تبرك الصحابة بأجزاء النبي صلى الله عليه وسلم
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
تَبَرُّكُ الصَّحَابَةِ بِأَجْزَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَآثَارِهِ في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَبَرَّكُونَ بِأَجْزَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَآثَارِهِ، وَثِيَابِهِ وَطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، وَذَلِكَ لِإِيمَانِهِمْ بِأَنَّ أَجْزَاءَهُ الشَّرِيفَةَ، وَآثَارَهُ الكَرِيمَةَ، هِيَ مَلِيئَةٌ بِالخَيْرَاتِ وَالبَرَكَاتِ، لِأَنَّهَا أَجْزَاؤُهُ وَآثَارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
تَبَرُّكُ الصَّحَابَةِ بِشَعْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَتَكْرِيمُهُمْ لَهُ وَحِرْصُهُمْ عَلَيْهِ:
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالْحَلَّاقُ يَحْلِقُهُ، وَأَطَافَ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ.
أَيْ: تَعْظِيمَاً لَهَا وَتَبَرُّكَاً بِهَا.
وَفِي الإِصَابَةِ: جُعْشُمُ الخَيْرِ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ وَنَعْلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ شَعْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتَى مِنَىً، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنَىً وَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: «خُذْ ـ وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهِ ـ أَيْ: يُعْطِي شَعْرَهُ ـ النَّاسَ».
وَذَلِكَ ـ كَمَا قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ ـ للتَّبَرُّكِ بِهِ، وَاسْتِشْفَاعَاً إلى اللهِ تعالى بِمَا هُوَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَتَقَرُّبَاً بِذَلِكَ إِلَيْهِ. اهـ.
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ للحَلَّاقِ: «هَا» وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلى الجَانِبِ الأَيْمَنِ، فَحَلَقَ، فَقَسَّمَ شَعْرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَنْ يَدَيْهِ ـ مِنَ الصَّحَابَةِ ـ ثُمَّ أَشَارَ إلى الحَلَّاقِ إلى الجَانِبِ الأَيْسَرِ، فَحَلَقَ، فَأَعْطَاهُ لِأُمِّ سُلَيْمٍ بِنْتِ مِلْحَانَ وَالِدَةِ أَنَسٍ.
وَعِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ زِيَادَةٌ: وَقَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَظْفَارَهُ، وَقَسَّمَهَا بَيْنَ النَّاسِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ الأَيْسَرَ إلى أَبِي طَلْحَةَ وَقَالَ لَهُ: «اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ».
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى شَعْرَ الجَانِبِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ أَعْطَى الجَانِبَ الأَيْسَرَ، وَقَالَ: «اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ».
قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: وَفِيهِ التَّبَرُّكُ ـ أَيْ: دَلِيلُ التَّبَرُّكِ ـ بِشَعْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَجَوَازِ اقْتِنَائِهِ. اهـ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبِّيُّ: إِعْطَاؤُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَلْحَةَ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِقَوْلِهِ: «اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ». لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُ لِأَبِي طَلْحَةَ لِيُفَرِّقَهُ.
وَيَبْقَى النَّظَرُ في اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ في شَعْرِ الجَانِبِ الأَيْسَرِ:
فَفِي الرِّوَايَةِ الأُولَى أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَهُ كَالأَيْمَنِ.
وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ أُمَّ سُلَيْمٍ.
وَفِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ.
وَفِي الرِّوَايَةِ الرَّابِعَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الشِّقَّيْنِ لِأَبِي طَلْحَةَ.
قَالَ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ أُمَّ سُلَيْمٍ لِتُعْطِيَهُ لِزَوْجِهَا أَبِي طَلْحَةَ لِيُفَرِّقَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الشَّعْرَ لِأَبِي طَلْحَةَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ زَوْجَتِهِ، لِتُفَرِّقَهُ عَلَى النِّسَاءِ. اهـ.
أَيْ: فَيَكُونُ شَعْرُ الأَيْمَنِ للرِّجَالِ، وَشَعْرُ الأَيْسَرِ للنِّسَاءِ.
قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: إِنَّمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَعْرَهُ في أَصْحَابِهِ، لِيَكُونَ بَرَكَةً بَاقِيَةً بَيْنَهُمْ، وَتَذْكِرَةً لَهُمْ، وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ بِذَلِكَ إلى اقْتِرَابِ الأَجَلِ، وَخَصَّ أَبَا طَلْحَةَ بِالقِسْمَةِ، الْتِفَاتَاً إلى هَذَا المَعْنَى، لِأَنَّهُ هُوَ الذي حَفَرَ القَبْرَ الشَّرِيفَ وَلَحَدَ لَهُ وَبَنَى فِيهِ اللَّبِنَ. اهـ.
وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ: عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصَبْنَاهُ ـ أَيْ: حَصَلَ لَنَا ـ مِنْ قِبَلِ ـ أَيْ: مِنْ جِهَةِ ـ أَنَسٍ، أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنَسٍ.
فَقَالَ عُبَيْدَةُ: لَأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
وَفِي رِوَايَةِ الإِسْمَاعِيلِيِّ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ ـ يَعْنِي: الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ ـ.
وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا حَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ ـ أَيْ: يَوْمَ حَجَّةِ الوَدَاعِ ـ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي تَقْسِيمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَعْرَهُ الشَّرِيفَ يَوْمَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، بَيَانٌ مِنْهُ وَإِعْلَامٌ بِمَا أَوْدَعَ اللهُ تعالى في جِسْمِهِ وَأَجْزَائِهِ الشَّرِيفَةِ، مِنَ الخَيْرَاتِ وَالبَرَكَاتِ، وَبِمَا خَصَّهُ بِهِ مِنَ الأَسْرَارِ وَالأَنْوَارِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الحَقِيقَةِ وَالوَاقِعِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الظَّنِّ أَو التَّخَيُّلِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
تَبَرُّكُ الصَّحَابَةِ بِأَجْزَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَآثَارِهِ في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَبَرَّكُونَ بِأَجْزَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَآثَارِهِ، وَثِيَابِهِ وَطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، وَذَلِكَ لِإِيمَانِهِمْ بِأَنَّ أَجْزَاءَهُ الشَّرِيفَةَ، وَآثَارَهُ الكَرِيمَةَ، هِيَ مَلِيئَةٌ بِالخَيْرَاتِ وَالبَرَكَاتِ، لِأَنَّهَا أَجْزَاؤُهُ وَآثَارُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
تَبَرُّكُ الصَّحَابَةِ بِشَعْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَتَكْرِيمُهُمْ لَهُ وَحِرْصُهُمْ عَلَيْهِ:
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالْحَلَّاقُ يَحْلِقُهُ، وَأَطَافَ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ.
أَيْ: تَعْظِيمَاً لَهَا وَتَبَرُّكَاً بِهَا.
وَفِي الإِصَابَةِ: جُعْشُمُ الخَيْرِ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَكَسَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَهُ وَنَعْلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ شَعْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتَى مِنَىً، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا، ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنَىً وَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: «خُذْ ـ وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهِ ـ أَيْ: يُعْطِي شَعْرَهُ ـ النَّاسَ».
وَذَلِكَ ـ كَمَا قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ ـ للتَّبَرُّكِ بِهِ، وَاسْتِشْفَاعَاً إلى اللهِ تعالى بِمَا هُوَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَتَقَرُّبَاً بِذَلِكَ إِلَيْهِ. اهـ.
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ للحَلَّاقِ: «هَا» وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلى الجَانِبِ الأَيْمَنِ، فَحَلَقَ، فَقَسَّمَ شَعْرَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَنْ يَدَيْهِ ـ مِنَ الصَّحَابَةِ ـ ثُمَّ أَشَارَ إلى الحَلَّاقِ إلى الجَانِبِ الأَيْسَرِ، فَحَلَقَ، فَأَعْطَاهُ لِأُمِّ سُلَيْمٍ بِنْتِ مِلْحَانَ وَالِدَةِ أَنَسٍ.
وَعِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ زِيَادَةٌ: وَقَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَظْفَارَهُ، وَقَسَّمَهَا بَيْنَ النَّاسِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ الأَيْسَرَ إلى أَبِي طَلْحَةَ وَقَالَ لَهُ: «اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ».
وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى شَعْرَ الجَانِبِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ أَعْطَى الجَانِبَ الأَيْسَرَ، وَقَالَ: «اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ».
قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: وَفِيهِ التَّبَرُّكُ ـ أَيْ: دَلِيلُ التَّبَرُّكِ ـ بِشَعْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَجَوَازِ اقْتِنَائِهِ. اهـ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الأَبِّيُّ: إِعْطَاؤُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَلْحَةَ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِقَوْلِهِ: «اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ». لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُ لِأَبِي طَلْحَةَ لِيُفَرِّقَهُ.
وَيَبْقَى النَّظَرُ في اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ في شَعْرِ الجَانِبِ الأَيْسَرِ:
فَفِي الرِّوَايَةِ الأُولَى أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَهُ كَالأَيْمَنِ.
وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ أُمَّ سُلَيْمٍ.
وَفِي الثَّالِثَةِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ.
وَفِي الرِّوَايَةِ الرَّابِعَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الشِّقَّيْنِ لِأَبِي طَلْحَةَ.
قَالَ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ أُمَّ سُلَيْمٍ لِتُعْطِيَهُ لِزَوْجِهَا أَبِي طَلْحَةَ لِيُفَرِّقَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الشَّعْرَ لِأَبِي طَلْحَةَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ زَوْجَتِهِ، لِتُفَرِّقَهُ عَلَى النِّسَاءِ. اهـ.
أَيْ: فَيَكُونُ شَعْرُ الأَيْمَنِ للرِّجَالِ، وَشَعْرُ الأَيْسَرِ للنِّسَاءِ.
قَالَ الحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ: إِنَّمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَعْرَهُ في أَصْحَابِهِ، لِيَكُونَ بَرَكَةً بَاقِيَةً بَيْنَهُمْ، وَتَذْكِرَةً لَهُمْ، وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ بِذَلِكَ إلى اقْتِرَابِ الأَجَلِ، وَخَصَّ أَبَا طَلْحَةَ بِالقِسْمَةِ، الْتِفَاتَاً إلى هَذَا المَعْنَى، لِأَنَّهُ هُوَ الذي حَفَرَ القَبْرَ الشَّرِيفَ وَلَحَدَ لَهُ وَبَنَى فِيهِ اللَّبِنَ. اهـ.
وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ: عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصَبْنَاهُ ـ أَيْ: حَصَلَ لَنَا ـ مِنْ قِبَلِ ـ أَيْ: مِنْ جِهَةِ ـ أَنَسٍ، أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنَسٍ.
فَقَالَ عُبَيْدَةُ: لَأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
وَفِي رِوَايَةِ الإِسْمَاعِيلِيِّ: أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ ـ يَعْنِي: الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ ـ.
وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا حَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ ـ أَيْ: يَوْمَ حَجَّةِ الوَدَاعِ ـ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي تَقْسِيمِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَعْرَهُ الشَّرِيفَ يَوْمَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، بَيَانٌ مِنْهُ وَإِعْلَامٌ بِمَا أَوْدَعَ اللهُ تعالى في جِسْمِهِ وَأَجْزَائِهِ الشَّرِيفَةِ، مِنَ الخَيْرَاتِ وَالبَرَكَاتِ، وَبِمَا خَصَّهُ بِهِ مِنَ الأَسْرَارِ وَالأَنْوَارِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الحَقِيقَةِ وَالوَاقِعِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الظَّنِّ أَو التَّخَيُّلِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin