كتاب غيث المواهب العلية فى شرح الحكم العطائية العارف بالله الشيخ محمد بن إبراهيم النفزي الرندي
01 - من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل
قال المؤلف ابن عطاء الله السكندري قدّس اللّه سرّه :
" من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل "
أقول : الاعتماد على اللّه تعالى نعت العارفين الموحّدين ، والاعتماد على غيره وصف الجاهلين الغافلين كائنا ما كان ذلك الغير حتى علومهم وأعمالهم وأحوالهم .
أما العارفون الموحّدون فإنهم على بساط القرب والمشاهدة ناظرون إلى ربهم ، فانون عن أنفسهم ؛ فإذا وقعوا في زلّة أو أصابتهم غفلة ، شهدوا تصريف الحقّ تعالى لهم ، وجريان قضائه عليهم .
كما أنهم إذا صدرت عنهم طاعة ، أو لاح عليهم لائح من يقظة ، لم يشهدوا في ذلك أنفسهم ، ولم يروا فيها حولهم ولا قوّتهم ؛ لأن السابق إلى قلوبهم ذكر ربّهم ، فأنفسهم مطمئنة تحت جريان أقداره ، وقلوبهم ساكنة بما لاح لها من أنواره ، ولا فرق عندهم بين الحالين ؛ لأنهم غرقى في بحار التوحيد ، قد استوى خوفهم ورجاؤهم ، فلا ينقص من خوفهم ما يجتنبونه من العصيان ، ولا يزيد في رجائهم ما يأتون به من الإحسان .
قال « شارح المجالس » : « العارفون قائمون باللّه قد تولّى اللّه أمرهم ، فإذا ظهرت منهم طاعة لم يرجوا عليها ثوابا ؛ لأنهم لم يروا أنفسهم عمّالا لها ، وإن ظهرت منهم زلّة فالدية على العاقل ، لم يشاهدوا غيره في الشدة والرخاء قيامهم باللّه ونظرهم إليه ، وخوفهم : هيبته ، ورجاؤهم : الأنس به » ا ه .
وأما غيرهم فبقوا مع نفوسهم في نسبة الأعمال والأفعال إليها ، وطلب الحظّ لها وعليها ؛ فاعتمدوا على أعمالهم وسكنوا إلى أحوالهم ، فإذا وقعوا في زلّة نقص بذلك رجاؤهم ، كما أنهم إذا عملوا طاعة جعلوها من أعظم عددهم ، وأقوى معتمدهم ، فتعلّقوا بالأسباب ، وحجبوا بتصرّفهم بها عن ربّ الأرباب ؛ فمن وجد هذه العلامة في نفسه فليعرف منزلته وقدره ، ولا يتعدّ طوره ، فيدّعي مقامات الخاصة من المقرّبين ، وإنما هو من عامّة أصحاب اليمين .
وستأتي إشارات إلى هذا المعنى في مواضع من كلام المؤلف ، قدّس اللّه سرّه .
وقد ذكر الشيخ « أبو عبد الرحمن السلمى و « الحافظ أبو نعيم الأصبهاني » عن « يوسف بن الحسين الرازي » رضى اللّه عنهم أنه قال :
« عارضني بعض الناس في كلام وقال لي : لا تستدرك مرادك من عملك إلا أن تتوب ، فقلت مجيبا : لو أنّ التوبة تطرق بابي ما أذنت لها ، على أنّي أنجو بها من ربّي ، ولو أن الصدق والإخلاص كانا عبدين لي لبعتهما زهدا مني فيهما ؛ لأني إن كنت عند اللّه في علم الغيب سعيدا مقبولا ، لم أتخلّف باقتراف الذنوب والمآثم ، وإن كنت عنده شقيا مخذولا لم تسعدني توبتي ولا إخلاصي وصدقي ، وإن اللّه خلقني إنسانا بلا عمل ولا شفيع كان لي إليه وهداني لدينه الذي ارتضاه لنفسه .
فقال تعالى :"وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ"[ آل عمران : 85 ] .
فاعتمادي على فضله وكرمه أولى به إن كنت حرا عاقلا من اعتمادي على أفعالي المدخولة وصفاتي المعلولة ؛ لأن مقابلة فضله وكرمه بأفعالنا من قلّة معرفتنا بالكريم المتفضل » .
قلت : وهذه الحكاية وأمثالها ربما تقرع سمع من لا حقيقة عنده من طريق القوم ، فينكر معناها ولا يعتقده أو يسلّمه ويدّعيه مقاما لنفسه ، وكلتا الحالتين مؤدّية بصاحبها إلى ضرر وخطر .
فليتق اللّه تعالى عبد ليس له بصر في هذه الطريقة أن ينكر ما ذكرناه فبقع في الاعتراض على السادة والأولياء ،وفي ذلك بعده عن اللّه تعالى ، أو يدّعيه مقاما لنفسه من غير أن يستظهر عليها ويتوثق منها ،ويزنها بالمعيار الذي نبهنا عليه.
ومحال وجود ذلك ممن لم يصحح مقام الفناء عن النفس ، فيرتكب حينئذ مساخط اللّه تعالى ويتعدى حدوده ، ويجعل ذلك حجة لنفسه غلطا وجهلا . وهذا باب من الزندقة والعياذ باللّه سبحانه وتعالى .
01 - من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل
قال المؤلف ابن عطاء الله السكندري قدّس اللّه سرّه :
" من علامة الاعتماد على العمل نقصان الرجاء عند وجود الزلل "
أقول : الاعتماد على اللّه تعالى نعت العارفين الموحّدين ، والاعتماد على غيره وصف الجاهلين الغافلين كائنا ما كان ذلك الغير حتى علومهم وأعمالهم وأحوالهم .
أما العارفون الموحّدون فإنهم على بساط القرب والمشاهدة ناظرون إلى ربهم ، فانون عن أنفسهم ؛ فإذا وقعوا في زلّة أو أصابتهم غفلة ، شهدوا تصريف الحقّ تعالى لهم ، وجريان قضائه عليهم .
كما أنهم إذا صدرت عنهم طاعة ، أو لاح عليهم لائح من يقظة ، لم يشهدوا في ذلك أنفسهم ، ولم يروا فيها حولهم ولا قوّتهم ؛ لأن السابق إلى قلوبهم ذكر ربّهم ، فأنفسهم مطمئنة تحت جريان أقداره ، وقلوبهم ساكنة بما لاح لها من أنواره ، ولا فرق عندهم بين الحالين ؛ لأنهم غرقى في بحار التوحيد ، قد استوى خوفهم ورجاؤهم ، فلا ينقص من خوفهم ما يجتنبونه من العصيان ، ولا يزيد في رجائهم ما يأتون به من الإحسان .
قال « شارح المجالس » : « العارفون قائمون باللّه قد تولّى اللّه أمرهم ، فإذا ظهرت منهم طاعة لم يرجوا عليها ثوابا ؛ لأنهم لم يروا أنفسهم عمّالا لها ، وإن ظهرت منهم زلّة فالدية على العاقل ، لم يشاهدوا غيره في الشدة والرخاء قيامهم باللّه ونظرهم إليه ، وخوفهم : هيبته ، ورجاؤهم : الأنس به » ا ه .
وأما غيرهم فبقوا مع نفوسهم في نسبة الأعمال والأفعال إليها ، وطلب الحظّ لها وعليها ؛ فاعتمدوا على أعمالهم وسكنوا إلى أحوالهم ، فإذا وقعوا في زلّة نقص بذلك رجاؤهم ، كما أنهم إذا عملوا طاعة جعلوها من أعظم عددهم ، وأقوى معتمدهم ، فتعلّقوا بالأسباب ، وحجبوا بتصرّفهم بها عن ربّ الأرباب ؛ فمن وجد هذه العلامة في نفسه فليعرف منزلته وقدره ، ولا يتعدّ طوره ، فيدّعي مقامات الخاصة من المقرّبين ، وإنما هو من عامّة أصحاب اليمين .
وستأتي إشارات إلى هذا المعنى في مواضع من كلام المؤلف ، قدّس اللّه سرّه .
وقد ذكر الشيخ « أبو عبد الرحمن السلمى و « الحافظ أبو نعيم الأصبهاني » عن « يوسف بن الحسين الرازي » رضى اللّه عنهم أنه قال :
« عارضني بعض الناس في كلام وقال لي : لا تستدرك مرادك من عملك إلا أن تتوب ، فقلت مجيبا : لو أنّ التوبة تطرق بابي ما أذنت لها ، على أنّي أنجو بها من ربّي ، ولو أن الصدق والإخلاص كانا عبدين لي لبعتهما زهدا مني فيهما ؛ لأني إن كنت عند اللّه في علم الغيب سعيدا مقبولا ، لم أتخلّف باقتراف الذنوب والمآثم ، وإن كنت عنده شقيا مخذولا لم تسعدني توبتي ولا إخلاصي وصدقي ، وإن اللّه خلقني إنسانا بلا عمل ولا شفيع كان لي إليه وهداني لدينه الذي ارتضاه لنفسه .
فقال تعالى :"وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ"[ آل عمران : 85 ] .
فاعتمادي على فضله وكرمه أولى به إن كنت حرا عاقلا من اعتمادي على أفعالي المدخولة وصفاتي المعلولة ؛ لأن مقابلة فضله وكرمه بأفعالنا من قلّة معرفتنا بالكريم المتفضل » .
قلت : وهذه الحكاية وأمثالها ربما تقرع سمع من لا حقيقة عنده من طريق القوم ، فينكر معناها ولا يعتقده أو يسلّمه ويدّعيه مقاما لنفسه ، وكلتا الحالتين مؤدّية بصاحبها إلى ضرر وخطر .
فليتق اللّه تعالى عبد ليس له بصر في هذه الطريقة أن ينكر ما ذكرناه فبقع في الاعتراض على السادة والأولياء ،وفي ذلك بعده عن اللّه تعالى ، أو يدّعيه مقاما لنفسه من غير أن يستظهر عليها ويتوثق منها ،ويزنها بالمعيار الذي نبهنا عليه.
ومحال وجود ذلك ممن لم يصحح مقام الفناء عن النفس ، فيرتكب حينئذ مساخط اللّه تعالى ويتعدى حدوده ، ويجعل ذلك حجة لنفسه غلطا وجهلا . وهذا باب من الزندقة والعياذ باللّه سبحانه وتعالى .
أمس في 20:03 من طرف Admin
» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
أمس في 20:02 من طرف Admin
» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
أمس في 19:34 من طرف Admin
» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
أمس في 19:31 من طرف Admin
» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:28 من طرف Admin
» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:26 من طرف Admin
» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
أمس في 19:24 من طرف Admin
» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
أمس في 19:21 من طرف Admin
» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
أمس في 19:19 من طرف Admin
» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
أمس في 19:17 من طرف Admin
» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
أمس في 19:14 من طرف Admin
» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
أمس في 19:12 من طرف Admin