من آداب المجلس الواردة عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَمِنْ آدَابِ المَجْلِسِ الوَارِدَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسَاً لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ فِيهِ، إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً (قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: التِّرَةُ بِكَسْرِ التَّاءِ المُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَهِيَ النَّقْصُ، وَقِيلَ: التَّبِعَةُ وَهِيَ مَا نَطْلُبُ مِنْ ظَلَامَةٍ وَنَحْوِهَا) فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ».
قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: وَرُوِينَا في حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكْتَالَ بِالمِكْيَالِ الأَوْفَى فَلْيَقْرَأْ آخِرَ مَجْلِسِهِ، أَوْ حِينَ يَقُومُ: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَدَّعَ رَجُلَاً قَالَ لَهُ:
«أَسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ، وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ إلى هُنَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالزِّيَادَةُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضَاً، وَالأَمَانَةُ هُنَا، كَمَا قَالَ الخَطَّابِيُّ: الأَهْلُ وَمَنْ يُخْلِفُهُ، وَمَالُهُ الذي عِنْدَ أَمِينِهِ، قَالَ: وَذَكَرَ الدِّينَ هُنَا، لِأَنَّ السَّفَرَ مَظَنَّةُ المَشَقَّةِ، فَرُبَّمَا كَانَ سَبَبَاً لِإِهْمَالِ بَعْضِ أُمُورِ الدِّينِ) وَأَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامُ».
وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُرِيدُ سَفَرَاً فَزَوِّدْنِي.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَى».
قَالَ: زِدْنِي.
قَالَ: «وَغَفَرَ ذَنْبَكَ».
قَالَ: زِدْنِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي.
قَالَ: «وَيَسَّرَ لَكَ الخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالحَاكِمُ.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ، خَارِجَاً إلى السَّفَرِ، كَبَّرَ ثَلَاثَاً، ثُمَّ قَالَ:
«سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (أَيْ: مَا كُنَّا مُطِيقِينَ لَهُ، وَلَا قَادِرِينَ عَلَيْهِ) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى.
اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ.
اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ (الوَعْثَاءُ: الشِّدَّةُ وَالمَشَقَّةُ) وَكَآبَةِ المَنْظَرِ (الكَآبَةُ: تَغَيُّرُ النَّفْسِ بِسَبَبِ حُزْنٍ وَنَحْوِهِ) وَسُوءِ المُنْقَلَبِ (المُنْقَلَبُ: المَرْجِعُ) فِي المَالِ وَالْأَهْلِ».
وَإِذَا رَجَعَ ـ مِنْ سَفَرِهِ ـ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ: «آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ آخِرَ كِتَابِ الحَجِّ، وَانْظُرْ رِيَاضَ الصَّالِحِينَ.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ إلى المَقْبَرَةِ قَالَ:
«السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالمَعْنَى: وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ في الوَفَاةِ عَلَى الِإيمَانِ كَمَا في فَيْضِ القَدِيرِِ. قَالُوا: وَالتَّقْيِيدُ بِالمَشِيئَةِ هُنَا لِقَصْدِ التَّبَرُّكِ، وَامْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ تعالى، وَكَثِيرَاً مَا يُسْتَعْمَلُ التَّقْيِيدُ بِالمَشِيئَةِ لِقَصْدِ تَأْكِيدِ مَا تَقَدَّمَهُ، وَأَنَّهُ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَكِنْ بِمَشِيئَتِهِ تعالى.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ المَدِينَةِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ القُبُورِ، يَغْفِرُ اللهُ لَنَا وَلَكُمْ، أَنْتُمْ سَلَفُنَا، وَنَحْنُ بِالأَثَرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَفِي هَذَا الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ عَلَى الأَمْوَاتِ مَطْلُوبٌ مِنْ زَائِرِهِمْ وَمِنَ المَارِّ بِهِمْ.
وَقَالَ بُرَيْدَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذا خَرَجُوا إِلى المَقابِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُم: «السَّلَامُ عَلَيكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ العافِيَةَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، وَالزِّيَادَةُ بَعْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَه) أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ»
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِنْ دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للحَاجِّ، مَا رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ، وَلِمَنْ يَسْتَغْفِرُ لَهُ الْحَاجُّ» قَالَ الحَاكِمُ: وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ غُلَامٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ.
فَمَشَى مَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ، زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَى، وَوَجَّهَكَ فِي الْخَيْرِ، وَكَفَاكَ الهَمَّ».
فَلَمَّا رَجَعَ الْغُلَامُ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا غُلَامُ، قَبِلَ اللهُ حَجَّكَ، وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، وَأَخْلَفَ عَلَيْكَ نَفَقَتَكَ».
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَمِنْ آدَابِ المَجْلِسِ الوَارِدَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسَاً لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ فِيهِ، إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً (قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: التِّرَةُ بِكَسْرِ التَّاءِ المُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ وَهِيَ النَّقْصُ، وَقِيلَ: التَّبِعَةُ وَهِيَ مَا نَطْلُبُ مِنْ ظَلَامَةٍ وَنَحْوِهَا) فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ».
قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ: وَرُوِينَا في حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكْتَالَ بِالمِكْيَالِ الأَوْفَى فَلْيَقْرَأْ آخِرَ مَجْلِسِهِ، أَوْ حِينَ يَقُومُ: ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَدَّعَ رَجُلَاً قَالَ لَهُ:
«أَسْتَوْدِعُ اللهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ، وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ إلى هُنَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالزِّيَادَةُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضَاً، وَالأَمَانَةُ هُنَا، كَمَا قَالَ الخَطَّابِيُّ: الأَهْلُ وَمَنْ يُخْلِفُهُ، وَمَالُهُ الذي عِنْدَ أَمِينِهِ، قَالَ: وَذَكَرَ الدِّينَ هُنَا، لِأَنَّ السَّفَرَ مَظَنَّةُ المَشَقَّةِ، فَرُبَّمَا كَانَ سَبَبَاً لِإِهْمَالِ بَعْضِ أُمُورِ الدِّينِ) وَأَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامُ».
وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُرِيدُ سَفَرَاً فَزَوِّدْنِي.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَى».
قَالَ: زِدْنِي.
قَالَ: «وَغَفَرَ ذَنْبَكَ».
قَالَ: زِدْنِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي.
قَالَ: «وَيَسَّرَ لَكَ الخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالحَاكِمُ.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ، خَارِجَاً إلى السَّفَرِ، كَبَّرَ ثَلَاثَاً، ثُمَّ قَالَ:
«سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (أَيْ: مَا كُنَّا مُطِيقِينَ لَهُ، وَلَا قَادِرِينَ عَلَيْهِ) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى.
اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ.
اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ (الوَعْثَاءُ: الشِّدَّةُ وَالمَشَقَّةُ) وَكَآبَةِ المَنْظَرِ (الكَآبَةُ: تَغَيُّرُ النَّفْسِ بِسَبَبِ حُزْنٍ وَنَحْوِهِ) وَسُوءِ المُنْقَلَبِ (المُنْقَلَبُ: المَرْجِعُ) فِي المَالِ وَالْأَهْلِ».
وَإِذَا رَجَعَ ـ مِنْ سَفَرِهِ ـ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ: «آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ آخِرَ كِتَابِ الحَجِّ، وَانْظُرْ رِيَاضَ الصَّالِحِينَ.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ إلى المَقْبَرَةِ قَالَ:
«السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالمَعْنَى: وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ في الوَفَاةِ عَلَى الِإيمَانِ كَمَا في فَيْضِ القَدِيرِِ. قَالُوا: وَالتَّقْيِيدُ بِالمَشِيئَةِ هُنَا لِقَصْدِ التَّبَرُّكِ، وَامْتِثَالِ أَمْرِ اللهِ تعالى، وَكَثِيرَاً مَا يُسْتَعْمَلُ التَّقْيِيدُ بِالمَشِيئَةِ لِقَصْدِ تَأْكِيدِ مَا تَقَدَّمَهُ، وَأَنَّهُ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَكِنْ بِمَشِيئَتِهِ تعالى.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقُبُورِ المَدِينَةِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ القُبُورِ، يَغْفِرُ اللهُ لَنَا وَلَكُمْ، أَنْتُمْ سَلَفُنَا، وَنَحْنُ بِالأَثَرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَفِي هَذَا الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّلَامَ عَلَى الأَمْوَاتِ مَطْلُوبٌ مِنْ زَائِرِهِمْ وَمِنَ المَارِّ بِهِمْ.
وَقَالَ بُرَيْدَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذا خَرَجُوا إِلى المَقابِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُم: «السَّلَامُ عَلَيكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ العافِيَةَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، وَالزِّيَادَةُ بَعْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَه) أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ»
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَمِنْ دُعَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للحَاجِّ، مَا رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ، وَلِمَنْ يَسْتَغْفِرُ لَهُ الْحَاجُّ» قَالَ الحَاكِمُ: وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ غُلَامٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ.
فَمَشَى مَعَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ، زَوَّدَكَ اللهُ التَّقْوَى، وَوَجَّهَكَ فِي الْخَيْرِ، وَكَفَاكَ الهَمَّ».
فَلَمَّا رَجَعَ الْغُلَامُ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا غُلَامُ، قَبِلَ اللهُ حَجَّكَ، وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، وَأَخْلَفَ عَلَيْكَ نَفَقَتَكَ».
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
اليوم في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
اليوم في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
اليوم في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
اليوم في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
اليوم في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
اليوم في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin