الصفحة 26 من 61
قضية الأقطاب
تمهيد هام:
كثيرًا ما ينكر بعض الناس على الصوفية الأبرار ذكر الأقطاب، والأبدال، والأوتاد، والأغواث، والنقباء، والعصائب، والنجباء، وهو نوع من التجني والإسفاف تعصبًا وانغلاقًا وضيق فقه وأفق.
أما أن يكون جهل جاهل حجة على علم عالم فهذا من علامات الساعة.
وقد كتب الإمام السيوطي رضى الله عنه في هذا الموضوع جزءًا كريمًا سماه (الخبر الدال على وجود الأقطاب والأوتاد والنجباء والأبدال)، وقد أجاد وأفاد رفع الله درجاته في الفردوس الأعلى.
وقد جمع السيوطي رضى الله عنه أكثر ما جاء في هذا الباب من أحاديث صحاح، وحسان، وضعاف، ومراسيل مقبولة على اعتبار أن الحديث الضعيف مجبور بما له من شواهد ومتابعات، وبأنه جاء من طرق متعددة فارتفع إلى مرتبة الحسن لغيره، فيؤخذ به حتى في الأحكام، كما كان الإمام أحمد يأخذ بالحديث الضعيف إذا كان مجبورًا بالشهرة.
وحتى لو لم يكن لهذه الأحاديث الضعاف ما يجبرها فهي هنا في باب التواريخ والمناقب، أي في الفضائل التي قد أجمع المحدثون على جواز الأخذ فيها بالحديث الضعيف، إذ إن معنى الضعيف أنه لا يخلو من الصحة، أي أنه صحيح غير مكتمل فيه كل شروط الصحة، بينما تحققت فيه بعض هذه الشروط، راجع بحثنا المفصل عن الحديث الضعيف والصوفية.
من هم رواة هذه الأحاديث:
وقد وردت أخبار ثبوت رجال الله على مراتبهم تلك في الأحاديث المرفوعة والموقوفة عن أربعة عشر راويًا أو يزيدون:
1- عمر بن الخطاب.
2- وعلي بن أبي طالب.
3- وأنس بن مالك.
4- وحذيفة بن اليمان.
5- وعبادة بن الصامت.
6- وابن عباس.
7- وعبد الله بن عمر.
8- وعبد الله بن مسعود.
9- ومعاذ بن جبل.
10- وواثلة بن الأسقع.
11- وأبي سعيد الخدري.
12- وأبي هريرة.
13- وأبي الدرداء.
14- وأم سلمة.
فلم يبق شك في صحة محصل كل هذه الروايات وتأكيد مضمونها، ويصبح التشكيك فيها نوعًا من المغالطة، والتعصب الكريه، والتخريب العلمي لغير وجه الله. وحين يتهمنا بعضهم بالخرافة، فأنعم بوراثة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قالوا: ﴿سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات:39].
نماذج من أحاديث الأبدال والأوتاد وإخوانهم:
1- أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق بسنده عن عمر رضى الله عنه: كان إذا ذكر الشام قال: ياليت شعري عن الأبدال، هل مرت بهم الركاب؟ وفي رواية إذا ذكر العراق قال: ليت شعري كم في هذا الحي من الأبدال([1])؟
2- وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن علي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الأَبْدَالُ بِالشَّامِ وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ الله مَكَانَهُ رَجُلًا، يُسْقَى بِهِمُ الْغَيْثُ، وَيُنْتَصَرُ بِهِمْ عَلَى الأَعْدَاءِ»([2]). رجاله رجال الصحيح غير سرح فهو ثقة.
ووجود الأبدال بالشام أخرجه كذلك الحاكم في المستدرك وقال: صحيح. وأقره الذهبي في المختصر، وأخرجه غيرهم، ومعنى وجودهم بالشام أي وجود أكثريتهم، والعدد هنا مراد به الكثرة لا التحديد الحسابي.
3- أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء، وأخرجه الخلال في الكرامات -أيضًا- عن علي قلت: يا رسول الله، من الأبدال؟ قال: «هم ستون رجلًا». قلت: يا رسول الله، جلهم لنا. قال: «ليسوا بالمتنطعين، ولا المبتدعين، ولا المتفيهقين. لم ينالوا ما نالوا بكثرة صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكن بسخاء الأنفس، وسلامة القلوب، والنصحية لأئمتهم». وفي رواية: «للمسلمين»([3]).
4- وأخرج ابن عساكر بسنده عن علي: أن الأبدال من الشام، والعُصَب -بضم العين وفتح الصاد أي العصائب-، والنجباء، والرفقاء، والأوتاد من الكوفة([4]).
وقد جاء ذلك من طرق متعددة.
وأخرج الخلال بسنده عن علي قال: النجباء بمصر، والأبدال بالشام، وهم قليل.
وأخرج ابن عساكر من طريق آخر عن علي قال: الأبدال من الشام، والنجباء من مصر، والأخيار من العراق.
5- وأخرج ابن عدي، والديلمي، وابن شاهين، والخلال عن أنس بن مالك مرفوعًا قال: «الْأَبْدَلُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَأَرْبَعُونَ امْرَأَةً، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللّٰه مَكَانَهُ رَجُلًا، وَكُلَّمَا مَاتَتْ امْرَأَة أَبْدَلَ اللّٰه مَكَانَها امْرَأَة».
جاء ذلك من عدة طرق وبعدة ألفاظ متقاربة.
وعن أنس -أيضًا- من عدة طرق مرفوعًا: «إن دعامة أمتي عصب اليمن، وأبدال الشام. ثم وصفهم صلى الله عليه وسلم بأنهم ليسوا بالمتماوتين، ولا بالمتهالكين، ولا المتناوشين»([5]).
6- وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال صلى الله عليه وسلم: «لَنْ تَخْلو الأَرْض مِن أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِثْل خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، فَبِهِم يُسْقَونَ وَبِهِمْ يُنْصَرُون». قال في مجمع الزوائد: إسناده حسن([6]).
7- أخرج أحمد عن عبادة بن الصامت مرفوعًا قال صلى الله عليه وسلم: «الأَبْدَالُ مِن أُمَّتِي ثَلاَثُونَ مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ»([7]).
ورجاله رجال الصحيح غير اثنين.
8- أخرج أحمد في الزهد والخلال عن ابن عباس: ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة، يدفع الله بهم عن أهل الأرض البلاء.
9- وأخرج الطبراني عن ابن عمر مرفوعًا قال صلى الله عليه وسلم: «خيار أمتي في كل قرن خمسمئة، والأبدال أربعون، فلا الخمسمئة ينتقصون ولا الأربعون، كلما مات رجل أبدل الله من الخمسمئة، وأدخل في الأربعين مكانه».
وأخرج نحوه أبو نعيم([8])، وابن عساكر، وتَمَّامٌ باختلاف يسير في الألفاظ.
10- وأخرج الخلال في كتاب الكرامات عن ابن عمر مرفوعًا قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أربعون رجلًا يحفظ الله بهم الأرض، كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر، وهم في الأرض كلها».
11- أخرج ابن عساكر عن طريق أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول: الأبدال بالشام، والنجباء بمصر، والعصائب باليمن، والأخيار بالعراق.
12- أخرج الخلال عن إبراهيم النخعي قال: ما من قرية ولا بلدة إلا يكون فيها من يدفع الله به عنهم.
وهم الأغواث عند الصوفية.
13- وأخرج الخلال عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا أبا هريرة يدخل عليَّ من هذا الباب الساعة رجل من السبعة الذين يرفع الله بهم عن أهل الأرض. قال: فإذا حبشي قد طلع من ذلك الباب أقرع أجدع([9]) على رأسه جرة من ماء، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة هذا هو. ثم قال صلى الله عليه وسلم: «مرحبًا بيسار»، ثلاث مرات. وكان يرش المسجد ويكنسه.
14- أخرج أبو نعيم عن عبد الله بن مسعود -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن لله عز وجل في الخلق ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم عليه السلام، ولله في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى عليه السلام، ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام، ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام، ولله في الخلق واحد على قلب إسرافيل عليه السلام، فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة، وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلاثمائة، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله مكانه من العامة»([10]).
15- في (كفاية المعتقد) لليافعي: إنما سمي الأبدال أبدالًا لأنهم إذا غابوا تكون في مكانهم صورة روحانية تَخْلُفُهُمْ. ثم ذكر بعض ما كان من هذا الشأن عند المحققين.
خلاصة وختام:
قلنا: وقد اعترف العلم المعملي الحديث المعروف بـ(الاسبرتزم)، أي استحضار الأرواح بالبدلية، على هذا المعنى، وسماها (الطرح الروحي). وترجم المرحوم الأستاذ محمد فريد وجدي عن كتب هذا العلم وقائع شتى في كتابه (على أطلال المذهب المادي)، كما روى المرحوم المفسر الكبير الشيخ الطنطاوي جوهري في كتابه (الأرواح) وقائع متعددة، كما أثبت المرحوم الأستاذ فهمي أبو الخير ذلك في أكثر من كتاب له، وكثير من العلماء المعاصرين.
ولا نزال نسمع من الصالحين الصادقين أمثال هذه القصص الروحية المكررة في عوالم الصوفية الأبرار، ولعنا شاهدنا شيئًا من ذلك، والله يشهد.
وخلاصة القول كما قدمنا:
1- هذه الأحاديث يشد بعضها بعضًا، ويأخذ بعضها برقاب بعض، مما لا يدع ظلًا من الشك في حقيقة موضوعها وإن اختلفت الألفاظ والرواة. ومعنى هذا أن هناك عالمًا روحيًا ربانيًا قائمًا بالفعل هو الذي نسميه (عالم الغيب).
وأن منه الرجال والنساء كما نصت عليه الأحاديث، وكما جاء في القرآن عن: مريم، وآسية، وأم موسى، وزوج إبراهيم، وامرأة عمران.
2- إن العدد هنا لا مفهوم له، أي أنه غير مقصود بحدوده الحسابية، ولو فرضنا أنه مقصود فالتوفيق بين الروايات أمر يسير.
3- يتحصل من هذه النصوص أن هناك:
أ – أخيارًا.
ب- وأبدالًا.
جـ- وأوتادًا.
د- ونجباءً.
هـ - ونقباءً.
و- وعصائبًا.
بالإضافة إلى ماجاء في القرآن من ذكر السابقين، والمقربين، وأصحاب اليمين، وغيرهم من درجات أهل الله.
4- هؤلاء هم الذين يسميهم الصوفية بـ(الأقطاب)، أما (الإغواث) فقد أشارت إليهم الأحاديث التي تقول: «بهم يغاث الناس، وبهم ينصرون» إلخ، وهم كثرة في الضعفاء، وفي مستويات أهل الله.
5- أنه ليس المقصود أن الطائفة الفلانية في المكان الفلاني في الحديث الشريف حصر هذه الطائفة في هذا المكان فلا توجد قط في غيره، بل المراد أن أكثرية هذه الطائفة تكون بهذا المكان، وإلا فهم متشرون في الأرض كلها كما جاء في بقية الأحاديث.
وقد يكون المعنى أن أقطاب الناحية الفلانية يسمون كذا، والناحية الأخرى يسمون كذا، وهذا إلى النفس أقرب.
6- ترتيب هذه المستويات من أصحاب هذه الأسماء وغيرهم بعد ثبوت وجودهم كما رأيت أمر ثانوي إضافي، يرجع إلى ضرورة التنظيم الكوني، فليس من شيء في الكون إلا وهو يمضي على دستور وقانون نظامي معين: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [الرعد:8]، ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ [الملك:3]، ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر:21].
7- قد تختلف مراتب الشهود في عالم الغيب، ولكنها لا تتعارض ولا تتصادم، بل هي تتوافق وتتسق، كالشيء الواحد يراه أكثر من شخص من جهاته المتعددة، فتختلف الرؤية ولا يختلف الشيء في الحقيقة ونفس الأمر.
([1]) تاريخ دمشق: (295/1-296).
([2]) أخرجه أحمد: (112/1).
([3]) الأولياء: (12/1 رقم8).
([4]) تاريخ دمشق: (297/1).
([5]) تاريخ دمشق: (435/26).
([6]) الأوسط: (247/4). وراجع كلام الهيثمي في المجمع: (63/10).
([7]) أخرجه أحمد: (322/5).
([8]) حلية الأولياء: (8/1).
([9]) قال السيد الرائد رضى الله عنه: أقرع: يريد أصلع الرأس لا شعر له. وأجدع أي: أنفه أفطس.
([10]) حلية الأولياء: (8/1 -9)، وتاريخ دمشق: (303/1).
قضية الأقطاب
تمهيد هام:
كثيرًا ما ينكر بعض الناس على الصوفية الأبرار ذكر الأقطاب، والأبدال، والأوتاد، والأغواث، والنقباء، والعصائب، والنجباء، وهو نوع من التجني والإسفاف تعصبًا وانغلاقًا وضيق فقه وأفق.
أما أن يكون جهل جاهل حجة على علم عالم فهذا من علامات الساعة.
وقد كتب الإمام السيوطي رضى الله عنه في هذا الموضوع جزءًا كريمًا سماه (الخبر الدال على وجود الأقطاب والأوتاد والنجباء والأبدال)، وقد أجاد وأفاد رفع الله درجاته في الفردوس الأعلى.
وقد جمع السيوطي رضى الله عنه أكثر ما جاء في هذا الباب من أحاديث صحاح، وحسان، وضعاف، ومراسيل مقبولة على اعتبار أن الحديث الضعيف مجبور بما له من شواهد ومتابعات، وبأنه جاء من طرق متعددة فارتفع إلى مرتبة الحسن لغيره، فيؤخذ به حتى في الأحكام، كما كان الإمام أحمد يأخذ بالحديث الضعيف إذا كان مجبورًا بالشهرة.
وحتى لو لم يكن لهذه الأحاديث الضعاف ما يجبرها فهي هنا في باب التواريخ والمناقب، أي في الفضائل التي قد أجمع المحدثون على جواز الأخذ فيها بالحديث الضعيف، إذ إن معنى الضعيف أنه لا يخلو من الصحة، أي أنه صحيح غير مكتمل فيه كل شروط الصحة، بينما تحققت فيه بعض هذه الشروط، راجع بحثنا المفصل عن الحديث الضعيف والصوفية.
من هم رواة هذه الأحاديث:
وقد وردت أخبار ثبوت رجال الله على مراتبهم تلك في الأحاديث المرفوعة والموقوفة عن أربعة عشر راويًا أو يزيدون:
1- عمر بن الخطاب.
2- وعلي بن أبي طالب.
3- وأنس بن مالك.
4- وحذيفة بن اليمان.
5- وعبادة بن الصامت.
6- وابن عباس.
7- وعبد الله بن عمر.
8- وعبد الله بن مسعود.
9- ومعاذ بن جبل.
10- وواثلة بن الأسقع.
11- وأبي سعيد الخدري.
12- وأبي هريرة.
13- وأبي الدرداء.
14- وأم سلمة.
فلم يبق شك في صحة محصل كل هذه الروايات وتأكيد مضمونها، ويصبح التشكيك فيها نوعًا من المغالطة، والتعصب الكريه، والتخريب العلمي لغير وجه الله. وحين يتهمنا بعضهم بالخرافة، فأنعم بوراثة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قالوا: ﴿سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات:39].
نماذج من أحاديث الأبدال والأوتاد وإخوانهم:
1- أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق بسنده عن عمر رضى الله عنه: كان إذا ذكر الشام قال: ياليت شعري عن الأبدال، هل مرت بهم الركاب؟ وفي رواية إذا ذكر العراق قال: ليت شعري كم في هذا الحي من الأبدال([1])؟
2- وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن علي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الأَبْدَالُ بِالشَّامِ وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ الله مَكَانَهُ رَجُلًا، يُسْقَى بِهِمُ الْغَيْثُ، وَيُنْتَصَرُ بِهِمْ عَلَى الأَعْدَاءِ»([2]). رجاله رجال الصحيح غير سرح فهو ثقة.
ووجود الأبدال بالشام أخرجه كذلك الحاكم في المستدرك وقال: صحيح. وأقره الذهبي في المختصر، وأخرجه غيرهم، ومعنى وجودهم بالشام أي وجود أكثريتهم، والعدد هنا مراد به الكثرة لا التحديد الحسابي.
3- أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء، وأخرجه الخلال في الكرامات -أيضًا- عن علي قلت: يا رسول الله، من الأبدال؟ قال: «هم ستون رجلًا». قلت: يا رسول الله، جلهم لنا. قال: «ليسوا بالمتنطعين، ولا المبتدعين، ولا المتفيهقين. لم ينالوا ما نالوا بكثرة صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكن بسخاء الأنفس، وسلامة القلوب، والنصحية لأئمتهم». وفي رواية: «للمسلمين»([3]).
4- وأخرج ابن عساكر بسنده عن علي: أن الأبدال من الشام، والعُصَب -بضم العين وفتح الصاد أي العصائب-، والنجباء، والرفقاء، والأوتاد من الكوفة([4]).
وقد جاء ذلك من طرق متعددة.
وأخرج الخلال بسنده عن علي قال: النجباء بمصر، والأبدال بالشام، وهم قليل.
وأخرج ابن عساكر من طريق آخر عن علي قال: الأبدال من الشام، والنجباء من مصر، والأخيار من العراق.
5- وأخرج ابن عدي، والديلمي، وابن شاهين، والخلال عن أنس بن مالك مرفوعًا قال: «الْأَبْدَلُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَأَرْبَعُونَ امْرَأَةً، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللّٰه مَكَانَهُ رَجُلًا، وَكُلَّمَا مَاتَتْ امْرَأَة أَبْدَلَ اللّٰه مَكَانَها امْرَأَة».
جاء ذلك من عدة طرق وبعدة ألفاظ متقاربة.
وعن أنس -أيضًا- من عدة طرق مرفوعًا: «إن دعامة أمتي عصب اليمن، وأبدال الشام. ثم وصفهم صلى الله عليه وسلم بأنهم ليسوا بالمتماوتين، ولا بالمتهالكين، ولا المتناوشين»([5]).
6- وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال صلى الله عليه وسلم: «لَنْ تَخْلو الأَرْض مِن أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِثْل خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، فَبِهِم يُسْقَونَ وَبِهِمْ يُنْصَرُون». قال في مجمع الزوائد: إسناده حسن([6]).
7- أخرج أحمد عن عبادة بن الصامت مرفوعًا قال صلى الله عليه وسلم: «الأَبْدَالُ مِن أُمَّتِي ثَلاَثُونَ مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ»([7]).
ورجاله رجال الصحيح غير اثنين.
8- أخرج أحمد في الزهد والخلال عن ابن عباس: ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة، يدفع الله بهم عن أهل الأرض البلاء.
9- وأخرج الطبراني عن ابن عمر مرفوعًا قال صلى الله عليه وسلم: «خيار أمتي في كل قرن خمسمئة، والأبدال أربعون، فلا الخمسمئة ينتقصون ولا الأربعون، كلما مات رجل أبدل الله من الخمسمئة، وأدخل في الأربعين مكانه».
وأخرج نحوه أبو نعيم([8])، وابن عساكر، وتَمَّامٌ باختلاف يسير في الألفاظ.
10- وأخرج الخلال في كتاب الكرامات عن ابن عمر مرفوعًا قال صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أربعون رجلًا يحفظ الله بهم الأرض، كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر، وهم في الأرض كلها».
11- أخرج ابن عساكر عن طريق أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان يقول: الأبدال بالشام، والنجباء بمصر، والعصائب باليمن، والأخيار بالعراق.
12- أخرج الخلال عن إبراهيم النخعي قال: ما من قرية ولا بلدة إلا يكون فيها من يدفع الله به عنهم.
وهم الأغواث عند الصوفية.
13- وأخرج الخلال عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا أبا هريرة يدخل عليَّ من هذا الباب الساعة رجل من السبعة الذين يرفع الله بهم عن أهل الأرض. قال: فإذا حبشي قد طلع من ذلك الباب أقرع أجدع([9]) على رأسه جرة من ماء، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة هذا هو. ثم قال صلى الله عليه وسلم: «مرحبًا بيسار»، ثلاث مرات. وكان يرش المسجد ويكنسه.
14- أخرج أبو نعيم عن عبد الله بن مسعود -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن لله عز وجل في الخلق ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم عليه السلام، ولله في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى عليه السلام، ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام، ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام، ولله في الخلق واحد على قلب إسرافيل عليه السلام، فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة، وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة، وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين، وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلاثمائة، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله مكانه من العامة»([10]).
15- في (كفاية المعتقد) لليافعي: إنما سمي الأبدال أبدالًا لأنهم إذا غابوا تكون في مكانهم صورة روحانية تَخْلُفُهُمْ. ثم ذكر بعض ما كان من هذا الشأن عند المحققين.
خلاصة وختام:
قلنا: وقد اعترف العلم المعملي الحديث المعروف بـ(الاسبرتزم)، أي استحضار الأرواح بالبدلية، على هذا المعنى، وسماها (الطرح الروحي). وترجم المرحوم الأستاذ محمد فريد وجدي عن كتب هذا العلم وقائع شتى في كتابه (على أطلال المذهب المادي)، كما روى المرحوم المفسر الكبير الشيخ الطنطاوي جوهري في كتابه (الأرواح) وقائع متعددة، كما أثبت المرحوم الأستاذ فهمي أبو الخير ذلك في أكثر من كتاب له، وكثير من العلماء المعاصرين.
ولا نزال نسمع من الصالحين الصادقين أمثال هذه القصص الروحية المكررة في عوالم الصوفية الأبرار، ولعنا شاهدنا شيئًا من ذلك، والله يشهد.
وخلاصة القول كما قدمنا:
1- هذه الأحاديث يشد بعضها بعضًا، ويأخذ بعضها برقاب بعض، مما لا يدع ظلًا من الشك في حقيقة موضوعها وإن اختلفت الألفاظ والرواة. ومعنى هذا أن هناك عالمًا روحيًا ربانيًا قائمًا بالفعل هو الذي نسميه (عالم الغيب).
وأن منه الرجال والنساء كما نصت عليه الأحاديث، وكما جاء في القرآن عن: مريم، وآسية، وأم موسى، وزوج إبراهيم، وامرأة عمران.
2- إن العدد هنا لا مفهوم له، أي أنه غير مقصود بحدوده الحسابية، ولو فرضنا أنه مقصود فالتوفيق بين الروايات أمر يسير.
3- يتحصل من هذه النصوص أن هناك:
أ – أخيارًا.
ب- وأبدالًا.
جـ- وأوتادًا.
د- ونجباءً.
هـ - ونقباءً.
و- وعصائبًا.
بالإضافة إلى ماجاء في القرآن من ذكر السابقين، والمقربين، وأصحاب اليمين، وغيرهم من درجات أهل الله.
4- هؤلاء هم الذين يسميهم الصوفية بـ(الأقطاب)، أما (الإغواث) فقد أشارت إليهم الأحاديث التي تقول: «بهم يغاث الناس، وبهم ينصرون» إلخ، وهم كثرة في الضعفاء، وفي مستويات أهل الله.
5- أنه ليس المقصود أن الطائفة الفلانية في المكان الفلاني في الحديث الشريف حصر هذه الطائفة في هذا المكان فلا توجد قط في غيره، بل المراد أن أكثرية هذه الطائفة تكون بهذا المكان، وإلا فهم متشرون في الأرض كلها كما جاء في بقية الأحاديث.
وقد يكون المعنى أن أقطاب الناحية الفلانية يسمون كذا، والناحية الأخرى يسمون كذا، وهذا إلى النفس أقرب.
6- ترتيب هذه المستويات من أصحاب هذه الأسماء وغيرهم بعد ثبوت وجودهم كما رأيت أمر ثانوي إضافي، يرجع إلى ضرورة التنظيم الكوني، فليس من شيء في الكون إلا وهو يمضي على دستور وقانون نظامي معين: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [الرعد:8]، ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾ [الملك:3]، ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر:21].
7- قد تختلف مراتب الشهود في عالم الغيب، ولكنها لا تتعارض ولا تتصادم، بل هي تتوافق وتتسق، كالشيء الواحد يراه أكثر من شخص من جهاته المتعددة، فتختلف الرؤية ولا يختلف الشيء في الحقيقة ونفس الأمر.
([1]) تاريخ دمشق: (295/1-296).
([2]) أخرجه أحمد: (112/1).
([3]) الأولياء: (12/1 رقم8).
([4]) تاريخ دمشق: (297/1).
([5]) تاريخ دمشق: (435/26).
([6]) الأوسط: (247/4). وراجع كلام الهيثمي في المجمع: (63/10).
([7]) أخرجه أحمد: (322/5).
([8]) حلية الأولياء: (8/1).
([9]) قال السيد الرائد رضى الله عنه: أقرع: يريد أصلع الرأس لا شعر له. وأجدع أي: أنفه أفطس.
([10]) حلية الأولياء: (8/1 -9)، وتاريخ دمشق: (303/1).
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin