آدابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إذا دخل منزله
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: آدَابُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ:
قَالَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَسَأَلْتُ أَبِي ـ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالَ: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءَاً للهِ (أَيْ: لِعِبَادَةِ اللهِ تعالى بِأَنْوَاعِ العِبَادَاتِ، مِنْ صَلَوَاتٍ وَتِلَاوَاتٍ وَدَعَوَاتٍ، وَتَذَكُّرٍ وَتَفَكُّرٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ).
وَجُزْءَاً لِأَهْلِهِ (لِمُؤَانَسَتِهِمْ وَحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِمْ، وَالقِيَامِ بِمُهِمَّاتِهِمْ وَحَاجَاتِهِمْ).
وَجُزْءَاً لِنَفْسِهِ.
ثُمَّ جَزَّأَ جُزْءَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ (يَعْنِي: أََنَّ جُزْأَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي هُوَ لِنَفْسِهِ، يَجْعَلُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ الجُزْءَ الذي جَعَلَهُ للنَّاسِ، بِالخَاصَّةِ عَلَى العَامَّةِ، وَخَاصَّةُ الرَّجُلِ: هُمْ قَرَابَتُهُ الذينَ يَخْتَصُّونَ بِهِ، وَالمُقَرَّبُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَذَوِيهِ، وَالعَامَّةُ: مَنْ لَيْسُوا بِذَلِكَ.
وَفِي مَعْنَى رَدِّ ذَلِكَ الجُزْءِ بِالخَاصَّةِ عَلَى العَامَّةِ أَقْوَالٌ:
الأَوَّلُ: أَنَّ الخَاصَّةَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ في ذَلِكَ الوَقْتِ دُونَ العَامَّةِ، فَتَسْتَفِيدُ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تُخْبِرُ العَامَّةَ بِمَا سَمِعَتْ مِنَ العُلُومِ وَالمَعَارِفِ وَالفَوَائِدِ.
الثَّانِي: أَنَّ البَاءَ بِمَعْنَى: مِنْ؛ أَيْ: يَرُدُّ عَلَى العَامَّةِ مِنْ جُزْءِ الخَاصَّةِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَجْعَلَ العَامَّةَ مَكَانَ الخَاصَّةِ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى العَامَّةِ بَدَلَاً مِنَ الخَاصَّةِ).
وَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئَاً (وَالمَعْنَى: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يُخْفِي وَلَا يَمْنَعُ عَنِ النَّاسِ: عَامَّتَهُمْ وَخَاصَّتَهُمْ، شَيْئَاً مِمَّا يَنْفَعُهُمْ في دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، بَلْ يُقَدِّمُ جَمِيعَ ذَلِكَ لَهُمْ، في جَمِيعِ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ).
وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ، وَقَسْمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ:
فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ (يَعْنِي أَنَّ سِيرَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الجُزْءِ الذي جَعَلَهُ للأُمَّةِ، إِيثَارُ أَهْلِ الفَضْلِ، وَهُمْ أَهْلُ العِلْمِ وَالصَّلَاحِ وَالـشَّرَفِ، فَيُقَدِّمُهُمْ في الدُّخُولِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّوَجُّهِ وَالإِقْبَالِ، وَالإِفَادَةِ وَمَا هُنَالِكَ.
كَمَا وَأَنَّ مِنْ سِيرَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الوَقْتِ الذي جَزَّأَهُ للأُمَّةِ أَنَّهُ قَسَّمَهُ بَيْنَ الأُمَّةِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ في الدِّينِ مِنْ جِهَةِ الصَّلَاحِ وَالتَّقْوَى وَعَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ في الدِّينِ، فَمِنْ أَهْلِ الفَضْلِ وَمِنْ بَقِيَّةِ النَّاسِ: مَنْ هُوَ ذُو الحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ، أَيْ: يَكُونُ مَشْغُولَاً بِإِجَابَةِ طَلَبَاتِهِمْ وَأَسْئِلَتِهِمْ، وَقَضَاءِ حَاجَاتِهِمْ.
كَمَا وَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُشْغِلُهُمْ: بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الإِشْغَالِ، وَبِفَتْحِهِ مِنْ: شَغَلَهُ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ العُلَمَاءُ الشُّرَّاحُ، وَالمَعْنَى: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَشْغَلُهُمْ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَيَنْفَعُهُمْ، وَيُصْلِحُ الأُمَّةَ وَيَنْفَعُهَا، إِمَّا: بِأَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ بَابَ الأَسْئِلَةِ، لِيُفِيضَ عَلَيْهِمُ الأَجْوِبَةَ، أَو يَبْتَدِئُهُمْ بِالإِخْبَارِ عَمَّا يَنْفَعُهُمْ، وَبَيَانِ الذي يَنَبْغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلَمُوهُ مِنَ الأَحْكَامِ وَالمَوَاعِظِ، وَالنَّصِيحَةِ وَالوَصِيَّةِ بِمَا يُصْلِحُ شَأْنَهُمْ وَيُسْعِدُهُمْ في دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
فَمَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتْرُكُ جُزْءَاً مِنَ الزَّمَنِ فَارِغَاً عَمَّا يَنْفَعُ الأُمَّةَ وَيُصْلِحُ أَمْرَهَا، وَمَا كَانَ يَتْرُكُ أَصْحَابَهُ في فَرَاغٍ مِنَ الوَقْتِ وَبَطَالَةٍ مِنَ العَمَلِ، بَلْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَشْغَلُهُمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَيَنْفَعُهُمْ، وَيُصْلِحُ الأُمَّةَ وَيَنْفَعُهَا.
وَذَلِكَ لِأَنَّ اللهَ تعالى قَالَ لَهُ: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ أَيْ: فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ عَمَلٍ فَانْصَبْ لِغَيْرِهِ، وَلْيَكُنِ القَصْدُ وَالرَّغْبَاءُ في جَمِيعِ ذَلِكَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ.
وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ دِينَ الإِسْلَامِ دِينُ جِدٍّ وَعَمَلٍ، لَا هَزْلَ فِيهِ وَلَا كَسَلَ).
فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ، وَيُشْغِلُهُمْ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَالْأُمَّةَ: مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ عَنْهُ، وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ، وَيَقُولُ: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، وأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا، ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَدْخُلُونَ رُوَّادَاً، وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ (الرُّوَّادُ: بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا، جَمْعُ رَائِدٍ، وَهُوَ الطَّالِبُ، وَهُوَ في الأَصْلِ مَنْ يَتَقَدَّمُ أَمَامَ القَوْمِ، لِيَنْظُرَ لَهُمْ الكَلَأَ وَمَسَاقِطَ الغَيْثِ.
وَالمُرَادُ أَنَّ النَّاسَ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَالِبِينَ نَفْعَهُمْ في دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَصَلَاحَ نُفُوسِهِمْ، وَتَعَلُّمَهُمْ مَا فِيهِ سَعَادَتُهُمْ، فَلَا يَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُمْ مُكْرَمُونَ ظَفِرُونَ، أَكْرَمَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَذُوقٍ مِنَ الطَّعَامِ، ضِيَافَةً لَهُمْ، وَأَفَاضَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ مِنَ العُلُومِ وَالمَعَارِفِ، وَبَيَانِ مَا يَحْتَاجُونَهُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَيَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَدِلَّةً وَهُدَاةً للنَّاسِ إلى مَا فِيهِ الخَيْرُ وَالسَّعَادَةُ).
وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً ـ يَعْنِي عَلَى الخَيْرِ ـ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: آدَابُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ:
قَالَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَسَأَلْتُ أَبِي ـ عَلِيَّاً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
فَقَالَ: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءَاً للهِ (أَيْ: لِعِبَادَةِ اللهِ تعالى بِأَنْوَاعِ العِبَادَاتِ، مِنْ صَلَوَاتٍ وَتِلَاوَاتٍ وَدَعَوَاتٍ، وَتَذَكُّرٍ وَتَفَكُّرٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ).
وَجُزْءَاً لِأَهْلِهِ (لِمُؤَانَسَتِهِمْ وَحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِمْ، وَالقِيَامِ بِمُهِمَّاتِهِمْ وَحَاجَاتِهِمْ).
وَجُزْءَاً لِنَفْسِهِ.
ثُمَّ جَزَّأَ جُزْءَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ (يَعْنِي: أََنَّ جُزْأَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي هُوَ لِنَفْسِهِ، يَجْعَلُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ الجُزْءَ الذي جَعَلَهُ للنَّاسِ، بِالخَاصَّةِ عَلَى العَامَّةِ، وَخَاصَّةُ الرَّجُلِ: هُمْ قَرَابَتُهُ الذينَ يَخْتَصُّونَ بِهِ، وَالمُقَرَّبُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَذَوِيهِ، وَالعَامَّةُ: مَنْ لَيْسُوا بِذَلِكَ.
وَفِي مَعْنَى رَدِّ ذَلِكَ الجُزْءِ بِالخَاصَّةِ عَلَى العَامَّةِ أَقْوَالٌ:
الأَوَّلُ: أَنَّ الخَاصَّةَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ في ذَلِكَ الوَقْتِ دُونَ العَامَّةِ، فَتَسْتَفِيدُ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تُخْبِرُ العَامَّةَ بِمَا سَمِعَتْ مِنَ العُلُومِ وَالمَعَارِفِ وَالفَوَائِدِ.
الثَّانِي: أَنَّ البَاءَ بِمَعْنَى: مِنْ؛ أَيْ: يَرُدُّ عَلَى العَامَّةِ مِنْ جُزْءِ الخَاصَّةِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَجْعَلَ العَامَّةَ مَكَانَ الخَاصَّةِ، فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى العَامَّةِ بَدَلَاً مِنَ الخَاصَّةِ).
وَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئَاً (وَالمَعْنَى: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يُخْفِي وَلَا يَمْنَعُ عَنِ النَّاسِ: عَامَّتَهُمْ وَخَاصَّتَهُمْ، شَيْئَاً مِمَّا يَنْفَعُهُمْ في دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، بَلْ يُقَدِّمُ جَمِيعَ ذَلِكَ لَهُمْ، في جَمِيعِ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ).
وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ، وَقَسْمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ:
فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ (يَعْنِي أَنَّ سِيرَتَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الجُزْءِ الذي جَعَلَهُ للأُمَّةِ، إِيثَارُ أَهْلِ الفَضْلِ، وَهُمْ أَهْلُ العِلْمِ وَالصَّلَاحِ وَالـشَّرَفِ، فَيُقَدِّمُهُمْ في الدُّخُولِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّوَجُّهِ وَالإِقْبَالِ، وَالإِفَادَةِ وَمَا هُنَالِكَ.
كَمَا وَأَنَّ مِنْ سِيرَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الوَقْتِ الذي جَزَّأَهُ للأُمَّةِ أَنَّهُ قَسَّمَهُ بَيْنَ الأُمَّةِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ في الدِّينِ مِنْ جِهَةِ الصَّلَاحِ وَالتَّقْوَى وَعَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ في الدِّينِ، فَمِنْ أَهْلِ الفَضْلِ وَمِنْ بَقِيَّةِ النَّاسِ: مَنْ هُوَ ذُو الحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ، أَيْ: يَكُونُ مَشْغُولَاً بِإِجَابَةِ طَلَبَاتِهِمْ وَأَسْئِلَتِهِمْ، وَقَضَاءِ حَاجَاتِهِمْ.
كَمَا وَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُشْغِلُهُمْ: بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الإِشْغَالِ، وَبِفَتْحِهِ مِنْ: شَغَلَهُ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ العُلَمَاءُ الشُّرَّاحُ، وَالمَعْنَى: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَشْغَلُهُمْ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَيَنْفَعُهُمْ، وَيُصْلِحُ الأُمَّةَ وَيَنْفَعُهَا، إِمَّا: بِأَنْ يَفْتَحَ لَهُمْ بَابَ الأَسْئِلَةِ، لِيُفِيضَ عَلَيْهِمُ الأَجْوِبَةَ، أَو يَبْتَدِئُهُمْ بِالإِخْبَارِ عَمَّا يَنْفَعُهُمْ، وَبَيَانِ الذي يَنَبْغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلَمُوهُ مِنَ الأَحْكَامِ وَالمَوَاعِظِ، وَالنَّصِيحَةِ وَالوَصِيَّةِ بِمَا يُصْلِحُ شَأْنَهُمْ وَيُسْعِدُهُمْ في دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
فَمَا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتْرُكُ جُزْءَاً مِنَ الزَّمَنِ فَارِغَاً عَمَّا يَنْفَعُ الأُمَّةَ وَيُصْلِحُ أَمْرَهَا، وَمَا كَانَ يَتْرُكُ أَصْحَابَهُ في فَرَاغٍ مِنَ الوَقْتِ وَبَطَالَةٍ مِنَ العَمَلِ، بَلْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَشْغَلُهُمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَيَنْفَعُهُمْ، وَيُصْلِحُ الأُمَّةَ وَيَنْفَعُهَا.
وَذَلِكَ لِأَنَّ اللهَ تعالى قَالَ لَهُ: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾ أَيْ: فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ عَمَلٍ فَانْصَبْ لِغَيْرِهِ، وَلْيَكُنِ القَصْدُ وَالرَّغْبَاءُ في جَمِيعِ ذَلِكَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ.
وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ دِينَ الإِسْلَامِ دِينُ جِدٍّ وَعَمَلٍ، لَا هَزْلَ فِيهِ وَلَا كَسَلَ).
فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ، وَيُشْغِلُهُمْ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَالْأُمَّةَ: مِنْ مَسْأَلَتِهِمْ عَنْهُ، وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ، وَيَقُولُ: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، وأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا، ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَدْخُلُونَ رُوَّادَاً، وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ (الرُّوَّادُ: بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِهَا، جَمْعُ رَائِدٍ، وَهُوَ الطَّالِبُ، وَهُوَ في الأَصْلِ مَنْ يَتَقَدَّمُ أَمَامَ القَوْمِ، لِيَنْظُرَ لَهُمْ الكَلَأَ وَمَسَاقِطَ الغَيْثِ.
وَالمُرَادُ أَنَّ النَّاسَ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَالِبِينَ نَفْعَهُمْ في دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَصَلَاحَ نُفُوسِهِمْ، وَتَعَلُّمَهُمْ مَا فِيهِ سَعَادَتُهُمْ، فَلَا يَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُمْ مُكْرَمُونَ ظَفِرُونَ، أَكْرَمَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَذُوقٍ مِنَ الطَّعَامِ، ضِيَافَةً لَهُمْ، وَأَفَاضَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ مِنَ العُلُومِ وَالمَعَارِفِ، وَبَيَانِ مَا يَحْتَاجُونَهُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَيَخْرُجُونَ مِنْ عِنْدِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَدِلَّةً وَهُدَاةً للنَّاسِ إلى مَا فِيهِ الخَيْرُ وَالسَّعَادَةُ).
وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً ـ يَعْنِي عَلَى الخَيْرِ ـ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
اليوم في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
اليوم في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
اليوم في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
اليوم في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
اليوم في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
اليوم في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin