حول استغفاره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: حَوْلَ اسْتِغْفَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورَاً رَحِيمَاً﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَاً﴾.
الاسْتِغْفَارُ: هُوَ طَلَبُ المَغْفِرَةِ مِنَ اللهِ تعالى.
فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنَ الاسْتِغْفَارِ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، في الصَّلَوَاتِ وَوَرَاءَ الصَّلَوَاتِ، وَفِي سَائِرِ مَجَالِسِهِ وَأَحْوَالِهِ.
وَكَانَ مَكْحُولٌ يُكْثِرُ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، وَيَقُولُ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، وَيَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَكْثَرَ اسْتِغْفَارَاً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ في سُجُودِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثَاً وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً».
قَالَ العُلَمَاءُ: وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» يَحْتَمِلُ الكَثْرَةَ، فَإِنَّ العَرَبَ تَضَعُ السَّبْعَ وَالسَّبْعِينَ وَالسَّبْعَمِائَةَ مَوْضِعَ الكَثْرَةَ.
وَقَدْ قَالَ الأَعْرَابِيُّ لِمَنْ أَعْطَاهُ شَيْئَاً: سَبَّعَ اللهُ لَكَ الأَجْرَ (أَيْ: كَثَّرَهُ).
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ العَدَدُ بِعَيْنِهِ، وَيَكُونُ لَفْظُ: «أَكْثَرَ» مُبْهَمَاً، فَسَّرَتْهُ الرِّوَايَةُ الأُخْرَى: «إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ».
رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ الْأَغَرِّ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ».
وَأَصْلُ الغَيْنِ في اللُّغَةِ: الغَيْمُ الرَّقِيقُ الذي يَكُونُ في السَّمَاءِ، وَالمُرَادُ بِالغَيْنِ هُنَا: غَيْنُ أَنْوَارٍ لَا غَيْنُ أَغْيَارٍ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:
«اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ».
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنَ الاسْتِغْفَارِ في مَجَالِسِهِ مَعَ أَصْحَابِهِ:
فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كُنَّا ـ أَيْ: إِنَّا كُنَّا ـ لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي المَجْلِسِ الوَاحِدِ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» مِائَةَ مَرَّةٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، بِلَفْظِ: «إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الغَفُورُ».
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ القَيُّومُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ» في المَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ، مِائَةَ مَرَّةٍ. انْظُرِ المَوَاهِبَ وَشَرْحَهُ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، بِنَصِّ قَوْلِهِ تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ . . .﴾. الآيَةَ؟
فَالجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ، كَمَا أَوْضَحَهَا العُلَمَاءُ العُرَفَاءُ: (انْظُرْ شَرْحَ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى المَوَاهِبِ وَغَيْرَهُ).
أَوَّلَاً: إِنَّ في اسْتِغْفَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِبَادَةً للهِ تعالى، وَتَحَقُّقَاً بِالعُبُودِيَّةِ، وَافْتِقَارَاً لِكَرَمِ الرُّبُوبِيَّةِ.
ثَانِيَاً: إِنَّ في ذَلِكَ تَعْلِيمَاً لِأُمَّتِهِ أَنْ يُكْثِرُوا مِنَ الاسْتِغْفَارِ، لِشِدَّةِ حَاجَتِهِمْ.
ثَالِثَاً: إِنَّ في ذَلِكَ تَوَاضُعَاً لِرَبِّ العَالَمِينَ، وَهَضْمَاً للنَّفْسِ.
وَثَمَّةَ أَجْوِبَةٌ أُخْرَى نَأْتِي عَلَيْهَا في مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: حَوْلَ اسْتِغْفَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورَاً رَحِيمَاً﴾.
وَقَالَ تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَاً﴾.
الاسْتِغْفَارُ: هُوَ طَلَبُ المَغْفِرَةِ مِنَ اللهِ تعالى.
فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنَ الاسْتِغْفَارِ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، في الصَّلَوَاتِ وَوَرَاءَ الصَّلَوَاتِ، وَفِي سَائِرِ مَجَالِسِهِ وَأَحْوَالِهِ.
وَكَانَ مَكْحُولٌ يُكْثِرُ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، وَيَقُولُ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، وَيَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَكْثَرَ اسْتِغْفَارَاً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ في سُجُودِهِ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثَاً وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً».
قَالَ العُلَمَاءُ: وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» يَحْتَمِلُ الكَثْرَةَ، فَإِنَّ العَرَبَ تَضَعُ السَّبْعَ وَالسَّبْعِينَ وَالسَّبْعَمِائَةَ مَوْضِعَ الكَثْرَةَ.
وَقَدْ قَالَ الأَعْرَابِيُّ لِمَنْ أَعْطَاهُ شَيْئَاً: سَبَّعَ اللهُ لَكَ الأَجْرَ (أَيْ: كَثَّرَهُ).
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ العَدَدُ بِعَيْنِهِ، وَيَكُونُ لَفْظُ: «أَكْثَرَ» مُبْهَمَاً، فَسَّرَتْهُ الرِّوَايَةُ الأُخْرَى: «إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ».
رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ الْأَغَرِّ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ».
وَأَصْلُ الغَيْنِ في اللُّغَةِ: الغَيْمُ الرَّقِيقُ الذي يَكُونُ في السَّمَاءِ، وَالمُرَادُ بِالغَيْنِ هُنَا: غَيْنُ أَنْوَارٍ لَا غَيْنُ أَغْيَارٍ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:
«اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ، وَمَا أَخَّرْتُ، وَأَسْرَرْتُ، وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ».
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنَ الاسْتِغْفَارِ في مَجَالِسِهِ مَعَ أَصْحَابِهِ:
فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كُنَّا ـ أَيْ: إِنَّا كُنَّا ـ لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي المَجْلِسِ الوَاحِدِ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» مِائَةَ مَرَّةٍ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، بِلَفْظِ: «إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الغَفُورُ».
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ القَيُّومُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ» في المَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ، مِائَةَ مَرَّةٍ. انْظُرِ المَوَاهِبَ وَشَرْحَهُ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: فَإِنْ قِيلَ: لِمَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، بِنَصِّ قَوْلِهِ تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ . . .﴾. الآيَةَ؟
فَالجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ، كَمَا أَوْضَحَهَا العُلَمَاءُ العُرَفَاءُ: (انْظُرْ شَرْحَ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى المَوَاهِبِ وَغَيْرَهُ).
أَوَّلَاً: إِنَّ في اسْتِغْفَارِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِبَادَةً للهِ تعالى، وَتَحَقُّقَاً بِالعُبُودِيَّةِ، وَافْتِقَارَاً لِكَرَمِ الرُّبُوبِيَّةِ.
ثَانِيَاً: إِنَّ في ذَلِكَ تَعْلِيمَاً لِأُمَّتِهِ أَنْ يُكْثِرُوا مِنَ الاسْتِغْفَارِ، لِشِدَّةِ حَاجَتِهِمْ.
ثَالِثَاً: إِنَّ في ذَلِكَ تَوَاضُعَاً لِرَبِّ العَالَمِينَ، وَهَضْمَاً للنَّفْسِ.
وَثَمَّةَ أَجْوِبَةٌ أُخْرَى نَأْتِي عَلَيْهَا في مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
أمس في 20:03 من طرف Admin
» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
أمس في 20:02 من طرف Admin
» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
أمس في 19:34 من طرف Admin
» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
أمس في 19:31 من طرف Admin
» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:28 من طرف Admin
» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:26 من طرف Admin
» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
أمس في 19:24 من طرف Admin
» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
أمس في 19:21 من طرف Admin
» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
أمس في 19:19 من طرف Admin
» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
أمس في 19:17 من طرف Admin
» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
أمس في 19:14 من طرف Admin
» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
أمس في 19:12 من طرف Admin