الصفحة 28 من 61
الموازنة بين المتجرد والمتسبب
الموازنة بين المتجرد والمتسبب(*)
فصل:
لعلك ([1]) تفهم من هذا الكلام أن المتجرد والمتسبب في رتبة واحدة، وليس الأمر كذلك، ولن يجعل الله من تفرغ لعبادته، وشغل أوقاته به، كالداخل في الأسباب، ولو كان فيها متقنًا.
فالمتسبب والمتجرد إذا استوى مقامها من حيث المعرفة بالله فالمتجرد أفضل، وما هو فيه أعلى وأكمل؛ ولذلك قال بعض العارفين: «مَثَلُ المتسبب والمتجرد كعبدين للملك؛ قال لأحدهما: اعمل وكل من كسب يدك، وقال للآخر: الزم أنت حضرتي وخدمتي وأنا أقوم لك بما تريد».
فهذا قدره عند السيد أَجَلُّ، وصنعه به ذلك على العناية به أَدَلُّ، ثم إنه قَلَّمَا تسلم ([2]) من المخالفة، أو تصفو لك الطاعات مع الدخول في الأسباب؛ لاستلزامها لمعاشرة الأضداد ومخالطة أهل الغفلة والعناد، وأشد ما يعينك على الطاعات رؤية المطيعين، وأشد ما يدخل في الذنب رؤية المذنبين، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» ([3])، قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
* فكل قرين بالمقارن يقتدي
فإن كان ذا شرف فجانبه سرعة
* وإن كان ذا خير فقارنه تهتدي
والنفس من شأنها التشبه والمحاكاة، والتزين بصفات من قارنها والمضاهاة، فصحبتك للغافلين معونة لها على وجود الغفلة؛ إذ الغفلة ملائمة لها من أصل الوضع، فكيف إذا انْضَمَّ إلى ذلك سبب مخالطة الغافلين!.
وقد تجد من نفسك أيها الأخ -وَفَّقَكَ الله- أنه لا يستوي([4]) حالة خروجك من منزلك وعودك إليه، وأنت في حين خروجك تغلب عليك الأنوار، وشرح الصدر، والعزم على الطاعة، والزهد في الدنيا، فتجدك إذا رجعت لست كذلك، ولا فيما هنالك، وما ذاك إلا لدنس المخالطة وانغماس القلوب في ظلمة الأسباب، ولو([5]) كانت الأسباب والمعاصي إذا ذهبت أثرها لم تعوق القلوب من المسير إلى الله تعالى بعد انفصالها([6]) ووجود زوالها، وإنما ذلك كالنار، فربما انقضى الإيقاد وبقي السواد.
ويحتاج المتسبب إلى شيئين: علم، وتقوى؛ فالعلم يعلم به الحلال والحرام، والتقوى تصده عن ارتكاب الآثام، فأما حاجته إلى العلم فإنه يحتاج إلى الأحكام المتعلقة بالمعاملة، بيعًا وسلمًا وصرفًا، وما يتعلق بذلك مع ما يحتاج إليه من أحكام الواجبات والفروض المعينات.
(*) العنوان من عمل المحقق.
([1]) وفي «فروينه»: ولعلك.
([2]) وفي نسخة، يسلم، ولعل الأصح تسلم.
([3]) هذا الحديث النبوي الشريف أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه الحاكم من حديث أبي هريرة، وقال: صحيح إن شاء الله.
([4]) وفي «فروينه»: لا يستوي في الزهد حاله.. إلخ.
([5]) وفي نسخة: فلو.
([6]) وفي نسخة أخرى: بعد اتصالها.
الموازنة بين المتجرد والمتسبب
الموازنة بين المتجرد والمتسبب(*)
فصل:
لعلك ([1]) تفهم من هذا الكلام أن المتجرد والمتسبب في رتبة واحدة، وليس الأمر كذلك، ولن يجعل الله من تفرغ لعبادته، وشغل أوقاته به، كالداخل في الأسباب، ولو كان فيها متقنًا.
فالمتسبب والمتجرد إذا استوى مقامها من حيث المعرفة بالله فالمتجرد أفضل، وما هو فيه أعلى وأكمل؛ ولذلك قال بعض العارفين: «مَثَلُ المتسبب والمتجرد كعبدين للملك؛ قال لأحدهما: اعمل وكل من كسب يدك، وقال للآخر: الزم أنت حضرتي وخدمتي وأنا أقوم لك بما تريد».
فهذا قدره عند السيد أَجَلُّ، وصنعه به ذلك على العناية به أَدَلُّ، ثم إنه قَلَّمَا تسلم ([2]) من المخالفة، أو تصفو لك الطاعات مع الدخول في الأسباب؛ لاستلزامها لمعاشرة الأضداد ومخالطة أهل الغفلة والعناد، وأشد ما يعينك على الطاعات رؤية المطيعين، وأشد ما يدخل في الذنب رؤية المذنبين، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» ([3])، قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
* فكل قرين بالمقارن يقتدي
فإن كان ذا شرف فجانبه سرعة
* وإن كان ذا خير فقارنه تهتدي
والنفس من شأنها التشبه والمحاكاة، والتزين بصفات من قارنها والمضاهاة، فصحبتك للغافلين معونة لها على وجود الغفلة؛ إذ الغفلة ملائمة لها من أصل الوضع، فكيف إذا انْضَمَّ إلى ذلك سبب مخالطة الغافلين!.
وقد تجد من نفسك أيها الأخ -وَفَّقَكَ الله- أنه لا يستوي([4]) حالة خروجك من منزلك وعودك إليه، وأنت في حين خروجك تغلب عليك الأنوار، وشرح الصدر، والعزم على الطاعة، والزهد في الدنيا، فتجدك إذا رجعت لست كذلك، ولا فيما هنالك، وما ذاك إلا لدنس المخالطة وانغماس القلوب في ظلمة الأسباب، ولو([5]) كانت الأسباب والمعاصي إذا ذهبت أثرها لم تعوق القلوب من المسير إلى الله تعالى بعد انفصالها([6]) ووجود زوالها، وإنما ذلك كالنار، فربما انقضى الإيقاد وبقي السواد.
ويحتاج المتسبب إلى شيئين: علم، وتقوى؛ فالعلم يعلم به الحلال والحرام، والتقوى تصده عن ارتكاب الآثام، فأما حاجته إلى العلم فإنه يحتاج إلى الأحكام المتعلقة بالمعاملة، بيعًا وسلمًا وصرفًا، وما يتعلق بذلك مع ما يحتاج إليه من أحكام الواجبات والفروض المعينات.
(*) العنوان من عمل المحقق.
([1]) وفي «فروينه»: ولعلك.
([2]) وفي نسخة، يسلم، ولعل الأصح تسلم.
([3]) هذا الحديث النبوي الشريف أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه الحاكم من حديث أبي هريرة، وقال: صحيح إن شاء الله.
([4]) وفي «فروينه»: لا يستوي في الزهد حاله.. إلخ.
([5]) وفي نسخة: فلو.
([6]) وفي نسخة أخرى: بعد اتصالها.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin