إن الظاهرة الصوفية ظاهرة إنسانية وجودية على حد تعبير ابن عربي؛ على أساس أنّها تركز اهتمامها على الوجود الإنساني وتروم تحقيق كماله بواسطة تنمية الذات روحا، وترقيتها ، وذلك بتحويل صفاتها وتوجيه سلوكاتها، وتحقيق تلكم الشمولية الاستغراقية في مجالات إدراكاتها عن طريق فعل الحس والعقل إلى دوائر الذوق الصوفي والكشف الصوفي، وهي حقائق وجودية كونية تسير في الغالب مع خصوصية الإطار الروحي الملزم للعقل والفكر الفلسفي، مما يؤهل الذات المتصوفة أن تعيش في رحاب المجاهدة والطهارة الروحية للوصول إلى عالم الباطن عن طريق خصوصيات الرمز الذي يتجاوز حدود الظاهر إلى الباطن.(1).
ولعلنا لا نغالي في التقدير والحكم إذا قلنا بأن الخطاب الصوفي في لبه الوجودي الكوني هو خطاب رمزي يحدوه الاتجاه الفلسفي العقلي من كل مكان؛ ذلك «... أن أرباب التصوف الفلسفي يرومون تأسيس نظريات صوفية حول قضايا الوجود والإنسان والأخلاق، تقترب إلى حد كبير من إنشاءات الفلسفة، فبينما يأخذ الفيلسوف بأسباب التجربة العقلانية ومقوماتها، يراهن الفيلسوف الصوفي على معطيات التجربة الروحية وثمارها المرتبطة بآثار الذوق والكشف... إن المنظور الصوفي الفلسفي يعدُّ أشد الخطابات الإسلامية تأكيدا على مركزية الإنسان ومكانته الخاصة وقيمته المطلقة؛ ذلك أن أرباب الحقائق يعتبرونه المقصود من كل موجود».(2)
إن هذا التلازم بين الروح والعالم الفلسفي من منظور الخطاب الصوفي، جعل التصور الصوفي الذي يؤمن به المتصوف من أكمل الموجودات؛ والسبب في ذلك «لأنه يجمع الحقائق الظاهرة والباطنة؛ فيكون بمثابة روح العالم، حتى إن هذا العالم لا معنى له من دون هذا الإنسان، لأنه الخليفة والنائب فيه، فإذا زال الإنسان زال العالم، وهو أيضا مفتاح الوجود علوِّه وسفله، إذ ما من حقيقة أو صورة في العالم السفلي أو العلوي إلا ولها ما يقابلها جسديا وروحيا. هذه المعاني وغيرها تؤكد أن هذا المنظور الصوفي الفلسفي، وبخاصة مع ابن عربي، لا يكتفي بإعطاء قيمة ومكانة عليا لإننسان، بل سيعيد تأسيس معنى الوجود انطلاقا من حقيقة الإنسان الجامعة لكل صور الوجود الإلهية والكونية أو الحقيقة والخلقية».(3)
على هذا الاعتبار؛ فإن الوجود الإنساني من منظور التصور الصوفي على جهات «إما أن تتسع حقيقته فتكون عالمية، فتشمل كل مراتب الوجود وأسماها، وإما أن تضيق فتؤول إلى أدنى مراتب هذا الوجود وأخسها، ولهذا الاعتبار الوجودي الأخلاقي يقيم ابن عربي تمييزا أنثروبولوجيا ثلاثي الأبعاد بين: الحيوان، الإنسان الحيوان، الإنسان الكامل».(4)
يقول ابن عربي في شأن هذه الجهات الثلاث من منظور التصور الصوفي ما بيانه «...فلما أكمل النشأة الجسمية والنباتية والحيوانية، وظهر فيها جميع قوى الحيوان، أعطاه الفكر(...) فإن الحيوان جميع ما يعمله من الصنائع وما يعمله ليس عن تدبير ولا روية، بل هو مفطور على العلم بما يصدر عنه، ولا يعرف من أين يحصل له ذلك الإتقان والإحكام، كالعناكب والنحل والزنابير، بخلاف الإنسان إنه ما استنبط أمرًا من الأمور إلاَّه عن فكر، وروية، وتدبير، فيعرف من أين صدر هذا، وبهذا القدر سمي إنسانا لا غير، وهي حالة يشترك فيها جميع الناس، إلا الإنسان الكامل، فإنه زاد على الإنسان الحيواني في الهدنيا بتصريفه في الأسماء».(5)
هي المراتب الثلاث من منظور التصور الصوفي والتي تعكس في باطنها منزلة الرمز وفق بعده الفلسفي العقلي الذي يتماشى مع السياق المعرفي الصوفي الساري مع طبيعة الوجود الملزم لعالم الكون.
غير أنه من باب أولى أن نبين مقاما في شأن هذا التلازم القائم بين الرمز والتصور الصوفي الباطني، وهو أ هن المتصوفة عامة وابن عربي على وجه أخص، وهم يتعاملون مع هذه العلقة (الرمز/التصور الصوفي) فإنّم خلفوا لنا قضية مفاهيمية قل من تنبه إليها، وهي منزلة الفهم الواقع بين شرط الرمز وفق بعده الفلسفي والرمز بين سياقه الصوفي؛ الأمر الذي جعل غالبية المتصوفة يحددون مفهوم الفهم تحديدا خاصا استطاع أن يعطي الرمز بعده الصوفي من جهة، وبعده الوجودي الكوني المعرفي من جهة أخرى. ولكي نكون على بينة من أمرنا لا مانع من سرد بعض التحديدات في شأن مفهوم الفهم من لدن رجال كبار المتصوفة ثم بعدها نقيم في رحاب هذه التحديدات شيئا من لوازم التعالق التلازمي بين الفهم وواقع الرمز.
الهوامش
1 - ينظر ابن عربي: الفتوحات المكية، تح: عثمان يحيى، دط، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب:1996م. ج .661 /1
2 - - منير عشقي: النزعة الإنسانية بي خطاب الفلسفة وخطاب التصوف. المرجع السابق. الموقع نفسه.
3 - - المرجع السابق، الموضع نفسه.
4 - - المرجع السابق، الموضع نفسه.
5 - - ابن عربي: الفتوحات المكية ، مرجع سابق، ج ،2ص:.9-6
ولعلنا لا نغالي في التقدير والحكم إذا قلنا بأن الخطاب الصوفي في لبه الوجودي الكوني هو خطاب رمزي يحدوه الاتجاه الفلسفي العقلي من كل مكان؛ ذلك «... أن أرباب التصوف الفلسفي يرومون تأسيس نظريات صوفية حول قضايا الوجود والإنسان والأخلاق، تقترب إلى حد كبير من إنشاءات الفلسفة، فبينما يأخذ الفيلسوف بأسباب التجربة العقلانية ومقوماتها، يراهن الفيلسوف الصوفي على معطيات التجربة الروحية وثمارها المرتبطة بآثار الذوق والكشف... إن المنظور الصوفي الفلسفي يعدُّ أشد الخطابات الإسلامية تأكيدا على مركزية الإنسان ومكانته الخاصة وقيمته المطلقة؛ ذلك أن أرباب الحقائق يعتبرونه المقصود من كل موجود».(2)
إن هذا التلازم بين الروح والعالم الفلسفي من منظور الخطاب الصوفي، جعل التصور الصوفي الذي يؤمن به المتصوف من أكمل الموجودات؛ والسبب في ذلك «لأنه يجمع الحقائق الظاهرة والباطنة؛ فيكون بمثابة روح العالم، حتى إن هذا العالم لا معنى له من دون هذا الإنسان، لأنه الخليفة والنائب فيه، فإذا زال الإنسان زال العالم، وهو أيضا مفتاح الوجود علوِّه وسفله، إذ ما من حقيقة أو صورة في العالم السفلي أو العلوي إلا ولها ما يقابلها جسديا وروحيا. هذه المعاني وغيرها تؤكد أن هذا المنظور الصوفي الفلسفي، وبخاصة مع ابن عربي، لا يكتفي بإعطاء قيمة ومكانة عليا لإننسان، بل سيعيد تأسيس معنى الوجود انطلاقا من حقيقة الإنسان الجامعة لكل صور الوجود الإلهية والكونية أو الحقيقة والخلقية».(3)
على هذا الاعتبار؛ فإن الوجود الإنساني من منظور التصور الصوفي على جهات «إما أن تتسع حقيقته فتكون عالمية، فتشمل كل مراتب الوجود وأسماها، وإما أن تضيق فتؤول إلى أدنى مراتب هذا الوجود وأخسها، ولهذا الاعتبار الوجودي الأخلاقي يقيم ابن عربي تمييزا أنثروبولوجيا ثلاثي الأبعاد بين: الحيوان، الإنسان الحيوان، الإنسان الكامل».(4)
يقول ابن عربي في شأن هذه الجهات الثلاث من منظور التصور الصوفي ما بيانه «...فلما أكمل النشأة الجسمية والنباتية والحيوانية، وظهر فيها جميع قوى الحيوان، أعطاه الفكر(...) فإن الحيوان جميع ما يعمله من الصنائع وما يعمله ليس عن تدبير ولا روية، بل هو مفطور على العلم بما يصدر عنه، ولا يعرف من أين يحصل له ذلك الإتقان والإحكام، كالعناكب والنحل والزنابير، بخلاف الإنسان إنه ما استنبط أمرًا من الأمور إلاَّه عن فكر، وروية، وتدبير، فيعرف من أين صدر هذا، وبهذا القدر سمي إنسانا لا غير، وهي حالة يشترك فيها جميع الناس، إلا الإنسان الكامل، فإنه زاد على الإنسان الحيواني في الهدنيا بتصريفه في الأسماء».(5)
هي المراتب الثلاث من منظور التصور الصوفي والتي تعكس في باطنها منزلة الرمز وفق بعده الفلسفي العقلي الذي يتماشى مع السياق المعرفي الصوفي الساري مع طبيعة الوجود الملزم لعالم الكون.
غير أنه من باب أولى أن نبين مقاما في شأن هذا التلازم القائم بين الرمز والتصور الصوفي الباطني، وهو أ هن المتصوفة عامة وابن عربي على وجه أخص، وهم يتعاملون مع هذه العلقة (الرمز/التصور الصوفي) فإنّم خلفوا لنا قضية مفاهيمية قل من تنبه إليها، وهي منزلة الفهم الواقع بين شرط الرمز وفق بعده الفلسفي والرمز بين سياقه الصوفي؛ الأمر الذي جعل غالبية المتصوفة يحددون مفهوم الفهم تحديدا خاصا استطاع أن يعطي الرمز بعده الصوفي من جهة، وبعده الوجودي الكوني المعرفي من جهة أخرى. ولكي نكون على بينة من أمرنا لا مانع من سرد بعض التحديدات في شأن مفهوم الفهم من لدن رجال كبار المتصوفة ثم بعدها نقيم في رحاب هذه التحديدات شيئا من لوازم التعالق التلازمي بين الفهم وواقع الرمز.
الهوامش
1 - ينظر ابن عربي: الفتوحات المكية، تح: عثمان يحيى، دط، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب:1996م. ج .661 /1
2 - - منير عشقي: النزعة الإنسانية بي خطاب الفلسفة وخطاب التصوف. المرجع السابق. الموقع نفسه.
3 - - المرجع السابق، الموضع نفسه.
4 - - المرجع السابق، الموضع نفسه.
5 - - ابن عربي: الفتوحات المكية ، مرجع سابق، ج ،2ص:.9-6
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin