فصل : في أنّ القرآن بلغة العرب.
قال الله تعالى : {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[الزخرف : 3] وقال : {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء : 195] فأخبر أنّ القرآن نزلَ بلغة العرب فالله تعالى وصفه بأنّه نبينٌ لأحكامه، ولأنه جعلَ هذا الكتاب في الرّتبة العليا في البلاغة، وبذلك أعجز الخلق عن معارضته والإتيان بمثله، وأنزله بلغة العرب وتحدّاهم بالإتيان بمثل هذا النظم الذي يوجَدُ جنسه في لغتهم فلو كان في القرآن ما ليس بلغتهم لقالوا أنه ليس بلساننا فكيف طالبنا بالإتيان بمثل هذا النظم الذي يوجدُ جنسه في لغتهم، فلو كان في القرآن ما ليس بلغتهم لقالوا أنه ليس بلساننا فكيف طالبنا بالإتيان بمثله.
فإن قيل فما تقولون فيما روي عن أبي موسى أنه قال : {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} [الحديد : 28] والكفلان ضعفان بلغة الحبشة.
وما رُوي عن ابن عباس قال : {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ}قال بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل قالوا نشأ، وما روى أبو ميسرة في قوله : {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ : 10] قال سَبِّحِي بلسان الحبشة.
ورُوي عن ابن عبّاس أنه سُئل عن قوله :{فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} [المدثر : 51]، قال هو بالعربية هو الأسد وبالفارسية : شِيَر وبالحبشة قسورة.
وما رُوي عن سعيد بن جبير في قوله : {سِجِّيل} أنه فارسية أُعربت سَنْك وكِلْ.
وما روي عن أبي ميسرة أنه قال : في القرآن من كل لسان.
وما أشبه ذلك مما كثُرتْ الرواية به قيل :
إنّ ذلك وفاقٌ حصل في اللغتين ومثله جائزٌ. والدليل على ما قلنا أنَّ من قال : إنَّ أصل هذه الحروف من لغاتِ غير العرب وقعَت إليهم فأعربوها لا ينفصلُ ممن قال بل هي في الأصل من كلام العرب وقعَت إلى غيرهم فأعربوها.
ثم إنّما يُوجب إثباتَ الحكم للشيء نفيُ غيره إذا كان المعنيان متنافيين، كما تقول فلان قائمٌ تنفي بقولك هذا القُعُود عنه، فأمّا إذا لم يكن بين الأمرين تضادٌّ وتنافٍ لم يوجب إثبات أحدهما نفي الآخر كما تقول : رجلٌ قائمٌ لا تنفي بإثبات هذا الوصفِ له الكلام عنه لجواز أنْ يكون قائماً ومتكلِّماً.
كذلك إذا قيلَ هذه الحروف بلسانِ الحبشة أو بلسان الرُّوم فليس في ذلك أنها ليست بلغة العرب يجوزُ اجتماع الّلغتين فيها وهذا بيّن والحمد لله.
فإن قيل فإذا كانت هذه الحروفُ من كلام العرب وهي أيضاً من كلام غيرهم فهل يجوز أنْ يقال في القرآن فارسيٌّ وحبشيٌّ قيل :
لا يجوز إطلاقه لأنه يُوهِمُ أنَّ فيه شيئاً ليس بلغة العرب وأنه مختصٌّ بلغة غيرهم فلو أنّ قائلا قاله على التفسير الذي جوَّزنا بما لا يوجب الإيهام لا يمنع من ذلك بأنْ يقول القرآن كله عربيٌّ وفي الفاظه ما يوافق ألفاظ الحبشة أو الفرس.
أبو القاسم القشيري
قال الله تعالى : {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[الزخرف : 3] وقال : {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء : 195] فأخبر أنّ القرآن نزلَ بلغة العرب فالله تعالى وصفه بأنّه نبينٌ لأحكامه، ولأنه جعلَ هذا الكتاب في الرّتبة العليا في البلاغة، وبذلك أعجز الخلق عن معارضته والإتيان بمثله، وأنزله بلغة العرب وتحدّاهم بالإتيان بمثل هذا النظم الذي يوجَدُ جنسه في لغتهم فلو كان في القرآن ما ليس بلغتهم لقالوا أنه ليس بلساننا فكيف طالبنا بالإتيان بمثل هذا النظم الذي يوجدُ جنسه في لغتهم، فلو كان في القرآن ما ليس بلغتهم لقالوا أنه ليس بلساننا فكيف طالبنا بالإتيان بمثله.
فإن قيل فما تقولون فيما روي عن أبي موسى أنه قال : {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ} [الحديد : 28] والكفلان ضعفان بلغة الحبشة.
وما رُوي عن ابن عباس قال : {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ}قال بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل قالوا نشأ، وما روى أبو ميسرة في قوله : {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ : 10] قال سَبِّحِي بلسان الحبشة.
ورُوي عن ابن عبّاس أنه سُئل عن قوله :{فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} [المدثر : 51]، قال هو بالعربية هو الأسد وبالفارسية : شِيَر وبالحبشة قسورة.
وما رُوي عن سعيد بن جبير في قوله : {سِجِّيل} أنه فارسية أُعربت سَنْك وكِلْ.
وما روي عن أبي ميسرة أنه قال : في القرآن من كل لسان.
وما أشبه ذلك مما كثُرتْ الرواية به قيل :
إنّ ذلك وفاقٌ حصل في اللغتين ومثله جائزٌ. والدليل على ما قلنا أنَّ من قال : إنَّ أصل هذه الحروف من لغاتِ غير العرب وقعَت إليهم فأعربوها لا ينفصلُ ممن قال بل هي في الأصل من كلام العرب وقعَت إلى غيرهم فأعربوها.
ثم إنّما يُوجب إثباتَ الحكم للشيء نفيُ غيره إذا كان المعنيان متنافيين، كما تقول فلان قائمٌ تنفي بقولك هذا القُعُود عنه، فأمّا إذا لم يكن بين الأمرين تضادٌّ وتنافٍ لم يوجب إثبات أحدهما نفي الآخر كما تقول : رجلٌ قائمٌ لا تنفي بإثبات هذا الوصفِ له الكلام عنه لجواز أنْ يكون قائماً ومتكلِّماً.
كذلك إذا قيلَ هذه الحروف بلسانِ الحبشة أو بلسان الرُّوم فليس في ذلك أنها ليست بلغة العرب يجوزُ اجتماع الّلغتين فيها وهذا بيّن والحمد لله.
فإن قيل فإذا كانت هذه الحروفُ من كلام العرب وهي أيضاً من كلام غيرهم فهل يجوز أنْ يقال في القرآن فارسيٌّ وحبشيٌّ قيل :
لا يجوز إطلاقه لأنه يُوهِمُ أنَّ فيه شيئاً ليس بلغة العرب وأنه مختصٌّ بلغة غيرهم فلو أنّ قائلا قاله على التفسير الذي جوَّزنا بما لا يوجب الإيهام لا يمنع من ذلك بأنْ يقول القرآن كله عربيٌّ وفي الفاظه ما يوافق ألفاظ الحبشة أو الفرس.
أبو القاسم القشيري
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin