..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين Empty كتاب: فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ـ منتدى هدى للعالمين

    مُساهمة من طرف Admin 6/7/2020, 18:59

    فيوضات الكتاب» نفائس السرّ في تفسير سورة (إنّا أنزلناه في ليلة القدر)
    بسم الله الرحمن الرحيم



    الحمد لله قاهر الأكوان، القائم بفردانيته بالعزّ والسلطان، تجلّى بالنور السرمديّ فسجد له الزمان والمكان، وشهد لنفسه بالوحدانية فلا حجّة لغيره في الوجود ولا برهان، سبحانه أنزل الأمر من حضرة العلم إلى حضرة كُن فكان، ووهبه سرّ البقاء فبسرّه القدسيّ قام وكان، لا يغيب حضوره، ولا تحجب الجوامد نوره، ولا يغلبه قويّ ولا يعجزه ذو شان، جليلٌ ذكره، باهرٌ سرّه، مخيفٌ قهره، عظيمٌ أمره، لا يحصي قدْره إنسٌ ولا جان، أشهد وأُقرّ بأنّه الواحد الأحد الفرد الصمد لا إله إلاّ هو الحنّان المنّان، وأصلّي وأسلّم على المبعوث رحمة من ولد عدنان سيدنا ومعلّمنا وإمامنا محمد بن عبد الله قائد لواء الحمد وفاتح أبواب الجنان، أمّا بعد..

    يقول الحقّ سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)}، افتتح الحقّ سبحانه هذه السورة متحدّثاً عن نفسه جلّ وعلا بصيغة الجمع والتعظيم والتأكيد فقال: (إنّا)، وابتداؤه بهذه الصيغة دلالة على عظم الأمر، وكونه جلّ في علاه قد ابتدأ الحديث عن ليلة القدر بذكر نفسه فهذا يدلّ على أنّ شرف هذه الليلة وعظم ما فيها مستمدٌّ من عظمته عزّ وجلّ، وكلامه بصيغة الجمع (إنّا) دلالةٌ على تجلّيه بجميع أسمائه وصفاته من حضرة الجمع، فكان لليلة القدر شرف الجمع على الله سبحانه وأنّ لها خصوصية في الفضل الذي لا يتناهى لأنّ تجلّياته سبحانه لا تتناهى..

    والحقّ سبحانه لم يفتتح سورة بلفظ (إنّا) إلاّ أربع سور، فقال سبحانه في مطلع سورة الفتح: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)، وقال في مطلع سورة نوح عليه السلام: (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ)، وقال في مطلع سورة الكوثر: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)، فعَظُمَ في الفتح نصرُه، وعَظُمَ في نوحٍ تأييدُه، وعَظُمَ في الكوثر عطاؤُه، وافتتح هذه السورة بقوله: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، فعَظُم في هذه السورة قدرُه وخيرُه، وشَرُفَ تنزيله وكلامُه، وكانت بذلك هذه الليلة هي ليلة الفتح والنصر والتأييد والعطاء والخير والشرف وعلو القدر..

    ثم قال سبحانه: (أَنْزَلْنَاهُ) أي القرآن الكريم؛ لقوله تعالى: (حم (.) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (.) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)، فكان نزول القرآن في نفس هذه الليلة التي باركها الله عزّ وجلّ.. فنزل جملةً واحدة إلى السماء الدنيا نوراً، فغيّبه وعبّر عنه بهاء الغائب لأنّه من حضرة سرّ الغيب الذي لا يُعلَم، ولأنّه كذلك لمّا تجلّت أنوار الذات اختفت لأجل نورها الصفات، فكانت هذه الهاء هي صورة عن هاء الجلالة والتي صورتها في الإنسان هي دائرة القلب، فكان القلب سعةً لسائر تجلّياته سبحانه (لم تسعني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن)، وكان محلّ نزول نور القرآن (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (.) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ).. وعند نزول القرآن خشعت له الأكوان لأنّه كلامه وكلامه هو صفته الذاتية، وصار فرقاناً لافتراقه بتجلّيات أسمائه وصفاته ما عُلمَ منها وما لم يُعلَم، (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلا)..

    وقد امتازت هذه الليلة المباركة بأنها ليلة جامعة، فقد حصل فيها الإجمال والتفصيل والجمع والفرق، فقال عنها سبحانه: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) فكانت قرآناً وكانت أيضاً فرقانا.. وهذه الخاصيّة لا تكون إلاّ في هذه الليلة؛ فيحصل فيها الكمال القلبيّ والشهود الكليّ، ويصفو لوح النفس بفضائل الصفات وتشرق فيه جميع التجليات، فتكتمل عندها أجزاء النفس الآدميّة؛ لامتزاجها بأنوار الحكمة الأسمائية.. وقد قال تعالى: (وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) أي أنه سبحانه استودع آدم عليه السلام أسرار أسمائه كلّها، فاجتمعت في آدم عليه السلام جميع أنوار أسمائه الفرقانية من حضرة الجمع القرآنية، لذا فقد ناسب ذلك نزول القرآن من حظيرة القدس إلى سماء آدم النفس..

    إنّ مقام سيدنا آدم هو مقام الالتجاء إليه جلّ في علاه، وهو مقام الانكسار والخوف من الذنب، وحاله حال القرب ودوام التوب، لذا فقد قابله ربّه بالتوبة والرحمة فقال سبحانه: (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، ومن هنا كانت لليلة القدر خاصيّة غفران الذنوب وستر العيوب، ومن هذا المقام قال عليه الصلاة وأزكى السلام: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفرَ له ما تقدّم من ذنبه)، وكذلك ما روته أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلتُ: يا رسول الله أرأيتَ إن علمتُ أيّ ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟، قال: (قولي: اللهم إنّك عفوٌ تحبّ العفو فاعفُ عنّي)..

    وقد استودع الحقّ كلامَه -لمّا كان في حضرة الإجمال- خيرَ ليلةٍ على الإطلاق فقال: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، فاستقبلتْ هذه الليلة العظيمة نور الحقّ الذاتيّ فخشعتْ له وانكسرتْ، وتأدّبتْ له واستكانتْ، فقد شهدتْ سرّاً سرمديّاً وغيباً أزليّاً وفيضاً ذاتيّاً فحصل لها شرف العبوديّة لأنها حملت ذلك النور، وحصل لها القدر من العظيم ذي الجلال الكبير المتعال؛ فقال جلّ في علاه: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)}، فرفعها ورفع قدرها، وتحدّث عنها وأشاد بها، وأخبر بها حبيبه وأعلى شأنها..

    ثمّ يقول الحقّ جلّ وعلا: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)}، وهنا يخبر الحقّ حبيبه عن فضل هذه الليلة الكريمة، وما دام المُخبر عنها هو الله جلّ وعلا، والذي بدأ خطابه في هذه السورة بقوله: (إنَّا) فكان وصفه لها باباً من أبواب عظمته؛ فرفعها بعدما تواضعت لجلاله، وابتدأ الآية بها بعدما أخّرها لابتدائه بنفسه عزّ قدسه، وأعطاها رتبة الخيرية لمّا رأى منها انكساراً لتجليات سبّوحيته، وبدلاً من أن يقارنها بمثلها فقد قارنها بالأشهر مع أنها مجرّد ليلة ولكن أيّ ليلة!، وهذه إشارة إلى أنّ من تواضع وانكسر للّه رفعه، ومن رفعه الله جلّ وعلا ازدان بخيريّة الحقّ وفاق أقرانه..

    وقوله سبحانه: (أَلْفِ شَهْرٍ) ليست للحصر بل للفضل الذي لا ينقطع، ففضلها لا ينحصر بالألف ولا بالآلاف؛ لأنه سبحانه إذا عظّم قدر شيءٍ فإنّه بذلك يضع فيه كمالاته التي لا تنتهي، فما يكون في ليالي العمر من فضل دون ليلة القدر فإنّ ليلة القدر تعدله وزيادة، وما استمدته هذه الليلة الكريمة من فضائل هو مِنْ كونها وعاء لكلام الله الذي أنزله فيها، ومِنْ ذِكْرٍ الحقّ لها ومباهاته بها، فمن كان قلبه وعاءً لكلام الحقّ جلّ في علاه باهى الحقّ به ملائكته ونال بذلك خيريته، فلا تكيده السموات والأرض إلاّ وكان له الحقّ ناصراً، ولا يمشي بين الخلق إلاّ ببركة الحق وفضله ونوره..

    إنّ الخيريّة لا تُنال إلاّ بالحرص على نفع الغير.. وذلك واردٌ في العديد من النصوص، ومنها قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، وقوله : (خير النّاس أنفعهم للنّاس)، وقوله كذلك عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله)، وقوله: (خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه) وغيرها.. ولمّا وصف الحقّ هذه الليلة المباركة بأنها خيرٌ من ألف شهر؛ فكان في ذلك دليلاً على أنّ فضلها ونفعها يصيب ما قبلها وما بعدها من الأزمان، فالمغفرة على ما مضى، والخير والبركة فيما أتى..

    ومن صَاحَبَ أهلَ الخير وجاورهم نال خيرهم.. وإنّ خير هذه الليلة واصلٌ لمن قامها إيماناً واحتساباً وأكثر من الرجوع إلى مولاه بالتضرّع والفاقة والعجز، فنال بذلك القدر والفخر، وعلا ذكره في الملأ الأعلى واشتهر، وشهرته هي بين أكرم الخلق وهم ملائكة الرحمن، وحظي بجميل القرب وسعة الغفران..

    يقول الحقّ سبحانه وتعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)}، وهنا يخبر الحقّ حبيبه عن خاصية أخرى من خواصّ هذه الليلة الفاضلة، ألا وهي تنزّل الملائكة الكرام، فهي ليلة التنزّلات العلوية بأنواعها، فتنزّل القرآن وتنزّل الملائكة الكرام.. وكلّ تنزّل لا بدّ له من تلقّي، ومن هنا كان قلب المؤمن كليلة القدر وعاءً لتلقّي الفيوضات الربانية والأنوار الملائكية..

    وهناك وجهان لتنزّل الملائكة في هذه الليلة، فالأوّل هو نزول الملائكة بعد أن سألوا الحقّ السماح لهم بالنزول، حيث أنه في هذه الآية الكريمة لم يقل سبحانه: (أنزلنا الملائكة) كما قال عن القرآن الكريم: (أَنْزَلْنَاهُ) بل قال عزّ وجل: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ)؛ وقدّم الفعل على الإذن، وفي ذلك إشارة إلى أنّ الملائكة هم من سأل الله النزول فأعطاهم الإذن بذلك؛ حيث أنهم رأوا الحفاوة والتكريم من ملك الملوك للمسلمين في الأرض فأحبّوا أن يشاركوهم هذا التكريم وهذه الحفاوة الربّانية، فقال سبحانه: (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ)؛ طلبوا فأعطاهم وسألوا فاستجاب لهم..

    وقد أخفى ذكر ليلة القدر في هذه الآية الشريفة وعبّر عنها بضمير الغائب وأظهر لفظ الملائكة الكرام مع أنه في أوّل آية في السورة أخفى ذكر القرآن وأظهر ذكر ليلة القدر؛ لأنّ الطالب ظاهرٌ والمطلوب خفيّ، فالقرآن صفته تعالى وهو سبحانه مطلوبٌ لليلة القدر لأنها مخلوق من مخلوقاته فظهرت به سبحانه، والملائكة طلبت ليلة القدر حفاوة بها فظهروا بها، وقد أخفاها الحقّ عن الخلق ليتحرّوها لأجله سبحانه عبوديّة وتعظيماً، فإنّ من طلب الحقّ سبحانه باجتهاد في ليالي رمضان وملأ قلبه بنور القرآن طلبتهُ هذه الليلة وظهرت له، وظهر له من خفاياها ما بطن واستتر، والله تعالى أعلم..

    والوجه الآخر أنّ الملائكة مأمورة بالنزول من الملك الجليل دون طلب منهم أو سؤال، فهم عليهم السلام يطيعون الله ما أمرهم والحقّ جلّ في علاه يأمرهم ولا ينهاهم لأنهم ليسوا أهل حساب، يقول تعالى: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)، وهنا يكون نزولهم زيادة في شرف هذه الليلة الكريمة وأنهم مكلّفون بتنفيذ الأوامر الإلهية..

    وتنزّل الملائكة يكون بالبشائر والرحمات، يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)، فليلة القدر هي ليلة البشائر، و(الرُّوحُ) في الآية هو المَلَك جبريل أو جبرائيل عليه السلام، وهو مَلَكٌ عظيم له هيبة في الملائكة وهو خازن سرّ الحقّ وأمين الوحي، له ستمائة جناح، له مقام ليس لغيره من الملائكة.. وذكره عليه السلام بعد ذكر الملائكة هو إشارة إلى الخصوصية ولأنه الموكّل عمّا سينزل من أمر الحق على الخلق؛ لذا فقد ذكره معهم وعيّنه، فينزل في هذه الليلة العظيمة بمواكب النور من الملائكة الكرام، فتُزيّن السموات وتبتهج الأرضين، ويمتلئ الكون بالأنوار، وتغنّي الحور في الجنان، ويتطاير البرّ في الأركان، فهنيئاً لمن استقبلهم من عباد الله! واستقبالهم يكون بنور القلب المعمور بذكر الله، وفي ذلك يقول رسول الله : (إذا كان ليلة القدر، نزل جبريل في كوكبة من الملائكة، يصلّون ويسلّمون على كلّ عبد قائم أو قاعد يذكر الله)..

    ونزول جبريل إشارة إلى تنزّل أنوار الرسالات والفيوضات الإلهامية على القلوب، وهذا الشرف يصيب المؤمنين الذين استعدّت قلوبهم لتلقّي واردات النور، يقول تعالى: (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (.) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ)، فإنّ للقرآن فيضاً في القلوب إذا تنزّل نورُه عليها، فامتلأت بالحكمة ونعمت بالرحمة وتزيّنت بالعلم، يقول تعالى: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)..

    وقوله تعالى: (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) أي بكلّ أمر.. وفي هذه الليلة تُفصلُ الأمور، وتبرَمُ الأحكام، وذلك قوله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (.) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا)، ففي هذه الليلة المباركة تكتب الأرزاق وترفع الأجور وتغفر الذنوب وتُستر العيوب وتُكتب السعادة وتعتق الرقاب وغير ذلك من الهبات الربانية والعطايا الرحمانية.. وليس في هذه الليلة شقاوة لأنها ليلة البشائر والهبات، ولكنّ الشقيّ فيها هو من لم يُدرك فضلها والمحروم هو من لم يحظى بكرم مولاه فيها..

    يقول مولانا الكريم بعد ذلك واصفاً هذه الليلة العظيمة: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}، ففي هذه الليلة الكريمة يتجلّى الحقّ باسمه (السّلام)؛ لذا فليس في هذه الليلة -كما أسلفنا- عذاب أو شقاوة، ولكنه الأمان والطمأنينة والهدوء والسكينة، وفيها يُلقي الملائكة السلام على المؤمنين، وهذه هي تجلّيات السلام؛ فإنّ الحقّ سبحانه يأذن في هذه الليلة أن لا غضب ولا عذاب على من عاد إليه وتاب، كيف لا وهي ليلة من ليالي شهر رمضان الذي تفتح فيه أبواب الجنان وتُغلق فيه أبواب النيران! فكم من العتقاء يكون في هذه الليلة! وكم من المرحومين يكون في هذه الليلة! وكم من الذين استحقّوا عفوه وغفرانه يكون في هذه الليلة..

    وقد وصف الحقّ سبحانه ليلة القدر بأنها سلام، وهذا من باب الكرم الإلهيّ، فإنّ ليلة القدر لمّا كانت مخلوقاً شريفاً من مخلوقات الله جلّ وعلا وكانت سبباً في حصول هذا الفضل للعباد نسب التجلّي لها فقال: (سَلَامٌ هِيَ)..

    وكرم الحقّ سبحانه ممتدّ حتى (مَطْلَعِ الْفَجْرِ).. وقد بدأت هذه السورة بنزول القرآن في ليلة القدر وانتهت السورة بطلوع نور الفجر صبيحة ليلة القدر، فبجمال الحقّ تشرق شمس القلوب.. وهناك علامات في صبيحة هذه الليلة تُعرَف بها؛ فقد أخبر رسول الله عنها بقوله: (صبيحة ليلة القدر تطلع الشمس لا شعاع لها كأنها طست حتى ترتفع) وقال كذلك عليه الصلاة والسلام: (ليلة القدر ليلة طلقة، لا حارة ولا باردة، تُصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة)، ففي صباح ليلة القدر ترتفع الشمس قرصاً أحمراً زهراويّاً ثم تصبح بيضاءَ ناصعةً بلا شعاع.. والله تعالى الهادي إلى الخير والصواب..

    هذا واللهَ سبحانه أسأل أن يبلّغنا وإياكم فضل هذه الليلة الكريمة المباركة، وأن يجعلها لنا مغفرة ذنوب وتكفير سيئات ودرجات وقربات وعتقاً من النيران ونعيماً في الجنّات ورضوان، ولا تنسونا من الدعاء الصالح، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..

    واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 11:19