قراءة في كتاب (تبصرة الأنام في أن العلم هو الإمام) لشيخ الإسلام الشيخ ٳبراهيم انياس
لعله مما يثير الاستغراب كون هذا الكتاب الذي بين أيدينا: (تبصرة الأنام في أن العلم هو الإمام) من أقل كتب شيخ الإسلام الشيخ ابراهيم انياس رضي الله عنه، تداولا مع أنه مؤلف سنة (1366هـ) ويتناول موضوعا في غاية الأهمية بل إن عنوانه وحده كفيل بإثارة الانتباه ومن ثم البحث عنه واقتناءه.. فهو يتناول (إمامة العلم) التي تجلت أكثر ما تجلت في هذا العصر الذي نعيش فيه حيث ازدهرت العلوم وبلغت شأوا مذهلا.
النسخة التي اعتمدنا عليها في هذا العرض وجدناها في مكتبة المخطوطات التابعة للمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية بانواكشوط وهي بخط تقليدي موريتاني وتقع في حوالي ( 50 ) صفحة من الحجم الصغير وليست هناك إشارة إلى اسم ناسخها.
ويضم الكتاب مقدمة في أن الفضلية في الدين بالاكتساب لا بمجرد الانتساب وثلاثة فصول يتعلق أولها بفضلية العلم والعلماء، وثانيها عن الجهل وثالثها عن آداب المتعلمين والمعلمين، أما الخاتمة فقد حوت فوائد تتعلق بالكتب ومحبتها والحرص عليها.
يبدأ الشيخ إبراهيم انياس الكتاب بقوله:
(إني لما رأيت جل أبناء الزمان غرهم سلم الدهر والأوان فاشتغلوا بطاعة الهوى والنفس والشيطان عن الدين والعلم والعمل والقرآن ، قيدت هذه الرسالة تنبيها للأبناء والإخوان وبالأخص من كان آباؤهم وأجدادهم أهل العلم والعرفان نصيحة لهم.. والله المستعان).
الفضل بالعلم لا بالنسب
في المقدمة يعرض الشيخ كل الأقوال المؤكدة على أن فضيلة الشخص التي توجب له التقدم في الإمامة والمشيخة في الدين تنال بالاكتساب لا بمجرد الانتساب، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “نحن معشر الأنبياء لا نورث” (العلماء ورثة الأنبياء لا نورث بالانتساب وإنما نورث بالاكتساب)، وقال الله جل من قائل: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” وقال: “فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون”، وفي الحديث: “خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا”، وفي الأمثلة:
– الشرف بالهمم العالية لا بالرمم البالية،
– من فاته حسب نفسه لم ينتفع بحسب أبيه،
– من لم يكتسب بالأدب مالا اكتسب به جمالا،
– المؤمن من حيث يثبت لا من حيث ينبت ومن حيث يوجد لا من حيث يولد،
بنفسك لا بأصلك كن شريفا **** فما يكفي من الشرف الولاء
وإن قوله عز وجل: “رب زدني علما” واضح الدلالة في فضل العلم ، لأن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم طلب الزيادة من شيء إلا من العلم وقال تعالى: “إنما يخشى الله من عباده العلماء” وقال: “وما يعقلها إلا العالمون”، وقال: “هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: “العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق” وقال ابن عباس رضي الله عنهما: “خير سليمان بن داوود عليهما السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه”، وقال بعض الفضلاء:
ما أحسن العلم والمحمود من عقلا **** وأقبح الجهل والمذموم من جهلا
ليس يصلح نطق المرء في جدل **** والجهل يفسده يوما إذا سئلا
والعلم أشرف شيء ناله رجل **** من لم يكن فيه علم لم يكن رجلا
تعلم العلم واعمل يا أخي به **** فالعلم زين لمن بالعلم قد عملا
ولله در الشيخ محمد فال بن باب العلوي التجاني رضي الله عنه حيث يقول:
إذا الفتى مات عن مال وعن كتب **** وكان ذا ولد فاليحفظ الكتبا
إن ضاعت الكتب فالمعروف يتبعها **** وليس ذا ولدا وليس ذاك أبا
فالمال إرث بحكم الشرع يعصبه **** وفي الحقيقة ان تنظر فلا عقبا
والإبن إن حاز ما قد كان حائزه **** من المعالي أبوه حقق النسبا
أعظم منزلة للعلماء
يورد الشيخ بعد المقدمة نبذة عن فضلية العلماء وطلبة العلم مبرزا أن ما ورد في الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه من مدح العلم والعلماء يكفي من تأمله، فقد قال تعالى: “شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم” وقال: “ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا” وقال: “وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما” وقال: “يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات”، وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله فلينظر إلى المتعلمين فو الذي نفسي بيده ما من متعلم يختلف إلى باب عالم إلا كتب الله له بكل قدم عبادة سنة وبنى الله بكل قدم مدينة في الجنة ويمشي على الأرض والأرض تستغفر له ويمسي ويصبح مغفورا له وشهدت الملائكة بأنهم عتقاء الله من النار”، وقد قيل لابن مسعود كيف وجدت هذا العلم ؟ قال: بلسان سؤال وقلب عقول، وقال علي بن أبي طالب: لا خير في الكلام عن الجهل كما لا خير في الصمت عن العلم.
قال بعضهم في قوله تعالى: “فاحتمل السيل زبدا رابيا”، السيل ههنا العلم شبهه الله تعالى بالماء لخمس خصال، أولهما: كما أن المطر ينزل من السماء كذلك العلم ينزل من السماء، ثانيهما: كما أن صلاح الأرض بالمطر فإصلاح الخلق بالعلم، ثالثها: كما أن الزرع والنبات لا يخرج بغير المطر كذلك الأعمال والطاعات لا تخرج بغير العلم، رابعها: كما أن المطر في فرع الرعد والبرق فكذلك العلم فإنه في فرع الوعد والوعيد، خامسها: كما أن المطر نافع وضار كذلك العلم نافع لمن عمل به وضار لمن لم يعمل به.
ويقال أربعة لا ينبغي للشريف أن يأنف عنها وإن كان أميرا:
قيامه من مجلسه لأبيه وخدمته للضيف وخدمته للعالم الذي يتعلم منه والسؤال عما لا يعلم ممن هو أعلم منه، وقال صلى الله عليه وسلم: “كن عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا ولا تكن الخامس فتهلك”، وقال عليه الصلاة والسلام برواية أبي هريرة: “بكت السماوات السبع ومن فيهن ومن عليهن والأراضون السبع ومن فيهن ومن عليهن لعزيز ذل وغني افتقر وعالم تلعب به الجهال”.. ومن آخر خطبة له صلى الله عليه وسلم: “من تعلم العلم وتواضع في العلم وعلمه عباد الله يريده عند الله لم يكن في الجنة أفضل ثوابا منه ولا أعظم منزلة.. ولم يكن في الجنة منزلة ولا درجة رفيعة نفيسة إلا كان له فيها أوفر النصيب وأشرف المنازل”.
قال عليه الصلاة والسلام: “سبعة للعبد تجري بعد موته، من علم علما أو جرى نهرا أو حفر بئرا أو بنى مسجدا أو ورث مصحفا أو ترك ولدا صالحا يدعو له بالخير أو صدقة تجري له بعد موته” فقدم عليه الصلاة والسلام التعليم على جميع الانتفاعات لأنه روحاني والروحاني أبقى من الجسميات.
ولقد أبرز صلى الله عليه وسلم أن العلم ميراثه، فقال في وصيته لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: “يا علي إحفظ التوحيد فإنه رأس مالي والزم العمل فإنه حرفتي وأقم الصلاة فإنها قرة عيني واذكر الرب فإنه بصيرة فؤادي واستعمل العلم فإنه ميراثي”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من أكرم عالما فقد أكرم سبعين نبيا ومن أكرم متعلما فقد أكرم سبعين شهيدا ومن أحب العلم والعلماء لم تكتب له خطيئة”، وروى: “أكرموا حملة القرآن، فمن أكرمهم فقد أكرمني ومن أكرمني فقد أكرم الله”.
ومن كل هذه النصوص تتجلى مكانة العلم والعلماء ومنزلتها الرفيعة دنيا وأخرى.
شرف تحصيل العلم:
إن تحصيل العلم يتطلب أدبا ونصبا -فلا بد دون الشهد من إبر النحل- وقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: “ما أفلح في العلم إلا من طلبه في القلة”، فلا يطلب أحد هذا العلم بمال وعز نفس فيفلح، ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة المعلم والتواضع في النفس أفلح، وقال بعضهم لا ينال العلم إلا من عطل دكانه وخرب بستانه وهجر مكانه وهجر إخوانه ومات أقرب أهله فلم يحضر جنازته.
قال صلى الله عليه وسلم: “إنما العلم بالتعلم” وفي صحيح مسلم: “لا ينال العلم براحة الجسم”.
ولبعضهم:
اقرأ تكن فوق السها ***** ولا تكن ممن لها
من طلب العزة بالــــ ***** ـــراحة لم يصل لها
وقيل:
العلم حرب للفتى المتعالى **** كالسيل حرب للمكان العالي
وقال بعضهم:
تعلم إذا ما كنت لست بعالم **** فليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن صغير القوم والعلم عنده **** كبير إذا التفت عليه المحافل
وإن كبير القوم إن كان جاهلا **** صغيرا إذا ردت عليه المسائل
وعن علي كرم الله وجهه: “كفى بالعلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح إذا نسب، وكفى بالجهل ضعة أن تتبرأ ممن هو فيه ويغضب إذا نسب” وعلى المتعلم أن يقدم الأهم فالأهم وعلم كل شيء أفضل من جهله وفي البداية والنهاية ما نصه: “قال الواقدي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم زيد ابن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود فثبت عنه في الصحيح أنه تعلمه في خمسة عشر يوما”.
واجب نصب المدارس:
يختم الشيخ إبراهيم انياس الكتاب بالتأكيد على أن نصب المدارس لنشر العلم سنة وليست بدعة مستحسنة كما يقال، لأنه من واجبات المكلف تعلم فرض عينه قبل أي شيء آخر.. كما أن تدوين العلم أمر دل عليه جمع القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم وفي عهد خلفائه الراشدين وهو أساس للمدارس.
إن هذا الكتاب قد جمع كل الأدلة والبراهين النقلية والعقلية الدالة على أنه لا شرف إلا بالعلم، ولا تسابق نحو المعالي إلا بتحصيله وأنه ما خلد ذكر أحد إلا من حصل على ثروة علمية وأن من واجب المسلم أن لا يتوقف لحظة عن التعلم دون أن يترك أي باب للعلم إلا وطرقه وواصل الطريق حتى يبلغ الهدف المتوخى كل ذلك يبصر الأنام بأن العلم هو الإمام.
محمد الحافظ بن محمد
لعله مما يثير الاستغراب كون هذا الكتاب الذي بين أيدينا: (تبصرة الأنام في أن العلم هو الإمام) من أقل كتب شيخ الإسلام الشيخ ابراهيم انياس رضي الله عنه، تداولا مع أنه مؤلف سنة (1366هـ) ويتناول موضوعا في غاية الأهمية بل إن عنوانه وحده كفيل بإثارة الانتباه ومن ثم البحث عنه واقتناءه.. فهو يتناول (إمامة العلم) التي تجلت أكثر ما تجلت في هذا العصر الذي نعيش فيه حيث ازدهرت العلوم وبلغت شأوا مذهلا.
النسخة التي اعتمدنا عليها في هذا العرض وجدناها في مكتبة المخطوطات التابعة للمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية بانواكشوط وهي بخط تقليدي موريتاني وتقع في حوالي ( 50 ) صفحة من الحجم الصغير وليست هناك إشارة إلى اسم ناسخها.
ويضم الكتاب مقدمة في أن الفضلية في الدين بالاكتساب لا بمجرد الانتساب وثلاثة فصول يتعلق أولها بفضلية العلم والعلماء، وثانيها عن الجهل وثالثها عن آداب المتعلمين والمعلمين، أما الخاتمة فقد حوت فوائد تتعلق بالكتب ومحبتها والحرص عليها.
يبدأ الشيخ إبراهيم انياس الكتاب بقوله:
(إني لما رأيت جل أبناء الزمان غرهم سلم الدهر والأوان فاشتغلوا بطاعة الهوى والنفس والشيطان عن الدين والعلم والعمل والقرآن ، قيدت هذه الرسالة تنبيها للأبناء والإخوان وبالأخص من كان آباؤهم وأجدادهم أهل العلم والعرفان نصيحة لهم.. والله المستعان).
الفضل بالعلم لا بالنسب
في المقدمة يعرض الشيخ كل الأقوال المؤكدة على أن فضيلة الشخص التي توجب له التقدم في الإمامة والمشيخة في الدين تنال بالاكتساب لا بمجرد الانتساب، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “نحن معشر الأنبياء لا نورث” (العلماء ورثة الأنبياء لا نورث بالانتساب وإنما نورث بالاكتساب)، وقال الله جل من قائل: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” وقال: “فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون”، وفي الحديث: “خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا”، وفي الأمثلة:
– الشرف بالهمم العالية لا بالرمم البالية،
– من فاته حسب نفسه لم ينتفع بحسب أبيه،
– من لم يكتسب بالأدب مالا اكتسب به جمالا،
– المؤمن من حيث يثبت لا من حيث ينبت ومن حيث يوجد لا من حيث يولد،
بنفسك لا بأصلك كن شريفا **** فما يكفي من الشرف الولاء
وإن قوله عز وجل: “رب زدني علما” واضح الدلالة في فضل العلم ، لأن الله تعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم طلب الزيادة من شيء إلا من العلم وقال تعالى: “إنما يخشى الله من عباده العلماء” وقال: “وما يعقلها إلا العالمون”، وقال: “هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: “العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق” وقال ابن عباس رضي الله عنهما: “خير سليمان بن داوود عليهما السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه”، وقال بعض الفضلاء:
ما أحسن العلم والمحمود من عقلا **** وأقبح الجهل والمذموم من جهلا
ليس يصلح نطق المرء في جدل **** والجهل يفسده يوما إذا سئلا
والعلم أشرف شيء ناله رجل **** من لم يكن فيه علم لم يكن رجلا
تعلم العلم واعمل يا أخي به **** فالعلم زين لمن بالعلم قد عملا
ولله در الشيخ محمد فال بن باب العلوي التجاني رضي الله عنه حيث يقول:
إذا الفتى مات عن مال وعن كتب **** وكان ذا ولد فاليحفظ الكتبا
إن ضاعت الكتب فالمعروف يتبعها **** وليس ذا ولدا وليس ذاك أبا
فالمال إرث بحكم الشرع يعصبه **** وفي الحقيقة ان تنظر فلا عقبا
والإبن إن حاز ما قد كان حائزه **** من المعالي أبوه حقق النسبا
أعظم منزلة للعلماء
يورد الشيخ بعد المقدمة نبذة عن فضلية العلماء وطلبة العلم مبرزا أن ما ورد في الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه من مدح العلم والعلماء يكفي من تأمله، فقد قال تعالى: “شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم” وقال: “ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا” وقال: “وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما” وقال: “يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات”، وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله فلينظر إلى المتعلمين فو الذي نفسي بيده ما من متعلم يختلف إلى باب عالم إلا كتب الله له بكل قدم عبادة سنة وبنى الله بكل قدم مدينة في الجنة ويمشي على الأرض والأرض تستغفر له ويمسي ويصبح مغفورا له وشهدت الملائكة بأنهم عتقاء الله من النار”، وقد قيل لابن مسعود كيف وجدت هذا العلم ؟ قال: بلسان سؤال وقلب عقول، وقال علي بن أبي طالب: لا خير في الكلام عن الجهل كما لا خير في الصمت عن العلم.
قال بعضهم في قوله تعالى: “فاحتمل السيل زبدا رابيا”، السيل ههنا العلم شبهه الله تعالى بالماء لخمس خصال، أولهما: كما أن المطر ينزل من السماء كذلك العلم ينزل من السماء، ثانيهما: كما أن صلاح الأرض بالمطر فإصلاح الخلق بالعلم، ثالثها: كما أن الزرع والنبات لا يخرج بغير المطر كذلك الأعمال والطاعات لا تخرج بغير العلم، رابعها: كما أن المطر في فرع الرعد والبرق فكذلك العلم فإنه في فرع الوعد والوعيد، خامسها: كما أن المطر نافع وضار كذلك العلم نافع لمن عمل به وضار لمن لم يعمل به.
ويقال أربعة لا ينبغي للشريف أن يأنف عنها وإن كان أميرا:
قيامه من مجلسه لأبيه وخدمته للضيف وخدمته للعالم الذي يتعلم منه والسؤال عما لا يعلم ممن هو أعلم منه، وقال صلى الله عليه وسلم: “كن عالما أو متعلما أو مستمعا أو محبا ولا تكن الخامس فتهلك”، وقال عليه الصلاة والسلام برواية أبي هريرة: “بكت السماوات السبع ومن فيهن ومن عليهن والأراضون السبع ومن فيهن ومن عليهن لعزيز ذل وغني افتقر وعالم تلعب به الجهال”.. ومن آخر خطبة له صلى الله عليه وسلم: “من تعلم العلم وتواضع في العلم وعلمه عباد الله يريده عند الله لم يكن في الجنة أفضل ثوابا منه ولا أعظم منزلة.. ولم يكن في الجنة منزلة ولا درجة رفيعة نفيسة إلا كان له فيها أوفر النصيب وأشرف المنازل”.
قال عليه الصلاة والسلام: “سبعة للعبد تجري بعد موته، من علم علما أو جرى نهرا أو حفر بئرا أو بنى مسجدا أو ورث مصحفا أو ترك ولدا صالحا يدعو له بالخير أو صدقة تجري له بعد موته” فقدم عليه الصلاة والسلام التعليم على جميع الانتفاعات لأنه روحاني والروحاني أبقى من الجسميات.
ولقد أبرز صلى الله عليه وسلم أن العلم ميراثه، فقال في وصيته لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: “يا علي إحفظ التوحيد فإنه رأس مالي والزم العمل فإنه حرفتي وأقم الصلاة فإنها قرة عيني واذكر الرب فإنه بصيرة فؤادي واستعمل العلم فإنه ميراثي”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من أكرم عالما فقد أكرم سبعين نبيا ومن أكرم متعلما فقد أكرم سبعين شهيدا ومن أحب العلم والعلماء لم تكتب له خطيئة”، وروى: “أكرموا حملة القرآن، فمن أكرمهم فقد أكرمني ومن أكرمني فقد أكرم الله”.
ومن كل هذه النصوص تتجلى مكانة العلم والعلماء ومنزلتها الرفيعة دنيا وأخرى.
شرف تحصيل العلم:
إن تحصيل العلم يتطلب أدبا ونصبا -فلا بد دون الشهد من إبر النحل- وقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: “ما أفلح في العلم إلا من طلبه في القلة”، فلا يطلب أحد هذا العلم بمال وعز نفس فيفلح، ولكن من طلبه بذل النفس وضيق العيش وخدمة المعلم والتواضع في النفس أفلح، وقال بعضهم لا ينال العلم إلا من عطل دكانه وخرب بستانه وهجر مكانه وهجر إخوانه ومات أقرب أهله فلم يحضر جنازته.
قال صلى الله عليه وسلم: “إنما العلم بالتعلم” وفي صحيح مسلم: “لا ينال العلم براحة الجسم”.
ولبعضهم:
اقرأ تكن فوق السها ***** ولا تكن ممن لها
من طلب العزة بالــــ ***** ـــراحة لم يصل لها
وقيل:
العلم حرب للفتى المتعالى **** كالسيل حرب للمكان العالي
وقال بعضهم:
تعلم إذا ما كنت لست بعالم **** فليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن صغير القوم والعلم عنده **** كبير إذا التفت عليه المحافل
وإن كبير القوم إن كان جاهلا **** صغيرا إذا ردت عليه المسائل
وعن علي كرم الله وجهه: “كفى بالعلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح إذا نسب، وكفى بالجهل ضعة أن تتبرأ ممن هو فيه ويغضب إذا نسب” وعلى المتعلم أن يقدم الأهم فالأهم وعلم كل شيء أفضل من جهله وفي البداية والنهاية ما نصه: “قال الواقدي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم زيد ابن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود فثبت عنه في الصحيح أنه تعلمه في خمسة عشر يوما”.
واجب نصب المدارس:
يختم الشيخ إبراهيم انياس الكتاب بالتأكيد على أن نصب المدارس لنشر العلم سنة وليست بدعة مستحسنة كما يقال، لأنه من واجبات المكلف تعلم فرض عينه قبل أي شيء آخر.. كما أن تدوين العلم أمر دل عليه جمع القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم وفي عهد خلفائه الراشدين وهو أساس للمدارس.
إن هذا الكتاب قد جمع كل الأدلة والبراهين النقلية والعقلية الدالة على أنه لا شرف إلا بالعلم، ولا تسابق نحو المعالي إلا بتحصيله وأنه ما خلد ذكر أحد إلا من حصل على ثروة علمية وأن من واجب المسلم أن لا يتوقف لحظة عن التعلم دون أن يترك أي باب للعلم إلا وطرقه وواصل الطريق حتى يبلغ الهدف المتوخى كل ذلك يبصر الأنام بأن العلم هو الإمام.
محمد الحافظ بن محمد
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin