الصفحة 14 من 61
بنو إسرائيل والتيه
بنو إسرائيل والتيه(*)
فائدة: اعلم أنَّ بني إسرائيل لما دخلوا التيه، ورُزِقُوا المَنَّ والسلوى، واختار الله تعالى لهم ذلك رزقًا رزقهم إياه، يبرز من عين المنة من غير تعب منهم ولا نصب، فرجعت نفوسهم الكثيفة لوجود إلف العادة، والغيبة عن شهود تدبير الله تعالى إلى طلب ما كانوا يعتادونه، فقالوا: ﴿فادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ﴾([1])؛ وذلك لأنَّهم تركوا ما اختار الله لهم مما يليق لما اختاروه لأنفسهم، فقيل لهم على طريق التوبيخ لهم: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا﴾، فظاهر التفسير: أتستبدلون الثوم والبصل والعدس بالمن والسلوى، وليس النوعان سواء في اللذة([2]) ولا في سقوط المشقة.
وسر الاعتبار: أتستبدلون مرادكم لأنفسكم بمراد الله لكم! أتستبدلون الذي هو أدنى وهو ما أردتموه بالذي هو خير، وهو ما أراد الله لكم! اهبطوا مصر فإن ما أنتم اشتهيتموه لا يليق أن يكون إلا في الأمصار.
وفي سر الاعتبار: اهبطوا من سماء التفويض وحسن الاختيار([3]) والتدبير منا لكم -إلى أرض التدبير والاختيار منكم لأنفسكم، موصوفين بالذلة والمسكنة؛ لاختياركم مع الله وتدبيركم لأنفسكم مع تدبير الله، ولو أن هذه الأمة هي الكائنة في التيه لما قالت مقال بني إسرائيل؛ لشفوف أنوارهم ونفوذ أسرارهم، ألا ترى أنَّ بني إسرائيل في ابتداء الأمر قالوا لموسى — وهو كان سبب التيه لهم: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ﴾([4])، وقالوا في آخره: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾([5])!.
فَأَبَوْا في الأول عن امتثال أمر الله، وفي الآخر اختاروا لأنفسهم غير ما اختار الله بهم، وكثيرًا ما تكرر منهم ما يدل على بعدهم عن مصدر الحقيقة، وسواء الطريقة في قولهم: ﴿أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً﴾([6])، وفي قولهم لموسى — بعد، ولم ينشف بلل البحر من أقدامهم حين فُرِقَ لهم لما عبروا على قوم يعكفون على أصنام لهم، فقالوا([7]): ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ﴾([8])؛ فكانوا كما قال موسى —: ﴿قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾([9])، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾([10]).
وهذه الأمة نتق فوق قلوبها جبال الهيبة والعظمة؛ فأخذوا الكتاب بقوة الإيمان، فثبتوا لذلك وأيدوا لما هنالك، وحفظوا من عبادة العجل وغير ذلك؛ لأنَّ الله تعالى اختار هذه الأمة واختار لها، وأثنى عليها بقوله: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾([11])، وقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾([12])؛ أي: عدولًا خيارًا.
(*) العنوان من عمل المحقق.
([1]) الآية: 61 من سورة البقرة.
([2]) وفي «فروينه»: في اللذاذة.
([3]) وفي نسخة: وحسن التدبير منا لكم.
([4]) الآية: 24 من سورة المائدة.
([5]) الآيات: (68، 69، 70) من سورة البقرة.
([6]) الآية: 153 من سورة النساء.
([7]) وفي «فروينه»: قالوا: يا موسى.
([8]) الآية: 138 من سورة الأعراف.
([9]) الآية: 138 من سورة الأعراف.
([10]) الآية: 171 من سورة الأعراف.
([11]) الآية: 110 من سورة آل عمران.
([12]) الآية: 143 من سورة البقرة.
بنو إسرائيل والتيه
بنو إسرائيل والتيه(*)
فائدة: اعلم أنَّ بني إسرائيل لما دخلوا التيه، ورُزِقُوا المَنَّ والسلوى، واختار الله تعالى لهم ذلك رزقًا رزقهم إياه، يبرز من عين المنة من غير تعب منهم ولا نصب، فرجعت نفوسهم الكثيفة لوجود إلف العادة، والغيبة عن شهود تدبير الله تعالى إلى طلب ما كانوا يعتادونه، فقالوا: ﴿فادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ﴾([1])؛ وذلك لأنَّهم تركوا ما اختار الله لهم مما يليق لما اختاروه لأنفسهم، فقيل لهم على طريق التوبيخ لهم: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا﴾، فظاهر التفسير: أتستبدلون الثوم والبصل والعدس بالمن والسلوى، وليس النوعان سواء في اللذة([2]) ولا في سقوط المشقة.
وسر الاعتبار: أتستبدلون مرادكم لأنفسكم بمراد الله لكم! أتستبدلون الذي هو أدنى وهو ما أردتموه بالذي هو خير، وهو ما أراد الله لكم! اهبطوا مصر فإن ما أنتم اشتهيتموه لا يليق أن يكون إلا في الأمصار.
وفي سر الاعتبار: اهبطوا من سماء التفويض وحسن الاختيار([3]) والتدبير منا لكم -إلى أرض التدبير والاختيار منكم لأنفسكم، موصوفين بالذلة والمسكنة؛ لاختياركم مع الله وتدبيركم لأنفسكم مع تدبير الله، ولو أن هذه الأمة هي الكائنة في التيه لما قالت مقال بني إسرائيل؛ لشفوف أنوارهم ونفوذ أسرارهم، ألا ترى أنَّ بني إسرائيل في ابتداء الأمر قالوا لموسى — وهو كان سبب التيه لهم: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ﴾([4])، وقالوا في آخره: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾([5])!.
فَأَبَوْا في الأول عن امتثال أمر الله، وفي الآخر اختاروا لأنفسهم غير ما اختار الله بهم، وكثيرًا ما تكرر منهم ما يدل على بعدهم عن مصدر الحقيقة، وسواء الطريقة في قولهم: ﴿أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً﴾([6])، وفي قولهم لموسى — بعد، ولم ينشف بلل البحر من أقدامهم حين فُرِقَ لهم لما عبروا على قوم يعكفون على أصنام لهم، فقالوا([7]): ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ﴾([8])؛ فكانوا كما قال موسى —: ﴿قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾([9])، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾([10]).
وهذه الأمة نتق فوق قلوبها جبال الهيبة والعظمة؛ فأخذوا الكتاب بقوة الإيمان، فثبتوا لذلك وأيدوا لما هنالك، وحفظوا من عبادة العجل وغير ذلك؛ لأنَّ الله تعالى اختار هذه الأمة واختار لها، وأثنى عليها بقوله: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾([11])، وقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾([12])؛ أي: عدولًا خيارًا.
(*) العنوان من عمل المحقق.
([1]) الآية: 61 من سورة البقرة.
([2]) وفي «فروينه»: في اللذاذة.
([3]) وفي نسخة: وحسن التدبير منا لكم.
([4]) الآية: 24 من سورة المائدة.
([5]) الآيات: (68، 69، 70) من سورة البقرة.
([6]) الآية: 153 من سورة النساء.
([7]) وفي «فروينه»: قالوا: يا موسى.
([8]) الآية: 138 من سورة الأعراف.
([9]) الآية: 138 من سورة الأعراف.
([10]) الآية: 171 من سورة الأعراف.
([11]) الآية: 110 من سورة آل عمران.
([12]) الآية: 143 من سورة البقرة.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin