الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
[ 1 ] ( الكفر ) لغةً : هو الجحود والتّغطية ، فيقال عن إنكار الزّوجة لإحسان زوجها إليها بأنّه كفر للعشرة أيّ الزّوج وهذا يعني أنّها تجحد معروفه وإحسانه إليها ، وكذلك كفر الإنسان نعمة ربّه أي جحدها، وسمّي الكفر بالله تعالى كفرًا لأنّ هذه العقيدة قد غطّت قلبه كلّه بعيدًا عن أيّ معنى للإيمان ، و ( الكفر ) في معناه الاصطلاحي فهو أن يشتمل على جحود الخالق سبحانه أو إنكار حقّه في الإلهية أو الربوبية أو العبودية ، أو انكار معلوم من دين الله تعالى بالضرورة ، أو الإتيان بأيّ ناقض ينقض دعوى الشهادتين ، ويخرج الإنسان من دائرة الإسلام ،
[ 2 ] أما معنى ( الشرك ) لغةً : يأتي من الشّراكة والاجتماع في الأمر، فيقال أشرك فلان فلانًا في الموضوع أيّ أدخله فيه فصار جزءاً منه ، أمّا معنى ( الشّرك ) في الاصطلاح فهو إشراك غير الله تعالى فيما هو من حبق الله تعالى وحده ، كأن يعتقد إلها مع الله او ربا مع الله أو معبودا مع الله ، وهذا هو الشّرك الأكبر الذي لا يغفره الله تعالى ،
[ 3 ] أما الفرق بين الكافر والمشرك : فإن لفظ الكافر يطلق على من يجحد أمورا يجب الإيمان بها لأنها تعد من المعلوم من الدين بالضرورة ، فمن ينكر النار، والجنة، والبعث، ويوم القيامة هو كافر ، كذلك من يشكك في وجوب الصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة ، ومن يكذب وجود الله ، والملائكة ، والرسل ، والنبيين ، والكتب السماوية هو كافر ، كما أنّ إنكار أمر واحد مما سبق كفر اكبر يخرج من الملة ، ومن الجدير بالذكر أنّ هناك كافر أصلاً وهو المولود على الكفر ، وهناك الكافر المرتد وهو الذي أسلم ، ثمّ كفر ، أما ( المشرك ) فيطلق لفظ مشرك على كل شخص يؤمن آلهة مع الله تخلق وترزق ، والكافر والمشرك : كلاهما مخلدون في نار جهنم ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ } [ البينة : 6 ] ،
[ 4 ] وقد يأتي كل من اللفظين بمعنى الآخر ، فيطلق الكفر بمعنى الشرك ، ويطلق الشرك بمعنى الكفر ، قال النووي رحمه الله : ( الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى ، وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبادة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش ، فيكون الكفر أعم من الشرك ) انتهى [ شرح صحيح مسلم : (2/71 ) ] ،
[ تنبيه ] هناك فرق واسع بين الكفر الأكبر وبين الكفر دون كفر ، ( الكفر الأكبر ) : هو الكفر المناقض لأصل الإيمان ( الإقرار والتصديق والانقياد ) ، ولهذا كان ستة أنواع منها ما يضاد الإقرار ومنها ما يضاد التصديق ومنها ما يضاد ال انقياد : فكفر التكذيب يضاد الإقرار والتصديق ، وكفر الجحود يضاد الإقرار ، وكفر العناد ومنه الاستكبار والإباء يضاد الانقياد ، وكفر الشك يضاد التصديق ، وكفر النفاق يضاد التصديق ، وكفر الإعراض يضاد الإقرار والتصديق ، وكل ما يناقض أصل الإيمان فهو كفر أكبر مخرج من الملة ومآله إلى أحد أنواع هذه الستة الذي ذكرها العلماء في أنواع الكفر الأكبر ، والكفر الأكبر : يخرج من الملة بالكلية فلا يأخذ صاحبه أبداً ـ اسم الإسلام ولا حكمه ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فيجب تفريق زوجته المسلمة عنه ولا يحل لها البقاء تحت سلطانه ، ويجب تفريق أولاده القصر عنه لأنه لا يؤتمن عليهم ويخشى أن يؤثر عليم بكفره ، ويجب أن يحاكم إلى قضاء المسلمين وتقام عليه الحجة فإن تاب وإلا قتل رٍدّة ، إذا مات أو قتل رٍدّة فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مدافن المسلمين ولا يورث كما أنه لا يرث إذا مات مورث له ، والكفر الأكبر يوجب الخلود الأبدي في النار ـ فصاحبه من أصحاب النار الذين لهم الخلود الأبدي في النار فلا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ولا هم منها بمخرجين ، وهم في النار لا يجوز لهم شفاعة ولا تنفعهم شفاعة ولا هم تحت المشيئة بل هم أصحاب النار خالدون فيها أبداً وبئس المصير ، أما ( الكفر دون الكفر الأكبر ) : وهو ما يسميه بعض العلماء بالكفر داخل إطار الملة أو بالكفر الأصغر ، وهذا الكفر لا مناقضة فيه لأصل الإيمان وإنما هو يناقض الإيمان الواجب القريب من أصل الإيمان ، ولهذا كانت خطورته في أنه يفتح طريقاً عريضاً نحو الكفر الأكبر ويخشى على صاحبه بسوء الخاتمة ، وذلك لأن الإيمان من شأنه الزيادة والنقصان ، ومن يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، وصاحب الكفر دون الكفر الأكبر مفرط في الإيمان الواجب من أصل الإيمان فهو يكاد ويوشك أن يقع فيما ينقض أصل الإيمان ، ومن أمثلة هذا الكفر قتل المسلمين وقتالهم لأنه قريب من اعتياد ذلك واستحلاله ، واستحلاله كفر أكبر ، ومن أمثلته النياحة على الميت لأنه قريب من اعتياد الاعتراض على قضاء الله وقدره ، والظن السيئ بالله ، وهو بذلك قريب من الكفر الأكبر ، ومن أمثلته تكفير المسلم لأخيه المسلم بغير وجه حق لأنه قريب إلى استحلال دمه وماله وعرضه بغير وجه حق ، وهكذا فكل ما حكم الشرع بكونه كفر دون كفر ، فهو دلالة على قربه من الكفر الأكبر وأنّ اعتياده طريق إلى الكفر الأكبر المضاد لأصل الإيمان والموجب للخلود الأبدي في النار ، " قلت " ، ومن أمثلته أيضاً عند جمهور السلف والخلف وغالب الفقهاء ترك الصلاة لأنّه قريب من اعتياد ذلك وجحوده فيختم لهم بسوء الخاتمة ، نسأل الله عز وجل التثبيت وحسن الخاتمة ، ثم إن علماء أهل السنّة والجماعة اتفقوا على أن كفر العمل لا يمكن أن يكون كفرا أكبر حتى يصاحبه كفر الاعتقاد ، ومن ذلك أنهم : ( قالوا ) : إن ترك التصديق بالله كفر ، وإن ترك الفرائض مع تصديق الله أنه قد أوجبها كفر ، ليس بكفر بالله ، وإنما هو كفر من جهة ترك الحق كما يقول القائل : كفرتني حقي ونعمتي ، يريد : ضيعت حقي وضيعت شكر نعمتي ، ( قالوا ) : ولنا في هذا قدوة بمن روي عنهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين ، إذ جعلوا للكفر فروعاً دون أصله ، لا ينقل صاحبه عن ملة الإسلام ، كما أثبتوا للإيمان من جهة العمل فروعاً للأصل لا ينقل تركه عن ملة الإسلام ، من ذلك قول ابن عباس في قوله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [ المائدة : 47 ] ليس بالكفر الذي يذهبون إليه . وعن ابن طاووس عن أبيه قال : قلت لابن عباس : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فهو كافر ؟ قال : هو به كفر ، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله ، وكذلك الشرك شركان : شرك في الاعتقاد ينقل عن الملة كان يعتقد إلها مع الله او ربا سواه او معبودا من دون الله ، وشرك في العمل لا ينقل عن الملة ، ومثاله الرياء ،
ولهذا كان من قواعد الشريعة العامة الضابطة لمسائل الإيمان والكفر والتي قال بها العلماء قاعدة : (( المسلم قد يجتمع فيه كفر وإيمان ، وشرك وتوحيد ، ولا يكون بذلك كافرا ولا مشركا )) ، وهذا من أعظم أصول أهل السنّة وخالفهم فيه غيرهم من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والقدرية ، كما في قوله تعـالى { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ }[ يوسف : 106 ] ، فإنّ الله تعالى أثبـت لهـم إيمانـاُ بـه سبحانـه مـع وقوع الشـرك دون شرك ، وقد يجتمع في الإنسان إيمان ونفاق ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : (( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا ائتمن خان ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر )) وقوله صلى الله عليه وسلم : (( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو ، مات على شعبة نفاق )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم قال : (( أربع في أمتي من أمر الجاهلية ، لن يدعوهن : الفخر بالأحساب ، والطعـن في الأنسـاب ، والنياحـة ، والاستسقـاء بالنجوم )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب والنياحة على الميت )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا ترغبوا عن آبائكم فإن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( ليس من رجل ادعى إلى غير أبيه ـ وهو يعلمه ـ إلاّ كفر ، ومن ادعى ما ليس له فليس منا ، وليتبوأ مقعده من النار ، ومن رمى رجلاً بالكفر أو قال يا عدو الله وليس كذلك ، إلاّ رجـع عليـه )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم (( ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه ، إلاّ كفر بالله ، ومن ادعى قوماً ليس منهم ، فليتبوأ مقعده من النار )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم (( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إذا قال الرجل لأخيه : يا كافر ! فقد باء بها أحدهما )) ، وقول ابن عباس رضي الله عنهما : في قوله تعالى{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }[ المائدة : 44 ] { فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} و{فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } : كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق ،
[ 1 ] ( الكفر ) لغةً : هو الجحود والتّغطية ، فيقال عن إنكار الزّوجة لإحسان زوجها إليها بأنّه كفر للعشرة أيّ الزّوج وهذا يعني أنّها تجحد معروفه وإحسانه إليها ، وكذلك كفر الإنسان نعمة ربّه أي جحدها، وسمّي الكفر بالله تعالى كفرًا لأنّ هذه العقيدة قد غطّت قلبه كلّه بعيدًا عن أيّ معنى للإيمان ، و ( الكفر ) في معناه الاصطلاحي فهو أن يشتمل على جحود الخالق سبحانه أو إنكار حقّه في الإلهية أو الربوبية أو العبودية ، أو انكار معلوم من دين الله تعالى بالضرورة ، أو الإتيان بأيّ ناقض ينقض دعوى الشهادتين ، ويخرج الإنسان من دائرة الإسلام ،
[ 2 ] أما معنى ( الشرك ) لغةً : يأتي من الشّراكة والاجتماع في الأمر، فيقال أشرك فلان فلانًا في الموضوع أيّ أدخله فيه فصار جزءاً منه ، أمّا معنى ( الشّرك ) في الاصطلاح فهو إشراك غير الله تعالى فيما هو من حبق الله تعالى وحده ، كأن يعتقد إلها مع الله او ربا مع الله أو معبودا مع الله ، وهذا هو الشّرك الأكبر الذي لا يغفره الله تعالى ،
[ 3 ] أما الفرق بين الكافر والمشرك : فإن لفظ الكافر يطلق على من يجحد أمورا يجب الإيمان بها لأنها تعد من المعلوم من الدين بالضرورة ، فمن ينكر النار، والجنة، والبعث، ويوم القيامة هو كافر ، كذلك من يشكك في وجوب الصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة ، ومن يكذب وجود الله ، والملائكة ، والرسل ، والنبيين ، والكتب السماوية هو كافر ، كما أنّ إنكار أمر واحد مما سبق كفر اكبر يخرج من الملة ، ومن الجدير بالذكر أنّ هناك كافر أصلاً وهو المولود على الكفر ، وهناك الكافر المرتد وهو الذي أسلم ، ثمّ كفر ، أما ( المشرك ) فيطلق لفظ مشرك على كل شخص يؤمن آلهة مع الله تخلق وترزق ، والكافر والمشرك : كلاهما مخلدون في نار جهنم ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ } [ البينة : 6 ] ،
[ 4 ] وقد يأتي كل من اللفظين بمعنى الآخر ، فيطلق الكفر بمعنى الشرك ، ويطلق الشرك بمعنى الكفر ، قال النووي رحمه الله : ( الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى ، وقد يفرق بينهما فيخص الشرك بعبادة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش ، فيكون الكفر أعم من الشرك ) انتهى [ شرح صحيح مسلم : (2/71 ) ] ،
[ تنبيه ] هناك فرق واسع بين الكفر الأكبر وبين الكفر دون كفر ، ( الكفر الأكبر ) : هو الكفر المناقض لأصل الإيمان ( الإقرار والتصديق والانقياد ) ، ولهذا كان ستة أنواع منها ما يضاد الإقرار ومنها ما يضاد التصديق ومنها ما يضاد ال انقياد : فكفر التكذيب يضاد الإقرار والتصديق ، وكفر الجحود يضاد الإقرار ، وكفر العناد ومنه الاستكبار والإباء يضاد الانقياد ، وكفر الشك يضاد التصديق ، وكفر النفاق يضاد التصديق ، وكفر الإعراض يضاد الإقرار والتصديق ، وكل ما يناقض أصل الإيمان فهو كفر أكبر مخرج من الملة ومآله إلى أحد أنواع هذه الستة الذي ذكرها العلماء في أنواع الكفر الأكبر ، والكفر الأكبر : يخرج من الملة بالكلية فلا يأخذ صاحبه أبداً ـ اسم الإسلام ولا حكمه ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فيجب تفريق زوجته المسلمة عنه ولا يحل لها البقاء تحت سلطانه ، ويجب تفريق أولاده القصر عنه لأنه لا يؤتمن عليهم ويخشى أن يؤثر عليم بكفره ، ويجب أن يحاكم إلى قضاء المسلمين وتقام عليه الحجة فإن تاب وإلا قتل رٍدّة ، إذا مات أو قتل رٍدّة فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مدافن المسلمين ولا يورث كما أنه لا يرث إذا مات مورث له ، والكفر الأكبر يوجب الخلود الأبدي في النار ـ فصاحبه من أصحاب النار الذين لهم الخلود الأبدي في النار فلا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ولا هم منها بمخرجين ، وهم في النار لا يجوز لهم شفاعة ولا تنفعهم شفاعة ولا هم تحت المشيئة بل هم أصحاب النار خالدون فيها أبداً وبئس المصير ، أما ( الكفر دون الكفر الأكبر ) : وهو ما يسميه بعض العلماء بالكفر داخل إطار الملة أو بالكفر الأصغر ، وهذا الكفر لا مناقضة فيه لأصل الإيمان وإنما هو يناقض الإيمان الواجب القريب من أصل الإيمان ، ولهذا كانت خطورته في أنه يفتح طريقاً عريضاً نحو الكفر الأكبر ويخشى على صاحبه بسوء الخاتمة ، وذلك لأن الإيمان من شأنه الزيادة والنقصان ، ومن يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، وصاحب الكفر دون الكفر الأكبر مفرط في الإيمان الواجب من أصل الإيمان فهو يكاد ويوشك أن يقع فيما ينقض أصل الإيمان ، ومن أمثلة هذا الكفر قتل المسلمين وقتالهم لأنه قريب من اعتياد ذلك واستحلاله ، واستحلاله كفر أكبر ، ومن أمثلته النياحة على الميت لأنه قريب من اعتياد الاعتراض على قضاء الله وقدره ، والظن السيئ بالله ، وهو بذلك قريب من الكفر الأكبر ، ومن أمثلته تكفير المسلم لأخيه المسلم بغير وجه حق لأنه قريب إلى استحلال دمه وماله وعرضه بغير وجه حق ، وهكذا فكل ما حكم الشرع بكونه كفر دون كفر ، فهو دلالة على قربه من الكفر الأكبر وأنّ اعتياده طريق إلى الكفر الأكبر المضاد لأصل الإيمان والموجب للخلود الأبدي في النار ، " قلت " ، ومن أمثلته أيضاً عند جمهور السلف والخلف وغالب الفقهاء ترك الصلاة لأنّه قريب من اعتياد ذلك وجحوده فيختم لهم بسوء الخاتمة ، نسأل الله عز وجل التثبيت وحسن الخاتمة ، ثم إن علماء أهل السنّة والجماعة اتفقوا على أن كفر العمل لا يمكن أن يكون كفرا أكبر حتى يصاحبه كفر الاعتقاد ، ومن ذلك أنهم : ( قالوا ) : إن ترك التصديق بالله كفر ، وإن ترك الفرائض مع تصديق الله أنه قد أوجبها كفر ، ليس بكفر بالله ، وإنما هو كفر من جهة ترك الحق كما يقول القائل : كفرتني حقي ونعمتي ، يريد : ضيعت حقي وضيعت شكر نعمتي ، ( قالوا ) : ولنا في هذا قدوة بمن روي عنهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين ، إذ جعلوا للكفر فروعاً دون أصله ، لا ينقل صاحبه عن ملة الإسلام ، كما أثبتوا للإيمان من جهة العمل فروعاً للأصل لا ينقل تركه عن ملة الإسلام ، من ذلك قول ابن عباس في قوله : { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [ المائدة : 47 ] ليس بالكفر الذي يذهبون إليه . وعن ابن طاووس عن أبيه قال : قلت لابن عباس : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فهو كافر ؟ قال : هو به كفر ، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله ، وكذلك الشرك شركان : شرك في الاعتقاد ينقل عن الملة كان يعتقد إلها مع الله او ربا سواه او معبودا من دون الله ، وشرك في العمل لا ينقل عن الملة ، ومثاله الرياء ،
ولهذا كان من قواعد الشريعة العامة الضابطة لمسائل الإيمان والكفر والتي قال بها العلماء قاعدة : (( المسلم قد يجتمع فيه كفر وإيمان ، وشرك وتوحيد ، ولا يكون بذلك كافرا ولا مشركا )) ، وهذا من أعظم أصول أهل السنّة وخالفهم فيه غيرهم من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والقدرية ، كما في قوله تعـالى { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ }[ يوسف : 106 ] ، فإنّ الله تعالى أثبـت لهـم إيمانـاُ بـه سبحانـه مـع وقوع الشـرك دون شرك ، وقد يجتمع في الإنسان إيمان ونفاق ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : (( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا ائتمن خان ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر )) وقوله صلى الله عليه وسلم : (( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو ، مات على شعبة نفاق )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم قال : (( أربع في أمتي من أمر الجاهلية ، لن يدعوهن : الفخر بالأحساب ، والطعـن في الأنسـاب ، والنياحـة ، والاستسقـاء بالنجوم )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب والنياحة على الميت )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا ترغبوا عن آبائكم فإن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( ليس من رجل ادعى إلى غير أبيه ـ وهو يعلمه ـ إلاّ كفر ، ومن ادعى ما ليس له فليس منا ، وليتبوأ مقعده من النار ، ومن رمى رجلاً بالكفر أو قال يا عدو الله وليس كذلك ، إلاّ رجـع عليـه )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم (( ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه ، إلاّ كفر بالله ، ومن ادعى قوماً ليس منهم ، فليتبوأ مقعده من النار )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم (( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إذا قال الرجل لأخيه : يا كافر ! فقد باء بها أحدهما )) ، وقول ابن عباس رضي الله عنهما : في قوله تعالى{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }[ المائدة : 44 ] { فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} و{فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } : كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق ،
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin