مقال: نفحات من فكر الشيخ ماءالعينين في دراسة قدمها الشيخ محمد الامام عن والده الشيخ ماءالعينين

نفحات من فكر الشيخ ماءالعينين

في دراسة قدمها الشيخ محمد الامام عن والده الشيخ ماءالعينين حول طباعه. يصفه بأنه ” لايحب الفرقة والتعصب للمذاهب. وكان لا يحجر بالذكر على كيفية معلومة“(1)، يقصد صاحب كتاب الجأش الربيط في نظري، أن الشيخ ماءالعينين أسس لنوع من التوجه الأخلاقي المدني الذي يقرب، وگأن لسان حاله يردد ” لا للتفرقة لأنها أساس البلاء”.

أخلاق الشيخ ماءالعينين أخلاق العارف وأخلاق العارفين مستمدة من أخلاق النبوة. أو ليست أخلاق النبوة تنبع من الأساس القرآني كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنه ” كان خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم القران ” (2).

واجه الشيخ ماءالعينين التعصب المذهبي وعبر عن استنكاره لتطرف المشيخات وعدم تساهلهم. وموقف الشيخ لم يتردد فقط في توجيهاته السلوكية بل نجد في فقه الشيخ ما يفيد تقيده بأهمية الاجتهاد القائم على الاعتدال والوسطية. فقد راعى مصالح الناس بحسب الظروف المعيشية والسياسية والاجتماعية. انقل عن الشيخ محمد الامام قوله عن شيخنا ” وكان لا يحجر على أحد في أمر يجد فيه وجها شرعيا للجواز، بل يحمل كل ما يصدر من المسلمين على أحسن مجامله ،إلا إذا دعاه سد الذريعة لبعض الأمور “. (3)

الشيخ المربي يختلف تماما عن الزعيم القبلي أو السياسي ويختلف عن كل قادة الدنيا. فأخلاقه وعمله يجعلانه محط أنظار كل باحث شغوف للقرب من الله تعالى. فالمدرسة السلوكية تقطع مع كل التجارب الدنيوية التي لا تقيم وزنا للقيم والأخلاق. ولذلك فإن التصوف بمقاماته السامية، يركز على الشيخ المربي الذي جمع شرائط الاجتهاد. قال إمام المصطلح القاشاني عن معنى الشيخ : ” الشيخ هو الانسان الكامل في علوم الشريعة والطريقة والحقيقة البالغ إلى حد التكميل “(4)

يوجهنا الشيخ ماءالعينين إلى جانب من جوانب القيادة والربانية التي يملكها أو يفترض أن يتملكها الشيخ الصوفي، المربي فهو القائد الكارزمي، إذ زعامته الدينية ترتقي إلى زعامة المؤسس أو رجل التغيير المهاب الجانب أو القائد المشرع .

كان الشيخ ماءالعينين يحمل كل هذه الصفات، وأقواها صفة الأستاذية ولذلك خص بهذه الصفة مجموعة قليلة من أرباب التصوف “الأستاذ أكمل من الشيخ في الأحوال وأعلى منه بالمعارف والأقوال، والأستاذ من جمع دين الانبياء ” (5)

وضع الشيخ قواعد صوفية، لكنها قواعد لم تقف فقط في حدود المشرب الصوفي، بل كان الجمع واضحا ومن كل المنابع الفكرية والأصولية و الفقهية. فقد نجح بالرقي بتلامذته ومريديه ليتمكنوا بما يملكون من عتاد فكري متنوع من مواجهة الأخطار وبناء الأوطان. ولاشك أن هذه المدرسة قدمت للتاريخ المغاربي ما يجعلها مدرسة محترمة.

فقد ربى الشيخ ماءالعينين شيوخ مدرسته على التسامح والانفتاح وقبول المخالف. إذ كان الشيخ ماءالعينين في حياته حاملا للتصوف العالي المتعالي عن الاختلافات المذهبية فقهيا. والتخليق والدعوة لاحترام الآخر تربويا وسياسيا. يقول في هذا الصدد وهو ينبه إلى خطورة الاختلاف الذي يقود للخلاف: “عداوة الأديان أشد من عداوة الأبدان “(6). و يحذر من مواجهات تسببها اجتهادات بشرية وآراء لا تمس للشرع ولا للتصوف بصلة .

حرص الشيخ ماءالعينين على بناء خطاب صوفي يجمع بين ما هو سياسي واجتماعي وفكري .

سياسيا فتأسيس الجماعة الصوفية لم يكن بهدف الدخول في المعترك السياسي وإنما كان هدف التنظير الصوفي الدفاع عن كل سياسة تهدف لبناء الوطن والمساهمة في رقيه وازدهاره وكما كانوا في السابق، أول من حملوا راية الكفاح ضد المحتل الفرنسي والاسباني. فان صوفية ما بعد الاستعمار تخلوا عن الخنوع والتكايا وخرجوا لنشر قيم الدين السمحة. فالجماعة الصوفية بحسب رؤية ومنظور الشيخ ماءالعينين تختلف تماما عن الجماعة المسيسة أو الحزب أو الحركة. و هذا لا يعني ألا يمارس الشيوخ السياسة وإنما مأمورين بممارستها من باب شرعي.

أما اجتماعيا فإن الشيخ ماءالعينين ومن خلال يومياته كرس معاني الاندماج الاجتماعي، اندماج المربي/ الشيخ. ففي فكره نلمس حقيقة المشاركة، فالتصوف علم وعمل. مجاهدة ومكاشفة وتفعيل. وليس التصوف انعزالا أو كلاما محيرا.ومن الأدلة الثابتة عن اجتماعية الصوفية ما عرف عن مدينة السمارة واجتماع الناس فيها. بل اعتبرت من طرف الباحثين عاصمة انطلقت منها كل التوصيات والخطط العسكرية والسياسية وكذلك الأخلاقية. ونلمس ذلك من خلال الحركة التي انطلقت من السمارة متجهة نحو عالم فسيح تنشر فيه دعوة جديدة لها استراتيجية ولها منطقها الخاص .منطق أسسه الشيخ ماءالعينين.

لم تكن مدرسة السمارة خونقا ولا زاوية منكمشة على محيطها، فارغة من الاجتهاد وتجلياته. بل كانت مدرسة أرخت لمرحلة رجل عابد استقر به المقام هناك ، لينطلق نحو أفق جديد مبني على كسر العوائد.

بقلم: ذ. محمد الأغظف بوية شبيهنا

الهوامش :

1- كتاب الجأش الربيط الشيخ مجمد الإمام، تقديم ماءالعينين ماءالعينين طبعة الأولى ،2013 صفحة 130.

2 -الحديث رواه مسلم في جملة حديث طويل .

3 -كتاب الجأش الربيط الشيح مجمد الامام، طبعة الاولى 2013، صفحة 130.

4 -كمال الدين عبد الرزاق القاشاني ” اصطلاحات الصوفية “تحقيق و نعليق كمال ابراهيم صفحة 54

5-كتاب نعت البدايات وتوصيف النهايات الشيخ ماءالعينين .

6 -التربية الصوفية عند الشيخ مالعينين، محمد الاغظف بوية صفحة 34.

7 -التربية الصوفية عند الشيخ مالعينين، محمد الاغظف بوية صفحة 35.