مدرسة الشيخ ماء العينين الصوفية خصائصها ومميزاتها/ الدكتور النعمة ماءالعينين علي
يعتبر الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن مامين صاحب مدرسة صوفية متميزة كان لها أكبر الأثر في توحيد القبائل الصحراوية ومحاربة المستعمر الأجنبي وتجديد الفكر الديني بالصحراء المغربية، كما يعتبر مؤسسها “من شيوخ الصوفية الذين لهم يد عليا في ذلك الفن علما وعملا ولا أدل على ذلك من ذلك الجم الغفير الذين تتلمذوا له من فطاحل الصوفية والعلماء من كبار الصحراويين” (1) وغير الصحراويين من مختلف مناطق المغرب. ولم تكن هذه المدرسة مجرد “إفراز آلي للمناخ العام الذي كانت تعيشه المنطقة الخلفية في الجنوب المغربي أو انعكاسا عفويا لما كان يمزقها من أحداث، ولكنها كانت حركة منظمة تستمد عناصر وجودها من ذاتها وتستند في ظهورها إلى ما تنبني عليه من أسس متينة وما تتميز به شخصية مؤسسها من مميزات بارزة” (2). فقد كانت “مؤسسة متكاملة الجوانب متعددة الاهتمامات مختلفة الوظائف يجد اليتامى والجائعون والمشردون فيها ضالتهم ويدفن المتناحرون والمتنازعون في مجالسها حزازاتهم ويروي الجاهلون في حياض معارفها عطشهم ويرى أعداء الإسلام والوطن في أبراجها مخفر الشرطة الذي يقلقهم ويزعج راحتهم كما جمعت شخصية شيخها كل مقومات الزعامة وشروط القيادة التي افتقدها غيره من شيوخ الزوايا ورؤساء القبائل، وذلك لما أوتي من تربية دينية وعلمية واسعة وما اكتسبه من تجارب عميقة خلال رحلاته الطويلة بين مدن المغرب وبلدان المشرق” (3). جعلته يعي كل ما يجري حوله من أحداث لا في الوطن المغربي وحده بل وفي مجموع العالم العربي والإسلامي “فمنذ أن استكمل دراسته على والده وهو يضرب في الآفاق وينتقل بين ولاتة وشنقيط وتندوف ومراكش وفاس والحجاز ومصر وغيرها من مراكز الثقافة الإسلامية إلى أن استقر بالساقية الحمراء فلمس خلال هذه المدة الطويلة من التنقل الدائم بين المشرق والمغرب ما يواجهه العالم الإسلامي من أخطار الاستعمار وما تعيشه الأمة المغربية من هموم ومشاكل، فحاول بعلمه وعمله وشرف نسبه كسب ثقة الجميع فحصل على ثقة الملوك العلويين ابتداء من المولى عبدالرحمان وكسب ثقة أغلب القبائل الصحراوية التي اجتمعت عليه في وحدة متجانسة كانت مدينة السمارة من أبرز مظاهرها” (4). ولم ينحصر إشعاع مدرسته داخل الصحراء المغربية وحدها بل امتد إلى كثير من المناطق المغربية “فبعد أن انتقل من السمارة إلى تيزنيت لأسباب استراتيجية استقطبت حركته سائر القبائل السوسية والحوزية وغيرها فتوافدت عليه من كل ناحية ووضعت نفسها رهن إشارته وتناست خلافاتها وتناقضاتها الطرقية فأعطت لحركته قوة جديدة أرهبت القوات الاستعمارية التي كانت تتربص بالمغرب وتعد العدة للانقضاض عليه” (5) . مما يؤكد أصالة حركته ووحدوية مشروعه ونبل رسالته الاجتماعية والعلمية والدينية والسياسية.
وترتكز طريقة الشيخ ماء العينين الصوفية على أسس متينة “تستمد ملامحها الأساسية من طبيعة البيئة التي نشأت فيها ومن خصوصيات المرحلة التاريخية التي ظهرت فيها فهي لا تعتمد على طريقة صوفية محددة (…) كما أنها لا تخرج عن المنظومة الفقهية المالكية والعقيدة الأشعرية التي تحدد الاعتقادات والعبادات والمعاملات في مجموع الأقاليم المغربية ولكنها تستمد مقوماتها من أسسها ومبادئها الثابتة” (6). فهي ليست طريقة باطنية تأملية انعزالية مثالية يكتفي فيها المريد “بالأخبار أو يستعين فيها بالعلم عن حصول الأنوار” (7) ، ولكنها طريقة “علم وعمل عادة وعبادة سلوك اجتماعي وتربية أخلاقية وهي لا تسعى إلى عزل الإنسان عن الدنيا وإبعاده عن شؤونها ومشاغلها كما يفهم من التصوف بصفة عامة ولكنها تهدف إلى السمو به عن قشور الحياة ( …) كما أنها لا تقوم في أصل نشأتها على الخنوع والاستسلام والتواصل والمصالحة مع الواقع، ولكنها تنبني على مواجهة كل ما يفسد سعادة الإنسان” (8).
يقول الشيخ ماء العينين “إن كمال السعادة لا يحصل إلا بترك ما لا ينبغي وفعل ما ينبغي”(9). ولعل خير ما يؤكد هذا القول هو ما بذله هذا الشيخ “ومريدوه من جهود جبارة في إصلاح ذات البين بين القبائل الصحراوية وتهييئها لمقاومة الاستعمار الفرنسي والإسباني منذ نهاية القرن التاسع عشر”(10).
وقد تميزت هذه الطريقة ببعض الخصائص والمميزات والتجديدات المهمة، نذكر منها:
أولا-مؤاخاة الطرق: فقد آخى الشيخ ماء العينين بين جميع الطرق الصوفية ولم يفرق بينها لأنها آخذة لطريق الرسول “ص” “وهي طريقة واحدة كما يعلمه أغبى الأغبياء وأحرى أعلم العلماء” (11)، وحتى “إن تعددت واختلفت فمرجعها كلها لأمر واحد وهو الفناء في مشاهدة الله والنظر إليه عن كل ما سواه” (12) . لا سيما أن الظروف التي تعيشها الجماعة الإسلامية في هذه الفترة(13) تقتضي الوحدة والاتحاد واليقظة والتمسك بالجماعة وتجنب كل ما يؤدي إلى الضعف والاستكانة، وقد أكد أن والده وشيخه الشيخ محمد فاضل بن مامين الذي أعطاه جميع الأوراد المروية عن خير الأنبياء وأعطاه الإذن في إعطائها لمن شاءها من أوليائها لم يذكر له تفرقة بين هذه الأوراد ولا بين الطرق الصوفية عامة “بل قصارى خبره في ذلك أن يقول هذا الورد من الأوراد التي كان فلان ملازما لها من غير أن يقول لي لا ورد غيره أو لم يعط غيره أو من أخذه لا يأخذ غيره فيصير عندي ذلك كأنه مدح لذلك الورد أو لذلك الولي لا غير حتى خرجت من عنده(14) ، وأتيت البلاد غير بلده إذا بالناس كأنها –أعوذ بالله-أهل ملل متفرقة وأهل طرق مختلفة، فتعجبت مما فيه الناس وقلت للمريد أن لا اختلاف بين هذه الأجناس لأن الطريقة طريقة واحدة لأشرف ذوي الأنفاس لثبوت أخوة أهلها بالكتاب الذي لا بغيره يقاس” (15). وقد بين ذلك وشرحه في منظومته الشهيرة “إني مخاوي” التي يقول فيها:
إنـي مخــاو لجميــع الطرق *** أخــوة الإيمــان عند المتقي
ولا أفــــرق للأوليــــــــــاء *** كمــن يفـــرق للأنبيـــــــاء
قــال تعــالى المؤمنون إخوة *** وعــدم التفـــريق فيه أسوة
وانظر لمبـدأ طــرق والمنتهى *** تعلــم لما قلت بمـا قد يشتهى
وذاك كلهـــم لــك يقـــــــــول *** عليــك باتباع فعل ذا الرسول
عليــه أفضـل الصلاة والسلام *** وهكــذا تتبـــع منه للكلام
ومستحيـــل أن يقــول اتبعا *** منــه لــذا وذا لـه لا تتبعا
لـــذا تحققــن أن الطـــــرقا *** طــريقــة النبي وحـده ثقا
وغيــرها ليســت طريــــقا *** وثق إنـي مخـاو لجميع الطرق (16)
وهو “ينطلق في هذا الاتجاه الوحدوي من روح الإسلام الوحدوية التي تستهدف توحيد الجماعة الإسلامية ومن الواقع الاجتماعي والديني والسياسي للمغرب في نهاية القرن التاسع عشر ولا ينطلق من نزعة إقليمية أو سياسية ضيقة لأنه يهدف إلى الرفع من مكانة الأمة الإسلامية ويسعى إلى إنقاذها مما يهددها من أخطار استعمارية” (17). ولأن توحيد الطرق الصوفية “بوابة ينفذ منها الشيخ إلى توحيد قبائل المغرب ومدنه تحت راية الوطن المغربي المسلم وهذا هو هدفه الأسمى” (18).
ثانيا –الجهاد،وينقسم إلى قسمين:
أ-جهاد النفس: ويرتبط بمحاربة الترف الروحي وصور التأمل وربط “المجاهدة النفسية بالجهاد الاجتماعي والسياسي الذي يجند كل الطاقات الروحية والاجتماعية لمواجهة المستعمر” (19).
ب-جهاد المستعمر: حيث ترأس الشيخ ماء العينين عدة مؤتمرات وتجمعات داخل الصحراء وخارجها (السمارة، فاس، مراكش، تيزنيت) كان الهدف منها هو دراسة الطرق الكفيلة بمواجهة العدو الاستعماري الفرنسي والإسباني ووقف زحفه في الجنوب المغربي، كما قام بتنظيم المقاومة ضد هذا العدو دفاعا عن وحدة المغرب الترابية، وقاد معارك حربية متعددة منها معركة الداخلة وشنقيط وآدرار وتكانت والمينان وأبوضرس وتجكجة ودامان التي أنهكت القوات الاستعمارية وأجهزتها وأثبتت قدرته وكفاءته الحربية مما يعبر عن وطنيته ووحدويته.
ثالثا-الجهر بالذكر:فأفضل الدعوة لدى الشيخ ماء العينين ما كان جهرا(20) وللمدرسة في ذلك غاية تقصر بعض الطرق عن استيعابها “فالمدرسة المعينية ترى أن مريدوها في أغلبهم لا قبل لهم بما درج عليه أهل الحضر من رقة في تقبل الإيقاع الهامس وتأثير دبيبه الشفيف في النفوس المرهفة ومن جهة ثانية أن الصحراء شاسعة ومسالكها مخيفة ومهولة، ولا بد من تعميرها بالذكر لإيناس عابرها وإيقاظ ساكنها به حتى إذا ألفه ووجد في نفسه ميلا إليه أقبل على الزاوية راضيا مرضيا وانخرط في المنظومة الصوفية الجديدة”(21). لذلك كان أتباع هذه الزاوية يجهرون بأورادهم وأذكارهم ويرددون الهيللة بصوت مرتفع وتتعالى آهاتهم وصيحاتهم عند ذكر اسم الجلالة وتصدر عنهم تضرعات وابتهالات ودعوات.
رابعا-الخدمة الاجتماعية: تمكن الشيخ ماء العينين بفضل مؤهلاته الفكرية والعلمية والدينية والاجتماعية من توحيد جميع القبائل الصحراوية في منظومة وطنية واحدة وإطفاء نار الفتن التي كانت مشتعلة بينها فأصبح مرشدها الأساسي ورائدها المثالي ومعلمها الأول يوجهها ويقودها ويقدم لها النصيحة والوعظ والإرشاد. وكانت هذه القبائل تعود إليه في كل ما يهمها من مشاكل وأزمات. كما عمل على الإهتمام بكل من يؤم زاويته “وقضاء كل مآربه مهما كانت شاقة لأن البنية التحتية هي أساس ثبات البنية الفوقية وسلامة الأولى في جذورها النفسية يؤدي حتما إلى سلامة الثانية من الشرخ الوقتي أو التصدع المحتمل في المستقبل. وبهذا الوعي الشمولي الواضح كـان مؤسس المدرسة يرى أن رسالة المدرسة لا تنحصر في تعليم المريد الكتاب والسنة والصوفية المعينية والفاضلية والقادرية والشاذلية وتهييئه للجهاد وإنما تتعداها إلى رأب الصدع في البنية الاجتماعية بإغاثة الملهوف وإطعام الجائع وإيواء اليتيم والأرملة وقضاء حاجة المحتاج” (22).
وهذا ما يؤكده أحد معاصريه محمد الأمين الشنقيطي بقوله:”وكان هذا الشيخ –ماء العينين- فاضلا كريما لا يوجد أحسن منه أخلاقا وقد اجتمعت به فرأيت منه ما حيرني لأني قدرت من معه في وادي السمارة بالساقية الحمراء بعشرة آلاف شخص ما بين أرملة ومزمن وصحيح البنية وكل هؤلاء في أرغد عيشة يزوج الشخص ويدفع المهر ويجهز المرأة من عنده مع حسن معاشرته لهم ولا يمضي عليه يوم إلا وقد بعث قافلة تأتيه بالميرة وقدمت عليه أخرى تحملها” (23). وهكذا استطاع إيجاد نموذج “للتكافل الاجتماعي في أجل صوره وأبهاها إذ يقضي بها دين المدين ويكسى العاري ويتزوج فيها من لم يقدر على الزواج لكون الزاوية تدفع المهر وتتحمل التجهيز. وهكذا كان الآلاف من أبناء الوطن الذين يفدون على السمارة يجدون فيها الملاذ الروحي والإشباع الثقافي والأمن الاجتماعي والاستقرار النفسي لما توفره لهم ماديا ومعنويا” (24).
خامسا-الخدمة العلمية:أولى الشيخ ماء العينين اهتماما كبيرا للعلم لما يلعبه من دور في تكوين نهضة الشعوب وصنع رقيها وتقدمها “فبنى زاويته على التربية والتهذيب وأقامها على صقل النفوس وشحذ العقول فتمكن عن طريق ما وفره لها من أساتذة وعلماء وأقامه لها من مدارس وخزانات من خلق نهضة ثقافية كبرى شمال الصحراء وإحياء ما عرفته في سالف عهودها من نشاط علمي وأدبي فاستقطبت العلماء والأدباء من سائر الأقاليم المغربية وقصدها الطلبة والمريدون من مختلف الآفاق فصارت مركزا بارزا من مراكز الثقافة الإسلامية في منطقة شمال غرب إفريقيا واستعادت دورها التاريخي في الربط بين شمال المغرب وبلدان إفريقيا السوداء” (25) . ولذلك عرفت من الشهرة والصيت والإقبال وانتشار الفروع وكثرة الأتباع ما لم تعرفه زاوية أخرى في تاريخ المغرب، وكانت ثقافتها شمولية عامة لا تقتصر على علم دون آخر، ولا تركز على المتعة الذهنية وحدها بل تتجاوز ذلك كله “إلى ما ينفع الناس في حياتهم الاجتماعية وتقودهم إلى مجابهة ما يهدد وطنهم وتوعيهم بالواقع وتحفزهم إلى العمل من أجل المستقبل، وباختصار فهي ثقافة الوعي بالمسؤولية وتحمل الرسالة والتزام بقضايا الوطن الكبرى التي غفلت عنها الزوايا الأخرى في تاريخ المغرب، وهذا هو الذي يجعل منها بنت الوسط الاجتماعي والظرف التاريخي ونتاج ما تمخضت عنه أحاسيس المغاربة”(26).
سادسا-الخدمة الدينية:وترتبط بما قام به الشيخ ماء العينين من إصلاحات استهدفت “تجديد الوضع الديني في الساقية الحمراء ووادي الذهب، وبث الإشعاع الإسلامي بين ربوعها، وذلك لبعد هذه المنطقة عن مراكز الإشعاع الثقافي والديني في جنوب المغرب وشماله في شنقيط وولاتة ومراكش وفاس وغيرها من المراكز الثقافية في المغرب” (27). فقد عم الجهل مجاهلها ومزقت الصراعات القبلية وحدتها، فانشغلت عن التعاليم الإسلامية السمحة، مما دفعه إلى إصلاح شؤونها، وتوحيد قبائلها وإنقاذها من الصراع والظلم الذي كانت تعيشه، مستلهما مبادئ الإسلام الوحدوية، التي تدعو إلى التآخي والوحدة لبناء مجتمع إسلامي متكامل تسوده العدالة والتعاون، وتنمحي فيه صور النزاع والتهاون ليتمكن من مواجهة ما يهدده من مخاوف وأخطار. وهذا ما يشير إليه ماء العينين بن العتيق بقوله:”فلما أقام بها الشيخ ماء العينين وجد الدين غريبا لا يعرف والحق نكرة لا تعرف والسنة مهجورة وأركانها مهيضة مكسورة قد خفيت آثارها وخبت أنوارها، فالفرض فيها مرفوض وعهد الله على عباده منقوض والندب فيها غير مندوب إليه والباطل موثوب عليه والصلاة فيها ضائعة والبدع فيها فاشية شاسعة، والهوى متبوع وذكر الله غير مسموع فتدارك شيخنا الدين الغريب وعرفه وأكرم من ينتسب إليه وشرفه، وأحيا السنة فيه وأقام أركانها وقواعد مبانيها وأوضح طامس آثارها واقتدح زناد أنوارها”(28).
سابعا-الخدمة السياسية:لم تكن مدرسة الشيخ ماء العينين الصوفية منعزلة لا علاقة لها بالواقع السياسي الذي كانت تشهده المنطقة تقام فيها طقوس العبادات وتوزع فيها الأذكار والأوراد على المريدين وتجتمع فيها القبائل لنبذ خلافاتها وصراعاتها الإقليمية الضيقة ولكنها كانت حركة دينية سياسية ذات مشروع موحد ومتكامل وهي بذلك تشبه مختلف الحركات والزوايا التي عرفها تاريخ المغرب والتي ابتدأت بالدين وانتهت بالسياسة غير “أن خصوصيات المرحلة التي ظهرت فيها ومميزات شخصية مؤسسها البارزة جعلها تختلف عن غيرها من الحركات والزوايا التي سبقتها وعاصرتها فحضور السلطة المركزية في مجموع الأقاليم المغربية وغيرتها الدينية والوطنية جعلت الشيخ ماء العينين يضع يده في يدها ويتعاون معها على تنفيذ مشروعها الوطني فكان بذلك خليفة السلاطين العلويين في المنطقة الخلفية من الجنوب المغربي ووكيلهم في السهر على ترتيب شؤونها يمثلهم لدى سكانها وينقل أوامرهم إلى قبائلها”(29). وقد احتفى به هؤلاء الملوك ودعموه “تدعيما ينم عن احترام فائق وثقة وطيدة وتقدير متزايد لوطنيته الخالصة وهو الوطني المسلم المربي المستنهض للهمم والغافلين” (30).
وتعود علاقة الشيخ ماء العينين بالملوك العلويين إلى سنة 1274هـ/1857م، وهي السنة التي زار فيها السلطان المولى عبدالرحمان وهو في طريقه إلى الحج بعد ذلك توالت اتصالاته بهم وزياراته لهم فزار السلطان المولى محمد ثم السلطان المولى الحسن الأول ثم السلطان المولى عبدالعزيز وأخيرا السلطان المولى عبدالحفيظ. وكان في كل زيارة يقوم بها “يصدر عن تجلة عظيمة وإكرام لا نهاية له … فكانت الدولة تهتز متى ورد على المغرب” (31).
وفي سنة 1304هـ/1886م زار السلطان المولى الحسن الأول بمراكش فتلقاه كعادته بالإجلال والترحيب وحين جالسه قال له الشيخ ماء العينين “إني زرت جدك مولاي عبدالرحمان فجعلني ابنا وأباك فجعلني أخا فقال له وأنا أجعلك أبا”(32).
وفي سنة 1320هـ/1902م وفد على السلطان المولى عبدالعزيز بفاس وكان يوم دخوله لها “يوما مشهودا على العادة مما يفعل السلطان من إخراج العساكر والطبول والبنود وآلات الأفراح ووجوه الدولة وأبهة الملك. فكان اجتماعا ضخما واحتفالا شيقا حتى إنه خرج من العلماء والصلحاء والشرفاء وأرباب المناصب والتجار وعامة الناس وخاصتهم ما لم يخرج من عاصمة فاس قبل ذلك اليوم والمدة التي لبثنا ثمة قلما فات يوم منها إلا وإذا بطائفة تريد الزيارة من شيخنا رضي الله عنه ما بين شاعر يمدحه لله أو ملتمس بركته أو طالب وردا أو مصحح لحكم أو مبتغي إجازة أو ميمم حاجة كشفاعة أو حامل هدية إلى غير ذلك من جميع المسالك” (33).
وهناك العديد من الوثائق والظواهر التي تؤكد عمق هذه العلاقة ومتانتها منها هذا الظهير الذي بعث به إليه السلطان المولى الحسن الأول يعينه فيه خليفة على سوس ووادي نون والصحراء المغربية ويطلب من جميع قبائل هذه المناطق أن تطيعه وتعمل برأيه وتوجيهاته، يقول:”يعلم من كتابنا هذا أسماه الله وأعز قدره وجعل في الصالحات طيه ونشره أننا استولينا بحول الله وقوته وشامل يمنه ومنته لحامله الفقيه السيد محمد بن فاضل ماء العينين السوسي الصحراوي تولية تامة شاملة على بلاد بني بعمران بسوس الأقصى ومن ورائهم بني جرار ومن فوقهم من الجزوليين قبيلة بعد قبيلة من الأعرابيين بالصحراء كلهم من بني بعمران إلى وادي نون إلى الساقية الحمراء للطرفاية إلى منتهى العمارة من إيالتنا لتلكم البلاد نائبها أمر الله بأمرنا المعتز بالله أن يكونوا عند السمع والطاعة لكلمتنا حيث بانت لهم وينصتوا لما فيها من الأمر والنهي وإن الفقيه الشريف المذكور استوليناه عليهم ليكون نائبا عنا عليهم تولية شاملة شرعية بحمد الله وعليه في ذلك بحسن السيرة وتقوى الله العظيم في السر والإعلان وبذلك صير الإعلام في 12 ربيع الثاني عام 1296هـ” (34).
وفي وثيقة أخرى يطلب منه السلطان المولى عبدالحفيظ أن يشرفه بقدومه لما ينبني عليه هذا القدوم من المصالح العمومية العائد نجاحها عليه وعلى المسلمين. يقول:”حفظ الله جناب سيدنا قطب الثقلين الشيخ الأكبر شيخنا سيدي ماء العينين وسلام على رقي مقامك ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد: فإن أهم ما نرجو من فضلك وامتنانك هو أن تشرفنا بقدومك السعيد علينا للتيمن بطلعتك المباركة والتوثق بعرى حبك المديد إذ لا يعزب على بصيرتك النورانية الصافية ما ينبني على قدومك السعيد من المصالح العمومية العائد نجاحها علينا وعلى المسلمين ببركتك إن شاء الله لا سيما بعض المتعصبين، والمقصود هو جمع كلمة الإسلام على ما فيه صلاحهم ولمثل هذا أعددناك عدة وكهفا حصينا وركنا شديدا متينا، ولا محالة أنه تعالى يكمل رجاءنا في سيادتك ويبلغنا ببركتك المأمول من القيام بأعمال مصالح المسلمين وها نحن في انتظار طلوع محياك السعيد علينا.
فدارك دارك يا شيخاه وعلى صميم المحبة والخدمة
طالب رضاكم وصالح أدعيتكم والسلام.في 19 رجب عام 1325هـ (35).
هذه بإيجاز أهم الإصلاحات والتجديدات التي تميزت بها مدرسة الشيخ ماء العينين الصوفية في الجنوب المغربي والتي أسهمت في “تجديد التصوف وتطهيره مما أصابه في العصور المتأخرة من تحجر وجمود وسلبية فاستعاد فعاليته من جديد في صورة أكثر حيوية وإشراق وتخلى عما ألحقه به بعض الطرقيين من انعزالية وتواكل وتخاذل” (36). كما أسهمت في ازدهار المنطقة الجنوبية الصحراوية والنهوض بها على المستوى السياسي والاجتماعي والديني والفكري والعلمي، ولذلك لم ينحصر إشعاعها في هذه المنطقة وحدها بل امتد إلى سائر المناطق المغربية الأخرى، وكان لها تأثير كبير في نهضة الفكر المغربي.
المراجع:
1)المعسول، المختار السوسي، مطبعة فضالة –د ت ط- 4/83.
2)الحياة الأدبية في الزاوية المعينية، د: الظريف محمد، د د ع، السنة 1985 – 1986، كلية الآداب – الرباط 1/47-48.
3)المرجع نفسه، 1/48.
4)المرجع نفسه، 1/44-45.
5)الحركة الصوفية وأثرها في أدب الصحراء المغربية، د. الظريف محمد 1/129-130، دكتوراة الدولة، السنة 1993-1994، كلية الآداب – الرباط 1/129-130.
6)الحياة الأدبية، الظريف محمد 1/53.
7)منيل المآرب على الحمد من كفاء الواجب، الشيخ ماء العينين -طبعة فاس الحجرية- السنة 1320هـ.
8)”الحياة الأدبية”، الظريف محمد 1/204.
9)”سهل المرتقى في الحث على التقى”، الشيخ ماء العينين، ص 8 –طبعة فاس الحجرية- السنة 1320هـ، ص 8.
10)”الحياة الأدبية”، 1/204-205.
11)”مفيد الراوي على أني مخاوي” الشيخ ماء العينين – تحقيق د-محمد الظريف، الطبعة الأولى 1999 – مطبعة المعارف الجديدة – الرباط، ص 71.
12)”نعت البدايات وتوصيف النهايات” الشيخ ماء العينين، دار الفكر-بيروت-لبنان، ص 11.
13)الفترة المقصود بها أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
14)خرج الشيخ ماء العينين من عند والده الشيخ محمد فاضل بن مامين قاصدا بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج سنة 1274هـ/1857م.
15)”مفيد الراوي”، الشيخ ماء العينين ص 42-43-44.
16)المرجع نفسه ص 75.
17)”الحياة الأدبية” 1/227.
18)”الشعر العربي في الصحراء المغربية” “ظواهره وقضاياه”، د-أحمد مفدي –داكتوراه الدولة السنة 1989-1990، كلية الآداب – الرباط، 2/258.
19)”الحياة الأدبية” 1/130.
20″تنبيه معاشر المريدين” الشيخ محمد الغيث النعمة بن الشيخ ماء العينين، طبعة فاس الحجرية، ص 9.
21)”الشعر العربي في الصحراء المغربية” أحمد مفدي 2/258.
22)المرجع نفسه، 2/258.
23)”الوسيط في تراجم أدباء شنقيط”، محمد الأمين الشنقيطي، ص 365 – 366.
24)”الشعر العربي” 2/266.
25)”الحركة الصوفية” 1/134.
26)”الشعر العربي” 2/276-277.
27)”الحياة الأدبية” 1/52.
28)”سحر البيان في شمائل شيخنا الشيخ ماء العينين الحسان” ماء العينين بن العتيق، مخطوط خزانة ماء العينين علي بن الشيخ مربيه ربه-تيزنيت، ص 94.
29)”الحياة الأدبية” 1/79-80.
30)”الشعر العربي” 1/189.
31)”المعسول” 4/84.
32)”قرة العينين في كرامات شيخنا الشيخ مـاء العينين” الشيـخ مربيه ربـه بـن الشيـخ ماء العينين –ورقة 95، مخطوط، نسخة خاصة.
33)المرجع نفسه، ص 15.
34)”التسرب الإسباني إلى شواطئ الصحراء المغربية” (1860-1934) بلحداد نورالدين، د دع، السنة 1993-1994 – كلية الآداب – الرباط، ص 269.
35)مجموع وثائق ماء العينين علي مربيه ربه، مخطوط.
36)”الحركة الصوفية” 1/134.
يعتبر الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن مامين صاحب مدرسة صوفية متميزة كان لها أكبر الأثر في توحيد القبائل الصحراوية ومحاربة المستعمر الأجنبي وتجديد الفكر الديني بالصحراء المغربية، كما يعتبر مؤسسها “من شيوخ الصوفية الذين لهم يد عليا في ذلك الفن علما وعملا ولا أدل على ذلك من ذلك الجم الغفير الذين تتلمذوا له من فطاحل الصوفية والعلماء من كبار الصحراويين” (1) وغير الصحراويين من مختلف مناطق المغرب. ولم تكن هذه المدرسة مجرد “إفراز آلي للمناخ العام الذي كانت تعيشه المنطقة الخلفية في الجنوب المغربي أو انعكاسا عفويا لما كان يمزقها من أحداث، ولكنها كانت حركة منظمة تستمد عناصر وجودها من ذاتها وتستند في ظهورها إلى ما تنبني عليه من أسس متينة وما تتميز به شخصية مؤسسها من مميزات بارزة” (2). فقد كانت “مؤسسة متكاملة الجوانب متعددة الاهتمامات مختلفة الوظائف يجد اليتامى والجائعون والمشردون فيها ضالتهم ويدفن المتناحرون والمتنازعون في مجالسها حزازاتهم ويروي الجاهلون في حياض معارفها عطشهم ويرى أعداء الإسلام والوطن في أبراجها مخفر الشرطة الذي يقلقهم ويزعج راحتهم كما جمعت شخصية شيخها كل مقومات الزعامة وشروط القيادة التي افتقدها غيره من شيوخ الزوايا ورؤساء القبائل، وذلك لما أوتي من تربية دينية وعلمية واسعة وما اكتسبه من تجارب عميقة خلال رحلاته الطويلة بين مدن المغرب وبلدان المشرق” (3). جعلته يعي كل ما يجري حوله من أحداث لا في الوطن المغربي وحده بل وفي مجموع العالم العربي والإسلامي “فمنذ أن استكمل دراسته على والده وهو يضرب في الآفاق وينتقل بين ولاتة وشنقيط وتندوف ومراكش وفاس والحجاز ومصر وغيرها من مراكز الثقافة الإسلامية إلى أن استقر بالساقية الحمراء فلمس خلال هذه المدة الطويلة من التنقل الدائم بين المشرق والمغرب ما يواجهه العالم الإسلامي من أخطار الاستعمار وما تعيشه الأمة المغربية من هموم ومشاكل، فحاول بعلمه وعمله وشرف نسبه كسب ثقة الجميع فحصل على ثقة الملوك العلويين ابتداء من المولى عبدالرحمان وكسب ثقة أغلب القبائل الصحراوية التي اجتمعت عليه في وحدة متجانسة كانت مدينة السمارة من أبرز مظاهرها” (4). ولم ينحصر إشعاع مدرسته داخل الصحراء المغربية وحدها بل امتد إلى كثير من المناطق المغربية “فبعد أن انتقل من السمارة إلى تيزنيت لأسباب استراتيجية استقطبت حركته سائر القبائل السوسية والحوزية وغيرها فتوافدت عليه من كل ناحية ووضعت نفسها رهن إشارته وتناست خلافاتها وتناقضاتها الطرقية فأعطت لحركته قوة جديدة أرهبت القوات الاستعمارية التي كانت تتربص بالمغرب وتعد العدة للانقضاض عليه” (5) . مما يؤكد أصالة حركته ووحدوية مشروعه ونبل رسالته الاجتماعية والعلمية والدينية والسياسية.
وترتكز طريقة الشيخ ماء العينين الصوفية على أسس متينة “تستمد ملامحها الأساسية من طبيعة البيئة التي نشأت فيها ومن خصوصيات المرحلة التاريخية التي ظهرت فيها فهي لا تعتمد على طريقة صوفية محددة (…) كما أنها لا تخرج عن المنظومة الفقهية المالكية والعقيدة الأشعرية التي تحدد الاعتقادات والعبادات والمعاملات في مجموع الأقاليم المغربية ولكنها تستمد مقوماتها من أسسها ومبادئها الثابتة” (6). فهي ليست طريقة باطنية تأملية انعزالية مثالية يكتفي فيها المريد “بالأخبار أو يستعين فيها بالعلم عن حصول الأنوار” (7) ، ولكنها طريقة “علم وعمل عادة وعبادة سلوك اجتماعي وتربية أخلاقية وهي لا تسعى إلى عزل الإنسان عن الدنيا وإبعاده عن شؤونها ومشاغلها كما يفهم من التصوف بصفة عامة ولكنها تهدف إلى السمو به عن قشور الحياة ( …) كما أنها لا تقوم في أصل نشأتها على الخنوع والاستسلام والتواصل والمصالحة مع الواقع، ولكنها تنبني على مواجهة كل ما يفسد سعادة الإنسان” (8).
يقول الشيخ ماء العينين “إن كمال السعادة لا يحصل إلا بترك ما لا ينبغي وفعل ما ينبغي”(9). ولعل خير ما يؤكد هذا القول هو ما بذله هذا الشيخ “ومريدوه من جهود جبارة في إصلاح ذات البين بين القبائل الصحراوية وتهييئها لمقاومة الاستعمار الفرنسي والإسباني منذ نهاية القرن التاسع عشر”(10).
وقد تميزت هذه الطريقة ببعض الخصائص والمميزات والتجديدات المهمة، نذكر منها:
أولا-مؤاخاة الطرق: فقد آخى الشيخ ماء العينين بين جميع الطرق الصوفية ولم يفرق بينها لأنها آخذة لطريق الرسول “ص” “وهي طريقة واحدة كما يعلمه أغبى الأغبياء وأحرى أعلم العلماء” (11)، وحتى “إن تعددت واختلفت فمرجعها كلها لأمر واحد وهو الفناء في مشاهدة الله والنظر إليه عن كل ما سواه” (12) . لا سيما أن الظروف التي تعيشها الجماعة الإسلامية في هذه الفترة(13) تقتضي الوحدة والاتحاد واليقظة والتمسك بالجماعة وتجنب كل ما يؤدي إلى الضعف والاستكانة، وقد أكد أن والده وشيخه الشيخ محمد فاضل بن مامين الذي أعطاه جميع الأوراد المروية عن خير الأنبياء وأعطاه الإذن في إعطائها لمن شاءها من أوليائها لم يذكر له تفرقة بين هذه الأوراد ولا بين الطرق الصوفية عامة “بل قصارى خبره في ذلك أن يقول هذا الورد من الأوراد التي كان فلان ملازما لها من غير أن يقول لي لا ورد غيره أو لم يعط غيره أو من أخذه لا يأخذ غيره فيصير عندي ذلك كأنه مدح لذلك الورد أو لذلك الولي لا غير حتى خرجت من عنده(14) ، وأتيت البلاد غير بلده إذا بالناس كأنها –أعوذ بالله-أهل ملل متفرقة وأهل طرق مختلفة، فتعجبت مما فيه الناس وقلت للمريد أن لا اختلاف بين هذه الأجناس لأن الطريقة طريقة واحدة لأشرف ذوي الأنفاس لثبوت أخوة أهلها بالكتاب الذي لا بغيره يقاس” (15). وقد بين ذلك وشرحه في منظومته الشهيرة “إني مخاوي” التي يقول فيها:
إنـي مخــاو لجميــع الطرق *** أخــوة الإيمــان عند المتقي
ولا أفــــرق للأوليــــــــــاء *** كمــن يفـــرق للأنبيـــــــاء
قــال تعــالى المؤمنون إخوة *** وعــدم التفـــريق فيه أسوة
وانظر لمبـدأ طــرق والمنتهى *** تعلــم لما قلت بمـا قد يشتهى
وذاك كلهـــم لــك يقـــــــــول *** عليــك باتباع فعل ذا الرسول
عليــه أفضـل الصلاة والسلام *** وهكــذا تتبـــع منه للكلام
ومستحيـــل أن يقــول اتبعا *** منــه لــذا وذا لـه لا تتبعا
لـــذا تحققــن أن الطـــــرقا *** طــريقــة النبي وحـده ثقا
وغيــرها ليســت طريــــقا *** وثق إنـي مخـاو لجميع الطرق (16)
وهو “ينطلق في هذا الاتجاه الوحدوي من روح الإسلام الوحدوية التي تستهدف توحيد الجماعة الإسلامية ومن الواقع الاجتماعي والديني والسياسي للمغرب في نهاية القرن التاسع عشر ولا ينطلق من نزعة إقليمية أو سياسية ضيقة لأنه يهدف إلى الرفع من مكانة الأمة الإسلامية ويسعى إلى إنقاذها مما يهددها من أخطار استعمارية” (17). ولأن توحيد الطرق الصوفية “بوابة ينفذ منها الشيخ إلى توحيد قبائل المغرب ومدنه تحت راية الوطن المغربي المسلم وهذا هو هدفه الأسمى” (18).
ثانيا –الجهاد،وينقسم إلى قسمين:
أ-جهاد النفس: ويرتبط بمحاربة الترف الروحي وصور التأمل وربط “المجاهدة النفسية بالجهاد الاجتماعي والسياسي الذي يجند كل الطاقات الروحية والاجتماعية لمواجهة المستعمر” (19).
ب-جهاد المستعمر: حيث ترأس الشيخ ماء العينين عدة مؤتمرات وتجمعات داخل الصحراء وخارجها (السمارة، فاس، مراكش، تيزنيت) كان الهدف منها هو دراسة الطرق الكفيلة بمواجهة العدو الاستعماري الفرنسي والإسباني ووقف زحفه في الجنوب المغربي، كما قام بتنظيم المقاومة ضد هذا العدو دفاعا عن وحدة المغرب الترابية، وقاد معارك حربية متعددة منها معركة الداخلة وشنقيط وآدرار وتكانت والمينان وأبوضرس وتجكجة ودامان التي أنهكت القوات الاستعمارية وأجهزتها وأثبتت قدرته وكفاءته الحربية مما يعبر عن وطنيته ووحدويته.
ثالثا-الجهر بالذكر:فأفضل الدعوة لدى الشيخ ماء العينين ما كان جهرا(20) وللمدرسة في ذلك غاية تقصر بعض الطرق عن استيعابها “فالمدرسة المعينية ترى أن مريدوها في أغلبهم لا قبل لهم بما درج عليه أهل الحضر من رقة في تقبل الإيقاع الهامس وتأثير دبيبه الشفيف في النفوس المرهفة ومن جهة ثانية أن الصحراء شاسعة ومسالكها مخيفة ومهولة، ولا بد من تعميرها بالذكر لإيناس عابرها وإيقاظ ساكنها به حتى إذا ألفه ووجد في نفسه ميلا إليه أقبل على الزاوية راضيا مرضيا وانخرط في المنظومة الصوفية الجديدة”(21). لذلك كان أتباع هذه الزاوية يجهرون بأورادهم وأذكارهم ويرددون الهيللة بصوت مرتفع وتتعالى آهاتهم وصيحاتهم عند ذكر اسم الجلالة وتصدر عنهم تضرعات وابتهالات ودعوات.
رابعا-الخدمة الاجتماعية: تمكن الشيخ ماء العينين بفضل مؤهلاته الفكرية والعلمية والدينية والاجتماعية من توحيد جميع القبائل الصحراوية في منظومة وطنية واحدة وإطفاء نار الفتن التي كانت مشتعلة بينها فأصبح مرشدها الأساسي ورائدها المثالي ومعلمها الأول يوجهها ويقودها ويقدم لها النصيحة والوعظ والإرشاد. وكانت هذه القبائل تعود إليه في كل ما يهمها من مشاكل وأزمات. كما عمل على الإهتمام بكل من يؤم زاويته “وقضاء كل مآربه مهما كانت شاقة لأن البنية التحتية هي أساس ثبات البنية الفوقية وسلامة الأولى في جذورها النفسية يؤدي حتما إلى سلامة الثانية من الشرخ الوقتي أو التصدع المحتمل في المستقبل. وبهذا الوعي الشمولي الواضح كـان مؤسس المدرسة يرى أن رسالة المدرسة لا تنحصر في تعليم المريد الكتاب والسنة والصوفية المعينية والفاضلية والقادرية والشاذلية وتهييئه للجهاد وإنما تتعداها إلى رأب الصدع في البنية الاجتماعية بإغاثة الملهوف وإطعام الجائع وإيواء اليتيم والأرملة وقضاء حاجة المحتاج” (22).
وهذا ما يؤكده أحد معاصريه محمد الأمين الشنقيطي بقوله:”وكان هذا الشيخ –ماء العينين- فاضلا كريما لا يوجد أحسن منه أخلاقا وقد اجتمعت به فرأيت منه ما حيرني لأني قدرت من معه في وادي السمارة بالساقية الحمراء بعشرة آلاف شخص ما بين أرملة ومزمن وصحيح البنية وكل هؤلاء في أرغد عيشة يزوج الشخص ويدفع المهر ويجهز المرأة من عنده مع حسن معاشرته لهم ولا يمضي عليه يوم إلا وقد بعث قافلة تأتيه بالميرة وقدمت عليه أخرى تحملها” (23). وهكذا استطاع إيجاد نموذج “للتكافل الاجتماعي في أجل صوره وأبهاها إذ يقضي بها دين المدين ويكسى العاري ويتزوج فيها من لم يقدر على الزواج لكون الزاوية تدفع المهر وتتحمل التجهيز. وهكذا كان الآلاف من أبناء الوطن الذين يفدون على السمارة يجدون فيها الملاذ الروحي والإشباع الثقافي والأمن الاجتماعي والاستقرار النفسي لما توفره لهم ماديا ومعنويا” (24).
خامسا-الخدمة العلمية:أولى الشيخ ماء العينين اهتماما كبيرا للعلم لما يلعبه من دور في تكوين نهضة الشعوب وصنع رقيها وتقدمها “فبنى زاويته على التربية والتهذيب وأقامها على صقل النفوس وشحذ العقول فتمكن عن طريق ما وفره لها من أساتذة وعلماء وأقامه لها من مدارس وخزانات من خلق نهضة ثقافية كبرى شمال الصحراء وإحياء ما عرفته في سالف عهودها من نشاط علمي وأدبي فاستقطبت العلماء والأدباء من سائر الأقاليم المغربية وقصدها الطلبة والمريدون من مختلف الآفاق فصارت مركزا بارزا من مراكز الثقافة الإسلامية في منطقة شمال غرب إفريقيا واستعادت دورها التاريخي في الربط بين شمال المغرب وبلدان إفريقيا السوداء” (25) . ولذلك عرفت من الشهرة والصيت والإقبال وانتشار الفروع وكثرة الأتباع ما لم تعرفه زاوية أخرى في تاريخ المغرب، وكانت ثقافتها شمولية عامة لا تقتصر على علم دون آخر، ولا تركز على المتعة الذهنية وحدها بل تتجاوز ذلك كله “إلى ما ينفع الناس في حياتهم الاجتماعية وتقودهم إلى مجابهة ما يهدد وطنهم وتوعيهم بالواقع وتحفزهم إلى العمل من أجل المستقبل، وباختصار فهي ثقافة الوعي بالمسؤولية وتحمل الرسالة والتزام بقضايا الوطن الكبرى التي غفلت عنها الزوايا الأخرى في تاريخ المغرب، وهذا هو الذي يجعل منها بنت الوسط الاجتماعي والظرف التاريخي ونتاج ما تمخضت عنه أحاسيس المغاربة”(26).
سادسا-الخدمة الدينية:وترتبط بما قام به الشيخ ماء العينين من إصلاحات استهدفت “تجديد الوضع الديني في الساقية الحمراء ووادي الذهب، وبث الإشعاع الإسلامي بين ربوعها، وذلك لبعد هذه المنطقة عن مراكز الإشعاع الثقافي والديني في جنوب المغرب وشماله في شنقيط وولاتة ومراكش وفاس وغيرها من المراكز الثقافية في المغرب” (27). فقد عم الجهل مجاهلها ومزقت الصراعات القبلية وحدتها، فانشغلت عن التعاليم الإسلامية السمحة، مما دفعه إلى إصلاح شؤونها، وتوحيد قبائلها وإنقاذها من الصراع والظلم الذي كانت تعيشه، مستلهما مبادئ الإسلام الوحدوية، التي تدعو إلى التآخي والوحدة لبناء مجتمع إسلامي متكامل تسوده العدالة والتعاون، وتنمحي فيه صور النزاع والتهاون ليتمكن من مواجهة ما يهدده من مخاوف وأخطار. وهذا ما يشير إليه ماء العينين بن العتيق بقوله:”فلما أقام بها الشيخ ماء العينين وجد الدين غريبا لا يعرف والحق نكرة لا تعرف والسنة مهجورة وأركانها مهيضة مكسورة قد خفيت آثارها وخبت أنوارها، فالفرض فيها مرفوض وعهد الله على عباده منقوض والندب فيها غير مندوب إليه والباطل موثوب عليه والصلاة فيها ضائعة والبدع فيها فاشية شاسعة، والهوى متبوع وذكر الله غير مسموع فتدارك شيخنا الدين الغريب وعرفه وأكرم من ينتسب إليه وشرفه، وأحيا السنة فيه وأقام أركانها وقواعد مبانيها وأوضح طامس آثارها واقتدح زناد أنوارها”(28).
سابعا-الخدمة السياسية:لم تكن مدرسة الشيخ ماء العينين الصوفية منعزلة لا علاقة لها بالواقع السياسي الذي كانت تشهده المنطقة تقام فيها طقوس العبادات وتوزع فيها الأذكار والأوراد على المريدين وتجتمع فيها القبائل لنبذ خلافاتها وصراعاتها الإقليمية الضيقة ولكنها كانت حركة دينية سياسية ذات مشروع موحد ومتكامل وهي بذلك تشبه مختلف الحركات والزوايا التي عرفها تاريخ المغرب والتي ابتدأت بالدين وانتهت بالسياسة غير “أن خصوصيات المرحلة التي ظهرت فيها ومميزات شخصية مؤسسها البارزة جعلها تختلف عن غيرها من الحركات والزوايا التي سبقتها وعاصرتها فحضور السلطة المركزية في مجموع الأقاليم المغربية وغيرتها الدينية والوطنية جعلت الشيخ ماء العينين يضع يده في يدها ويتعاون معها على تنفيذ مشروعها الوطني فكان بذلك خليفة السلاطين العلويين في المنطقة الخلفية من الجنوب المغربي ووكيلهم في السهر على ترتيب شؤونها يمثلهم لدى سكانها وينقل أوامرهم إلى قبائلها”(29). وقد احتفى به هؤلاء الملوك ودعموه “تدعيما ينم عن احترام فائق وثقة وطيدة وتقدير متزايد لوطنيته الخالصة وهو الوطني المسلم المربي المستنهض للهمم والغافلين” (30).
وتعود علاقة الشيخ ماء العينين بالملوك العلويين إلى سنة 1274هـ/1857م، وهي السنة التي زار فيها السلطان المولى عبدالرحمان وهو في طريقه إلى الحج بعد ذلك توالت اتصالاته بهم وزياراته لهم فزار السلطان المولى محمد ثم السلطان المولى الحسن الأول ثم السلطان المولى عبدالعزيز وأخيرا السلطان المولى عبدالحفيظ. وكان في كل زيارة يقوم بها “يصدر عن تجلة عظيمة وإكرام لا نهاية له … فكانت الدولة تهتز متى ورد على المغرب” (31).
وفي سنة 1304هـ/1886م زار السلطان المولى الحسن الأول بمراكش فتلقاه كعادته بالإجلال والترحيب وحين جالسه قال له الشيخ ماء العينين “إني زرت جدك مولاي عبدالرحمان فجعلني ابنا وأباك فجعلني أخا فقال له وأنا أجعلك أبا”(32).
وفي سنة 1320هـ/1902م وفد على السلطان المولى عبدالعزيز بفاس وكان يوم دخوله لها “يوما مشهودا على العادة مما يفعل السلطان من إخراج العساكر والطبول والبنود وآلات الأفراح ووجوه الدولة وأبهة الملك. فكان اجتماعا ضخما واحتفالا شيقا حتى إنه خرج من العلماء والصلحاء والشرفاء وأرباب المناصب والتجار وعامة الناس وخاصتهم ما لم يخرج من عاصمة فاس قبل ذلك اليوم والمدة التي لبثنا ثمة قلما فات يوم منها إلا وإذا بطائفة تريد الزيارة من شيخنا رضي الله عنه ما بين شاعر يمدحه لله أو ملتمس بركته أو طالب وردا أو مصحح لحكم أو مبتغي إجازة أو ميمم حاجة كشفاعة أو حامل هدية إلى غير ذلك من جميع المسالك” (33).
وهناك العديد من الوثائق والظواهر التي تؤكد عمق هذه العلاقة ومتانتها منها هذا الظهير الذي بعث به إليه السلطان المولى الحسن الأول يعينه فيه خليفة على سوس ووادي نون والصحراء المغربية ويطلب من جميع قبائل هذه المناطق أن تطيعه وتعمل برأيه وتوجيهاته، يقول:”يعلم من كتابنا هذا أسماه الله وأعز قدره وجعل في الصالحات طيه ونشره أننا استولينا بحول الله وقوته وشامل يمنه ومنته لحامله الفقيه السيد محمد بن فاضل ماء العينين السوسي الصحراوي تولية تامة شاملة على بلاد بني بعمران بسوس الأقصى ومن ورائهم بني جرار ومن فوقهم من الجزوليين قبيلة بعد قبيلة من الأعرابيين بالصحراء كلهم من بني بعمران إلى وادي نون إلى الساقية الحمراء للطرفاية إلى منتهى العمارة من إيالتنا لتلكم البلاد نائبها أمر الله بأمرنا المعتز بالله أن يكونوا عند السمع والطاعة لكلمتنا حيث بانت لهم وينصتوا لما فيها من الأمر والنهي وإن الفقيه الشريف المذكور استوليناه عليهم ليكون نائبا عنا عليهم تولية شاملة شرعية بحمد الله وعليه في ذلك بحسن السيرة وتقوى الله العظيم في السر والإعلان وبذلك صير الإعلام في 12 ربيع الثاني عام 1296هـ” (34).
وفي وثيقة أخرى يطلب منه السلطان المولى عبدالحفيظ أن يشرفه بقدومه لما ينبني عليه هذا القدوم من المصالح العمومية العائد نجاحها عليه وعلى المسلمين. يقول:”حفظ الله جناب سيدنا قطب الثقلين الشيخ الأكبر شيخنا سيدي ماء العينين وسلام على رقي مقامك ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد: فإن أهم ما نرجو من فضلك وامتنانك هو أن تشرفنا بقدومك السعيد علينا للتيمن بطلعتك المباركة والتوثق بعرى حبك المديد إذ لا يعزب على بصيرتك النورانية الصافية ما ينبني على قدومك السعيد من المصالح العمومية العائد نجاحها علينا وعلى المسلمين ببركتك إن شاء الله لا سيما بعض المتعصبين، والمقصود هو جمع كلمة الإسلام على ما فيه صلاحهم ولمثل هذا أعددناك عدة وكهفا حصينا وركنا شديدا متينا، ولا محالة أنه تعالى يكمل رجاءنا في سيادتك ويبلغنا ببركتك المأمول من القيام بأعمال مصالح المسلمين وها نحن في انتظار طلوع محياك السعيد علينا.
فدارك دارك يا شيخاه وعلى صميم المحبة والخدمة
طالب رضاكم وصالح أدعيتكم والسلام.في 19 رجب عام 1325هـ (35).
هذه بإيجاز أهم الإصلاحات والتجديدات التي تميزت بها مدرسة الشيخ ماء العينين الصوفية في الجنوب المغربي والتي أسهمت في “تجديد التصوف وتطهيره مما أصابه في العصور المتأخرة من تحجر وجمود وسلبية فاستعاد فعاليته من جديد في صورة أكثر حيوية وإشراق وتخلى عما ألحقه به بعض الطرقيين من انعزالية وتواكل وتخاذل” (36). كما أسهمت في ازدهار المنطقة الجنوبية الصحراوية والنهوض بها على المستوى السياسي والاجتماعي والديني والفكري والعلمي، ولذلك لم ينحصر إشعاعها في هذه المنطقة وحدها بل امتد إلى سائر المناطق المغربية الأخرى، وكان لها تأثير كبير في نهضة الفكر المغربي.
المراجع:
1)المعسول، المختار السوسي، مطبعة فضالة –د ت ط- 4/83.
2)الحياة الأدبية في الزاوية المعينية، د: الظريف محمد، د د ع، السنة 1985 – 1986، كلية الآداب – الرباط 1/47-48.
3)المرجع نفسه، 1/48.
4)المرجع نفسه، 1/44-45.
5)الحركة الصوفية وأثرها في أدب الصحراء المغربية، د. الظريف محمد 1/129-130، دكتوراة الدولة، السنة 1993-1994، كلية الآداب – الرباط 1/129-130.
6)الحياة الأدبية، الظريف محمد 1/53.
7)منيل المآرب على الحمد من كفاء الواجب، الشيخ ماء العينين -طبعة فاس الحجرية- السنة 1320هـ.
8)”الحياة الأدبية”، الظريف محمد 1/204.
9)”سهل المرتقى في الحث على التقى”، الشيخ ماء العينين، ص 8 –طبعة فاس الحجرية- السنة 1320هـ، ص 8.
10)”الحياة الأدبية”، 1/204-205.
11)”مفيد الراوي على أني مخاوي” الشيخ ماء العينين – تحقيق د-محمد الظريف، الطبعة الأولى 1999 – مطبعة المعارف الجديدة – الرباط، ص 71.
12)”نعت البدايات وتوصيف النهايات” الشيخ ماء العينين، دار الفكر-بيروت-لبنان، ص 11.
13)الفترة المقصود بها أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
14)خرج الشيخ ماء العينين من عند والده الشيخ محمد فاضل بن مامين قاصدا بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج سنة 1274هـ/1857م.
15)”مفيد الراوي”، الشيخ ماء العينين ص 42-43-44.
16)المرجع نفسه ص 75.
17)”الحياة الأدبية” 1/227.
18)”الشعر العربي في الصحراء المغربية” “ظواهره وقضاياه”، د-أحمد مفدي –داكتوراه الدولة السنة 1989-1990، كلية الآداب – الرباط، 2/258.
19)”الحياة الأدبية” 1/130.
20″تنبيه معاشر المريدين” الشيخ محمد الغيث النعمة بن الشيخ ماء العينين، طبعة فاس الحجرية، ص 9.
21)”الشعر العربي في الصحراء المغربية” أحمد مفدي 2/258.
22)المرجع نفسه، 2/258.
23)”الوسيط في تراجم أدباء شنقيط”، محمد الأمين الشنقيطي، ص 365 – 366.
24)”الشعر العربي” 2/266.
25)”الحركة الصوفية” 1/134.
26)”الشعر العربي” 2/276-277.
27)”الحياة الأدبية” 1/52.
28)”سحر البيان في شمائل شيخنا الشيخ ماء العينين الحسان” ماء العينين بن العتيق، مخطوط خزانة ماء العينين علي بن الشيخ مربيه ربه-تيزنيت، ص 94.
29)”الحياة الأدبية” 1/79-80.
30)”الشعر العربي” 1/189.
31)”المعسول” 4/84.
32)”قرة العينين في كرامات شيخنا الشيخ مـاء العينين” الشيـخ مربيه ربـه بـن الشيـخ ماء العينين –ورقة 95، مخطوط، نسخة خاصة.
33)المرجع نفسه، ص 15.
34)”التسرب الإسباني إلى شواطئ الصحراء المغربية” (1860-1934) بلحداد نورالدين، د دع، السنة 1993-1994 – كلية الآداب – الرباط، ص 269.
35)مجموع وثائق ماء العينين علي مربيه ربه، مخطوط.
36)”الحركة الصوفية” 1/134.
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin