سيرته وآدابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إذا خرج من منزله
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: سِيرَتُهُ وَآدَابُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ وَبَرَزَ للنَّاسِ:
قَالَ الحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَسَأَلْتُ أَبِي ـ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنْ مَخْرَجِهِ، كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟
فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ (فَلَا يَتَكَلَّمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ، أَيْ: يَهُمُّهُ وَيَنْفَعُ في الدُّنْيَا أَو الدِّينِ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» فَمَنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ اشْتَغَلَ بِمَا يَعْنِيهِ، وَتَرَكَ مَا لَا يَعْنِيهِ.
قَالَ العَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ في شَرْحِ حَدِيثِ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»: وَمَعْنَى يَعْنِيهِ: أَنَّهُ تَتَعَلَّقُ عِنَايَتُهُ بِهِ، وَيَكُونُ مِنْ مَقْصِدِهِ وَمَطْلُوبِهِ، وَالعِنَايَةُ: شِدَّةُ الاهْتِمَامِ بِالشَّيْءِ، يُقَالُ: عَنَاهُ يَعْنِيهِ: إِذَا اهْتَمَّ بِهِ وَطَلَبَهُ، وَلَيْسَ المُرَادُ: أَنَّهُ يَتْرُكُ مَا لَا عِنَايَةَ لَهُ بِهِ، بِحُكْمِ الهَوَى وَطَلَبِ النَّفْسِ، بَلْ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَالإِسْلَامِ. اهـ.
وَهَذِهِ غَفْلَةٌ كَبِيرَةٌ وَقَعَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ اشْتِغَالُهُمْ بِمَا لَا يَعْنِيهِمْ.
وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ: أَبْشِرْ بِالجَنَّةِ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوَلَا تَدْرِي؟ فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، أَوْ بَخِلَ بِمَا لَا يَنْقُصُهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ؛ وَقَالَ المُنْذِرِيُّ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. اهـ. وَقَدْ رَوَى مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ. كَمَا في التَّرْغِيبِ).
ويُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنَفِّرُهُمْ (فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُؤَلِّفُ النَّاسَ بِكَرِيمِ مُعَاشَرَتِهِ، وَحُسْنِ مُقَابَلَتِهِ، وَلَا يُنَفِّرُهُمْ عَنْهُ بِغِلْظَةٍ أَو فَظَاظَةٍ، أَو كَلِمَاتٍ مُؤْذِيَةٍ، كَمَا وَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُؤَلِّفُ النَّاسَ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَيُحَبِّبُهُمْ في بَعْضِهِمْ، وَلَا يُنَفِّرُهُمْ مِنْ بَعْضِهِمْ).
وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ (وَهَذَا مِنْ كَرِيمِ خُلُقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُكْرِمُ كَرِيمَ القَوْمِ بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنَ التَّكْرِيمِ وَالحَفَاوَةِ، وَيَجْعَلُهُ وَالِيَاً عَلَيْهِمْ، وَأَمِيرَاً مُدِيرَاً لِأُمُورِهِمْ.
وَهَذَا مِنْ تَمَامِ حُسْنِ نَظَرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَحِكْمَةِ تَدْبِيرِهِ وَتَنْظِيمِهِ وَإِعْطَائِهِ المَرَاتِبَ حَقَّهَّا).
وَيَحْذَرُ النَّاسَ، وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَخُلُقَهُ (وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ عَقْلِهِ وَسَعَةِ فِكْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْذَرُ النَّاسَ الذينَ هُمْ حَدِيثُو عَهْدٍ بِالإِسْلَامِ، وَلَمْ يَخْبَرْهُمْ وَلَمْ يُجَرِّبْهُمْ في مَهَامِّ الأُمُورِ، وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُ لَا يَطِوْي عَنْهُمْ بِشْرَهُ وَحُسْنَ مُقَابَلَتِهِ وَطَلَاقَةِ وَجْهِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ).
وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ (يَطْلُبُهُمْ وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ حَالَ غَيْبَتِهِمْ).
وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ (وَالمَعْنَى: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ خَاصَّةً، كَمَا وَأَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ أَحْوَالِ الأُمَّةِ عَامَّةً، فَيَسْأَلُ النَّاسَ الذينَ عِنْدَهُمْ مَعْرِفَةً بِأَحْوَالِ النَّاسِ، عَمَّا في النَّاسِ مِنَ الأَحْوَالِ السَّارَّةِ أَو المَكْرُوهَةِ، وَعَمَّا في النَّاسِ مِنْ سَعَةٍ وَضِيقٍ، وَشِدَّةٍ وَرَخَاءٍ، وَفَرَحٍ وَتَرَحٍ، فَيَفْرَحُ لِفَرَحِهِمْ، وَيُسَرُّ لِمَا يَسُرُّهُمْ، وَيَحْزَنُ لِمَا يُحْزِنُهُمْ، وَيَسْعَى في رَفْعِ المَكَارِهِ وَالمَسَاوِئِ عَنْهُمْ.
كَمَا وَأَنَّهُ يَسْأَلُ عَمَّا في النَّاسِ مِنْ سَيْرِهِمْ في أُمُورِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ، أَهُمْ عَلَى صَلَاحٍ وَاسْتِقَامَةٍ؟ أَمْ هُمْ عَلَى فَسَادٍ وَاعْوِجَاجٍ؟ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ التَّجَسُّسِ المَنْهِيِّ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَرُّفِ إلى الفَاضِلِ مِنَ الفُضُولِ، وَالكَامِلِ مِنَ النَّاقِصِ، وَالاسْتِطْلَاعِ عَلَى أُمُورِ النَّاسِ، لِيُصْلِحَ الاعْوِجَاجَ، وَلِتَنْبِيهِ الغَافِلِ، وَتَذْكِيرِ النَّاسِي، وَنُصْحِ الأُمَّةِ وَمُعَالَجَةِ أَمْرَاضِهَا النَّفْسِيَّةِ، فَيَضَعُ الدَّوَاءَ حَيْثُ الدَّاءُ).
وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ ويُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِيهِ (فَإِذَا أَتَى إِنْسَانٌ بِفِعْلٍ حَسَنٍ، أَو بِرَأْيٍ حَسَنٍ: حَسَّنَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَوَّاهُ، وَقَوَّى هِمَّةَ فَاعِلِهِ وَنَهَضَ بِعَزِيمَتِهِ، وَإِنْ صَدَرَ مِنْ إِنْسَانٍ فِعْلٌ قَبِيحٌ: ذَكَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُبْحَ ذَلِكَ الفِعْلِ وَمَحَاذِيرَهُ، وَسُوءَ عَوَاقِبِهِ، لِيُبَاعِدَ النَّاسَ مِنَ الوُقُوعِ فِيهِ).
مُعْتَدِلَ الْأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ (يَعْنِي: أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَقْوَالِهِ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الاعْتِدَالِ، مَحْفُوظٌ مِنْ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ أُمُورٌ مُتَخَالِفَةٌ، أَو يُعَارِضُ بَعْضُهَا بَعْضَاً، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ عَقْلِهِ وَإِحْكَامِ أَمْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ).
لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلوا أَو يَمِيلُوا (أَيْ: لَا يَغْفُلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَمَّا فِيهِ مَصَالِحُ أَتْبَاعِهِ مِنْ تَذْكِيرِهِمْ وَإِرْشَادِهِمْ، وَنَصِيحَتِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ، مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا فَيَزِلُّوا، أَو يَمِيلُوا إلى الرَّاحَةِ وَالكَسَلِ، وَيُبْطِئُوا عَنِ العَمَلِ، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَشُدُّ عَزْمَهُمْ وَيَتَعَهَّدُهُمْ بِالتَّذْكِيرِ وَالنُّصْحِ).
لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ (لِكُلِّ حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ عِنْدَهُ عُدَّةٌ أَعَدَّهَا لِتِلْكَ الحَالَةِ، وَهَيَّأَ لِكُلِّ أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ مَا يَحْتَاجُهُ وَمَا تَتَطَلَّبُهُ المَصْلَحَةُ).
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا يَقْصُرُ عَنِ الحَقِّ وَلَا يُجَاوِزُهُ (فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الحَقِّ المُسْتَقِيمِ: لَا إِفْرَاطَ وَلَا تَفْرِيطَ، وَلَا تَقْصِيرَ عَنِ الحَقِّ، وَلَا مُجَاوَزَةً للحَقِّ، وَذَلِكَ في جَمِيعِ أُمُورِهِ وَقَضَايَاهُ).
الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ، أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً ومُؤَازَرَةٌ (المُقَرَّبُونَ عِنْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ خِيَارُ النَّاسِ، وَأَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَكْثَرُهُمْ خَيْرَاً وَنَفْعَاً للأُمَّةِ في دِينِهَا وَدُنْيَاهَا، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً للنَّاسِ بِالنَّفْسِ وَالمَالِ، وَمُؤَازَرَةً ـ أَيْ: مُعَاوَنَةً ـ لَهُمْ في مُهِمَّاتِ أُمُورِهِمْ، وَتَخْفِيفِ الأَثْقَالِ عَنْهُمْ، وَتَنْفِيسِ كُرُبَاتِهِمْ، وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ).
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: سِيرَتُهُ وَآدَابُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ وَبَرَزَ للنَّاسِ:
قَالَ الحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَسَأَلْتُ أَبِي ـ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنْ مَخْرَجِهِ، كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟
فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ (فَلَا يَتَكَلَّمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ، أَيْ: يَهُمُّهُ وَيَنْفَعُ في الدُّنْيَا أَو الدِّينِ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» فَمَنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ اشْتَغَلَ بِمَا يَعْنِيهِ، وَتَرَكَ مَا لَا يَعْنِيهِ.
قَالَ العَلَّامَةُ ابْنُ رَجَبٍ في شَرْحِ حَدِيثِ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»: وَمَعْنَى يَعْنِيهِ: أَنَّهُ تَتَعَلَّقُ عِنَايَتُهُ بِهِ، وَيَكُونُ مِنْ مَقْصِدِهِ وَمَطْلُوبِهِ، وَالعِنَايَةُ: شِدَّةُ الاهْتِمَامِ بِالشَّيْءِ، يُقَالُ: عَنَاهُ يَعْنِيهِ: إِذَا اهْتَمَّ بِهِ وَطَلَبَهُ، وَلَيْسَ المُرَادُ: أَنَّهُ يَتْرُكُ مَا لَا عِنَايَةَ لَهُ بِهِ، بِحُكْمِ الهَوَى وَطَلَبِ النَّفْسِ، بَلْ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَالإِسْلَامِ. اهـ.
وَهَذِهِ غَفْلَةٌ كَبِيرَةٌ وَقَعَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ اشْتِغَالُهُمْ بِمَا لَا يَعْنِيهِمْ.
وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ: تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ: أَبْشِرْ بِالجَنَّةِ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَوَلَا تَدْرِي؟ فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، أَوْ بَخِلَ بِمَا لَا يَنْقُصُهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ؛ وَقَالَ المُنْذِرِيُّ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ. اهـ. وَقَدْ رَوَى مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ. كَمَا في التَّرْغِيبِ).
ويُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنَفِّرُهُمْ (فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُؤَلِّفُ النَّاسَ بِكَرِيمِ مُعَاشَرَتِهِ، وَحُسْنِ مُقَابَلَتِهِ، وَلَا يُنَفِّرُهُمْ عَنْهُ بِغِلْظَةٍ أَو فَظَاظَةٍ، أَو كَلِمَاتٍ مُؤْذِيَةٍ، كَمَا وَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُؤَلِّفُ النَّاسَ عَلَى بَعْضِهِمْ، وَيُحَبِّبُهُمْ في بَعْضِهِمْ، وَلَا يُنَفِّرُهُمْ مِنْ بَعْضِهِمْ).
وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ (وَهَذَا مِنْ كَرِيمِ خُلُقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُكْرِمُ كَرِيمَ القَوْمِ بِمَا يُنَاسِبُهُ مِنَ التَّكْرِيمِ وَالحَفَاوَةِ، وَيَجْعَلُهُ وَالِيَاً عَلَيْهِمْ، وَأَمِيرَاً مُدِيرَاً لِأُمُورِهِمْ.
وَهَذَا مِنْ تَمَامِ حُسْنِ نَظَرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَحِكْمَةِ تَدْبِيرِهِ وَتَنْظِيمِهِ وَإِعْطَائِهِ المَرَاتِبَ حَقَّهَّا).
وَيَحْذَرُ النَّاسَ، وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَخُلُقَهُ (وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ عَقْلِهِ وَسَعَةِ فِكْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْذَرُ النَّاسَ الذينَ هُمْ حَدِيثُو عَهْدٍ بِالإِسْلَامِ، وَلَمْ يَخْبَرْهُمْ وَلَمْ يُجَرِّبْهُمْ في مَهَامِّ الأُمُورِ، وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُ لَا يَطِوْي عَنْهُمْ بِشْرَهُ وَحُسْنَ مُقَابَلَتِهِ وَطَلَاقَةِ وَجْهِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ).
وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ (يَطْلُبُهُمْ وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ حَالَ غَيْبَتِهِمْ).
وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ (وَالمَعْنَى: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ خَاصَّةً، كَمَا وَأَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ أَحْوَالِ الأُمَّةِ عَامَّةً، فَيَسْأَلُ النَّاسَ الذينَ عِنْدَهُمْ مَعْرِفَةً بِأَحْوَالِ النَّاسِ، عَمَّا في النَّاسِ مِنَ الأَحْوَالِ السَّارَّةِ أَو المَكْرُوهَةِ، وَعَمَّا في النَّاسِ مِنْ سَعَةٍ وَضِيقٍ، وَشِدَّةٍ وَرَخَاءٍ، وَفَرَحٍ وَتَرَحٍ، فَيَفْرَحُ لِفَرَحِهِمْ، وَيُسَرُّ لِمَا يَسُرُّهُمْ، وَيَحْزَنُ لِمَا يُحْزِنُهُمْ، وَيَسْعَى في رَفْعِ المَكَارِهِ وَالمَسَاوِئِ عَنْهُمْ.
كَمَا وَأَنَّهُ يَسْأَلُ عَمَّا في النَّاسِ مِنْ سَيْرِهِمْ في أُمُورِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ، أَهُمْ عَلَى صَلَاحٍ وَاسْتِقَامَةٍ؟ أَمْ هُمْ عَلَى فَسَادٍ وَاعْوِجَاجٍ؟ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ التَّجَسُّسِ المَنْهِيِّ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَرُّفِ إلى الفَاضِلِ مِنَ الفُضُولِ، وَالكَامِلِ مِنَ النَّاقِصِ، وَالاسْتِطْلَاعِ عَلَى أُمُورِ النَّاسِ، لِيُصْلِحَ الاعْوِجَاجَ، وَلِتَنْبِيهِ الغَافِلِ، وَتَذْكِيرِ النَّاسِي، وَنُصْحِ الأُمَّةِ وَمُعَالَجَةِ أَمْرَاضِهَا النَّفْسِيَّةِ، فَيَضَعُ الدَّوَاءَ حَيْثُ الدَّاءُ).
وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ ويُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِيهِ (فَإِذَا أَتَى إِنْسَانٌ بِفِعْلٍ حَسَنٍ، أَو بِرَأْيٍ حَسَنٍ: حَسَّنَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَوَّاهُ، وَقَوَّى هِمَّةَ فَاعِلِهِ وَنَهَضَ بِعَزِيمَتِهِ، وَإِنْ صَدَرَ مِنْ إِنْسَانٍ فِعْلٌ قَبِيحٌ: ذَكَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قُبْحَ ذَلِكَ الفِعْلِ وَمَحَاذِيرَهُ، وَسُوءَ عَوَاقِبِهِ، لِيُبَاعِدَ النَّاسَ مِنَ الوُقُوعِ فِيهِ).
مُعْتَدِلَ الْأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ (يَعْنِي: أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَقْوَالِهِ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الاعْتِدَالِ، مَحْفُوظٌ مِنْ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ أُمُورٌ مُتَخَالِفَةٌ، أَو يُعَارِضُ بَعْضُهَا بَعْضَاً، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ عَقْلِهِ وَإِحْكَامِ أَمْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ).
لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلوا أَو يَمِيلُوا (أَيْ: لَا يَغْفُلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَمَّا فِيهِ مَصَالِحُ أَتْبَاعِهِ مِنْ تَذْكِيرِهِمْ وَإِرْشَادِهِمْ، وَنَصِيحَتِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ، مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا فَيَزِلُّوا، أَو يَمِيلُوا إلى الرَّاحَةِ وَالكَسَلِ، وَيُبْطِئُوا عَنِ العَمَلِ، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَشُدُّ عَزْمَهُمْ وَيَتَعَهَّدُهُمْ بِالتَّذْكِيرِ وَالنُّصْحِ).
لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ (لِكُلِّ حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ عِنْدَهُ عُدَّةٌ أَعَدَّهَا لِتِلْكَ الحَالَةِ، وَهَيَّأَ لِكُلِّ أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ مَا يَحْتَاجُهُ وَمَا تَتَطَلَّبُهُ المَصْلَحَةُ).
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا يَقْصُرُ عَنِ الحَقِّ وَلَا يُجَاوِزُهُ (فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الحَقِّ المُسْتَقِيمِ: لَا إِفْرَاطَ وَلَا تَفْرِيطَ، وَلَا تَقْصِيرَ عَنِ الحَقِّ، وَلَا مُجَاوَزَةً للحَقِّ، وَذَلِكَ في جَمِيعِ أُمُورِهِ وَقَضَايَاهُ).
الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ، أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً ومُؤَازَرَةٌ (المُقَرَّبُونَ عِنْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ خِيَارُ النَّاسِ، وَأَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَكْثَرُهُمْ خَيْرَاً وَنَفْعَاً للأُمَّةِ في دِينِهَا وَدُنْيَاهَا، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً للنَّاسِ بِالنَّفْسِ وَالمَالِ، وَمُؤَازَرَةً ـ أَيْ: مُعَاوَنَةً ـ لَهُمْ في مُهِمَّاتِ أُمُورِهِمْ، وَتَخْفِيفِ الأَثْقَالِ عَنْهُمْ، وَتَنْفِيسِ كُرُبَاتِهِمْ، وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ).
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
اليوم في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
اليوم في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
اليوم في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
اليوم في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
اليوم في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
اليوم في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin