الصفحة 17 من 61
في مجالات ذكر الله
1- مشروعية قولهم عدد كذا وقدر كذا:
روى أبو داود، والترمذي، وَحَسَّنَهُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ فَقَالَ: «أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ». فَقَالَ: «سُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا خَلَقَ فِى السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا خَلَقَ فِى الأَرْضِ، وَسُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا خَلَقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَالله أَكْبَرُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله مِثْلُ ذَلِكَ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله مِثْلُ ذَلِكَ»([1]).
وروى مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه عَنْ جُوَيْرِيَةَ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِىَ فِى مَسْجِدِهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِىَ جَالِسَةٌ فَقَالَ: «مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِى فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا». قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ»([2]).
ابن عساكر نحو ذلك، وجاء في آخر ورايته: «فذلك خير له من أن يجمع ما بين المشرق والمغرب، ويدأب الملائكة يكتبون، ولا يحصون ما قال».
ففي هذين الحديثين والكثير من أمثالهما ما يفيد أن قول أشياخنا في أذكارهم عدد كذا، أو قدر كذا، أو نحوه إنما هو من السنة الثابتة، وأن تبديعهم في ذلك هو البدعة الشنيعة. أما مسألة تحديد عدد الذكر بقدر معين عند السادة فهذا راجع إلى التجارب والروحانيات، ثم إلى أشياء منها ما يأتي:
أ- حساب الجُمَّل والتلقي:
منهم من رجع في هذا إلى حساب (الجمل)([3]) وهو مراتب ثلاثة، كما يقرر الأخ العابد المجاهد السيد عبد المقصود سالم، فقد ضرب لذلك مثلًا باسمه تعالى (لطيف)، فجمل الاسم (129) وهو المرتبة الأولى، فإذا أردت المرتبة الثانية ضربت الجمل (129) في عدد حروف الاسم، وهي أربعة فالناتج هو (516) فإذا أردت المرتبة الثالثة والنهائية ضربت جمل الاسم في نفسه فينتج (16641).
وحساب (الجمل) نقل خبره ابن إسحاق وغيره من أصحاب السير والطبقات عن ابن عباس، وعن جابر بن عبد الله في قصة حيي بن أخطب وأخيه، وأنهما استخدما هذا الحساب في شأن فواتح سور القرآن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهما ذلك.
والجمل بضم الجيم وتشديد الميم.
وللسهيلي وغيره تعليق طيب على هذا الموضوع ختمه بقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع: لا تصدقوا أهل الكتاب، ولا تكذبوهم، قولوا آمنا بالله.
ولابن خلدون فيه قول طويل فيه اعتبار طيب لعلم هذا الحساب وكذلك كثير من علماء السلف.
ومذهبنا اعتبار هذا العلم مباحا واستخدمه كثير من الصالحين، وانتفعوا به ولا يزالون، فليس كل ما سبق إليه اليهود ولا النصارى أو غيرهم يعتبر من الحرام.
ومن الأشياخ من يرى أن يكون للمريد، مع ما يؤذن به، ورد ثابت لا يتغير، وهذا الورد من أسماء الله الحسنى، يؤخذ مناسبًا لجمل اسم الذاكر، وقد شرحنا ذلك في رسالتنا عن الأسماء الحسنى في (المحمديات) كما شرحه بعض الصالحين من قبل.
ومنهم من يعود بعدد الذكر إلى التلقي الروحي ذاتيًا، أو نقلًا عن الأشياخ.
ب- من سر العدد:
وللأعداد سر خاص يستفيضه من يكابده، وأنت ترى هذا السر فيما ورد في السنة الشريفة، فمثلًا نجد استغفار الصلاة ثلاثًا، والتهليل الكبير بعد الفجر والمغرب عشرًا، والاستعاذة من النار سبعًا، والتحميد والتسبيح والتكبير ثلاثًا وثلاثين، أو خمسًا وعشرين مع التهليل المعتاد، ونرى الإذن بالاستغفار سبعين أو مئة، وللصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أعداد ثابتة في السنة، منها حديث: من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا إلى آخره، وهكذا مما يدل على أن الأمر معيارًا غيبيًا له قدره وخطره، وإلا كان التحديد النبوي للأعدا عبثًا، وحاشاه. ولك دليل عظيم في عدد ركعات الصلاة.
وربما أشبه الذكر المحدد العدد الدواء، تنعدم فائدته عند الزيادة فيه أو النقص عن مقداره. ولسر العدد والحرف مقال يعود إلى التلقي والكشف والتجربة.
جـ- تكرار الذكر:
ولتكرار الذكر حكمة نفسية، فالتكرار -بالإضافة إلى تحصيل مزيد من الثواب، يجهز النفس إلى الحضور مع الله، ويحر الفكرة، ويصهر القلب ويصقله ويرققه، ثم هو يوجهه إلى المعنى، ويستجلب الإخلاص، ويعد القلب لتلقي النور والاستغراق، والتمتع بأسرار الذكر وغيوبه المقدسة، وربما صادفت مرة إخلاصها ومكانها الإلهي، فكان فيها السر كله والفتح كله، ولعلها المقصودة من الذكر جميعا، وربما أدرك الذاكر في التكرار متعة روحية، وإشراقًا باطنيًا يعجز عن التعبير عنه فينفعل بالمزيد من الاندماج والاستغراق، مما لا يذوقه إلا أهلوه.
د- روحانيات الأسماء:
وقد جربنا ما قرره السادة من أن لكل سم أو صيغة روحانية وخاصية تهيمن على الذاكر حتى تستغرق ذاته وكليته، فيفاض عليه من عوالمها وفاعليتها، فهو يعيش عند ذك (القهار) مثلًا في جو روحي يخالف تمامًا ما يعيشه عند ذكر (الرحيم)، بل وربما تأثر بتجليات الأسماء تأثرًا ينعكس منه على ما يتصل به من الأكوان حتى تنفعل به، في مقام التحقق والتخلق والفناء (كما قدمنا).
والشأن في الأسماء هو الشأن في الأحزاب والصيغ، وهنا كلام لا يطيقه إلا من مارس وعانى، وأحس ووجد، وذاق فعرف.
2- هيمنة الأسماء والصفات:
ثم إن الأسماء الحسنى هي صفات الله، وصفات الله كلها سرمدية عامة غير عاطلة، فكل ذرة في خطرة في الكون الأعظم إنما هي تحيا في هيمنة فلك اسم معين من أسماء الله، سواء في ذلك عوالم الملك أو الإنسان أو الجن أو الحيوان او النبات أو الجماد أو عالم الغيب، وما يتميز وما لا يتميز.
فكل مرئي أو مسموع أو منظور أو معقول أو مغيب، فهو يسري في مقتضى حكم صفة من صفاته تعالى، والعوالم كلها تنتقل من تجلٍ إلى تجلٍ آخر، علمت أو جهلت، والموجودات كلها تمضي إلى غاياتها في ظلال لوازم هويات الأسماء والصفات، وماهياتها المقدسة: ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ﴾ [العنكبوت:43]. وكل ذلك اقتضاء ذاتي لا يسأل عنه بكل كلمات الاستفهام، فوجود صفة الخالق تقتضي وجود المخلوق، وصفة الرزاق تقتضي وجود مرزوق، وهكذا.
3- معارج الأذكار:
نقول: والذكر مراسلة، فمعاملة، فمواصلة، فمنازلة.
فالمراسلة: ذكر اللسان وهو البداية.
والمعاملة: ذكر القلب مع اللسان، فهو السلوك.
والمواصلة: ذكر الروح مع القلب اللسان، فهو القرب.
والمنازلة: ذكر السر مع القلب واللسان والروح، فهو الحضور، ويسمى:(ذكر الذات). وهو الذي يكون فيه الفناء عن الفناء عند الفرق وبعد الجمع في قدس الوصول والمعرفة.
ونكرر أنه لا بد من الدليل الهادي والرائد المرشد حتى يأمن السالك التيه وعثرات الطريق، فلا شك أن كل ذاكر صادق مأجور، كما لا شك أنه ليس كل ذاكر صادق يصل إلى حضرة القدس، والطريق طويل صعب شائك محفوف بالمتاعب والمخاطر، وهبنا الله التوفيق إلى التمتع بذكره وسره وشكره على ذلك بإذنه وأمره.
([1]) أخرجه أبو داود: (1500)، والترمذي: (3568).
([2]) أخرجه مسلم: (79/2726)، وأبو داود: (1503)، والترمذي: (3555)، والنسائي: (1352)، وابن ماجه: (3808).
([3]) قال السيد الرائد }: هو حساب قديم متوارث في مختلف الأديان يجعل أمام كل حرف من الأبجدية عددًا. وله استخدمات شتى.
في مجالات ذكر الله
1- مشروعية قولهم عدد كذا وقدر كذا:
روى أبو داود، والترمذي، وَحَسَّنَهُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ فَقَالَ: «أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ». فَقَالَ: «سُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا خَلَقَ فِى السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا خَلَقَ فِى الأَرْضِ، وَسُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا خَلَقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ الله عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَالله أَكْبَرُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله مِثْلُ ذَلِكَ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله مِثْلُ ذَلِكَ»([1]).
وروى مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه عَنْ جُوَيْرِيَةَ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِىَ فِى مَسْجِدِهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِىَ جَالِسَةٌ فَقَالَ: «مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِى فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا». قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ»([2]).
ابن عساكر نحو ذلك، وجاء في آخر ورايته: «فذلك خير له من أن يجمع ما بين المشرق والمغرب، ويدأب الملائكة يكتبون، ولا يحصون ما قال».
ففي هذين الحديثين والكثير من أمثالهما ما يفيد أن قول أشياخنا في أذكارهم عدد كذا، أو قدر كذا، أو نحوه إنما هو من السنة الثابتة، وأن تبديعهم في ذلك هو البدعة الشنيعة. أما مسألة تحديد عدد الذكر بقدر معين عند السادة فهذا راجع إلى التجارب والروحانيات، ثم إلى أشياء منها ما يأتي:
أ- حساب الجُمَّل والتلقي:
منهم من رجع في هذا إلى حساب (الجمل)([3]) وهو مراتب ثلاثة، كما يقرر الأخ العابد المجاهد السيد عبد المقصود سالم، فقد ضرب لذلك مثلًا باسمه تعالى (لطيف)، فجمل الاسم (129) وهو المرتبة الأولى، فإذا أردت المرتبة الثانية ضربت الجمل (129) في عدد حروف الاسم، وهي أربعة فالناتج هو (516) فإذا أردت المرتبة الثالثة والنهائية ضربت جمل الاسم في نفسه فينتج (16641).
وحساب (الجمل) نقل خبره ابن إسحاق وغيره من أصحاب السير والطبقات عن ابن عباس، وعن جابر بن عبد الله في قصة حيي بن أخطب وأخيه، وأنهما استخدما هذا الحساب في شأن فواتح سور القرآن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهما ذلك.
والجمل بضم الجيم وتشديد الميم.
وللسهيلي وغيره تعليق طيب على هذا الموضوع ختمه بقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع: لا تصدقوا أهل الكتاب، ولا تكذبوهم، قولوا آمنا بالله.
ولابن خلدون فيه قول طويل فيه اعتبار طيب لعلم هذا الحساب وكذلك كثير من علماء السلف.
ومذهبنا اعتبار هذا العلم مباحا واستخدمه كثير من الصالحين، وانتفعوا به ولا يزالون، فليس كل ما سبق إليه اليهود ولا النصارى أو غيرهم يعتبر من الحرام.
ومن الأشياخ من يرى أن يكون للمريد، مع ما يؤذن به، ورد ثابت لا يتغير، وهذا الورد من أسماء الله الحسنى، يؤخذ مناسبًا لجمل اسم الذاكر، وقد شرحنا ذلك في رسالتنا عن الأسماء الحسنى في (المحمديات) كما شرحه بعض الصالحين من قبل.
ومنهم من يعود بعدد الذكر إلى التلقي الروحي ذاتيًا، أو نقلًا عن الأشياخ.
ب- من سر العدد:
وللأعداد سر خاص يستفيضه من يكابده، وأنت ترى هذا السر فيما ورد في السنة الشريفة، فمثلًا نجد استغفار الصلاة ثلاثًا، والتهليل الكبير بعد الفجر والمغرب عشرًا، والاستعاذة من النار سبعًا، والتحميد والتسبيح والتكبير ثلاثًا وثلاثين، أو خمسًا وعشرين مع التهليل المعتاد، ونرى الإذن بالاستغفار سبعين أو مئة، وللصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أعداد ثابتة في السنة، منها حديث: من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا إلى آخره، وهكذا مما يدل على أن الأمر معيارًا غيبيًا له قدره وخطره، وإلا كان التحديد النبوي للأعدا عبثًا، وحاشاه. ولك دليل عظيم في عدد ركعات الصلاة.
وربما أشبه الذكر المحدد العدد الدواء، تنعدم فائدته عند الزيادة فيه أو النقص عن مقداره. ولسر العدد والحرف مقال يعود إلى التلقي والكشف والتجربة.
جـ- تكرار الذكر:
ولتكرار الذكر حكمة نفسية، فالتكرار -بالإضافة إلى تحصيل مزيد من الثواب، يجهز النفس إلى الحضور مع الله، ويحر الفكرة، ويصهر القلب ويصقله ويرققه، ثم هو يوجهه إلى المعنى، ويستجلب الإخلاص، ويعد القلب لتلقي النور والاستغراق، والتمتع بأسرار الذكر وغيوبه المقدسة، وربما صادفت مرة إخلاصها ومكانها الإلهي، فكان فيها السر كله والفتح كله، ولعلها المقصودة من الذكر جميعا، وربما أدرك الذاكر في التكرار متعة روحية، وإشراقًا باطنيًا يعجز عن التعبير عنه فينفعل بالمزيد من الاندماج والاستغراق، مما لا يذوقه إلا أهلوه.
د- روحانيات الأسماء:
وقد جربنا ما قرره السادة من أن لكل سم أو صيغة روحانية وخاصية تهيمن على الذاكر حتى تستغرق ذاته وكليته، فيفاض عليه من عوالمها وفاعليتها، فهو يعيش عند ذك (القهار) مثلًا في جو روحي يخالف تمامًا ما يعيشه عند ذكر (الرحيم)، بل وربما تأثر بتجليات الأسماء تأثرًا ينعكس منه على ما يتصل به من الأكوان حتى تنفعل به، في مقام التحقق والتخلق والفناء (كما قدمنا).
والشأن في الأسماء هو الشأن في الأحزاب والصيغ، وهنا كلام لا يطيقه إلا من مارس وعانى، وأحس ووجد، وذاق فعرف.
2- هيمنة الأسماء والصفات:
ثم إن الأسماء الحسنى هي صفات الله، وصفات الله كلها سرمدية عامة غير عاطلة، فكل ذرة في خطرة في الكون الأعظم إنما هي تحيا في هيمنة فلك اسم معين من أسماء الله، سواء في ذلك عوالم الملك أو الإنسان أو الجن أو الحيوان او النبات أو الجماد أو عالم الغيب، وما يتميز وما لا يتميز.
فكل مرئي أو مسموع أو منظور أو معقول أو مغيب، فهو يسري في مقتضى حكم صفة من صفاته تعالى، والعوالم كلها تنتقل من تجلٍ إلى تجلٍ آخر، علمت أو جهلت، والموجودات كلها تمضي إلى غاياتها في ظلال لوازم هويات الأسماء والصفات، وماهياتها المقدسة: ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ﴾ [العنكبوت:43]. وكل ذلك اقتضاء ذاتي لا يسأل عنه بكل كلمات الاستفهام، فوجود صفة الخالق تقتضي وجود المخلوق، وصفة الرزاق تقتضي وجود مرزوق، وهكذا.
3- معارج الأذكار:
نقول: والذكر مراسلة، فمعاملة، فمواصلة، فمنازلة.
فالمراسلة: ذكر اللسان وهو البداية.
والمعاملة: ذكر القلب مع اللسان، فهو السلوك.
والمواصلة: ذكر الروح مع القلب اللسان، فهو القرب.
والمنازلة: ذكر السر مع القلب واللسان والروح، فهو الحضور، ويسمى:(ذكر الذات). وهو الذي يكون فيه الفناء عن الفناء عند الفرق وبعد الجمع في قدس الوصول والمعرفة.
ونكرر أنه لا بد من الدليل الهادي والرائد المرشد حتى يأمن السالك التيه وعثرات الطريق، فلا شك أن كل ذاكر صادق مأجور، كما لا شك أنه ليس كل ذاكر صادق يصل إلى حضرة القدس، والطريق طويل صعب شائك محفوف بالمتاعب والمخاطر، وهبنا الله التوفيق إلى التمتع بذكره وسره وشكره على ذلك بإذنه وأمره.
([1]) أخرجه أبو داود: (1500)، والترمذي: (3568).
([2]) أخرجه مسلم: (79/2726)، وأبو داود: (1503)، والترمذي: (3555)، والنسائي: (1352)، وابن ماجه: (3808).
([3]) قال السيد الرائد }: هو حساب قديم متوارث في مختلف الأديان يجعل أمام كل حرف من الأبجدية عددًا. وله استخدمات شتى.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin