الباب الأول في الذات
اعلم أن مطلق الذات هو الأمر الذي تستند عليه الأسماء والصفات في عينها لا في وجودها، فكل اسم أو صفة استند إلى شيء فذلك الشيء هو الذات، سواء كان معدوماً كالعنقاء فافهم. أو موجوداً، والموجود نوعان:
نوع موجود محض، وهو ذات الباري سبحانه وتعالى.
ونوع موجود ملحق بالعدم، وهو ذات المخلوقات.
واعلم أن ذات الله سبحانه وتعالى عبارة عن نفسه التي هو بها موجود لأنه قائم بنفسه، وهو الشيء الذي استحق الأسماء والصفات بهويته فيتصوّر بكل صورة يقتضيها منه كل معنى فيه، أعني اتصف بكل وصف يطلبه كل نعت، واستحق لوجوده كل اسم دلّ على مفهوم يقتضيه الكمال، ومن جملة الكمالات عدم الانتهاء ونفي الإدراك، فحكم بأنها لا تدرك، وأنها مدركه لاستحالة الجهل عليه فاعلم، وفي هذا المعنى قلت في قصيدة:
أحطت خبراً مجملاً ومفصلاً بجميع ذاتك يا جميع صفاته
أم جلّ وجهك أن يحاط بكنهه فاحتطه أن لا يحاط بذاته
حاشاك من غاي وحاشا أن تكن بك جاهلاً ويلاه من حيراته
واعلم أن ذات الله تعالى غيب الأحدية التي كل العبارات واقعة عليها من وجه، غير مستوفية لمعناها من وجوه كثيرة، فهي لا تدرك بمفهوم عبارة ولا تفهم بمعلوم إشارة، لأن الشيء إنما يفهم بما يناسبه فيطابقه، أو بما ينافيه فيضادُّه، وليس لذاته في الوجود مناسب ولا مطابق ولا مناف ولا مضاد، فارتفع من حيث الاصطلاح إذاً معناه في الكلام وانتفى بذلك أن يدرك للأنام، المتكلم في ذات الله صامت، والمتحرك ساكن والناظر باهت، عزّ أن تدركه العقول والأفهام، وجلّ أن تجول فيه الفهوم والأفكار، لا يتعلق بكنهه حديث العلم ولا قديمه، ولا يجمعه لطيف الحد ولا عظيمه، طار طائر القدس في فضاء الجو الخالي، وسبح بكليته في هواء هذا الفلك العالي، فغاب عن الأكوان واخترق الأسماء والصفات بالتحقيق والعيان ، ثم طار محلقا على أوج العدم بعد أن قطع مسافة الحدوث والقدم، فوجده واجبأ لا يجوز وجوده ولا يغيب مفقوده، فلما أراد الرجوع الى العالم المصنوع طلب حصول العلامة ، فكتب على جناح الحمامة: أما بعد :
فإنك أيها الطلسم الذي لا ذات ولا اسم، ولا ظل ولا رسم، ولا روح ولا جسم، ولا وصفر ولا نعت، ولا وسم، لك الوجود والعدم ، ولك الحدوث والقدم، معدوم لذاتك موجود في النفس، معلوم بنعمتك مفقود بالجنس، كأنك ما خلقت إلا معيارا وكأنك لم تكن إلا أحبارا، برهن عن ذاتك بصريح لغاتك، فقد وجدتك حيا عالما مريدا قادرا متكلما سميعا بصيرا.
حويت الجمال وحزت الجلال، واستوعبت بنفسك أنواع الكمال، أما ما تصورت من إثبات موجود غيرك فما ثم، وأما حسنك الباهي فقد ثم المخاطب بهذا الكلام ذاك. بل أنت بل أنا، يا من عدم هناك فقد وجدناك هنا:
عزّت مداركه غابت عوالمه جلّت مهالكه أصمت صوارمه
لا العين تبصره لا الحد يحصره لا الوصف يحضره من ذا ينادمه
آلت عبارته ضاعت إشارته هدت عمارته قلب يصادمه
عكل ولا فلك روح ولا ملك ملك له ملك عزّت محارمه
عين ولا بصر علم ولا خبر فعل ولا أثر غابت معالمه
قطب على فلك شمس على حبك طاوس في سكك تجلى عظائمه
أنموذج سطرا بالاصطلاح سرى عن الوجود عرى روحي عوالمه
حرب ملوّنة دار مكوّنة نفس مدوّنة ميت همى دمه
ذات مجرّدة نعت مفرّدة آي مفردة يقراه راقمه
محض الوجود له والنفي يشمله يدري ويجهله من قام نائمه
نفى وقد تثبتت سلب وقد وجبت رمز وقد عرفت نشر وناسمه
لا تطمعن فما تلقى له حرما إن كنت مغتنماً هذي مغانمه
عنقاء مغربه أنت المراد به تنزيه مشتبه مما يلائمه
موج له زخر بحر به غرر نار له شرر والعشق ضارمه
مجهولة وصفت منكورة عرفت وحشية ألفت قلباً يسالمه
إن قلت تعرفه فلست تنصفه أو قلت تنكره فأنت عالمه
سري هويته روحي إنيته قلبي منصته والجسم خادمه
إني لأعقله مع ذاك أجهله من ذا يحصله صدت غنائمه
يعلو فكتمه يدنو فأفهمه يملي فأرقمه يدهيك قائمه
نزهته فعرى شبهته فسرى جسمته فطرا ما لا أقاومه
نزلته فأبى بالحسن منتهياً يلقاه منتسباً في الهُدب صارمه
في خده سجل في ناره شعل في جفنه كحل كالرمح قائمه
في ريقه عسل في قده أسل في جعده رسل والظلم ظالمه
سمر سواعده سود جعائده بيض نواجذه حمر مباسمه
خمر مراشفه سحر معاطفه وهم لطائفه التيه لازمه
مجهولة وصفت مملوآة عرفت وحشية ألفت قلبي تكالمه
الفتك صنعته والقتل شيمته والهجر حليته مرت مطاعمه
مرآب بسطا مقيد نشطا مصور غلطا نور طواسمه
ما جوهر عرض ما صحة مرض سهم هو الغرض حارت قواسمه
فرد وقد آثرا جمع ولا نفرا أمامنا وورا الكل عالمه
جهل هو العلم حرب هو السلم عدل هو الظلم مدت قواصمه
يبكي ويطربني يصحو ويسكرني ينجو ويغرقني أبغي أحكمه
طوراً ألاعبه طوراً أصاحبه طوراً أجانبه طوراً اكالمه
طوراً يخاللني طوراً يواصلني طوراً يقاتلني حتى أخاصمه
إن قلت قد طرباً ألقاه مغتضبا أو قلت قد وجبا تبقى عزائمه
وحش وما ألفا نكر وما عرفا ذات وما وصفا عكل دعائمه
شمس وقد سطعت برق وقد لمعت ورق وقد سجعت فوقي حمائمه
ضدان قد جمعا فيه وما امتنعا عين إذا نبعا هاجت ملاطمه
سم لذائقه مسك لناشقه بحر لغارقه ضاعت علائمه
ثم كتب على جناح الطير الأخضر بقلم مداد الكبريت الأحمر: أما بعد، فإن العظمة نار والعلم ماء والقوى هواء والحكمة تراب، عناصر بها يتحقق جوهرنا الفرد. ولهذا الجوهر عرضان: الأول الأزل، والثاني الأبد. وله وصفان: الوصف الأول: الحق، والوصف الثاني: الخلق. وله نعتان:النعت الأول القدم، والنعت الثاني الحدوث. وله اسمان: الاسم الأول الربّ، والاسم الثاني: العبد. له وجهان: الوجه الأول الظاهر وهو الدنيا، والوجه الثاني: الباطن وهو الأخرى. وله حكمان: الحكم الأول الوجوب، والحكم الثاني: الإمكان.
وله اعتباران: الاعتبار الأول أن يكون لنفسه مفقوداً ولغيره موجوداً، والاعتبار الثاني: أن يكون لغيره مفقوداً ولنفسه موجودا. وله معرفتان: المعرفة الأولى وجوبيته أولا وسلبيته آخرا. المعرفة الثانية سلبيته أولا ووجوبيته آخرا. وله نقطة للمفهوم فيها غلطة وللعبارات عن معانيها انحرافات وللإرشادات عن معانيها انصرافات . والحذر أيها الطير في حفظ هذا الكتاب الذي لا يقرأه الغير. فلم يزل الطير طائرا في تلك الأفلاك حيا في ممات باقيا في إهلاك، إلى أن نشر جناحه، وقد كان لف، وكشف بصره وقد كان كف، فوجده لم يخرج عن نفسه ولم ينطق في سوى جنسه، داخلا في البحر خارجا عنه شاربا ريانا فيه ظمآنا منه ، ولا يكلمه قطعا ولا يفقد منه شيئا، تجد الكمال المطلق محققا عبارة عن نفسه وذاته ، ولا يملك تمام صفة من صفاته. يتصف بأسماء الذات والأوصاف حق الاتصاف، وليس له زمام يملكه بحكم الاتفاق والاختلاف. يتمكن من التصرف بصفاته كل التمكين، وليس له شيء بكماله في التعيين، له كمال الجولان في محله وعالمه، وليس له سوى الانحصار في منازله ومعالمه، يرى كمال بدره محققا في نفسه، ولا يستطيع منعا لكسوف شمسه ، يجهل الشيء وهو به عارف ويرحل من المحل وهو فيه واقف، يسوغ الكلام فيه بغير لسان ولا يسوغ، ويستقيم عرفانه ولا يزوغ. أدخل العالم فيه عرفانا أبعدهم عنه بيانا، أقصى الناس عن سوحه أقربهم منه، حرفه لا يقرأ ومعناه لا يفهم ولا يدري، وعلى الحرف نقطة وهمية دارت عليها دائرة، ولها في نفسها عالم ، ذلك العالم على هيئة الداثرة المستدرة فوقها وهو أعني النقطة نقطة من تلك الدائرة، وهي جزء من هيئة أجزائها، والدائرة بجميعها في حاشية من حواشي بساطها، فهي بسيطة من نفسها مركبة من حيث هيئتها، فرد من جهة ذاتها، نور باعتبار وضوحها، ظلمة باعتبار عدم الوقوع عليها.
وكل هذا المقال لا يقع على حقيقة ذات المتعال "جل جلاله"، كل فيه اللسان وانحصر، وضاق عنه الزمان وانحسر، تعالى الله العظيم الشأن، الرفيع السلطان العزيز الديان، ثم قال:
من دونه ضرب الرقاب وكل ما لا تستطيع الخلق من إعراب
لو أن نشراً هب من أرجائها سلب العقول وطاش بالألباب
اعلم أن مطلق الذات هو الأمر الذي تستند عليه الأسماء والصفات في عينها لا في وجودها، فكل اسم أو صفة استند إلى شيء فذلك الشيء هو الذات، سواء كان معدوماً كالعنقاء فافهم. أو موجوداً، والموجود نوعان:
نوع موجود محض، وهو ذات الباري سبحانه وتعالى.
ونوع موجود ملحق بالعدم، وهو ذات المخلوقات.
واعلم أن ذات الله سبحانه وتعالى عبارة عن نفسه التي هو بها موجود لأنه قائم بنفسه، وهو الشيء الذي استحق الأسماء والصفات بهويته فيتصوّر بكل صورة يقتضيها منه كل معنى فيه، أعني اتصف بكل وصف يطلبه كل نعت، واستحق لوجوده كل اسم دلّ على مفهوم يقتضيه الكمال، ومن جملة الكمالات عدم الانتهاء ونفي الإدراك، فحكم بأنها لا تدرك، وأنها مدركه لاستحالة الجهل عليه فاعلم، وفي هذا المعنى قلت في قصيدة:
أحطت خبراً مجملاً ومفصلاً بجميع ذاتك يا جميع صفاته
أم جلّ وجهك أن يحاط بكنهه فاحتطه أن لا يحاط بذاته
حاشاك من غاي وحاشا أن تكن بك جاهلاً ويلاه من حيراته
واعلم أن ذات الله تعالى غيب الأحدية التي كل العبارات واقعة عليها من وجه، غير مستوفية لمعناها من وجوه كثيرة، فهي لا تدرك بمفهوم عبارة ولا تفهم بمعلوم إشارة، لأن الشيء إنما يفهم بما يناسبه فيطابقه، أو بما ينافيه فيضادُّه، وليس لذاته في الوجود مناسب ولا مطابق ولا مناف ولا مضاد، فارتفع من حيث الاصطلاح إذاً معناه في الكلام وانتفى بذلك أن يدرك للأنام، المتكلم في ذات الله صامت، والمتحرك ساكن والناظر باهت، عزّ أن تدركه العقول والأفهام، وجلّ أن تجول فيه الفهوم والأفكار، لا يتعلق بكنهه حديث العلم ولا قديمه، ولا يجمعه لطيف الحد ولا عظيمه، طار طائر القدس في فضاء الجو الخالي، وسبح بكليته في هواء هذا الفلك العالي، فغاب عن الأكوان واخترق الأسماء والصفات بالتحقيق والعيان ، ثم طار محلقا على أوج العدم بعد أن قطع مسافة الحدوث والقدم، فوجده واجبأ لا يجوز وجوده ولا يغيب مفقوده، فلما أراد الرجوع الى العالم المصنوع طلب حصول العلامة ، فكتب على جناح الحمامة: أما بعد :
فإنك أيها الطلسم الذي لا ذات ولا اسم، ولا ظل ولا رسم، ولا روح ولا جسم، ولا وصفر ولا نعت، ولا وسم، لك الوجود والعدم ، ولك الحدوث والقدم، معدوم لذاتك موجود في النفس، معلوم بنعمتك مفقود بالجنس، كأنك ما خلقت إلا معيارا وكأنك لم تكن إلا أحبارا، برهن عن ذاتك بصريح لغاتك، فقد وجدتك حيا عالما مريدا قادرا متكلما سميعا بصيرا.
حويت الجمال وحزت الجلال، واستوعبت بنفسك أنواع الكمال، أما ما تصورت من إثبات موجود غيرك فما ثم، وأما حسنك الباهي فقد ثم المخاطب بهذا الكلام ذاك. بل أنت بل أنا، يا من عدم هناك فقد وجدناك هنا:
عزّت مداركه غابت عوالمه جلّت مهالكه أصمت صوارمه
لا العين تبصره لا الحد يحصره لا الوصف يحضره من ذا ينادمه
آلت عبارته ضاعت إشارته هدت عمارته قلب يصادمه
عكل ولا فلك روح ولا ملك ملك له ملك عزّت محارمه
عين ولا بصر علم ولا خبر فعل ولا أثر غابت معالمه
قطب على فلك شمس على حبك طاوس في سكك تجلى عظائمه
أنموذج سطرا بالاصطلاح سرى عن الوجود عرى روحي عوالمه
حرب ملوّنة دار مكوّنة نفس مدوّنة ميت همى دمه
ذات مجرّدة نعت مفرّدة آي مفردة يقراه راقمه
محض الوجود له والنفي يشمله يدري ويجهله من قام نائمه
نفى وقد تثبتت سلب وقد وجبت رمز وقد عرفت نشر وناسمه
لا تطمعن فما تلقى له حرما إن كنت مغتنماً هذي مغانمه
عنقاء مغربه أنت المراد به تنزيه مشتبه مما يلائمه
موج له زخر بحر به غرر نار له شرر والعشق ضارمه
مجهولة وصفت منكورة عرفت وحشية ألفت قلباً يسالمه
إن قلت تعرفه فلست تنصفه أو قلت تنكره فأنت عالمه
سري هويته روحي إنيته قلبي منصته والجسم خادمه
إني لأعقله مع ذاك أجهله من ذا يحصله صدت غنائمه
يعلو فكتمه يدنو فأفهمه يملي فأرقمه يدهيك قائمه
نزهته فعرى شبهته فسرى جسمته فطرا ما لا أقاومه
نزلته فأبى بالحسن منتهياً يلقاه منتسباً في الهُدب صارمه
في خده سجل في ناره شعل في جفنه كحل كالرمح قائمه
في ريقه عسل في قده أسل في جعده رسل والظلم ظالمه
سمر سواعده سود جعائده بيض نواجذه حمر مباسمه
خمر مراشفه سحر معاطفه وهم لطائفه التيه لازمه
مجهولة وصفت مملوآة عرفت وحشية ألفت قلبي تكالمه
الفتك صنعته والقتل شيمته والهجر حليته مرت مطاعمه
مرآب بسطا مقيد نشطا مصور غلطا نور طواسمه
ما جوهر عرض ما صحة مرض سهم هو الغرض حارت قواسمه
فرد وقد آثرا جمع ولا نفرا أمامنا وورا الكل عالمه
جهل هو العلم حرب هو السلم عدل هو الظلم مدت قواصمه
يبكي ويطربني يصحو ويسكرني ينجو ويغرقني أبغي أحكمه
طوراً ألاعبه طوراً أصاحبه طوراً أجانبه طوراً اكالمه
طوراً يخاللني طوراً يواصلني طوراً يقاتلني حتى أخاصمه
إن قلت قد طرباً ألقاه مغتضبا أو قلت قد وجبا تبقى عزائمه
وحش وما ألفا نكر وما عرفا ذات وما وصفا عكل دعائمه
شمس وقد سطعت برق وقد لمعت ورق وقد سجعت فوقي حمائمه
ضدان قد جمعا فيه وما امتنعا عين إذا نبعا هاجت ملاطمه
سم لذائقه مسك لناشقه بحر لغارقه ضاعت علائمه
ثم كتب على جناح الطير الأخضر بقلم مداد الكبريت الأحمر: أما بعد، فإن العظمة نار والعلم ماء والقوى هواء والحكمة تراب، عناصر بها يتحقق جوهرنا الفرد. ولهذا الجوهر عرضان: الأول الأزل، والثاني الأبد. وله وصفان: الوصف الأول: الحق، والوصف الثاني: الخلق. وله نعتان:النعت الأول القدم، والنعت الثاني الحدوث. وله اسمان: الاسم الأول الربّ، والاسم الثاني: العبد. له وجهان: الوجه الأول الظاهر وهو الدنيا، والوجه الثاني: الباطن وهو الأخرى. وله حكمان: الحكم الأول الوجوب، والحكم الثاني: الإمكان.
وله اعتباران: الاعتبار الأول أن يكون لنفسه مفقوداً ولغيره موجوداً، والاعتبار الثاني: أن يكون لغيره مفقوداً ولنفسه موجودا. وله معرفتان: المعرفة الأولى وجوبيته أولا وسلبيته آخرا. المعرفة الثانية سلبيته أولا ووجوبيته آخرا. وله نقطة للمفهوم فيها غلطة وللعبارات عن معانيها انحرافات وللإرشادات عن معانيها انصرافات . والحذر أيها الطير في حفظ هذا الكتاب الذي لا يقرأه الغير. فلم يزل الطير طائرا في تلك الأفلاك حيا في ممات باقيا في إهلاك، إلى أن نشر جناحه، وقد كان لف، وكشف بصره وقد كان كف، فوجده لم يخرج عن نفسه ولم ينطق في سوى جنسه، داخلا في البحر خارجا عنه شاربا ريانا فيه ظمآنا منه ، ولا يكلمه قطعا ولا يفقد منه شيئا، تجد الكمال المطلق محققا عبارة عن نفسه وذاته ، ولا يملك تمام صفة من صفاته. يتصف بأسماء الذات والأوصاف حق الاتصاف، وليس له زمام يملكه بحكم الاتفاق والاختلاف. يتمكن من التصرف بصفاته كل التمكين، وليس له شيء بكماله في التعيين، له كمال الجولان في محله وعالمه، وليس له سوى الانحصار في منازله ومعالمه، يرى كمال بدره محققا في نفسه، ولا يستطيع منعا لكسوف شمسه ، يجهل الشيء وهو به عارف ويرحل من المحل وهو فيه واقف، يسوغ الكلام فيه بغير لسان ولا يسوغ، ويستقيم عرفانه ولا يزوغ. أدخل العالم فيه عرفانا أبعدهم عنه بيانا، أقصى الناس عن سوحه أقربهم منه، حرفه لا يقرأ ومعناه لا يفهم ولا يدري، وعلى الحرف نقطة وهمية دارت عليها دائرة، ولها في نفسها عالم ، ذلك العالم على هيئة الداثرة المستدرة فوقها وهو أعني النقطة نقطة من تلك الدائرة، وهي جزء من هيئة أجزائها، والدائرة بجميعها في حاشية من حواشي بساطها، فهي بسيطة من نفسها مركبة من حيث هيئتها، فرد من جهة ذاتها، نور باعتبار وضوحها، ظلمة باعتبار عدم الوقوع عليها.
وكل هذا المقال لا يقع على حقيقة ذات المتعال "جل جلاله"، كل فيه اللسان وانحصر، وضاق عنه الزمان وانحسر، تعالى الله العظيم الشأن، الرفيع السلطان العزيز الديان، ثم قال:
من دونه ضرب الرقاب وكل ما لا تستطيع الخلق من إعراب
لو أن نشراً هب من أرجائها سلب العقول وطاش بالألباب
اليوم في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
اليوم في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
اليوم في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
اليوم في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
اليوم في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
اليوم في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin