الباب السابع في الرحمانية
الرحمانية هي الظهور بحقائق الأسماء والصفات، وهي بين ما يختصُّ به في ذاته كالأسماء الذاتية، وبين ما لها وجه إلى المخلوقات كالعالم والقادر والسميع وما أشبه ذلك مما له تعلق بالحقائق الوجودية. فهي إلى الرحمانية اسم لجميع المراتب الحقية، ليس للمراتب الخلقية فيها اشتراك. فهي أخصُّ من الألوهية لانفرادها بما ينفرد به الحق سبحانه وتعالى، والألوهية تجمع الأحكام الحقية والخلقية، فكان العموم للألوهية والخصوص للرحمانية.
فالرحمانية بهذا الاعتبار أعزّ من الألوهية، لأنها عبارة عن ظهور الذات في المراتب العلية، وتقدسها عن المراتب الدنية. ليس للذات في مظاهرها مظهر مختص بالمراتب العلية بحكم الجمع إلاَّ المرتبة الرحمانية، فنسبة المرتبة الرحمانية إلى الألوهية نسبة سكر النبات إلى القصب. فالسكر النبات أعلى مرتبة توجد في القصب، والقصب يوجد فيه السكر النبات وغيره. فإن قلت بأفضلية السكر النبات على القصب بهذا الاعتبار، كنت الرحمانية أفضل من الألوهية.
وإن قلت بأفضلية القصب على النبات لعمومه وجمعه له ولغيره، كنت الألوهية أفضل من الرحمانية. والاسم الظاهر في المرتبة الرحمانية هو الرحمن، وهو اسم يرجع إلى أسمائه الذاتية وأوصافه النفسية، وهي سبعة:
الحياة والعلم والقدرة والإرادة والكلام والسمع والبصر.
والأسماء الذاتية كالأحدية والواحدية والصمدية والعظمة والقدوسية وأمثالها، ولا يكون
ذلك إلاَّ لذات واجب الوجود تعالى في قدسه الملك المعبود. واختصاص هذه المرتبة بهذا الاسم للرحمة الشاملة لكل المراتب الحقية والخلقية، فإن بظهوره في المراتب الحقية ظهرت المراتب الخلقية، فصارت الرحمة عامة في جميع الموجودات من الحضرة الرحمانية، فأول رحمة رحم الله بها الموجودات أن أوجد العالم من نفسه، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ}[آية : 13 سورة الجاثية].
ولهذا سرى ظهوره في الموجودات ، ، فظهر كماله في كل جزء وفرد من أفراد أجراء العالم، ولم يتعدد بتعدد مظاهره، بل هو واحد في جميع تلك المظاهر، أحد على ما تقتصيه ذاته الكريمة في نفسها الى غير ذلك من صفات الكمال، والى ظهوره في كل ذرة من ذرات الوجود امتازت الطائفة بالوجود الساري في جميع الموجودات، وسر هذا السريان أن خلق العالم من نفسه وهر لا يتجزأ فكل شيء من العالم هو بكماله، واسم الخليقة على ذلك الشيء بحكم العارية، لا كما يزعم من زعم أن الأوصاف الإلهية هي التي تكرن بحكم العارية على العبد، وأشار الى ذلك بقوله :
أعارته طرفها رآها به فكان البصير لها طرفها
فإن العارية ما هي في الأشياء ليست إلاَّ نسبة الوجود الخلقي إليها، وإن الوجود الحقي لها أصل فأعار الحق حقائقه اسم الخلقية لتظهر بذلك أسرار الألوهية ومقتضياتها من التضاد. فكان الحق هيولي العالم، قال الله تعالى: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ}[الحجر، الآية: 85 ] .
فمثل العالم مثل الثلج، والحق سبحانه وتعالى الماء الذي هو أصل هذا الثلج، فاسم تلك الثلجة على ذلك المنعقد معار واسم المائية عليه حقيقة، وقد نبهت على ذلك في القصيدة المسماة بـ [البوادر الغيبية في النوادر العينية] ، وهي قصيدة عظيمة لم ينسج الزمان على آم الحقائق مثل طرازها، ولم يسمح الدهر بفهمها لاعتزازها وموضع التنبيه قولي :
وما الخلق في التمثال إلاَّ كثلجة وأنت بها الماء الذي هو نابع
وما الثلج في تحقيقنا غير مائه وغيران في حكم دعته الشرائع
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والأمر واقع
تجمعت الأضداد في واحد البها وفيه تلاشت وهو عنهن ساطع
واعلم أن الرحمانية هي المظهر الأعظم والمجلى الكمل الأعم، فلهذا كنت الربوبية عرشها والملكية كرسيها والعظمة رفرفها، والقدرة جرسها، والقهر صلصلتها.
وكان الاسم الرحمن هو الظاهر فيها بجميع مقتضيات الكمال على نظر تمكنه واعتبار سريانه في الموجودات، واستيلاء حكمه عليها وهو استواؤه على العرش، لأن كل موجود يوجد فيه ذات الله سبحانه وتعالي بحكم الاستيلاء ، فذلك الموجود هو العرش لذلك الوجه الظاهر فيه من ذات الحق سبحانه وتعالي ، وسياتي الكلام في العرش من هذا الكتاب عند الوصول الى موضعه ان شاء الله تعالي .
وأما استيلاء الرحمن فتمكنه سبحانه وتعالى بالقدرة والعلم والإحاطة من موجوداته مع وجوده فيها بحكم الاستواء المنزَّه عن الحلول والمماسة. وكيف يجوز الحلول والمماسة وهو عين الموجودات نفسها، فوجوده تعالى في موجوداته بهذا الحكم من حيث اسمه الرحمن لأنه رحم المخلوق بظهوره فيه وبإبرازه المخلوق في نفسه وآلا الأمرين واقع فيه.
واعلم أن الخيال إذا تشكل صورة ما مثلاً في الذهن كان ذلك التشكل والتخيل مخلوقاً، والخالق موجوداً في كل مخلوق، وذلك التخيل والتشكل موجود فيك وأنت الحق باعتبار وجوده فيك، فوجب لك التصوير في الحق ووجد الحق فيه.
قد نبَّهت في هذا الباب على سرّ جليل القدر يعلم منه كثير من أسرار الله، كسرّ القدر وسر العلم الإلهي وكونه علماً واحداً يعلم به الحق والخلق، وكون القدرة منشؤها الأحدية ولكن من المجلى الرحماني، وكون العلم أصله الواحدية ولكن من المجلى الرحماني، وخلف هذا كله نكيتات أشارت إليها تلك الكمالات، فتأمل من أول الباب وارم القشر وخذ اللباب، والله الموفق للصواب.
فصل
اعلم أن الرحيم والرحمن اسمان مشتقان من الرحمة، ولكن الرحمن أعمّ، والرحيم أخص وأتم. فعموم الرحمن لظهور رحمته في سائر الموجودات، وخصوص الرحيم لاختصاص أهل السعادات به. فرحمة الرحمن ممتزجة بالنقمة، مثلاً كشرب الدواء الكريه الطعم والرائحة، فإنه ولو كن رحمة بالمريض فإن فيه ما لا يلائم الطبع، ورحمة الرحيم لا يمازجها شوب، فهي محض النعمة ولا توجد إلاَّ عند أهل السعادات الكاملة.
ومن الرحمة التي تحت اسم الرحيم رحمة الله تعالى لصفاته وأسمائه بظهور آثارها ومؤثراتها، فالرحيم في الرحمن كلعين في هيكل الإنسان أحدهما الأعزّ الأخص الرفيع، والآخر الشامل للجميع. ولهذا قيل: إن الرحيم لا تظهر رحمته بكمالها إلاَّ في الآخرة لأنها أوسع من الدنيا ولأن كل نعيم في الدنيا لا بد أن يشوبه آدر، فهو من المجالي الرحمانية.
وقد أوسعنا القول في هذين الاسمين في كتابنا المسمى بـ: [الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم]، فمن أراد معرفتها فلينظر في ذلك الكتاب، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
الرحمانية هي الظهور بحقائق الأسماء والصفات، وهي بين ما يختصُّ به في ذاته كالأسماء الذاتية، وبين ما لها وجه إلى المخلوقات كالعالم والقادر والسميع وما أشبه ذلك مما له تعلق بالحقائق الوجودية. فهي إلى الرحمانية اسم لجميع المراتب الحقية، ليس للمراتب الخلقية فيها اشتراك. فهي أخصُّ من الألوهية لانفرادها بما ينفرد به الحق سبحانه وتعالى، والألوهية تجمع الأحكام الحقية والخلقية، فكان العموم للألوهية والخصوص للرحمانية.
فالرحمانية بهذا الاعتبار أعزّ من الألوهية، لأنها عبارة عن ظهور الذات في المراتب العلية، وتقدسها عن المراتب الدنية. ليس للذات في مظاهرها مظهر مختص بالمراتب العلية بحكم الجمع إلاَّ المرتبة الرحمانية، فنسبة المرتبة الرحمانية إلى الألوهية نسبة سكر النبات إلى القصب. فالسكر النبات أعلى مرتبة توجد في القصب، والقصب يوجد فيه السكر النبات وغيره. فإن قلت بأفضلية السكر النبات على القصب بهذا الاعتبار، كنت الرحمانية أفضل من الألوهية.
وإن قلت بأفضلية القصب على النبات لعمومه وجمعه له ولغيره، كنت الألوهية أفضل من الرحمانية. والاسم الظاهر في المرتبة الرحمانية هو الرحمن، وهو اسم يرجع إلى أسمائه الذاتية وأوصافه النفسية، وهي سبعة:
الحياة والعلم والقدرة والإرادة والكلام والسمع والبصر.
والأسماء الذاتية كالأحدية والواحدية والصمدية والعظمة والقدوسية وأمثالها، ولا يكون
ذلك إلاَّ لذات واجب الوجود تعالى في قدسه الملك المعبود. واختصاص هذه المرتبة بهذا الاسم للرحمة الشاملة لكل المراتب الحقية والخلقية، فإن بظهوره في المراتب الحقية ظهرت المراتب الخلقية، فصارت الرحمة عامة في جميع الموجودات من الحضرة الرحمانية، فأول رحمة رحم الله بها الموجودات أن أوجد العالم من نفسه، قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ}[آية : 13 سورة الجاثية].
ولهذا سرى ظهوره في الموجودات ، ، فظهر كماله في كل جزء وفرد من أفراد أجراء العالم، ولم يتعدد بتعدد مظاهره، بل هو واحد في جميع تلك المظاهر، أحد على ما تقتصيه ذاته الكريمة في نفسها الى غير ذلك من صفات الكمال، والى ظهوره في كل ذرة من ذرات الوجود امتازت الطائفة بالوجود الساري في جميع الموجودات، وسر هذا السريان أن خلق العالم من نفسه وهر لا يتجزأ فكل شيء من العالم هو بكماله، واسم الخليقة على ذلك الشيء بحكم العارية، لا كما يزعم من زعم أن الأوصاف الإلهية هي التي تكرن بحكم العارية على العبد، وأشار الى ذلك بقوله :
أعارته طرفها رآها به فكان البصير لها طرفها
فإن العارية ما هي في الأشياء ليست إلاَّ نسبة الوجود الخلقي إليها، وإن الوجود الحقي لها أصل فأعار الحق حقائقه اسم الخلقية لتظهر بذلك أسرار الألوهية ومقتضياتها من التضاد. فكان الحق هيولي العالم، قال الله تعالى: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ}[الحجر، الآية: 85 ] .
فمثل العالم مثل الثلج، والحق سبحانه وتعالى الماء الذي هو أصل هذا الثلج، فاسم تلك الثلجة على ذلك المنعقد معار واسم المائية عليه حقيقة، وقد نبهت على ذلك في القصيدة المسماة بـ [البوادر الغيبية في النوادر العينية] ، وهي قصيدة عظيمة لم ينسج الزمان على آم الحقائق مثل طرازها، ولم يسمح الدهر بفهمها لاعتزازها وموضع التنبيه قولي :
وما الخلق في التمثال إلاَّ كثلجة وأنت بها الماء الذي هو نابع
وما الثلج في تحقيقنا غير مائه وغيران في حكم دعته الشرائع
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء والأمر واقع
تجمعت الأضداد في واحد البها وفيه تلاشت وهو عنهن ساطع
واعلم أن الرحمانية هي المظهر الأعظم والمجلى الكمل الأعم، فلهذا كنت الربوبية عرشها والملكية كرسيها والعظمة رفرفها، والقدرة جرسها، والقهر صلصلتها.
وكان الاسم الرحمن هو الظاهر فيها بجميع مقتضيات الكمال على نظر تمكنه واعتبار سريانه في الموجودات، واستيلاء حكمه عليها وهو استواؤه على العرش، لأن كل موجود يوجد فيه ذات الله سبحانه وتعالي بحكم الاستيلاء ، فذلك الموجود هو العرش لذلك الوجه الظاهر فيه من ذات الحق سبحانه وتعالي ، وسياتي الكلام في العرش من هذا الكتاب عند الوصول الى موضعه ان شاء الله تعالي .
وأما استيلاء الرحمن فتمكنه سبحانه وتعالى بالقدرة والعلم والإحاطة من موجوداته مع وجوده فيها بحكم الاستواء المنزَّه عن الحلول والمماسة. وكيف يجوز الحلول والمماسة وهو عين الموجودات نفسها، فوجوده تعالى في موجوداته بهذا الحكم من حيث اسمه الرحمن لأنه رحم المخلوق بظهوره فيه وبإبرازه المخلوق في نفسه وآلا الأمرين واقع فيه.
واعلم أن الخيال إذا تشكل صورة ما مثلاً في الذهن كان ذلك التشكل والتخيل مخلوقاً، والخالق موجوداً في كل مخلوق، وذلك التخيل والتشكل موجود فيك وأنت الحق باعتبار وجوده فيك، فوجب لك التصوير في الحق ووجد الحق فيه.
قد نبَّهت في هذا الباب على سرّ جليل القدر يعلم منه كثير من أسرار الله، كسرّ القدر وسر العلم الإلهي وكونه علماً واحداً يعلم به الحق والخلق، وكون القدرة منشؤها الأحدية ولكن من المجلى الرحماني، وكون العلم أصله الواحدية ولكن من المجلى الرحماني، وخلف هذا كله نكيتات أشارت إليها تلك الكمالات، فتأمل من أول الباب وارم القشر وخذ اللباب، والله الموفق للصواب.
فصل
اعلم أن الرحيم والرحمن اسمان مشتقان من الرحمة، ولكن الرحمن أعمّ، والرحيم أخص وأتم. فعموم الرحمن لظهور رحمته في سائر الموجودات، وخصوص الرحيم لاختصاص أهل السعادات به. فرحمة الرحمن ممتزجة بالنقمة، مثلاً كشرب الدواء الكريه الطعم والرائحة، فإنه ولو كن رحمة بالمريض فإن فيه ما لا يلائم الطبع، ورحمة الرحيم لا يمازجها شوب، فهي محض النعمة ولا توجد إلاَّ عند أهل السعادات الكاملة.
ومن الرحمة التي تحت اسم الرحيم رحمة الله تعالى لصفاته وأسمائه بظهور آثارها ومؤثراتها، فالرحيم في الرحمن كلعين في هيكل الإنسان أحدهما الأعزّ الأخص الرفيع، والآخر الشامل للجميع. ولهذا قيل: إن الرحيم لا تظهر رحمته بكمالها إلاَّ في الآخرة لأنها أوسع من الدنيا ولأن كل نعيم في الدنيا لا بد أن يشوبه آدر، فهو من المجالي الرحمانية.
وقد أوسعنا القول في هذين الاسمين في كتابنا المسمى بـ: [الكهف والرقيم في شرح بسم الله الرحمن الرحيم]، فمن أراد معرفتها فلينظر في ذلك الكتاب، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin