مع الحبيب المصطفى: «إِنَّ أُحُداً جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
105ـ «إِنَّ أُحُداً جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إذا كانَ على العُقَلاءِ من النَّاسِ غَيرِ المُؤمِنينَ أن يَستَجيبوا لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فإنَّهُ من بابِ أَولى أن يَستَجيبَ أولو الألبابِ من المُؤمِنينَ لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإخوة الكرام: قالَ تعالى مُخبِراً عن أولي الألبابِ حَيثُ كانَ من دُعائِهِم: ﴿ربَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾. ومن مُستَلزَماتِ هذا الإيمانِ الإيمانُ بِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ومن آمَنَ وكانَ صَادِقاً في إيمانِهِ فلا يَسَعُهُ إلا امتِثالُ أمرِ الذي آمَنَ به عن طَوَاعِيَةٍ واختِيارٍ، ومن العَجيبِ أن يُخالِفَ أمرَ من آمَنِ به.
الكَونُ كُلُّهُ يَعلَمُ أنَّهُ رَسولُ الله:
أيُّها الإخوة الكرام: ما من شَيءٍ في هذا الكَونِ إلا وهوَ يَعلَمُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ الله، إِلَّا عَاصِيَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ».
وما من شَيءٍ في هذا الوُجودِ إلا وقد شَعَرَ بِرَحمَةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ اللهَ تعالى قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾.
وهذهِ المَوجوداتُ كُلُّها مُستَجيبَةٌ لأمرِ الله تعالى، قال تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين﴾. وكُلُّها مُسَبِّحَةٌ بِحَمْدِ الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾.
وما من شَيءٍ من هذهِ المَوجوداتِ إلا وهوَ يَغارُ على كَلِمَةِ التَّوحيدِ، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدَّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدَّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدَّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً﴾.
هل العاقِلُ من البَشَرِ كذلكَ؟
أيُّها الإخوة الكرام: هل العُقَلاءُ من البَشَرِ عَلِموا بأنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً رَسولُ الله؟ وهل شَعَروا بهذهِ الرَّحمَةِ المُهداةِ؟ وهل يَستَجيبونَ لأوامِرِ الله تعالى ولأوامِرِ رَسولِهِ؟ وهل يَغارونَ على كَلِمَةِ التَّوحيدِ إذا سَمِعوا كَلِماتِ الكُفرِ والسَّبِّ لله تعالى ولِرَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
اِستِجابَةُ الجَماداتِ لأمرِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُروا إلى هذهِ الجَماداتِ التي عَرَفَت سَيِّدَنا رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وشَعَرَت بِرَحمَتِهِ بها، اُنظُروا إلَيها إذا أمَرَها بأمرٍ هل تَستَجيبُ أم لا؟
أولاً: اِستِجابَةُ القَمَرِ لإشارَتِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُروا إلى القَمَرِ واستِجابَتِهِ لإشارَةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: (أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمْ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا).
وروى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمِنىً إِذَا انْفَلَقَ الْقَمَرُ فِلْقَتَيْنِ، فَكَانَتْ فِلْقَةٌ وَرَاءَ الْجَبَلِ، وَفِلْقَةٌ دُونَهُ.
فَقَالَ لَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اشْهَدُوا».
وأكَّدَ اللهُ تعالى حَادِثَةَ انشِقاقِ القَمَرِ بِقَولِهِ تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَر﴾.
فأين استِجابَةُ العُقَلاءِ من النَّاسِ وخاصَّةً المُؤمِنينَ منهُم لأوامِرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
كونوا على يَقينٍ بأنَّ الذينَ لا يَستَجيبونَ لأوامِرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فالجَماداتُ تَكونُ عِندَ الله تعالى أفضَلَ منهُم.
ثانياً: اِستِجابَةُ جَبَلِ أُحُدٍ لأمرِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُروا إلى جَبَلِ أُحُدٍ الذي هوَ من جُملَةِ من عَلِمَ بأنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً رَسولُ الله، وأنَّهُ رَحمَةٌ للعالَمينَ، اُنظُروا إلَيهِ وسَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَشهَدُ لهُ بأنَّهُ مُحِبٌّ لهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وقد بَادَلَهُ الحُبَّ حُبَّاً، فقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كما روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ: «إِنَّ أُحُداً جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ».
وانظُروا إلَيهِ وهوَ يَستَجيبُ لأمرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام البخاري عن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ أُحُداً وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ.
فَقَالَ: «اثْبُتْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ».
فهل صَدَقْنا في مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وهل استَجَبْنا لأوامِرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ أم أنَّ أُحُداً أصدَقُ منَّا في الحُبِّ، وأسرَعُ استِجابَةً لأوامِرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
ثالثاً: اِستِجابَةُ السَّحابِ لإشارَتِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُروا إلى السَّحابِ وهوَ يَستَجيبُ لإشارَةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أَصَابَت النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللهَ لَنَا.
فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِن الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ، وَالَّذِي يَلِيهِ، حَتَّى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى.
وَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ ـ أَوْ قَالَ غَيْرُهُ ـ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللهَ لَنَا.
فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا».
فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِن السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ، وَصَارَت الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ، وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةٌ شَهْراً، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ.
فأينَ استِجابَةُ العُقَلاءِ لأوامِرِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهُمُ الذينَ يُؤمِنونَ بأنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَسولُ الله؟
رابعاً: اِستِجابَةُ الشَّجَرَةِ لِدَعوَتِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُروا إلى شَجَرَةٍ دَعاها سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فاستَجابَتْ لِدَعوَتِهِ.
روى الطَّبَرانِيُّ والبَيهَقِي وأَبُو يَعلَى وابنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟
قَالَ: إِلَى أَهْلِي.
قَالَ: هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ؟
قَالَ: مَا هُوَ؟
قَالَ: تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
قَالَ: مَنْ شَاهِدٌ عَلَى مَا تَقُولُ؟
قَالَ: هَذِهِ الشَّجَرَةُ، فَدَعَاهَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الأَرْضَ خَدّاً حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلاثاً، فَشَهِدَتْ أَنَّهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا، وَرَجَعَ الأَعْرَابِيُّ إِلَى قَوْمِهِ.
فَقَالَ: إِنْ يَتْبَعُونِي آتِكَ بِهِمْ، وَإِلا رَجَعْتُ إِلَيْكَ فَكُنْتُ مَعَكَ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لا يَجوزُ أن تَكونَ الجَماداتُ أعقَلَ من الإنسانِ، لا يَجوزُ أن تَستَجيبَ الجَماداتُ لأمرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ والعَاقِلُ من النَّاسِ لا يَستَجيبُ.
العَاقِلُ من النَّاسِ من اندَرَجَ تَحتَ قَولِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون﴾.
العَاقِلُ من النَّاسِ هوَ الذي يُتَرجِمُ عن إيمانِهِ وعِلمِهِ بأنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَرجَمَةَ استِجابَةٍ لأوامِرِهِ، ولا يَليقُ به أن تَكونَ الجَماداتُ أسرَعَ استِجابَةً لأوامِرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ منهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: كُلُّنا يَعلَمُ بأنَّ اللهَ تعالى سَخَّرَ للإنسانِ ما في السَّماواتِ وما في الأرضِ، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ﴾. فلا يَليقُ بالإنسانِ المَخدومِ أن يَكونَ مُعرِضاً عن أوامِرِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ومَن دَونَهُ من الخَدَمِ يَكونُ أسرَعَ استِجابَةً لأوامِرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أسألُ اللهَ تعالى أن يُكرِمَنا بالاستِجابَةِ لهُ ولِحَبيبِهِ ومُصطَفاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
105ـ «إِنَّ أُحُداً جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إذا كانَ على العُقَلاءِ من النَّاسِ غَيرِ المُؤمِنينَ أن يَستَجيبوا لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فإنَّهُ من بابِ أَولى أن يَستَجيبَ أولو الألبابِ من المُؤمِنينَ لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإخوة الكرام: قالَ تعالى مُخبِراً عن أولي الألبابِ حَيثُ كانَ من دُعائِهِم: ﴿ربَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾. ومن مُستَلزَماتِ هذا الإيمانِ الإيمانُ بِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ومن آمَنَ وكانَ صَادِقاً في إيمانِهِ فلا يَسَعُهُ إلا امتِثالُ أمرِ الذي آمَنَ به عن طَوَاعِيَةٍ واختِيارٍ، ومن العَجيبِ أن يُخالِفَ أمرَ من آمَنِ به.
الكَونُ كُلُّهُ يَعلَمُ أنَّهُ رَسولُ الله:
أيُّها الإخوة الكرام: ما من شَيءٍ في هذا الكَونِ إلا وهوَ يَعلَمُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ الله، إِلَّا عَاصِيَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ».
وما من شَيءٍ في هذا الوُجودِ إلا وقد شَعَرَ بِرَحمَةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ اللهَ تعالى قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾.
وهذهِ المَوجوداتُ كُلُّها مُستَجيبَةٌ لأمرِ الله تعالى، قال تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين﴾. وكُلُّها مُسَبِّحَةٌ بِحَمْدِ الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾.
وما من شَيءٍ من هذهِ المَوجوداتِ إلا وهوَ يَغارُ على كَلِمَةِ التَّوحيدِ، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدَّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدَّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدَّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً﴾.
هل العاقِلُ من البَشَرِ كذلكَ؟
أيُّها الإخوة الكرام: هل العُقَلاءُ من البَشَرِ عَلِموا بأنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً رَسولُ الله؟ وهل شَعَروا بهذهِ الرَّحمَةِ المُهداةِ؟ وهل يَستَجيبونَ لأوامِرِ الله تعالى ولأوامِرِ رَسولِهِ؟ وهل يَغارونَ على كَلِمَةِ التَّوحيدِ إذا سَمِعوا كَلِماتِ الكُفرِ والسَّبِّ لله تعالى ولِرَسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
اِستِجابَةُ الجَماداتِ لأمرِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُروا إلى هذهِ الجَماداتِ التي عَرَفَت سَيِّدَنا رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وشَعَرَت بِرَحمَتِهِ بها، اُنظُروا إلَيها إذا أمَرَها بأمرٍ هل تَستَجيبُ أم لا؟
أولاً: اِستِجابَةُ القَمَرِ لإشارَتِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُروا إلى القَمَرِ واستِجابَتِهِ لإشارَةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله عَنْهُ: (أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمْ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا).
وروى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمِنىً إِذَا انْفَلَقَ الْقَمَرُ فِلْقَتَيْنِ، فَكَانَتْ فِلْقَةٌ وَرَاءَ الْجَبَلِ، وَفِلْقَةٌ دُونَهُ.
فَقَالَ لَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اشْهَدُوا».
وأكَّدَ اللهُ تعالى حَادِثَةَ انشِقاقِ القَمَرِ بِقَولِهِ تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَر﴾.
فأين استِجابَةُ العُقَلاءِ من النَّاسِ وخاصَّةً المُؤمِنينَ منهُم لأوامِرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
كونوا على يَقينٍ بأنَّ الذينَ لا يَستَجيبونَ لأوامِرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فالجَماداتُ تَكونُ عِندَ الله تعالى أفضَلَ منهُم.
ثانياً: اِستِجابَةُ جَبَلِ أُحُدٍ لأمرِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُروا إلى جَبَلِ أُحُدٍ الذي هوَ من جُملَةِ من عَلِمَ بأنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً رَسولُ الله، وأنَّهُ رَحمَةٌ للعالَمينَ، اُنظُروا إلَيهِ وسَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَشهَدُ لهُ بأنَّهُ مُحِبٌّ لهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وقد بَادَلَهُ الحُبَّ حُبَّاً، فقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كما روى الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ: «إِنَّ أُحُداً جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ».
وانظُروا إلَيهِ وهوَ يَستَجيبُ لأمرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام البخاري عن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ أُحُداً وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ.
فَقَالَ: «اثْبُتْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ».
فهل صَدَقْنا في مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ وهل استَجَبْنا لأوامِرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ أم أنَّ أُحُداً أصدَقُ منَّا في الحُبِّ، وأسرَعُ استِجابَةً لأوامِرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
ثالثاً: اِستِجابَةُ السَّحابِ لإشارَتِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُروا إلى السَّحابِ وهوَ يَستَجيبُ لإشارَةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: أَصَابَت النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللهَ لَنَا.
فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِن الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ، وَالَّذِي يَلِيهِ، حَتَّى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى.
وَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ ـ أَوْ قَالَ غَيْرُهُ ـ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللهَ لَنَا.
فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا».
فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِن السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ، وَصَارَت الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ، وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةٌ شَهْراً، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ.
فأينَ استِجابَةُ العُقَلاءِ لأوامِرِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وهُمُ الذينَ يُؤمِنونَ بأنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَسولُ الله؟
رابعاً: اِستِجابَةُ الشَّجَرَةِ لِدَعوَتِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُروا إلى شَجَرَةٍ دَعاها سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فاستَجابَتْ لِدَعوَتِهِ.
روى الطَّبَرانِيُّ والبَيهَقِي وأَبُو يَعلَى وابنُ حِبَّانَ في صَحِيحِهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟
قَالَ: إِلَى أَهْلِي.
قَالَ: هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ؟
قَالَ: مَا هُوَ؟
قَالَ: تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
قَالَ: مَنْ شَاهِدٌ عَلَى مَا تَقُولُ؟
قَالَ: هَذِهِ الشَّجَرَةُ، فَدَعَاهَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الأَرْضَ خَدّاً حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلاثاً، فَشَهِدَتْ أَنَّهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا، وَرَجَعَ الأَعْرَابِيُّ إِلَى قَوْمِهِ.
فَقَالَ: إِنْ يَتْبَعُونِي آتِكَ بِهِمْ، وَإِلا رَجَعْتُ إِلَيْكَ فَكُنْتُ مَعَكَ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لا يَجوزُ أن تَكونَ الجَماداتُ أعقَلَ من الإنسانِ، لا يَجوزُ أن تَستَجيبَ الجَماداتُ لأمرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ والعَاقِلُ من النَّاسِ لا يَستَجيبُ.
العَاقِلُ من النَّاسِ من اندَرَجَ تَحتَ قَولِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون﴾.
العَاقِلُ من النَّاسِ هوَ الذي يُتَرجِمُ عن إيمانِهِ وعِلمِهِ بأنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَرجَمَةَ استِجابَةٍ لأوامِرِهِ، ولا يَليقُ به أن تَكونَ الجَماداتُ أسرَعَ استِجابَةً لأوامِرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ منهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: كُلُّنا يَعلَمُ بأنَّ اللهَ تعالى سَخَّرَ للإنسانِ ما في السَّماواتِ وما في الأرضِ، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ﴾. فلا يَليقُ بالإنسانِ المَخدومِ أن يَكونَ مُعرِضاً عن أوامِرِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ومَن دَونَهُ من الخَدَمِ يَكونُ أسرَعَ استِجابَةً لأوامِرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أسألُ اللهَ تعالى أن يُكرِمَنا بالاستِجابَةِ لهُ ولِحَبيبِهِ ومُصطَفاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin