الصفحة 6 من 61
مقامات اليقين
مقامات اليقين(*)
وإذ قد تبين هذا فاعلم أنَّ مقامات اليقين تسعة وهي:
(التوبة، والزهد، والصبر، والشكر، والخوف، الرضا، والرجاء، والتوكل، والمحبة).
ولا تصح كل واحدة من هذه المقامات إلا بإسقاط التدبير مع الله والاختيار؛ وذلك أنَّ التائب كما يجب عليه أن يتوب من ذنبه، كذا يجب عليه أن يتوب عن التدبير مع ربه؛ لأنَّ التدبير والاختيار من كبائر([1]) القلوب والأسرار، والتوبة هي الرجوع إلى الله تعالى (من كل ما لا يرضاه لك)([2])؛ لأنه شرك بالربوبية، وكفر لنعمة العقل، ولا يرضى لعباده الكفر، وكيف تصح توبة عبد مهموم بتدبير دنياه غافل من حسن رعاياه.
وكذلك لا يصح الزهد إلا بالخروج عن التدبير؛ لأنَّ مِمَّا أنت مخاطب بالخروج عنه، والزهد عنه تدبيرك؛ إذ الزهد زهدان: زهد ظاهر جلي، وزهد باطن خفي.
فالظاهر الجلي: الزهد في فضول الحلال من المأكولات والملبوسات وغير ذلك.
والزهد الخفي: الزهد في الرياسة، وحب الظهور، ومنه الزهد في التدبير مع الله، وكذلك لا يصح صبر ولا شكر إلا بإسقاط التدبير؛ وذلك لأنَّ([3]) الصابر من صَبَرَ عَمَّا لا يحبه الله، ومِمَّا لا يحبه الله تعالى التدبير معه والاختيار؛ لأنَّ الصبر على أقسام:
صبر عن المحرمات، وصبر عن([4]) الواجبات، وصبر عن التدبيرات والاختيارات، وإن شئت قلت: صبر عن الحظوظ البشرية، وصبر على لوازم العبودية، ومن لوازم العبودية: إسقاط التدبير مع الله تعالى.
وكذلك لا يصح الشكر إلا لعبد ترك التدبير مع الله؛ لأنَّ الشكر كما قال الجنيد([5]) رحمه الله تعالى: «الشكر ألا تعصي([6]) الله بنعمه».
ولولا العقل الذي مَيَّزَكَ الله به على أشكاله، وجعله سببًا لكمالك -لم تكن من المدبرين معه؛ إذ الجمادات والحيوانات لا تدبير لها مع الله، لفِقدان العقل الذي من شأنه النظر إلى العواقب والاهتمام بها، ويناقض أيضًا مقام الخوف والرجاء؛ إذ الخوف إذا توجهت سطواته إلى القلوب منعها أن تستروح إلى وجود التدبير، والرجاء أيضًا كذلك؛ إذ الراجي قد امتلأ قلبه فرحًا بالله، ووقته مشغول بمعاملة الله تعالى؛ فأي وقت يسعه التدبير مع الله تعالى!.
ويناقض أيضًا مقام التوكل؛ وذلك أنَّ المتوكل على الله من ألقى قياده إليه، واعتمد في كل أموره عليه، فمِنْ لازم ذلك عدم التدبير والاستسلام؛ لجريان المقادير.
وتعلق إسقاط التدبير بمقام التوكل والرضا، أَبْيَنُ من تعلقه بسائر المقامات، ويناقض أيضًا مقام المحبة؛ إذ المحب مستغرق في حب محبوبه، وترك الإرداة معه هي عين مطلوبه، وليس يتسع وقت المحب للتدبير مع الله؛ لأنَّه قد (شغله عن ذلك حبه لله، ولذلك)([7]) قال بعضهم: «من ذاق شيئًا من خالص محبة الله، ألهاه ذلك عَمَّا سواه»، ويناقض أيضًا مقام الرضا: وهو بَيِّنٌ لا إشكال فيه؛ وذلك أنَّ الراضي قد اكتفى بسابق تدبير الله فيه، فكيف يكون مدبرًا معه وهو قد رضى بتدبيره! ألم تعلم أنَّ نور الرضا يغسل من القلوب غثاء التدبير! فالراضي عن الله بسطه نور الرضا لأحكامه، فليس له تدبير مع الله، وكفى بالعبد حسن اختيار سيده له، فافهم!.
(*) العنوان من عمل المحقق.
([1]) وفي نسخة: من كبائر ذنوب القلوب والأسرار.
([2]) ما بين القوسين نصه في «فروينه»: (من كل شيء لا يرضاه لك).
([3]) وفي نسخة أخرى: أن الصابر.
([4]) وفي «فروينه»: وصبر على الواجبات وذلك هو الأصح.
([5]) هو أبو القاسم الجنيد بن محمد الزَّجَّاجُ }، كان أبوه يبيع الزجاج؛ فلذلك يقال له: «القواريري»، أصله من نهاوند، مولده ومنشؤه بالعراق وكان فقيهًا يفتي الناس على مذهب أبي ثور، صاحب الإمام الشافعي وراوي مذهبه القديم، صَحِبَ خاله السَّرِيَّ السَّقَطِيَّ والحارث المُحَاسَبِيَّ، ومحمد بن علي القصاب، وكان من كبار أئمة القوم وساداتهم، وكلامه مقبول على جميع الألسنة، مات } يوم السبت سنة سبع وتسعين ومئتين، وقبره ببغداد ظاهر معروف، يزوره الخاص والعام ومن كلامه }: «إن الله يخلص إلى القلوب من بره، على حسب ما تخلص إليه القلوب من ذكره، فانظر ما خالط قلبك» اهـ. «الطبقات الكبرى» للإمام الشعراني جـ1، ص72.
([6]) وفي «فروينه»: «ألا يعصي الله...»، وكذلك في نسخة (1).
([7]) ما بين القوسين في نسخة (1) هكذا (شغله ذلك عن حبه لله وكذلك).
مقامات اليقين
مقامات اليقين(*)
وإذ قد تبين هذا فاعلم أنَّ مقامات اليقين تسعة وهي:
(التوبة، والزهد، والصبر، والشكر، والخوف، الرضا، والرجاء، والتوكل، والمحبة).
ولا تصح كل واحدة من هذه المقامات إلا بإسقاط التدبير مع الله والاختيار؛ وذلك أنَّ التائب كما يجب عليه أن يتوب من ذنبه، كذا يجب عليه أن يتوب عن التدبير مع ربه؛ لأنَّ التدبير والاختيار من كبائر([1]) القلوب والأسرار، والتوبة هي الرجوع إلى الله تعالى (من كل ما لا يرضاه لك)([2])؛ لأنه شرك بالربوبية، وكفر لنعمة العقل، ولا يرضى لعباده الكفر، وكيف تصح توبة عبد مهموم بتدبير دنياه غافل من حسن رعاياه.
وكذلك لا يصح الزهد إلا بالخروج عن التدبير؛ لأنَّ مِمَّا أنت مخاطب بالخروج عنه، والزهد عنه تدبيرك؛ إذ الزهد زهدان: زهد ظاهر جلي، وزهد باطن خفي.
فالظاهر الجلي: الزهد في فضول الحلال من المأكولات والملبوسات وغير ذلك.
والزهد الخفي: الزهد في الرياسة، وحب الظهور، ومنه الزهد في التدبير مع الله، وكذلك لا يصح صبر ولا شكر إلا بإسقاط التدبير؛ وذلك لأنَّ([3]) الصابر من صَبَرَ عَمَّا لا يحبه الله، ومِمَّا لا يحبه الله تعالى التدبير معه والاختيار؛ لأنَّ الصبر على أقسام:
صبر عن المحرمات، وصبر عن([4]) الواجبات، وصبر عن التدبيرات والاختيارات، وإن شئت قلت: صبر عن الحظوظ البشرية، وصبر على لوازم العبودية، ومن لوازم العبودية: إسقاط التدبير مع الله تعالى.
وكذلك لا يصح الشكر إلا لعبد ترك التدبير مع الله؛ لأنَّ الشكر كما قال الجنيد([5]) رحمه الله تعالى: «الشكر ألا تعصي([6]) الله بنعمه».
ولولا العقل الذي مَيَّزَكَ الله به على أشكاله، وجعله سببًا لكمالك -لم تكن من المدبرين معه؛ إذ الجمادات والحيوانات لا تدبير لها مع الله، لفِقدان العقل الذي من شأنه النظر إلى العواقب والاهتمام بها، ويناقض أيضًا مقام الخوف والرجاء؛ إذ الخوف إذا توجهت سطواته إلى القلوب منعها أن تستروح إلى وجود التدبير، والرجاء أيضًا كذلك؛ إذ الراجي قد امتلأ قلبه فرحًا بالله، ووقته مشغول بمعاملة الله تعالى؛ فأي وقت يسعه التدبير مع الله تعالى!.
ويناقض أيضًا مقام التوكل؛ وذلك أنَّ المتوكل على الله من ألقى قياده إليه، واعتمد في كل أموره عليه، فمِنْ لازم ذلك عدم التدبير والاستسلام؛ لجريان المقادير.
وتعلق إسقاط التدبير بمقام التوكل والرضا، أَبْيَنُ من تعلقه بسائر المقامات، ويناقض أيضًا مقام المحبة؛ إذ المحب مستغرق في حب محبوبه، وترك الإرداة معه هي عين مطلوبه، وليس يتسع وقت المحب للتدبير مع الله؛ لأنَّه قد (شغله عن ذلك حبه لله، ولذلك)([7]) قال بعضهم: «من ذاق شيئًا من خالص محبة الله، ألهاه ذلك عَمَّا سواه»، ويناقض أيضًا مقام الرضا: وهو بَيِّنٌ لا إشكال فيه؛ وذلك أنَّ الراضي قد اكتفى بسابق تدبير الله فيه، فكيف يكون مدبرًا معه وهو قد رضى بتدبيره! ألم تعلم أنَّ نور الرضا يغسل من القلوب غثاء التدبير! فالراضي عن الله بسطه نور الرضا لأحكامه، فليس له تدبير مع الله، وكفى بالعبد حسن اختيار سيده له، فافهم!.
(*) العنوان من عمل المحقق.
([1]) وفي نسخة: من كبائر ذنوب القلوب والأسرار.
([2]) ما بين القوسين نصه في «فروينه»: (من كل شيء لا يرضاه لك).
([3]) وفي نسخة أخرى: أن الصابر.
([4]) وفي «فروينه»: وصبر على الواجبات وذلك هو الأصح.
([5]) هو أبو القاسم الجنيد بن محمد الزَّجَّاجُ }، كان أبوه يبيع الزجاج؛ فلذلك يقال له: «القواريري»، أصله من نهاوند، مولده ومنشؤه بالعراق وكان فقيهًا يفتي الناس على مذهب أبي ثور، صاحب الإمام الشافعي وراوي مذهبه القديم، صَحِبَ خاله السَّرِيَّ السَّقَطِيَّ والحارث المُحَاسَبِيَّ، ومحمد بن علي القصاب، وكان من كبار أئمة القوم وساداتهم، وكلامه مقبول على جميع الألسنة، مات } يوم السبت سنة سبع وتسعين ومئتين، وقبره ببغداد ظاهر معروف، يزوره الخاص والعام ومن كلامه }: «إن الله يخلص إلى القلوب من بره، على حسب ما تخلص إليه القلوب من ذكره، فانظر ما خالط قلبك» اهـ. «الطبقات الكبرى» للإمام الشعراني جـ1، ص72.
([6]) وفي «فروينه»: «ألا يعصي الله...»، وكذلك في نسخة (1).
([7]) ما بين القوسين في نسخة (1) هكذا (شغله ذلك عن حبه لله وكذلك).
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin