الرسول في السماء الثانية
أ.د. راغب السرجاني
ملخص المقال
تجاوز الرسول السماء الدنيا في رحلة المعراج، ليصل إلى السماء الثانية ويدخلها، فماذا رأى فيها؟ وماذا حدث؟الرسول في السماء الثانية
انتهت أحداث السماء الدنيا، وعُرِج بعدها برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثانية، وهناك -على بابها- حدث ما قد لا يتوقَّعه أحدنا!
رسول الله في السماء الثانية
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ..".
أما الذي كنا نتوقَّعه فهو أن الطريق صار مفتوحًا إلى السموات العلا، وأنه لن يُسأل جبريل ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء بعد الوصول إلى هذه النقطة؛ لأنه ببساطة لن يصل إلى هنا إلا من اخترق السماء الدنيا، واختراق السماء الدنيا مرهون بموافقة حراسها، وهم لا يسمحون بالدخول إلا لمن أذن له الله تعالى، هذا ما كنا نتوقَّعه؛ لكن من الواضح أن الأمر على خلاف ذلك!
فكل سماء منفصلة عن السماء الأخرى، وكل سماء لها أبوابها وحراسها الخاصون بها، ولها كذلك أهلها وحياتها، ولعلَّ هذا يُفْهَم من قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت: 12]، فكل سماء لها أمرها الخاص بها، وهذا دليل الإحكام والسيطرة، وكأنها إجراءات أمن لا يعهدها البشر ولا يستوعبونها.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جبريل إلى السماء الثانية!
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالاَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ".
وهذه هي السماء الوحيدة التي رأى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنين من الأنبياء دفعة واحدة، وأشعر أن وجود يحيى صلى الله عليه وسلم هنا كان نوعًا من التكريم لعيسى عليه السلام؛ حيث أكرمه الله بصحبة نبي كريم، قريب إلى قلبه، ومألوف لديه ومحبوب، وعاش معه على الأرض فترة من الزمان، وهو ابن خالته يحيى عليه السلام.
ولكن كان من الواضح أن المعنيَّ من اللقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عيسى عليه السلام بوجه أخصَّ، وقد جاء في رواية أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن عيسى تحديدًا؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم -كما جاء في رواية أبي ذرٍّ-:"ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى""[1].
وصف نبي الله عيسى عليه السلام
وقد اهتمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصف شكل عيسى عليه السلام في أكثر من رواية؛ بل في أكثر من موقف من مواقف الإسراء والمعراج، فضلاً عن اهتمامه صلى الله عليه وسلم بوصفه في أحاديث أخرى غير أحاديث الإسراء والمعراج.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما روى أبو هريرة رضي الله عنه-: "وَلَقِيتُ عِيسَى". فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ" [2]. يَعْنِي الحَمَّامَ. والرَّبْعة هو المعتدل لا بالقصير ولا بالطويل، أما سبب قوله صلى الله عليه وسلم: "كأنما خرج من ديماس" أو حمَّام، هو أن رأس عيسى عليه السلام تنحدر منها قطرات ماء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر واصفًا عيسى عليه السلام: "إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ" [3].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -أيضًا- في أحداث المعراج: "وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلاً مَرْبُوعًا، مَرْبُوعَ الخَلْقِ إِلَى الحُمْرَةِ وَالبَيَاضِ، سَبِطَ الرَّأْسِ" [4]. وسبط الرأس أي مسترسل الشعر.
وقال وهو يصف صلاة عيسى عليه السلام في المسجد الأقصى: "وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ" [5].
وستأتي مواقف أخرى لرسولنا صلى الله عليه وسلم مع عيسى عليه السلام في الرحلة سنأتي إليها في موضعها بإذن الله.
______________
[1] البخاري: كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء، (342)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات، (163).
[2] البخاري: كتاب الأنبياء، باب {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [مريم: 16]، (3254)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات، (168).
[3] مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه، (2937)، والترمذي (2240)، وابن ماجه (4075).
[4] البخاري: كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم: آمين. والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى، (3067).
[5] مسلم: كتاب الإيمان، باب ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال، (172).
أ.د. راغب السرجاني
ملخص المقال
تجاوز الرسول السماء الدنيا في رحلة المعراج، ليصل إلى السماء الثانية ويدخلها، فماذا رأى فيها؟ وماذا حدث؟الرسول في السماء الثانية
انتهت أحداث السماء الدنيا، وعُرِج بعدها برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثانية، وهناك -على بابها- حدث ما قد لا يتوقَّعه أحدنا!
رسول الله في السماء الثانية
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ فَفَتَحَ..".
أما الذي كنا نتوقَّعه فهو أن الطريق صار مفتوحًا إلى السموات العلا، وأنه لن يُسأل جبريل ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء بعد الوصول إلى هذه النقطة؛ لأنه ببساطة لن يصل إلى هنا إلا من اخترق السماء الدنيا، واختراق السماء الدنيا مرهون بموافقة حراسها، وهم لا يسمحون بالدخول إلا لمن أذن له الله تعالى، هذا ما كنا نتوقَّعه؛ لكن من الواضح أن الأمر على خلاف ذلك!
فكل سماء منفصلة عن السماء الأخرى، وكل سماء لها أبوابها وحراسها الخاصون بها، ولها كذلك أهلها وحياتها، ولعلَّ هذا يُفْهَم من قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت: 12]، فكل سماء لها أمرها الخاص بها، وهذا دليل الإحكام والسيطرة، وكأنها إجراءات أمن لا يعهدها البشر ولا يستوعبونها.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جبريل إلى السماء الثانية!
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الخَالَةِ، قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ فَرَدَّا، ثُمَّ قَالاَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ، وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ".
وهذه هي السماء الوحيدة التي رأى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنين من الأنبياء دفعة واحدة، وأشعر أن وجود يحيى صلى الله عليه وسلم هنا كان نوعًا من التكريم لعيسى عليه السلام؛ حيث أكرمه الله بصحبة نبي كريم، قريب إلى قلبه، ومألوف لديه ومحبوب، وعاش معه على الأرض فترة من الزمان، وهو ابن خالته يحيى عليه السلام.
ولكن كان من الواضح أن المعنيَّ من اللقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عيسى عليه السلام بوجه أخصَّ، وقد جاء في رواية أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن عيسى تحديدًا؛ فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم -كما جاء في رواية أبي ذرٍّ-:"ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى""[1].
وصف نبي الله عيسى عليه السلام
وقد اهتمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بوصف شكل عيسى عليه السلام في أكثر من رواية؛ بل في أكثر من موقف من مواقف الإسراء والمعراج، فضلاً عن اهتمامه صلى الله عليه وسلم بوصفه في أحاديث أخرى غير أحاديث الإسراء والمعراج.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما روى أبو هريرة رضي الله عنه-: "وَلَقِيتُ عِيسَى". فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ" [2]. يَعْنِي الحَمَّامَ. والرَّبْعة هو المعتدل لا بالقصير ولا بالطويل، أما سبب قوله صلى الله عليه وسلم: "كأنما خرج من ديماس" أو حمَّام، هو أن رأس عيسى عليه السلام تنحدر منها قطرات ماء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر واصفًا عيسى عليه السلام: "إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ" [3].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -أيضًا- في أحداث المعراج: "وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلاً مَرْبُوعًا، مَرْبُوعَ الخَلْقِ إِلَى الحُمْرَةِ وَالبَيَاضِ، سَبِطَ الرَّأْسِ" [4]. وسبط الرأس أي مسترسل الشعر.
وقال وهو يصف صلاة عيسى عليه السلام في المسجد الأقصى: "وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ" [5].
وستأتي مواقف أخرى لرسولنا صلى الله عليه وسلم مع عيسى عليه السلام في الرحلة سنأتي إليها في موضعها بإذن الله.
______________
[1] البخاري: كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء، (342)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات، (163).
[2] البخاري: كتاب الأنبياء، باب {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [مريم: 16]، (3254)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات، (168).
[3] مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه، (2937)، والترمذي (2240)، وابن ماجه (4075).
[4] البخاري: كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم: آمين. والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى، (3067).
[5] مسلم: كتاب الإيمان، باب ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال، (172).
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin