7 - لا يشككك في الوعد عدم وقوع الموعود وإن تعين زمنه
لئلا يكون ذلك قدحاً في بصيرتك وإخماداً لنور سريريك
كتاب إيقاظ الهمم في شرح الحكم ابن عطاء الله السكندري
التشكيك في الشيء هو التردد في الوقوع وعدمه والوعد الأخبار بوقوع الشيء في محله والموعود المخبر به والقدح في الشيء التنقيص له والغض من مرتبته والبصيرة القوة المهيئة لأدرك المعاني
والسريرة القوة المستعدة لتمكن العلم والمعرفة وأعلم أن النفس والعقل والروح والسر شيء واحد لكن تختلف التسامي بإختلاف المدراك فما كان من مدارك الشهوات فمدركه النفس وما كان من مدارك الأحكام الشرعية فمدركه العقل وما كان من مدراك التجليات والواردات فمدركه الروح وما كان من مدارك التحقيقات والتمكنات فمدركه السر والمحل واحد وإخماد الشيء خفاؤه بعد ظهوره قلت إذا وعدك الحق تعالى بشيء على لسان الوحي أو الإلهام من نبي أو ولي أو تجل قوى فلا تشك أيها المريد في ذلك الوعد إن كنت صديقاً فإن لم يتعين زمنه فالأمر واسع وقد يطول الزمان وقد يقصر فلا تشك في وقوعه وإن طال زمنه وقد كان بين دعاء سيدنا موسى وهارون على فرعون بقوله ربنا أطمس على أموالهم الآية أربعون سنة على ما قيل وأن تعين زمنه ولم يقع ذلك عند حلوله فلا تشك في صدق ذلك الوعد فقد يكون ذلك مترتباً على أسباب وشروط غيبية أخفاها الله تعالى عن ذلك النبي أو الولي لتظهر قهريته وعزته وحكمته وتأمل قضية سيدنا يونس عليه السلام حيث أخبر قومه بالعذاب لما أخبر به وفر عنهم وكان ذلك متوقفاً على عدم إسلامهم فلما أسلموا تأخر عنهم العذاب وكذلك قضية سيدنا نوح عليه السلام حيث قال إن النبي من أهلي وإن وعدك الحق فوقف مع ظاهر العموم فقال له تعالى إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ونحن إنما وعدناك بنجاة الصالح من أهلك وإن فهمت العموم فعلمنا متسع ولهذا السر الخفي كان الرسل عليهم السلام وأكابر الصديقين لا يقفون مع ظاهر الوعد فلا يزول أضطرارهم ولا يكون مع غير الله قرارهم بل ينظرون لسعة علمه تعالى ونفوذ قهه ومنه قول سيدنا إبراهيم الخليل ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً وسع ربي كل شيء علماً وقول سيدنا شعيب عليه السلام وما يكون لنا أن نعود فيها أي في ملة الكفر إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء وقضية نبينا صلى الله عليه وسلم يوم بدر حيث دعا حتى سقط رداؤه وقال اللهم عهدك ووعدك اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد بعد اليوم فقال له الصديق حسبك يا رسول الله فإن الله منجز لك ما وعدك فنظر المصطفى أوسع لعدم وقوفه مع ظاهر الوعد ووقف الصديق مع الظاهر فكل على صواب والنبي صلى الله عليه وسلم أوسع نظراً وأكمل علماً وأما قضية الحديبية فلم يتعين فيها زمن الوعد لقوله تعالى فعلم ما لم تعلموا وقد قال عليه السلام لعمر حين قال له ألم تخبرنا أنا ندخل مكة فقال له أقلت لك هذا العام فقال لا فقال إنك داخلها ومطوف بها فشد يدك يا أخي على تصديق ما وعدك الله به وحسن ظنك به وبأوليائه ولا سيما شيخك فإياك أن تضمر التكذيب أو الشك فيكون ذلك قدحاً في بصيرتك وقد يكون سبباً في طمسها ويكون أيضاً إخماداً أي أخفاء وأطفاء لنور سريرتك فترجع من حيث جئت وتهدم كل ما بنيت فانظر أحس التأويلات والتمس أحسن المخارج وقد تقدم قول شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه نحن إذا قلنا شيئاً فخرج فرحنا مرة وإذا لم يخرج فرحنا عشر مرات وما ذاك إلا لوسع نظره وتمكنه في معرفة ربه وأيضاً قد يطلع الله أولياءه على نزول القضاء ولا يطلعهم على نزول اللطف فينزل ذلك القضاء مصحوباً باللطف فينزل خفيفاً سهلاً حتى يظن أنه لم ينزل وقد شهدنا هذا وما قبله من أنفسنا ومن أشياخنا رضي الله عنهم فلم ينقص صدقنا ولم يخمد نور سريرتنا فلله الحمد ربنا تنبيه كان شيخناً الفقيه العلامة سيدي التأودي بن سودة يستشكل هذه الحكمة ويقول كيف يتصور تعيين الزمان إن كان بالوحي فقد انقطع وإن كان بالإلهام فلا يلزم من الشك فيه القدح في البصيرة إذ لا يجب الإيمان به قلنا كلامنا مع المريدين الصديقين السائرين أو الواصلين وهم مطالبون بالتصديق للأشياخ في كل ما نطقوا به إذ هم ورثة الأنبياء فهم على قدمهم فللإنبياء وحي الأحكام وللإولياء وحي الإلهام لأن القلوب إذا صفت من الأكدار والأغيار وملئت بالأنوار والأسرار لا يتجلى فيها إلا الحق فإذا نطقوا بشيء من وعد أو وعيد يجب على المريد تصديقه فإذا دخله تشكيك أو تردد فيما وعده الله على لسان نبيه أو شيخه قدح ذلك في نور بصيرته وأخمد سريرته فإذا لم يعين زمنه أنتظر وقوعه وإن طال وإن عين زمنه ولم يقع تأول فيه ما تقدم في حق الرسل من توقفه على أسباب وشروط خفية وبهذا فرقوا بين الصديق والمصادق لأن
الصديق لا يتردد ولا يتعجب والصادق يتردد ثم يجزم وأن رأى خرق عادة تعجب وأستغرب والله تعالى أعلم ولما كانت التعرفات القهرية ظاهرها جلال وباطنها جمال لما يعقبها من أوصاف الكمال وربما يشك المريد فيما وعد الحق عليها من الخيرات وما رتب عليها من الفتوحات
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin