وقت قيامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ متهجداً
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَقْتُ قِيَامِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَهَجِّدَاً:
رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَيُّ العَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَتْ: الدَّائِمُ.
قُلْتُ: فَأَيَّ حِينٍ كَانَ يَقُومُ؟ ـ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ: أَيَّ حِينٍ كَانَ يُصَلِّي؟ ـ
قَالَتْ: كَانَ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ، قَامَ فَصَلَّى.
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: الصَّارِخُ: الدِّيكُ، وَقَدْ جَاءَ في مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ في هَذَا الحَدِيثِ: الصَّارِخُ: الدِّيكُ . . وَالصَّرْخَةُ الصَّيْحَةُ الشَّدِيدَةُ، وَجَرَتِ العَادَةُ بِأَنَّ الدِّيكَ يَصِيحُ عِنْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ غَالِبَاً.
قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نِصْفُ اللَّيْلِ، أَو قَبْلَهُ بِقَلْيلٍ، أَو بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ. اهـ.
وَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَه بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ مَرْفُوعَاً: «لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ، فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلَاةِ».
وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنَّهُ يَدْعُو إلى الصَّلَاةِ». كَذَا في شَرْحِ المَوَاهِبِ.
وَهَذَا القِيَامُ عَلَى هَذَا الوَجْهِ، حَكَمَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَحَبُّ القِيَامِ، كَمَا جَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمَاً، وَيُفْطِرُ يَوْمَاً» وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَذَلِكَ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ نَصَبِ القِيَامِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ القِيَامِ يُرِيحُ البَدَنَ، وَيُذْهِبُ ضَرَرَ السَّهَرِ، وَذُبُولَ الجِسْمِ، بِخِلافِ السَّهَرِ إلى الصَّبَاحِ.
وَفِيهِ مِنَ الحِكْمَةِ أَيْضَاً: اسْتِقْبَالُ صَلاةِ الصُّبْحِ وَأَذْكَارِ النَّهَارِ بِنَشَاطٍ وَإِقْبَالٍ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ للصَّلَاةِ أَيْضَاً أَقْرَبُ إلى عَدَمِ الرِّيَاءِ، لِأَنَّ مَنْ نَامَ السُّدُسَ الأَخِيرَ أَصْبَحَ ظَاهِرَ اللَّوْنِ، سَلِيمَ الصَّدْرِ، فَهَذَا أَقْرَبُ إلى إِخْفَاءِ عَمَلِهِ في اللَّيْلِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الحَافِظُ في الفَتْحِ.
وَبِذَلِكَ يَكُونُ المُتَهَجِّدُ قَدْ نَالَ فَضَائِلَ تَجَلِّيَاتِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ في الثُّلُثِ الثَّانِي وَالثُّلُثِ الأَخِيرِ، كَمَا وَرَدَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي، فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي، فَأَغْفِرَ لَهُ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ» كَمَا في رِوَايَةِ مُسْلِمٍ.
قَالَ في الفَتْحِ: زَادَ سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟».
وَزَادَ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْهُ: «مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَرْزِقُنِي فَأَرْزُقَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَكْشِفُ الضُّرَّ فَأَكْشِفَهُ عَنْهُ؟».
وَزَادَ عَطَاءٌ عَنْهُ: «أَلَا سَقِيمٌ يَسْتَشْفِي فَيُشْفَى؟».
وَزَادَ سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ عَنْهُ: «مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ، وَلَا ظَلُومٍ».
وَقَالَ في الفَتْحِ أَيْضَاً: وَفِي هَذَا الحَدِيثِ مِنَ الفَوَائِدِ: تَفضِيلُ صَلاةِ آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى أَوَّلِهِ، وَتَفْضِيلُ تَأْخِيرِ الوِتْرِ، لَكِنْ في حَقِّ مَنْ طَمِعَ أَنْ يَنْتَبِهَ، وَأَنَّ آخِرَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ للدُّعَاءِ وَالاسْتِغْفَارِ، يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾. وَأَنَّ الدُّعَاءَ في ذَلِكَ الوَقْتِ مُجَابٌ. اهـ.
فَكَانَ أَغْلَبُ قِيَامِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ في أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ اللَّيْلِ، كَمَا رَوَى الشَّيْخَانِ وَابْنُ مَاجَه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَيُحْيِي آخِرَهُ.
وَالمُرَادُ بِأَوَّلِ اللَّيْلِ هَهُنَا: الأَوَّلِيَّةُ النَّسِبيَةُ، وَهِيَ مَا بَعْدَ صَلَاةِ العِشَاءِ، وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ أَوْرَادٍ وَقِرَاءَاتٍ مَطْلُوبَةٍ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَقَبْلَ النَّوْمِ ـ انْظُرْ شَرْحَ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى المَوَاهِبِ ـ فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا.
وَكَانَتْ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوْرَادٌ وَقِرَاءَاتٌ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ:
كَمَا رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (أَيْ: سُورَةَ الإِسْرَاءِ) وَالزُّمَرَ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الم تَنْزِيلُ، وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ.
وَعَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ المُسَبِّحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ، وَقَالَ: «إِنَّ فِيهِنَّ آيَةً أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ الضُّرِيسِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مُرْسَلَاً، وَزَادَ: قَالَ يَحْيَى: فَنَرَاهَا الآيَةَ التي في آخِرِ الحَشْرِ ـ أَيْ: الآيَاتُ الثَّلَاثَةُ في آخِرِ سُورَةِ الحَشْرِ.
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: الآيَةُ هِيَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
وَالمُسَبِّحَاتُ سِتٌّ: الحَدِيدُ، وَالحَشْرُ، وَالصَّفُّ، وَالجُمُعَةُ، وَالتَّغَابُنُ، وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: وَقْتُ قِيَامِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَهَجِّدَاً:
رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَيُّ العَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَتْ: الدَّائِمُ.
قُلْتُ: فَأَيَّ حِينٍ كَانَ يَقُومُ؟ ـ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ: أَيَّ حِينٍ كَانَ يُصَلِّي؟ ـ
قَالَتْ: كَانَ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ، قَامَ فَصَلَّى.
قَالَ الحَافِظُ في الفَتْحِ: الصَّارِخُ: الدِّيكُ، وَقَدْ جَاءَ في مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ في هَذَا الحَدِيثِ: الصَّارِخُ: الدِّيكُ . . وَالصَّرْخَةُ الصَّيْحَةُ الشَّدِيدَةُ، وَجَرَتِ العَادَةُ بِأَنَّ الدِّيكَ يَصِيحُ عِنْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ غَالِبَاً.
قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نِصْفُ اللَّيْلِ، أَو قَبْلَهُ بِقَلْيلٍ، أَو بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ. اهـ.
وَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَه بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ مَرْفُوعَاً: «لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ، فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلَاةِ».
وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِنَّهُ يَدْعُو إلى الصَّلَاةِ». كَذَا في شَرْحِ المَوَاهِبِ.
وَهَذَا القِيَامُ عَلَى هَذَا الوَجْهِ، حَكَمَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَحَبُّ القِيَامِ، كَمَا جَاءَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «أَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللهِ صَلَاةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمَاً، وَيُفْطِرُ يَوْمَاً» وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَذَلِكَ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ نَصَبِ القِيَامِ، فَإِنَّهُ بَعْدَ القِيَامِ يُرِيحُ البَدَنَ، وَيُذْهِبُ ضَرَرَ السَّهَرِ، وَذُبُولَ الجِسْمِ، بِخِلافِ السَّهَرِ إلى الصَّبَاحِ.
وَفِيهِ مِنَ الحِكْمَةِ أَيْضَاً: اسْتِقْبَالُ صَلاةِ الصُّبْحِ وَأَذْكَارِ النَّهَارِ بِنَشَاطٍ وَإِقْبَالٍ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ للصَّلَاةِ أَيْضَاً أَقْرَبُ إلى عَدَمِ الرِّيَاءِ، لِأَنَّ مَنْ نَامَ السُّدُسَ الأَخِيرَ أَصْبَحَ ظَاهِرَ اللَّوْنِ، سَلِيمَ الصَّدْرِ، فَهَذَا أَقْرَبُ إلى إِخْفَاءِ عَمَلِهِ في اللَّيْلِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الحَافِظُ في الفَتْحِ.
وَبِذَلِكَ يَكُونُ المُتَهَجِّدُ قَدْ نَالَ فَضَائِلَ تَجَلِّيَاتِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ في الثُّلُثِ الثَّانِي وَالثُّلُثِ الأَخِيرِ، كَمَا وَرَدَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي، فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي، فَأَغْفِرَ لَهُ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ» كَمَا في رِوَايَةِ مُسْلِمٍ.
قَالَ في الفَتْحِ: زَادَ سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟».
وَزَادَ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْهُ: «مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَرْزِقُنِي فَأَرْزُقَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَكْشِفُ الضُّرَّ فَأَكْشِفَهُ عَنْهُ؟».
وَزَادَ عَطَاءٌ عَنْهُ: «أَلَا سَقِيمٌ يَسْتَشْفِي فَيُشْفَى؟».
وَزَادَ سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ عَنْهُ: «مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ، وَلَا ظَلُومٍ».
وَقَالَ في الفَتْحِ أَيْضَاً: وَفِي هَذَا الحَدِيثِ مِنَ الفَوَائِدِ: تَفضِيلُ صَلاةِ آخِرِ اللَّيْلِ عَلَى أَوَّلِهِ، وَتَفْضِيلُ تَأْخِيرِ الوِتْرِ، لَكِنْ في حَقِّ مَنْ طَمِعَ أَنْ يَنْتَبِهَ، وَأَنَّ آخِرَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ للدُّعَاءِ وَالاسْتِغْفَارِ، يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾. وَأَنَّ الدُّعَاءَ في ذَلِكَ الوَقْتِ مُجَابٌ. اهـ.
فَكَانَ أَغْلَبُ قِيَامِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ في أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ اللَّيْلِ، كَمَا رَوَى الشَّيْخَانِ وَابْنُ مَاجَه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، وَيُحْيِي آخِرَهُ.
وَالمُرَادُ بِأَوَّلِ اللَّيْلِ هَهُنَا: الأَوَّلِيَّةُ النَّسِبيَةُ، وَهِيَ مَا بَعْدَ صَلَاةِ العِشَاءِ، وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ أَوْرَادٍ وَقِرَاءَاتٍ مَطْلُوبَةٍ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَقَبْلَ النَّوْمِ ـ انْظُرْ شَرْحَ الزَّرْقَانِيِّ عَلَى المَوَاهِبِ ـ فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا.
وَكَانَتْ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَوْرَادٌ وَقِرَاءَاتٌ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ:
كَمَا رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (أَيْ: سُورَةَ الإِسْرَاءِ) وَالزُّمَرَ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الم تَنْزِيلُ، وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ.
وَعَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ المُسَبِّحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ، وَقَالَ: «إِنَّ فِيهِنَّ آيَةً أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ الضُّرِيسِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مُرْسَلَاً، وَزَادَ: قَالَ يَحْيَى: فَنَرَاهَا الآيَةَ التي في آخِرِ الحَشْرِ ـ أَيْ: الآيَاتُ الثَّلَاثَةُ في آخِرِ سُورَةِ الحَشْرِ.
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: الآيَةُ هِيَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾.
وَالمُسَبِّحَاتُ سِتٌّ: الحَدِيدُ، وَالحَشْرُ، وَالصَّفُّ، وَالجُمُعَةُ، وَالتَّغَابُنُ، وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin