حفظ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم من الخطأ (5)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
الوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ مُوَافَقَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَخْذِ الفِدَاءِ مِنَ الأَسْرَى، فِيهِ حِكْمَةٌ رَشِيدَةٌ وَخِطَّةٌ سَدِيدَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّرْعَ الذي يَنْزِلُ بَعدَهُ:
إِمَّا: أَنْ يُقِرَّهُ عَلَى فِعْلِهِ فَهُوَ المَقْصُودُ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ وَالحَمْدُ للهِ.
وَإِمَّا: أَنْ يَأْمُرَهُ بِرَدِّ الفِدَاءِ وَضَرْبِ الرِّقَابِ، فَحِينَذَاكَ يَرُدُّ الفِدَاءَ عَلَى الأَسْرَى، وَيَضْرِبُ الرِّقَابَ.
وَلَكِنْ لَوْ كَانَ ضَرَبَ أَعْنَاقَ الأَسْرَى، وَجَاءَ الشَّرْعُ بَعْدُ بِقَبُولِ الفِدَاءِ مِنْهُمْ، فَمَاذَا يَعْمَلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ؟ فَكَانَ تَرَيُّثُهُ في القَتْلِ هُوَ عَيْنُ الحِكْمَةِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَلِذَا أَقَرَّهُ سُبْحَانَهُ وَشَرَعَهُ.
وَفِي أَحْكَامِ القُرْآنِ للقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ العَرَبِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدِ اخْتَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الفِدَاءَ مَعَ الصَّحَابَةِ الذينَ اخْتَارُوا الفِدَاءَ، فَهَلْ يَكُونُ ذَنْبَاً مِنْهُ؟
قُلْنَا: كَذَلِكَ تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ مَعْصِيَةً غَيْرَ مَعْنِيَّةٍ.
قَالَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ: وَحَاشَا للهِ مِنْ هَذَا القَوْلِ، إِنَّمَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَوَقُّفٌ وَانْتِظَارٌ ـ أَيْ: لِأَن يَحْكُمَ اللهُ تعالى في ذَلِكَ ـ وَلَمْ يَكُنِ القَتْلُ لِيَفُوتَ، مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا الصَّنَادِيدَ، وَأَثْخَنُوا في الأَرْضِ ـ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا مِنْ صَنَادِيدِ المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ، ثُمَّ أَسَرُوا سَبْعِينَ ـ فَانْتَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: هَلْ ذَلِكَ كَافٍ ـ أَيْ: في الإِثْخَانِ ـ أَمْ لَا؟ وَهَذَا بَيِّنٌ عِنْدَ أَهْلِ الإِنْصَافِ. اهـ.
الوَجْهُ التَّاسِعُ: كَيْفَ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخْطَأَ في أَسْرَى بَدْرٍ، مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ أَنْ يُخَيِّرَ أَصْحَابَهُ في ذَلِكَ، ثُمَّ عَمِلَ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ.
فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ، بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ تعالى وَجْهَهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ لَهُ: «خَيِّرْ أَصْحَابَكَ فِي الْأُسَارَى إِنْ شَاؤُوا الْقَتْلَ، وَإِنْ شَاؤُوا الْفِدَاءَ، عَلَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ ـ أَي: الصَّحَابَةُ ـ في العَامِ المُقْبِلِ مِثْلَهُمْ.
فَقَالُوا: نَخْتَارُ الْفِدَاءُ وَيُقْتَلُ مِنَّا ـ أَيْ: يُقْتَلُ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَغْبَةً في الشَّهَادَةِ في سَبِيلِ اللهِ تعالى ـ.
وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ قَتَادَةَ: فَقَالُوا: بَلْ نُفَادِيهِمْ، فَنَقْوَى بِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَيَدْخُلُ العَامَ القَابِلَ مِنَّا الجَنَّةَ سَبْعُونَ؛ فَفَادُوهُمْ.
قَالَ الحَافِظُ القَسْطَلَانِيُّ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا مَا أَذِنَ لَهُمْ فِيهِ. اهـ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الوَجْهُ العَاشِرُ: كَيْفَ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخْطَأَ في قَبُولِ الفِدَاءِ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَبْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، فَادَى سَرِيَّةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ، التي قُتْلَ فِيهَا عَمْرُو بْنُ الحَضْرَمِيِّ، وَلَمْ يَعْتِبِ اللهُ تعالى عَلَيْهِ في ذَلِكَ.
فَقَدْ جَاءَ في السِّيَرَ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ في سَرِيَّةٍ يَعْتَرِضُ بِهَا عِيرَ قُرَيْشٍ، فَنَزَلُوا بَطْنَ نَخْلَةَ ـ مَوْضِعَاً قَرِيبَاً مِنْ مَكَّةَ ـ فَقَتَلُوا عَمْرَو بْنَ الحَضْرَمِيَّ وَأَسَرُوا عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، وَالحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ، وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ، فَاسْتَاقُوا البَعِيرَ.
وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في فِدَاءِ الأَسِيرَيْنِ، وَهُمَا: عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَالحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا نَفْدِيكُمُوهُمَا حَتَّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا ـ يَعْنِي سَعْدَاً وَعُتْبَةَ ـ (أَيْ: لِأَنَّهُمَا كَانَا في السَّرِيَّةِ، وَلَكِنَّهُمَا تَأَخَّرَا في العَوْدَةِ) فَإِنَّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ».
فَقَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ بَعْدَهُمْ بِأَيَّامٍ فَفَدَاهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ بِأَرْبَعِينَ أَوقِيَةً.
فَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدَاً.
وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، فَمَاتَ بِهَا كَافِرَاً.
وَلَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ السَّرِيَّةُ في رَجَبٍ، وَقِيلَ في جُمَادَى الآخِرَةِ، وَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ في رَمَضَانَ، وَكِلَاهُمَا في ثَانِيَةِ الهِجْرَةِ، فَمَا عَتِبَ اللهُ تعالى عَلَى أَخْذِ الفِدَاءِ في تِلْكَ السَّرِيَّةِ، فَلَوْ كَانَ مَمْنُوعَاً لَعَتِبَ سُبْحَانَهُ (رَاجِعِ المَوَاهِبَ وَشَرْحَهَا وَشَرْحَ الشِّفَا للقَاضِي عِيَاضٌ).
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
الوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّ مُوَافَقَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَخْذِ الفِدَاءِ مِنَ الأَسْرَى، فِيهِ حِكْمَةٌ رَشِيدَةٌ وَخِطَّةٌ سَدِيدَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّرْعَ الذي يَنْزِلُ بَعدَهُ:
إِمَّا: أَنْ يُقِرَّهُ عَلَى فِعْلِهِ فَهُوَ المَقْصُودُ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ وَالحَمْدُ للهِ.
وَإِمَّا: أَنْ يَأْمُرَهُ بِرَدِّ الفِدَاءِ وَضَرْبِ الرِّقَابِ، فَحِينَذَاكَ يَرُدُّ الفِدَاءَ عَلَى الأَسْرَى، وَيَضْرِبُ الرِّقَابَ.
وَلَكِنْ لَوْ كَانَ ضَرَبَ أَعْنَاقَ الأَسْرَى، وَجَاءَ الشَّرْعُ بَعْدُ بِقَبُولِ الفِدَاءِ مِنْهُمْ، فَمَاذَا يَعْمَلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ؟ فَكَانَ تَرَيُّثُهُ في القَتْلِ هُوَ عَيْنُ الحِكْمَةِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَلِذَا أَقَرَّهُ سُبْحَانَهُ وَشَرَعَهُ.
وَفِي أَحْكَامِ القُرْآنِ للقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ العَرَبِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدِ اخْتَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الفِدَاءَ مَعَ الصَّحَابَةِ الذينَ اخْتَارُوا الفِدَاءَ، فَهَلْ يَكُونُ ذَنْبَاً مِنْهُ؟
قُلْنَا: كَذَلِكَ تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ مَعْصِيَةً غَيْرَ مَعْنِيَّةٍ.
قَالَ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ: وَحَاشَا للهِ مِنْ هَذَا القَوْلِ، إِنَّمَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَوَقُّفٌ وَانْتِظَارٌ ـ أَيْ: لِأَن يَحْكُمَ اللهُ تعالى في ذَلِكَ ـ وَلَمْ يَكُنِ القَتْلُ لِيَفُوتَ، مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا الصَّنَادِيدَ، وَأَثْخَنُوا في الأَرْضِ ـ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا مِنْ صَنَادِيدِ المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ، ثُمَّ أَسَرُوا سَبْعِينَ ـ فَانْتَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: هَلْ ذَلِكَ كَافٍ ـ أَيْ: في الإِثْخَانِ ـ أَمْ لَا؟ وَهَذَا بَيِّنٌ عِنْدَ أَهْلِ الإِنْصَافِ. اهـ.
الوَجْهُ التَّاسِعُ: كَيْفَ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخْطَأَ في أَسْرَى بَدْرٍ، مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ أَنْ يُخَيِّرَ أَصْحَابَهُ في ذَلِكَ، ثُمَّ عَمِلَ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ.
فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ، بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ تعالى وَجْهَهُ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ لَهُ: «خَيِّرْ أَصْحَابَكَ فِي الْأُسَارَى إِنْ شَاؤُوا الْقَتْلَ، وَإِنْ شَاؤُوا الْفِدَاءَ، عَلَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ ـ أَي: الصَّحَابَةُ ـ في العَامِ المُقْبِلِ مِثْلَهُمْ.
فَقَالُوا: نَخْتَارُ الْفِدَاءُ وَيُقْتَلُ مِنَّا ـ أَيْ: يُقْتَلُ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَغْبَةً في الشَّهَادَةِ في سَبِيلِ اللهِ تعالى ـ.
وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ قَتَادَةَ: فَقَالُوا: بَلْ نُفَادِيهِمْ، فَنَقْوَى بِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَيَدْخُلُ العَامَ القَابِلَ مِنَّا الجَنَّةَ سَبْعُونَ؛ فَفَادُوهُمْ.
قَالَ الحَافِظُ القَسْطَلَانِيُّ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا مَا أَذِنَ لَهُمْ فِيهِ. اهـ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الوَجْهُ العَاشِرُ: كَيْفَ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخْطَأَ في قَبُولِ الفِدَاءِ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَبْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، فَادَى سَرِيَّةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ، التي قُتْلَ فِيهَا عَمْرُو بْنُ الحَضْرَمِيِّ، وَلَمْ يَعْتِبِ اللهُ تعالى عَلَيْهِ في ذَلِكَ.
فَقَدْ جَاءَ في السِّيَرَ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ في سَرِيَّةٍ يَعْتَرِضُ بِهَا عِيرَ قُرَيْشٍ، فَنَزَلُوا بَطْنَ نَخْلَةَ ـ مَوْضِعَاً قَرِيبَاً مِنْ مَكَّةَ ـ فَقَتَلُوا عَمْرَو بْنَ الحَضْرَمِيَّ وَأَسَرُوا عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، وَالحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ، وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ، فَاسْتَاقُوا البَعِيرَ.
وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في فِدَاءِ الأَسِيرَيْنِ، وَهُمَا: عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَالحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا نَفْدِيكُمُوهُمَا حَتَّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا ـ يَعْنِي سَعْدَاً وَعُتْبَةَ ـ (أَيْ: لِأَنَّهُمَا كَانَا في السَّرِيَّةِ، وَلَكِنَّهُمَا تَأَخَّرَا في العَوْدَةِ) فَإِنَّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ».
فَقَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ بَعْدَهُمْ بِأَيَّامٍ فَفَدَاهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ بِأَرْبَعِينَ أَوقِيَةً.
فَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدَاً.
وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللهِ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، فَمَاتَ بِهَا كَافِرَاً.
وَلَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ السَّرِيَّةُ في رَجَبٍ، وَقِيلَ في جُمَادَى الآخِرَةِ، وَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ في رَمَضَانَ، وَكِلَاهُمَا في ثَانِيَةِ الهِجْرَةِ، فَمَا عَتِبَ اللهُ تعالى عَلَى أَخْذِ الفِدَاءِ في تِلْكَ السَّرِيَّةِ، فَلَوْ كَانَ مَمْنُوعَاً لَعَتِبَ سُبْحَانَهُ (رَاجِعِ المَوَاهِبَ وَشَرْحَهَا وَشَرْحَ الشِّفَا للقَاضِي عِيَاضٌ).
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
أمس في 20:03 من طرف Admin
» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
أمس في 20:02 من طرف Admin
» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
أمس في 19:34 من طرف Admin
» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
أمس في 19:31 من طرف Admin
» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:28 من طرف Admin
» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:26 من طرف Admin
» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
أمس في 19:24 من طرف Admin
» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
أمس في 19:21 من طرف Admin
» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
أمس في 19:19 من طرف Admin
» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
أمس في 19:17 من طرف Admin
» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
أمس في 19:14 من طرف Admin
» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
أمس في 19:12 من طرف Admin