يصمت بلسانه ولا بقلبه كان مملكةً للشيطان ومسخرةً له.
فصمت اللسان من صفات منازل العامة وأرباب السلوك، وصمت القلب من صفات المُقرَّبين أهل المشاهدات. وحال صمت السالكين السلامة من الآفات، وحال صمت المُقرَّبين مخاطبات التأنيس. فمن التزم الصمت من جميع الأحوال كلها لم يبقَ له حديث إلا مع ربه، فإن الصمت على الإنسان مُحال في نفسه، فإذا انتقل من الحديث مع الأغيار إلى الحديث مع ربه، كان نجيّاً مُقرَّباً، مُؤيَّداً في نطقه، إذا نطق نطق بالصواب، لأنه ينطق عن الله، قال تعالى في حق نبيه عليه الصلاة والسلام {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[النجم:3]. فالنطق بالصواب نتيجة الصمت عن الخطأ، والكلام مع غير الله خطأ بكل حال، وبغير الله شرٌّ من كل وجه، قال تعالى {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114]، بكمال شروطها؛ قال الله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البيّنة:5]. ولحال الصمت مقام الوحي على ضروبه. والصمتُ يورِثُ معرفةَ الله تعالى.
فصل في العزلة
العزلة سببٌ لصمت اللسان، فمن اعتزل عن الناس لم يجد من يحادثه، فأدّاه ذلك إلى الصمت باللسان. والعزلة على قسمين: عزلة المريدين، وهي بالأجسام عن مخالطة الأغيار، وعزلة المحقّقين، وهي بالقلوب عن الأكوان، فليست قلوبهم محالّاً لشيء سوى العلم بالله تعالى، الذي هو شاهد الحق فيها الحاصل من المشاهدة. وللمعتِزِلين نيّاتٌ ثلاث: نيّة اتقاء شرّ الناس، ونيّة اتقاء شرّ المتعدّي الى الغير، وهو أرفع من الأول، فإن في الأول سوء الظن بالناس، وفي الثاني سوء الظن بنفسه، وسوء الظن بنفسك أولى، لأنك بنفسك أَعْرَف، ونيّة إيثار صحبة المولى من جانب الملأ الاعلى، فأعلى الناس من اعتزل عن نفسه إيثاراً لصحبة ربه. فمن آثر العزلة على المخالطة فقد آثر ربه على غيره، ومن آثر ربه لم يعرف أحدٌ ما يعطيه الله تعالى من المواهب والأسرار.
ولا تقع العزلة أبداً في القلب إلا من وَحْشةٍ تطرأ على القلب مِن المعتزَل عنه، وأُنْسٍ بالمعتزَل إليه، وهو الذي يَسوقُه إلى العزلة. فكانت العزلة تغني عن شرط الصمت، فإن الصمت لازمٌ لها، فهذا صمت اللسان. وأما صمت القلب فلا تعطيه العزلة، فقد يتحدث الواحد في نفسه بغير الله تعالى مع غير الله تعالى. فلهذا جعلنا الصمت ركناً من الأركان في الطريق، قائماً بنفسه. فمن لازم العزلة وقف على سرّ الوحدانية الإلهية. هذا ينتج له من المعارف ومن الأسرار أسرار الأحدية التي هي الصفة. وحال العزلة التنزيه عن الأوصاف، سالكاً كان المعتزل أو محقّقاً.
وأرفع أحوال العزلة الخلوة، فإن الخلوة عزلة في العزلة، فنتيجتها أقوى من نتيجة العزلة العامة. فينبغي للمعتزل أن يكون صاحب يقين مع الله تعالى، حتى لا يكون له خاطر متعلّق خارجاً عن بيت عزلته، فإن حُرِم اليقين فليستعد لعزلته قوته زمان عزلته، حتى يتقوّى يقينه بما يتجلّى له في عزلته، لا بد من ذلك، هذا شرط مُحكم من شروط العزلة. والعزلة تورِثُ معرفةَ الدنيا.
فصل في الجوع
الجوع هو الركن الثالث من أركان هذا الطريق الإلهي، وهو يتضمن الركن الرابع الذي هو السهر، كالعزلة تتضمن الصمت. والجوع جوعان؛ جوع اختيار، وهو جوع السالكين، وجوع اضطرار، وهو جوع المحقّقين. فإن المحقق لا يجوّع نفسه، ولكن قد يقلل أكله إن كان في مقام الأُنْس، فإن كان في مقام الهيبة كَثْرَ أكله. فكثرة الأكل للمحقّقين دليل على صحة سطوات أنوار الحقيقة على قلوبهم بحال العظمة من مشهودهم. وقلة الأكل لهم دليل على صحة المحادثة بحال المؤانسة من مشهودهم. وكثرة الأكل للسالكين دليل على بعدهم من الله تعالى، وطَرْدِهِم عن بابه، واستيلاء النفس الشهوانية البهيميّة بسلطانها عليهم. وقلة الأكل لهم دليل على نفحات الجود الإلهي على قلوبهم، فيَشغلهم ذلك عن تدبير جسومهم.
والجوع بكل حال ووجه سببٌ داعٍ للسالك والمحقّق إلى نيل عظيم الأحوال للسالكين، والأسرارِ للمحققين، ما لم يفرط بصحو من الجائع، فإنه إذا أفرط أدى إلى الهوس وذهاب العقل وفساد المزاج. فلا سبيل للسالك أن يجوع الجوع المطلوب لنيل الأحوال إلا عن أمر شيخ، وأما وحده فلا سبيل. لكن يتعين على السالك إذا كان وحده التقليل من الطعام، واستدامة الصيام، ولزوم أكلة واحدة بين الليل والنهار، وأن يغبَّ بالإِدام الدسم، فلا يَأْتَدِم في الجمعة سوى مرتين إن أراد أن ينتفع، حتى يجد شيخاً. فإذا وجده سلّم أمره إليه، وشيخه يدبّر حاله وأمره، إذ الشيخ أعرف بمصالحه منه.
وللجوع حالٌ ومقامٌ، فحاله: الخشوع، والخضوع، والمسكنة، والذلة، والافتقار، وعدم الفضول، وسكون الجوارح، وعدم الخواطر الرديّة، هذا حال الجوع للسالكين. وأما حاله في المحققين: فالرقّة، والصفاء، والمؤانسة، وذهاب الكون، والتنزّه عن أوصاف البشرية بالعزّة الإلهية والسلطان الربّاني. ومقامه المقامُ الصمدانيّ، وهو مقامٌ عالٍ له أسرار وتجليات وأحوال ذكرناها في كتاب "مواقع النجوم" في عضو القلب منه، ولكن في بعض النسخ، فإني استدركته فيه بمدينة بجاية سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وكان قد خرجت منه نسح كثيرة في البلاد لم يثبت فيها هذا المنزل. فهذا فائدة الجوع المصاحب للهمّة، لا جوع العامة، فإن جوع العامة جوعُ صلاحِ المزاج، وتنعيم البدن بالصحة لا غير. والجوع يورثُ معرفةَ الشيطان عصمنا الله وإياكم منه.
فصل في السهر
السهر نتيجة الجوع، فإن المعدة إذا لم يكن فيها طعام ذهب النوم. والسهر سهران: سهر العين وسهر القلب. فسهر القلب انتباهه من نومات الغفلات طلباً للمشاهدات، وسهر العين رغبة في بقاء الهمّة في القلب لطلب المسامرة، فإن العين إذا نامت بطل عمل القلب. فإن كان القلب غير نائم مع نوم العين، فغايته مشاهدة سهره المتقدم لا غير، وأما أن يلحظ غير ذلك فلا. ففائدة السهر استمرار عمل القلب، وارتقاء المنازل العليّة المخزونة عند الله تعالى. وحال السهر تعمير الوقت خاصة، للسالك والمحقّق، غير أن للمحقق في حالة زيادة تخلّق رباني لا يعرفه السالك. وأما مقامه فمقام القَيُّومية.
وربما بعض أصحابنا مَنَعَ أن يتحقق أحد بالقيومية، وبعضهم منع من التخلّق بها. لقيتُ أبا عبد الله بن جنيدٍ يمنع من ذلك. وأما نحن فلا نقول بذلك، فقد أعطتنا الحقائق أن الإنسان الكامل لا يبقى له في الحضرة الإلهية اسم إلا وهو حاملٌ له، ومن توقف من أصحابنا في مثل هذه المسألة فلعدم معرفته بما هو الإنسان عليه في حقيقته ونشأته. فلو عرف نفسه ما عسر عليه مثل هذا.
والسهر يورث معرفة النفس. وتمّت أركان المعرفة إذ المعرفة تدور على تحصيل هذه المعارف الأربعة: معرفة الله، والنفس، والدنيا، والشيطان. فإذا اعتزل الإنسان عن الخلق، وعن نفسه، وصمت عن ذكرهِ بذكرِ ربّه إيّاه، وأعرض عن الغذاء الجسماني، وسهر عند موافقة نوم النائمين، واجتمعت فيه هذه الخصال الأربعة، بُدّلت بشريّته مَلَكاً، وعبوديّته سيادة، وعقله حِسّاً، وغَيْبه شهادة، وباطنه ظاهراً، وإذا رحل عن موضع ترك بَدَلَه فيه حقيقةً روحانية، يجتمع إليها أرواح أهل ذلك الموطن الذي رحل عنه هذا الوليّ. فإن ظهر شوقٌ، من أناسي ذلك الموطن، شديدٌ لهذا الشخص، تجسّدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تركها بدله، فكلّمها وكّلمته وهو يتخيّل أنه مطلوبه، وهو غائب عنه، حتى يقضي حاجته منه.
وقد تتجسّد هذه الروحانية إن كان من صاحبها شوق أو تعلّق همّة بذلك الموطن، وقد يكون هذا من غير البَدَل. والفرق بينهما أن البدل يرحل ويعلم أنه ترك بدله، وغيره لا يعرف ذلك وإن تركه، لأنه لم يُحْكِم هذه الأربعة الأركان التي ذكرناها. وفي ذلك قلت:
يا مَن أراد منازلَ الأبدالِ.. من غير قصدٍ مِنه للأعمالِ
لا تطمعنَّ بها فلستَ من أهلها.. إنْ لم تزاحمهم على الأحوالِ
واصمتْ بقلبكَ واعتزلِ عن كلَّ مَن.. يُدْنيكَ مِنْ غير الحبيبِ الوالي
وإذا سهرتَ وجعتَ نلتَ مقامَهم.. وصَحِبْتَهُم في الحالِ والتّرحالِ
بيتُ الولاية قُسِّمت أركانهُ.. ساداتنا فيه من الأبدالِ
ما بين صمتٍ واعتزالٍ دائمٍ.. والجوعِ والسهرِ النزيهِ العالي
والله يوفقنا وإياكم لاستعمال هذه الأركان، ويُنْزِلنا وإياكم منازل الإحسان، إنه الوليّ المنّان.
تمّت الحِلية بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، والحمد لله وحده، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.
وصلّى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين
حِلية الأبدال
وما يظهر عنها من المعارف والأحوال
لسيدي محي الدين ابن العربي*
الحمد لله على ما أَلْهَم، وأن علّمنا ما لم نكن نعلم، وكان فضل الله علينا عظيماً، وصلّى الله على السيد الأكرم، المعطي جوامع الكلم في الموقف الأعظم، وسلَّم تسليماً.
أما بعد، فإني استخرت الله تعالى ليلة الإثنين الثاني عشر من جمادي الأولى سنة تسع وتسعين وخمسمائة، بمنزل الميه بالطائف، في زيارتنا عبد الله ابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان سبب استخارتي سؤال صاحبيَّ أبي محمد عبد الله بدر بن عبد الله الحبشي عتيق أبي الغنائم بن أبي الفتوح الحرّاني رحمه الله، وأبي عبد الله محمد بن خالد الصدفي التلمساني، وفّقهما الله، أن أقيّد لهما في هذه الأيام، أيام الزيارة، ما ينتفعون به في طريق الآخرة.
فاستخرت الله في ذلك، وقيّدت لهما هذه الكرّاسة التي سمّيتها "حِلْيَةُ الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال"، تكون لهما ولغيرهما عوناً على طريق السعادة، وباباً جامعاً لفنون الإرادة. ومن مُوجِد الكون نسأل التأييد والعون.
فصل
الحُكْمُ نتيجة الحكمة، والعِلْمُ نتيجة المعرفة، فمن لا حكمةَ له، لا حُكْمَ له، ومن لا معرفة له، لا علم له. فالحاكم العالم لله قائم، والحكيم العارف بالله واقف، فالحاكمون العالمون لامِيّون، والحكماء العارفون بائِيّون.
لمّا شُغِفَ الزاهد بترك دنياه، والمتوكل بكليّة أمره إلى مولاه، والمريد بالسماع والوجد، والعابد بالعبادة والجَهْد، والحكيم العارف بالهمّة والقصد، غاب العالمون الحاكمون في الغيب، فلم يعرفهم عارفٌ، ولا مريد، ولا عابد، ولا شهدهم متوكل ولا زاهد. فَتَرْكُ الزاهد للعِوَض، ووَكْلُ المتوكل لنيل الغرض، وتواجد المريد لتنفيس الكُرَب، واجتهاد العابد رغبةً في القُرَب، وقَصْدُ العارف الحكيم بهمّته الوصولُ.
وإنما يتجلّى الحقّ لمن امَّحى رسمُه، وزال عنه اسمُه. فالمعرفة حجابٌ على المعروف، والحكمة بابٌ يكون عنده الوقوف. وما بقي من الأوصاف فأسبابٌ كالحروف، وهذه كلها عِلَل تعمي الأبصار وتطمس الأنوار.
فلولا وجود الكون لظهر العيْن، ولولا الأسماء لبرز المسمّى، ولولا المحبة لاستمر الوصال، ولولا الحظوظ به لمُلِكَت المراتب، ولولا الهوية لظهرت الإنّية، ولولا "هو" لكانَ، ولولا "أنت" لبدا رسم الجهل قائماً، ولولا الفهم لقويَ سلطان العلم.
فإذا تلاشت هذه الظُّلَم، وطارت بمرهفات الفنا هذه البُهَم:
تجلّى لقلبكَ من لم يزل.. به قاطناً في غيوب الأزلْ
وما حَجَبَ العينَ عن دَرْكِها.. سواكَ ولكنْ بضربِ المَثَلْ
تبيّن للقلبِ أن الذي.. رآهُ به دائماً لم يزلْ
وجاء خطابٌ يَعُمُّ الكلام.. ويُبدي سناهُ رُسوم المَحَلْ
فصل
كان لنا بمرشانة الزيتون ببلاد الأندلس صاحب من الصالحين يعلّم القرآن، وكان فقيهاً مجيداً حافظاً ذا ورعٍ وفضلٍ وخدمة للفقراء، اسمه عبد المجيد بن سلمة، وأخبرني، وفقه الله، قال: "بينما أنا ليلة في مُصلّاي، قد أكملت حزبي وجعلت رأسي بين ركبتيّ أذكر الله، إذ تحسّستُ بشخص قد نفض مُصلّاي من تحتي، وبسط عوضاً منه حصير خصفٍ، وقال: صلِّ عليه. وباب بيتي عليّ مغلق، فداخلني منه جزع، فقال لي: من تأنّس بالله لم يجزع. ثم قال لي: اتّقِ الله في كل حال. ثم إني أُلْهِمْتُ فقلت له: يا سيدي، بماذا تصير الأبدال أبدالاً؟ فقال لي: بالأربعة التي ذكرها أبو طالب في "القوت": الصمت، والعزلة، والجوع، والسهر. ثم انصرف عني، ولا أعرف كيف دخل، ولا كيف خرج، غير أن بابي على حاله مغلق، والحصير الذي أعطانيه تحتي".
وهذا الرجل هو من الأبدال، واسمه معاذ بن أشرس رضي الله عنه. فهذه الأربعة التي ذكرها هي عماد هذا الطريق الأسنى وقوائمه، ومن لا قَدَمَ له فيها، ولا رسوخ، فهو تائه عن طريق الله تعالى. وغرضنا في هذه الكُرّاسة الكلام في هذه الفصول الأربعة، وما تعطيه من المعارف والأحوال. جعلنا الله وإياكم ممن تحقّق بها وداوم عليها، إنه على ذلك قدير.
فصل في الصمت
الصمت على قسمين: صمتٌ باللسان عن الحديث بغير الله تعالى مع غير الله تعالى جملةً واحدة، وصمتٌ بالقلب عن خاطر يخطر له في النفس في كون من الأكوان البتة. فمن صمت لسانه ولم يصمت قلبه خَفَّ وِزْرُه، ومن صمت لسانه وقلبه ظهر له سرّه وتجلّى له ربه. ومن صمت قلبه ولم يصمت لسانه فهو ناطق بلسان الحكمة. ومن لم يصمت بلسانه ولا بقلبه كان مملكةً للشيطان ومسخرةً له.
فصمت اللسان من صفات منازل العامة وأرباب السلوك، وصمت القلب من صفات المُقرَّبين أهل المشاهدات. وحال صمت السالكين السلامة من الآفات، وحال صمت المُقرَّبين مخاطبات التأنيس. فمن التزم الصمت من جميع الأحوال كلها لم يبقَ له حديث إلا مع ربه، فإن الصمت على الإنسان مُحال في نفسه، فإذا انتقل من الحديث مع الأغيار إلى الحديث مع ربه، كان نجيّاً مُقرَّباً، مُؤيَّداً في نطقه، إذا نطق نطق بالصواب، لأنه ينطق عن الله، قال تعالى في حق نبيه عليه الصلاة والسلام {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[النجم:3]. فالنطق بالصواب نتيجة الصمت عن الخطأ، والكلام مع غير الله خطأ بكل حال، وبغير الله شرٌّ من كل وجه، قال تعالى {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114]، بكمال شروطها؛ قال الله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البيّنة:5]. ولحال الصمت مقام الوحي على ضروبه. والصمتُ يورِثُ معرفةَ الله تعالى.
فصل في العزلة
العزلة سببٌ لصمت اللسان، فمن اعتزل عن الناس لم يجد من يحادثه، فأدّاه ذلك إلى الصمت باللسان. والعزلة على قسمين: عزلة المريدين، وهي بالأجسام عن مخالطة الأغيار، وعزلة المحقّقين، وهي بالقلوب عن الأكوان، فليست قلوبهم محالّاً لشيء سوى العلم بالله تعالى، الذي هو شاهد الحق فيها الحاصل من المشاهدة. وللمعتِزِلين نيّاتٌ ثلاث: نيّة اتقاء شرّ الناس، ونيّة اتقاء شرّ المتعدّي الى الغير، وهو أرفع من الأول، فإن في الأول سوء الظن بالناس، وفي الثاني سوء الظن بنفسه، وسوء الظن بنفسك أولى، لأنك بنفسك أَعْرَف، ونيّة إيثار صحبة المولى من جانب الملأ الاعلى، فأعلى الناس من اعتزل عن نفسه إيثاراً لصحبة ربه. فمن آثر العزلة على المخالطة فقد آثر ربه على غيره، ومن آثر ربه لم يعرف أحدٌ ما يعطيه الله تعالى من المواهب والأسرار.
ولا تقع العزلة أبداً في القلب إلا من وَحْشةٍ تطرأ على القلب مِن المعتزَل عنه، وأُنْسٍ بالمعتزَل إليه، وهو الذي يَسوقُه إلى العزلة. فكانت العزلة تغني عن شرط الصمت، فإن الصمت لازمٌ لها، فهذا صمت اللسان. وأما صمت القلب فلا تعطيه العزلة، فقد يتحدث الواحد في نفسه بغير الله تعالى مع غير الله تعالى. فلهذا جعلنا الصمت ركناً من الأركان في الطريق، قائماً بنفسه. فمن لازم العزلة وقف على سرّ الوحدانية الإلهية. هذا ينتج له من المعارف ومن الأسرار أسرار الأحدية التي هي الصفة. وحال العزلة التنزيه عن الأوصاف، سالكاً كان المعتزل أو محقّقاً.
وأرفع أحوال العزلة الخلوة، فإن الخلوة عزلة في العزلة، فنتيجتها أقوى من نتيجة العزلة العامة. فينبغي للمعتزل أن يكون صاحب يقين مع الله تعالى، حتى لا يكون له خاطر متعلّق خارجاً عن بيت عزلته، فإن حُرِم اليقين فليستعد لعزلته قوته زمان عزلته، حتى يتقوّى يقينه بما يتجلّى له في عزلته، لا بد من ذلك، هذا شرط مُحكم من شروط العزلة. والعزلة تورِثُ معرفةَ الدنيا.
فصل في الجوع
الجوع هو الركن الثالث من أركان هذا الطريق الإلهي، وهو يتضمن الركن الرابع الذي هو السهر، كالعزلة تتضمن الصمت. والجوع جوعان؛ جوع اختيار، وهو جوع السالكين، وجوع اضطرار، وهو جوع المحقّقين. فإن المحقق لا يجوّع نفسه، ولكن قد يقلل أكله إن كان في مقام الأُنْس، فإن كان في مقام الهيبة كَثْرَ أكله. فكثرة الأكل للمحقّقين دليل على صحة سطوات أنوار الحقيقة على قلوبهم بحال العظمة من مشهودهم. وقلة الأكل لهم دليل على صحة المحادثة بحال المؤانسة من مشهودهم. وكثرة الأكل للسالكين دليل على بعدهم من الله تعالى، وطَرْدِهِم عن بابه، واستيلاء النفس الشهوانية البهيميّة بسلطانها عليهم. وقلة الأكل لهم دليل على نفحات الجود الإلهي على قلوبهم، فيَشغلهم ذلك عن تدبير جسومهم.
والجوع بكل حال ووجه سببٌ داعٍ للسالك والمحقّق إلى نيل عظيم الأحوال للسالكين، والأسرارِ للمحققين، ما لم يفرط بصحو من الجائع، فإنه إذا أفرط أدى إلى الهوس وذهاب العقل وفساد المزاج. فلا سبيل للسالك أن يجوع الجوع المطلوب لنيل الأحوال إلا عن أمر شيخ، وأما وحده فلا سبيل. لكن يتعين على السالك إذا كان وحده التقليل من الطعام، واستدامة الصيام، ولزوم أكلة واحدة بين الليل والنهار، وأن يغبَّ بالإِدام الدسم، فلا يَأْتَدِم في الجمعة سوى مرتين إن أراد أن ينتفع، حتى يجد شيخاً. فإذا وجده سلّم أمره إليه، وشيخه يدبّر حاله وأمره، إذ الشيخ أعرف بمصالحه منه.
وللجوع حالٌ ومقامٌ، فحاله: الخشوع، والخضوع، والمسكنة، والذلة، والافتقار، وعدم الفضول، وسكون الجوارح، وعدم الخواطر الرديّة، هذا حال الجوع للسالكين. وأما حاله في المحققين: فالرقّة، والصفاء، والمؤانسة، وذهاب الكون، والتنزّه عن أوصاف البشرية بالعزّة الإلهية والسلطان الربّاني. ومقامه المقامُ الصمدانيّ، وهو مقامٌ عالٍ له أسرار وتجليات وأحوال ذكرناها في كتاب "مواقع النجوم" في عضو القلب منه، ولكن في بعض النسخ، فإني استدركته فيه بمدينة بجاية سنة سبع وتسعين وخمسمائة، وكان قد خرجت منه نسح كثيرة في البلاد لم يثبت فيها هذا المنزل. فهذا فائدة الجوع المصاحب للهمّة، لا جوع العامة، فإن جوع العامة جوعُ صلاحِ المزاج، وتنعيم البدن بالصحة لا غير. والجوع يورثُ معرفةَ الشيطان عصمنا الله وإياكم منه.
فصل في السهر
السهر نتيجة الجوع، فإن المعدة إذا لم يكن فيها طعام ذهب النوم. والسهر سهران: سهر العين وسهر القلب. فسهر القلب انتباهه من نومات الغفلات طلباً للمشاهدات، وسهر العين رغبة في بقاء الهمّة في القلب لطلب المسامرة، فإن العين إذا نامت بطل عمل القلب. فإن كان القلب غير نائم مع نوم العين، فغايته مشاهدة سهره المتقدم لا غير، وأما أن يلحظ غير ذلك فلا. ففائدة السهر استمرار عمل القلب، وارتقاء المنازل العليّة المخزونة عند الله تعالى. وحال السهر تعمير الوقت خاصة، للسالك والمحقّق، غير أن للمحقق في حالة زيادة تخلّق رباني لا يعرفه السالك. وأما مقامه فمقام القَيُّومية.
وربما بعض أصحابنا مَنَعَ أن يتحقق أحد بالقيومية، وبعضهم منع من التخلّق بها. لقيتُ أبا عبد الله بن جنيدٍ يمنع من ذلك. وأما نحن فلا نقول بذلك، فقد أعطتنا الحقائق أن الإنسان الكامل لا يبقى له في الحضرة الإلهية اسم إلا وهو حاملٌ له، ومن توقف من أصحابنا في مثل هذه المسألة فلعدم معرفته بما هو الإنسان عليه في حقيقته ونشأته. فلو عرف نفسه ما عسر عليه مثل هذا.
والسهر يورث معرفة النفس. وتمّت أركان المعرفة إذ المعرفة تدور على تحصيل هذه المعارف الأربعة: معرفة الله، والنفس، والدنيا، والشيطان. فإذا اعتزل الإنسان عن الخلق، وعن نفسه، وصمت عن ذكرهِ بذكرِ ربّه إيّاه، وأعرض عن الغذاء الجسماني، وسهر عند موافقة نوم النائمين، واجتمعت فيه هذه الخصال الأربعة، بُدّلت بشريّته مَلَكاً، وعبوديّته سيادة، وعقله حِسّاً، وغَيْبه شهادة، وباطنه ظاهراً، وإذا رحل عن موضع ترك بَدَلَه فيه حقيقةً روحانية، يجتمع إليها أرواح أهل ذلك الموطن الذي رحل عنه هذا الوليّ. فإن ظهر شوقٌ، من أناسي ذلك الموطن، شديدٌ لهذا الشخص، تجسّدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تركها بدله، فكلّمها وكّلمته وهو يتخيّل أنه مطلوبه، وهو غائب عنه، حتى يقضي حاجته منه.
وقد تتجسّد هذه الروحانية إن كان من صاحبها شوق أو تعلّق همّة بذلك الموطن، وقد يكون هذا من غير البَدَل. والفرق بينهما أن البدل يرحل ويعلم أنه ترك بدله، وغيره لا يعرف ذلك وإن تركه، لأنه لم يُحْكِم هذه الأربعة الأركان التي ذكرناها. وفي ذلك قلت:
يا مَن أراد منازلَ الأبدالِ.. من غير قصدٍ مِنه للأعمالِ
لا تطمعنَّ بها فلستَ من أهلها.. إنْ لم تزاحمهم على الأحوالِ
واصمتْ بقلبكَ واعتزلِ عن كلَّ مَن.. يُدْنيكَ مِنْ غير الحبيبِ الوالي
وإذا سهرتَ وجعتَ نلتَ مقامَهم.. وصَحِبْتَهُم في الحالِ والتّرحالِ
بيتُ الولاية قُسِّمت أركانهُ.. ساداتنا فيه من الأبدالِ
ما بين صمتٍ واعتزالٍ دائمٍ.. والجوعِ والسهرِ النزيهِ العالي
والله يوفقنا وإياكم لاستعمال هذه الأركان، ويُنْزِلنا وإياكم منازل الإحسان، إنه الوليّ المنّان.
تمّت الحِلية بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، والحمد لله وحده، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin
» كتاب: روح الأرواح ـ ابن الجوزي
19/10/2024, 10:51 من طرف Admin
» كتاب: هدية المهديين ـ العالم يوسف اخي چلبي
19/10/2024, 09:54 من طرف Admin
» كتاب: نخبة اللآلي لشرح بدء الأمالي ـ محمد بن سليمان الحلبي الريحاوي
19/10/2024, 09:50 من طرف Admin
» كتاب: الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية - عبد الغني النابلسي ـ ج1
19/10/2024, 09:18 من طرف Admin
» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج2
19/10/2024, 08:56 من طرف Admin
» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج1
19/10/2024, 08:55 من طرف Admin
» كتاب: شفاء الصدور الحرجة بشرح القصيدة المنفرجة ـ الشيخ حسنين محمد مخلوف
26/9/2024, 22:47 من طرف Admin
» كتاب: اللآلي السنية في مشروعية مولد خير البرية ـ العلامة عثمان بن الشيخ عمر بن الشيخ داود
26/9/2024, 22:37 من طرف Admin
» كتاب: بشائر الأخيار في مولد المختار صلى الله عليه وآله وسلم ـ السيد محمد ماضي أبو العزائم
26/9/2024, 22:35 من طرف Admin
» كتاب: البيان النبوي عن فضل الاحتفال بمولد النبي ـ الشيخ محمود بن أحمد الزين
26/9/2024, 21:58 من طرف Admin
» كتاب: الهدي التام في موارد المولد النبوي وما اعتيد فيه من القيام الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي
26/9/2024, 21:55 من طرف Admin