حول تسبيحه وتحميده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: حَوْلَ تَسْبِيحِهِ وَتَحْمِيدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
قَالَ اللهُ تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾.
كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالحَمْدِ للهِ تعالى، عَلَى وَجْهِ المَحَبَّةِ وَالشَّغَفِ الشَّدِيدِ بِذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَلْيُفَكِّرِ المُفَكِّرُ، وَلْيَتَدَبَّرِ المُتَدَبِّرُ، في شَغَفِ هَذَا الرَّسُولِ الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَحُبِّهِ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ، وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّكْبِيرَ للهِ تعالى، وَأَنَّ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ الجَامِعَةِ للتَّسْبِيحِ وَالحَمْدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ يَقُولُهَا، هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مِنْ كَائِنَاتٍ عُلْوِيَّةٍ وَسُفْلِيَّةٍ، وَبَرِّيَّةٍ وَبَحْرِيَّةٍ.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ؟».
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ تعالى.
فَقَالَ: «إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ (يَعْنِي: أَنَّ ذَلِكَ أَحَبُّ الكَلَامِ إلى اللهِ تعالى بَعْدَ القُرْآنِ، فَإِنَّهُ كَلَامُهُ تعالى)» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: «مَا اصْطَفَى اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ ـ أَوْ لِعِبَادِهِ ـ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ».
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنَ التَّسْبِيحِ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ:
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَارِي، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ أَوَيْتُ إِلَى بَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَبِتُّ عِنْدَهُ، فَلَا أَزَالُ أَسْمَعُهُ يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ رَبِّي» حَتَّى أَمَلُّ أَوْ تَغْلِبَنِي عَيْنِي فَأَنَامُ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا رَبِيعَةُ، سَلْنِي فَأُعْطِيَكَ».
فَقُلْتُ: أَنْظِرْنِي يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى أَنْظُرَ، وتَذَكَرْتُ أَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ مُنْقَطِعَةٌ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْأَلُكَ أنْ تَدْعُوَ اللهَ أَنْ يُجَنِّبَنِي مِنَ النَّارِ، وَيُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ.
فَقَالَ: «أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ».
قَالَ: هُوَ ذَاكَ.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ»
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ الجَوَامِعَ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالحَمْدِ:
وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ في تَسْبِيحِهِ وَحَمْدِهِ في الضُّحَى:
رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ جُوَيْرِيَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى النَّهَارُ ـ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: رَجَعَ قَرِيبَاً مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ ـ وَهِيَ جَالِسَةٌ تُسَبِّحُ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟».
قَالَتْ: نَعَمْ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ الْيَوْمَ ـ أَيْ: مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ـ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» كَمَا فِي التَّرْغِيبِ للمُنْذِرِيِّ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالحَاكِمُ عَنْ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا، وَبَيْنَ يَدَيْهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ تُسَبِّحُ بِهِنَّ ـ أَيْ: بِعَدَدِهِنَّ ـ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُعَلِّمُكِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَبَّحْتِ بِهِ؟».
فَقَالَتْ: بَلَى عَلِّمْنِي.
فَقَالَ: «قُولِي: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ».
وَفِي رِوَايَةِ الحَاكِمِ: «قُولِي: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ مِنْ شَيْءٍ» انْظُرْ تَرْغِيبَ المُنْذِرِيِّ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ الصَّحَابَةَ جَوَامِعَ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالحَمْدِ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
جَاءَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: رَآنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وأنا أُحرِّكُ شَفَتيِّ.
فقال لي: «بِأَيِّ شَيْءٍ تُحَرِّكُ شَفَتَيْكَ يَا أَبَا أُمَامَةَ؟».
فَقُلْتُ: أَذْكُرُ اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ.
فَقَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَكْثَرَ وَأَفْضَلَ مِنْ ذِكْرِكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؟» أَيْ: بِمَا هُوَ أَكْثَرُ وَأَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِكَ المُسْتَمِرِّ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ).
قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «تَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ، سُبْحَانَ اللهِ مِلْءَ مَا خَلَقَ، سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، سُبْحَانَ اللهِ مِلْءَ مَا فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، سُبْحَانَ اللهِ مِلْءَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ، سُبْحَانَ اللهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ.
الْحَمْدُ للهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ، وَالْحَمْدُ للهِ مِلْءَ مَا خَلَقَ، وَالْحَمْدُ للهِ عَدَدَ مَا فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَالْحَمْدُ للهِ مِلْءَ مَا فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَالْحَمْدُ للهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ للهِ مِلْءَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ للهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْحَمْدُ للهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ» قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَاللَّفْظُ لَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِمَا بِاخْتِصَارٍ، وَالحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا. اهـ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: حَوْلَ تَسْبِيحِهِ وَتَحْمِيدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
قَالَ اللهُ تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾.
كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالحَمْدِ للهِ تعالى، عَلَى وَجْهِ المَحَبَّةِ وَالشَّغَفِ الشَّدِيدِ بِذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فَلْيُفَكِّرِ المُفَكِّرُ، وَلْيَتَدَبَّرِ المُتَدَبِّرُ، في شَغَفِ هَذَا الرَّسُولِ الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَحُبِّهِ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ، وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّكْبِيرَ للهِ تعالى، وَأَنَّ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ الجَامِعَةِ للتَّسْبِيحِ وَالحَمْدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ يَقُولُهَا، هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مِنْ كَائِنَاتٍ عُلْوِيَّةٍ وَسُفْلِيَّةٍ، وَبَرِّيَّةٍ وَبَحْرِيَّةٍ.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ؟».
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِأَحَبِّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ تعالى.
فَقَالَ: «إِنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ (يَعْنِي: أَنَّ ذَلِكَ أَحَبُّ الكَلَامِ إلى اللهِ تعالى بَعْدَ القُرْآنِ، فَإِنَّهُ كَلَامُهُ تعالى)» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: «مَا اصْطَفَى اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ ـ أَوْ لِعِبَادِهِ ـ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ».
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنَ التَّسْبِيحِ في اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ:
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَهَارِي، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ أَوَيْتُ إِلَى بَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَبِتُّ عِنْدَهُ، فَلَا أَزَالُ أَسْمَعُهُ يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ اللهِ، سُبْحَانَ رَبِّي» حَتَّى أَمَلُّ أَوْ تَغْلِبَنِي عَيْنِي فَأَنَامُ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا رَبِيعَةُ، سَلْنِي فَأُعْطِيَكَ».
فَقُلْتُ: أَنْظِرْنِي يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى أَنْظُرَ، وتَذَكَرْتُ أَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ مُنْقَطِعَةٌ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَسْأَلُكَ أنْ تَدْعُوَ اللهَ أَنْ يُجَنِّبَنِي مِنَ النَّارِ، وَيُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ.
فَقَالَ: «أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ».
قَالَ: هُوَ ذَاكَ.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ»
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ الجَوَامِعَ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالحَمْدِ:
وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ في تَسْبِيحِهِ وَحَمْدِهِ في الضُّحَى:
رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ جُوَيْرِيَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى النَّهَارُ ـ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: رَجَعَ قَرِيبَاً مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ ـ وَهِيَ جَالِسَةٌ تُسَبِّحُ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟».
قَالَتْ: نَعَمْ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ الْيَوْمَ ـ أَيْ: مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ـ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» كَمَا فِي التَّرْغِيبِ للمُنْذِرِيِّ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالحَاكِمُ عَنْ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا، وَبَيْنَ يَدَيْهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ تُسَبِّحُ بِهِنَّ ـ أَيْ: بِعَدَدِهِنَّ ـ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُعَلِّمُكِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَبَّحْتِ بِهِ؟».
فَقَالَتْ: بَلَى عَلِّمْنِي.
فَقَالَ: «قُولِي: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ».
وَفِي رِوَايَةِ الحَاكِمِ: «قُولِي: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ مِنْ شَيْءٍ» انْظُرْ تَرْغِيبَ المُنْذِرِيِّ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ الصَّحَابَةَ جَوَامِعَ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالحَمْدِ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ.
جَاءَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: رَآنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وأنا أُحرِّكُ شَفَتيِّ.
فقال لي: «بِأَيِّ شَيْءٍ تُحَرِّكُ شَفَتَيْكَ يَا أَبَا أُمَامَةَ؟».
فَقُلْتُ: أَذْكُرُ اللهَ يَا رَسُولَ اللهِ.
فَقَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَكْثَرَ وَأَفْضَلَ مِنْ ذِكْرِكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؟» أَيْ: بِمَا هُوَ أَكْثَرُ وَأَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِكَ المُسْتَمِرِّ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ).
قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «تَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ، سُبْحَانَ اللهِ مِلْءَ مَا خَلَقَ، سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، سُبْحَانَ اللهِ مِلْءَ مَا فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، سُبْحَانَ اللهِ مِلْءَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ، سُبْحَانَ اللهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ.
الْحَمْدُ للهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ، وَالْحَمْدُ للهِ مِلْءَ مَا خَلَقَ، وَالْحَمْدُ للهِ عَدَدَ مَا فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَالْحَمْدُ للهِ مِلْءَ مَا فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَالْحَمْدُ للهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ للهِ مِلْءَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ للهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْحَمْدُ للهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ» قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَاللَّفْظُ لَهُ، وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِمَا بِاخْتِصَارٍ، وَالحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا. اهـ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
أمس في 20:03 من طرف Admin
» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
أمس في 20:02 من طرف Admin
» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
أمس في 19:34 من طرف Admin
» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
أمس في 19:31 من طرف Admin
» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:28 من طرف Admin
» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:26 من طرف Admin
» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
أمس في 19:24 من طرف Admin
» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
أمس في 19:21 من طرف Admin
» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
أمس في 19:19 من طرف Admin
» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
أمس في 19:17 من طرف Admin
» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
أمس في 19:14 من طرف Admin
» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
أمس في 19:12 من طرف Admin