..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: ينابيع المودة ـ الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي
كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Emptyأمس في 19:59 من طرف Admin

» كتاب: إيثار الحق على الخلق ـ للإمام عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسنى
كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Emptyأمس في 19:56 من طرف Admin

» كتاب: الذين رأوا رسول الله في المنام وكلّموه ـ حبيب الكل
كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Emptyأمس في 19:51 من طرف Admin

» كتاب: طيب العنبر فى جمال النبي الأنور ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Emptyأمس في 19:47 من طرف Admin

» كتاب: روضة الأزهار فى محبة الصحابة للنبي المختار ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: دلائل المحبين فى التوسل بالأنبياء والصالحين ـ الشيخ فتحي سعيد عمر الحُجيري
كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: ريحانة الارواح في مولد خير الملاح لسيدي الشيخ علي أمين سيالة
كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: قواعد العقائد فى التوحيد ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي
كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Emptyأمس في 19:35 من طرف Admin

» كتاب: سر الاسرار باضافة التوسل ـ الشيخ أحمد الطيب ابن البشير
كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Emptyأمس في 19:33 من طرف Admin

» كتاب: خطوتان للحقيقة ـ الأستاذ محمد مرتاض ــ سفيان بلحساين
كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Emptyأمس في 19:27 من طرف Admin

» كتاب: محمد صلى الله عليه وسلم مشكاة الأنوار ـ الشيخ عبدالله صلاح الدين القوصي
كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Emptyأمس في 19:25 من طرف Admin

» كتاب: النسمات القدوسية شرح المقدمات السنوسية الدكتور النعمان الشاوي
كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Emptyأمس في 19:23 من طرف Admin

» كتاب: المتمم بأمر المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ الشيخ ناصر الدين عبداللطيف ناصر الدين الخطيب
كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Emptyأمس في 19:20 من طرف Admin

» كتاب: الجواهر المكنونة فى العلوم المصونة ـ الشيخ عبدالحفيظ الخنقي
كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Emptyأمس في 19:16 من طرف Admin

» كتاب: الرسالة القدسية في أسرار النقطة الحسية ـ ابن شهاب الهمداني
كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Emptyأمس في 19:09 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: الدرر السنية ـ المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68472
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: الدرر السنية ـ  المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف Empty كتاب: الدرر السنية ـ المبحث الثالث: آداب المريد ـ علوي بن عبد القادر السقاف

    مُساهمة من طرف Admin 9/10/2020, 14:14


    المبحث الثالث: آداب المريد

    وقد وضع المتصوفة آداباً أوجبوها على المريد والسالك في الطريق الصوفي وهذه أهم هذه الآداب نقول تجاوزاً آداب وإنما هي في الحقيقة جهل وانحلال وعبودية وإذلال:
    1- لا تخالف الشيخ مطلقاً فيما يأمرك به هذا هو المبدأ الأول والشرط الأول والأدب الأول للمريد، وأن تكون موافقة الشيخ بالقلب والجوارح فلا إنكار ولا مخالفة لشيء مما يقوله مطلقاً ولا اعتراض عليه بلسان أو بقلب وشعارهم دائماً: "كن بين يدي شيخك كالميت بين يدي الغاسل"!!
    يقول القشيري في بيان ما يجب على المريد: "وأن لا يخالف شيخه في كل ما يشير عليه لأن الخلاف للمريد في ابتداء حاله دليل على جميع عمره" (القشيرية ص182)
    ويقول أيضاً: "ومن شروطه أن لا يكون بقلبه اعتراض على شيخه" (القشيرية ص182).
    ومن الأقوال يقصد بها بالطبع إماتة القلب واستسلامه للدواهي والمصائب التي سيتلقاها المريد في طريقه الصوفي. وإليك طائفة من الأقوال والحكايات الصوفية التي يراد من ورائها في النهاية استسلام المريد لشيخه ليعبث بعقله وقلبه كيف شاء.
    2. لا يجوز الإنكار على شيوخ التصوف أبداً ولو مع المنكر دليل. يقول أحمد بن مبارك السلجماسي فيما يرويه عن شيخه الجاهل الأمي عبدالعزيز الدباغ:
    " واعلم وفقك الله أن الولي المفتوح عليه يعرف الحق والصواب ولا يتقيد بمذهب من المذاهب. ولو تعطلت المذاهب بأسرها لقدر على إحياء الشريعة وكيف لا وهو الذي لا يغيب عنه النبي صلى الله عليه وسلم طرفة عين!! ولا يخرج عن مشاهدة الحق جل جلاله في أحكامه التكليفية وغيرها وإذا كان كذلك فهو حجة على غيره وليس غيره حجة عليه لأنه أقرب إلى الحق من غير المفتوح عليه وحينئذ فكيف يسوغ الإنكار على من هذه صفته ويقال إنه خالف مذهب فلان في كذا، إذا سمعت هذا فمن أراد أن ينكر على الولي المفتوح عليه لا يخلو إما أن يكون جاهلاً بالشريعة كما هو الواقع غالباً من أهل الإنكار وهذا لا يليق به الإنكار والأعمى لا ينكر على البصير أبداً" (الإبريز ص192).
    وهذا داهية الدواهي لأنه زعم أن الشيخ له مذهبه الخاص الذي يتلقاه من النبي رأساً ولا حاجة عنده إلى التلقي من أي مذهب فقهي لأي إمام مجتهد فلا تعترض أيها المريد على شيخك لأنه يتلقى الوحي غضاً طرياً، وهؤلاء العلماء عميان وهو مبصر!!
    ويقول أيضاً شارحاً القصيدة الرائية في آداب المريد: "فذو العقل لا يرضى سواه وإن نأى عن الحق نأي الليل عن واضح الفجر
    المعنى أن من له عقل سليم وطبع مستقيم لا يرضي سوى شيخه ويدور معه حيثما دار وإن بعد الشيخ في ظاهر الأمر عن الحق بعداً بيناً كبعد الليل من الفجر ويقول إن للشيخ في ذلك وجهاً مستقيماً عسى أن يطلعني عليه" أ.هـ (الإبريز ص203).
    وهذا ظاهر في أنه لا يجوز الإنكار على الشيخ والخروج عنه، ولو خرج الشيخ عن الحق وظهر ذلك للمريد ظهور الفجر من الليل.
    وليس هذا فقط هو المدى الشيء الذي يريد المتصوفة جر المريد إليه بل هناك ما هو أشد من ذلك وأضل وهو ما يأتي في الفقرة الآتية:
    3- يقول أحمد بن المبارك: "(ومنها) أني سمعت الشيخ رضي الله عنه يقول جاء بعض المريدين لشيخ عارف فقال له يا سيدي القبول لله عز وجل. نعم، ثم أمره بالمقام عنده والعكوف على خدمته وأعطاه مسّاحة في رأسها كورة حديد زائدة لا نفع فيها إلا تثقيل المساحة وكان المريد هو وارث الشيخ بشرط أن لا ينتبه لكورة الحديد المذكورة فإن انتبه وقال ما فائدتها، ولأي شيء تصلح، ولا معنى لها إلا التثقيل فإنه لا يرث شيئاً. قال رضي الله عنه فبقي في خدمته سبع سنين وهو يخدم بالفأس ولا يتحرك له عرق وسواس ولا هزته عواصف رياح الشيطان وصارت الكورة المذكورة بمنزلة العدم الذي لا يرى ولا يسمع فهذه مسألة الصادقين الموفقين رضي الله عنهم والله تعالى الموفق" (الإبريز ص178).
    فانظر كيف يكون المريد (الصادق) في زعمهم مع شيخه. إنه الذي ينفذ ما يأمره به الشيخ ولا يسأله عنه بتاتاً ولو كان شيئا غير معقول المعنى ولا فائدة أصلاً منه.ككرة الحديد هذه التي كانت في رأسها المساحة (الفأس). وقد جعلوا صدق المريد عدم سؤال شيخه عن هذه (الكورة) التي لا تقع منها. وليت الأمر وقف عند هذا الحد ولكن...
    4- لم يقتصر الأمر على طاعة الشيخ فيما لا فائدة منه ولا معقولية له بل تعدى الأمر ذلك إلى الاعتقاد أن للشيخ شريعته الخاصة، ودينه المستقل فله أن يشرب الخمر، أو يزني وليس لمريده أن يسأل عن شيء من ذلك. يقول السلجماسي أيضاً:
    "قال محيي الدين العربي (رضي الله عنه) ومن شروط المريد أن يعتقد في شيخه أنه على شريعة من ربه ونبيه منه ولا يزن أحواله بمسيرته أنه فقد تصدر من الشيخ صورة مذمومة في الظاهر وهي محمودة في الباطن والحقيقة يجب التسليم وكم من رجل كأس خمر بيده ورفعه إلى فيه وقلبه الله في فيه عسلاً والناظر يراه شرب خمراً وهو ما شرب إلا عسلاً ومثل هذا كثير وقد رأينا من يجسد روحانيته على صورة ويقيمها في فعل من الأفعال ويراها الحاضرون على ذلك الفعل فيه ولو رأيناه فلا يفعل كذا وهو عن ذلك الفعل بمعزل وهذه كانت أحوال أبي عبدالله المصلي المعروف بقضيب البان وقد رأينا هذا مراراً في أشخاص" أ.هـ (الإبريز ص202).
    وهذا الذي نقله أحمد بن مبارك السلجماسي عن ابن عربي مقرراً ومتبعاً له هو ما عليه عامة الصوفية بعد ابن عربي الذين يعتقدون أن للشيخ الصوفي (الكامل) أن يفعل ما يشاء من المعاصي ولا حرج عليه ولا يجوز أن يظن المريد خلاف الخير لأن الخمر التي يراها المريد خمراً تنقلب عينها في الشيخ فتكون له لبناً أو عسلاً. أو أن الشيخ يشكل نفسه على النحو الذي يظهر منه الفسق والخروج على الشريعة ليؤدب المريدين ويعلمهم أن يثقوا بشيخهم ولو رأوه يفعل منكراً. أقول: وقد حدثني أستاذي وشيخي الشيخ محمد عبدالوهاب البنا حفظه الله أنه شاهد أباه وكان من هيئة كبار العلماء في الأزهر يشتري قارورة الخمر بنفسه ويعطيها لشيخ له في الطريق، ولما كلمه الشيخ محمد عبدالوهاب البنا في ذلك. قال له: يا بني إنها تنقلب في بطن الشيخ فتكون لبناً!!.. فانظر كيف يفعل مثل هذا الكلام في المريدين فيجعلهم يعتقدون في شيوخهم العصمة حتى لو رأوهم على المعصية جهاراً نهاراً، وهذا غاية في إلغاء العقول والأفهام وذلك حتى تتلقى هذه العقول ما هو شر من ذلك وأقبح من الكلام في العقائد وأصول الدين كلاماً وكفراً وزندقة لم يقلها اليهود ولا النصارى ولا المجوس.
    ولم يكتف دهاقنة الفكر الصوفي بمثل هذا بل وضعوا آلاف الحكايات والروايات ليحملوا المريدين حملاً على الاستسلام لشيوخهم مهما فعلوا أمامهم وأن يطيعوهم مهما أمروهم. يقول أحمد بن مبارك أيضاً:
    "(رأيت) في كتاب محيي الدين تلميذ تاج الدين الذاكر المصري رحمهما الله تعالى أن رجلاً جاء إلى بعض الأكابر فقال له يا سيدي أريد منكم أن تعطوني السر الذي خصكم الله به فقال الشيخ إنك لا تطيق ذلك. فقال المريد: أطيقه وأقدر عليه فامتحنه الشيخ بأمر سقط منه على أم رأسه وذلك أنه كان عند الشيخ مريد شاب حَدَث أبوه من الأكابر فلما قال ذلك المريد أنا أطيق السر. قال له الشيخ: إني سأعطيك إن شاء الله السر فأمره بالمقام عنده، ثم إن الشيخ أمر الشاب الحدث بالاختفاء في مكان بحيث لا يظهر لأحد، وأدخل الشيخ خلوته كبشاً فذبحه وجعل على ثيابه شيئا من الدم فخرج على المريد السابق والسكين في يده والدم يسيل على يده وهو في صورة الغضبان فقال المريد ما عندكم يا سيدي؟ فقال: إن الشاب الفلاني أغضبني فما ملكت نفسي أن ذبحته فها هو في ذلك المكان مذبوح يشير إلى الخلوة التي ذبح فيها الكبش فإن أردت السر يا ولدي فاكتم هذا الأمر ولا تذكره لأحد وإن سألني عنه أبوه فإني أقول له مرض ولدك ومات فإنه يصدقني ويحصل على المسألة لطف فعساك يا ولدي تساعدني على هذا الأمر وتسترني فيه فإن فعلت فأنا أعطيك السر إن شاء الله تعالى فقال له المريد وقد تمعر وجهه وظهر غيظه حيث ظن أن الشيخ في قبضته سأفعل بكلام يظهر فيه الكذب ففارق الشيخ وذهب سريعاً إلى والد الشاب وأعلمه بالقصة وقال له إن الشيخ الكذاب الذي كنتم تعتقدون فيه الخير قتل ولدكم في هذه الساعة وجعل يرغبني أن أستر ويطلب مني أن أكتمه عنكم وإن شككتم في الأمر فاذهبوا معي الساعة فإنكم تجدون ولدكم يتشحط في دمه فقال له الناس: ويحك فإن سيدي فلاناً لا يفعل هذا ولعل الأمر شبه عليك. فقال لهم: اذهبوا معي حتى يظهر صدقي أو كذبي ففشا قوله في الناس وسمع به أرباب الدولة فأقبلوا إلى الشيخ سراعاً والمريد أمامهم حتى وقفوا على خلوة الشيخ فقرعوا الباب فخرج الشيخ وقال لهم: ما لكم وأي شيء أقدمكم، فقالوا له: ألا تسمع ما يقول هذا (يشيرون إلى المريد). فقال له الشيخ: وأي شيء كان. فقال له المريد: الذي كنت ترغبني فيه وتطلب مني كتمانه هو الذي كان. فقال الشيخ: ما وقع بيني وبينك شيء وما كلمتك قط (1) ـ فقال المريد: الكذب لا ينجيك قد قتلت ولد الناس. فترامى الناس على الشيخ من كل ناحية.. قتلت ولد الناس فالآن نقتلك عدو الله.. تغش الناس في عبادتك وتخدعهم بخلوتك. فقال الشيخ: سلوه من أين علم بأني قتلته. فقال المريد: ألم تخرج علي وأثر الدم على يديك وثوبك. فقال الشيخ: نعم وقد ذبحت شاة. فقال المريد: فلندخل إلى الخلوة إن كنت صادقاً. فدخلوا فوجدوا شاة مذبوحة. فقال المريد: إنما أخفيت القتيل وأظهرت هذه الشاة في موضعه لئلا تقتل به. فقال الشيخ: أرأيت إن خرج الشاب ولا بأس عليه أتعلم الناس من الكاذبين الذين لا يفلحون. فقال المريد: فأخرجه إن كنت صادقاً. فأرسل الشيخ إلى الفتى فخرج ولا علم عنده بما وقع فلما رآه الناس تضرعوا إلى الشيخ وجعلوا يسبون المريد الكاذب وعند ذلك قال له الشيخ: ألست تزعم يا كذاب (2) ـ أنك تطيق السر وتقدر عليه فما بالك لم تقدر على كتم هذا الأمر الذي لم يكن منه شيء، وإنما صنعنا معك هذا لدعواك أنك تطيق السر، فاذهب فقد أعطيناك السر الذي يليق بأمثالك، فكان ذلك المريد من يومه موعظة للمعتبرين نكالاً للمدعين الكاذبين. نسأل الله بمنه التوفيق" (الإبريز ص188).
    فانظر في هذه الحكاية؛ كيف يعلم المريد على طاعة أمر الشيخ بمثل هذا الفعل الشيطاني، حتى لا يكون بعد ذلك فكاك عن القيد الذي يقيده به شيخه، بل يروي أحمد بن المبارك عن شيخه كذلك عشرات بل مئات الحكايات التي تصب كلها في هذا النص وانظر هذه الحكاية: "سمعت من الشيخ يعني (3) ـ رضي الله عنه يقول كان بعض من أراد الله رحمته في الماضين يحب الصالحين فألقى الله في قلبه أن خرج من ماله فباعه وجمع ثمنه فذهب به لبعض من شهر عنه الصلاح وكانت تقصده الوفود من النواحي فذهب إليه هذا المرحوم بجملة ماله حتى بلغ بلده فسأل عن داره فدل عليها فدق الباب ففتح الخادم فقال: ما اسمك فقال: عبدالعلي. وكان الشيخ المشهور بالولاية من العصاة المسرفين على نفوسهم (4) وكان له نديم يتعاطى معه الشراب وغيره اسمه عبدالعلي فوافق اسمه اسم هذا المرحوم، فذهبت الجارية فقالت للشيخ، اسم هذا الذي دق الباب عبدالعلي. فقال وظن أنه نديمه: ائذني له. فدخل على الشيخ فوجد الشراب بين يديه وامرأة فاجرة معه ورزقه الله تعالى الغفلة عن ذلك كله (5) فتقدم إليه فقال: يا سيدي سمعت بك من بلادي وجئتك قاصداً لتدلني على الله عز وجل وهذا مالي أتيتك به. فقال الشيخ (يتقبل الله منك) ثم أمر الجارية أن تدفع له رغيفاً فأخذه وأعطاه الفأس وأمره بالخدمة في بستان للشيخ عينه له. فذهب المرحوم من ساعته ونفسه مطمئنة وقلبه مسرور بقبول الشيخ له فذهب فرحاً للخدمة وقد لقي نصباً من سفره للشيخ وما استراح حتى بلغ البستان وجعل يخدم بفرح وسرور ونشاط نفسي فكان من قدر الله عز وجل وحسن جميله بذلك المرحوم أن صادف مجيئه للشيخ الكاذب المسرف وفاة رجل من أكابر العارفين وكان من أهل الديوان فحضر وفاته الغوث والأقطاب السبعة فقالوا له يا سيدي فلان: كم مرة ونحن نقول لك اهبط إلى المدينة من مدن الإسلام فعسى أن تلقى من يرثك في سرك ولم تساعد فالآن حانت وفاتك فيضيع سرك وتبقى بلا وارث فقال لهم يا سادتي قد ساق الله إلي من يرثني وأنا في موضعي فقالوا له ومن هو؟ فقال: عبدالعلي الذي وفد على فلان المبطل فانظروا إلى حسن سريرته مع الله عز وجل وإلى تمام صدقه ورسوخ خاطره ونفوذ عزمه وصلابة جزمه فإنه رأى ما رأى ولم يتزلزل له خاطر ولا تحرك له وسواس؛ فهل سمعتم بمثل هذا الصفاء الذي في ذاته أتوافقون على إرثه؟. فقالوا: نعم. فخرجت روح الولي واتصل سيدي عبدالعلي بالسر وأثابه الله عز وجل على حسن نيته فوقع له الفتح وعلم من أين جاءته الرحمة وأن الشيخ الذي وفد عليه مسرف كذاب وأن الله تعالى رحمه بسبب نيته لا غير والله الموفق" (الإبريز ص186) أ.هـ.
    فانظر كيف أن المريد (الصادق) أعطى ماله كله لشيخ يقيم على الزنا والخمر (وهو في غفلة من ذلك.. عجباً).. وكيف يقوم المريد الصادق بخدمة هذا الشيخ الزنديق الفاسق وأصبح مجرد فلاح أو مزارع في بستانه يخدم الفاجرات ويقدم الخمور، ويهيئ المزرعة للشيخ الأستاذ.. وكانت المكافأة أن مات شيخ آخر معه السر فاختار ذلك المريد البعيد واتصل بروحه وأعطاه السر.. ويستطرد أحمد بن مبارك هذا أيضاً فيقول:
    "وسمعت من غير الشيخ رضي الله عنه أن بعض الأكابر كان له عدة أصحاب وكان لا يتخيل النجابة إلا من واحد منهم فأراد أن يختبرهم ففروا بجملتهم سوى ذلك الواحد وذلك أنه تركهم على باب خلوته فأظهر لهم صورة امرأة فدخلت الخلوة فقام الشيخ فدخل معها فأيقنوا أن الشيخ اشتغل معها بالفاحشة فتفرقوا كلهم وخسرت نيتهم إلا ذلك الواحد فإنه ذهب وأتى بالماء وجعل يسخنه يقصد أن يغتسل به الشيخ فخرج عليه الشيخ فقال: ما الذي تفعل؟ فقال: رأيت المرأة دخلت فقلت لعلك بحاجة إلى غسل فسخنت لك الماء. فقال له الشيخ: وتتبعني بعد أن رأيتني على المعصية. فقال: ولم لا أتبعك والمعصية لا تستحيل عليك، وإنما تستحيل في حق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولم أخالطك على أنك نبي لا تعصي وإنما خالطتك على أنك بشر وأنك أعرف مني بالطريق ومعرفتك بالطريق باقية فيك والوصف الذي عرفتك عليه لم يزل فلم تتبدل لي نية ولا يتحرك لي خاطر. فقال له الشيخ: يا ولدي تلك الدنيا تصورت بصورة امرأة وأنا فعلت ذلك عمداً لينقطع عني أولئك القوم. فادخل يا ولدي وفقك الله معي إلى الخلوة فهل ترى امرأة فيها فدخل فلم يجد امرأة فازداد محبة على محبته والله الموفق" (الإبريز ص188) أ.هـ.
    وهذه الحكاية تزيد على أن المريد الذي رأى شيخه يخرج من خلوة مع زانية معلومة مشهورة قام فسخن له الماء.. أليس هذا إلغاء تاماً للعقول، وغسلاً للأمخاخ من أي فكر أو حمية أو غيرة دينية أو عاطفية صادقة.
    واقرأ أيضاً هذه الحكاية لترى العجب العجاب.. كان المريد يرى شيخه على الزنا، ويصلي وهو جنب من زنا والماء بجواره، ثم يشرب الخمر وكل هذا لم يحرك شيئا في المريد الصادق.. قال صاحب (الإبريز):
    "وسمعته (رضي الله عنه) يقول: كان لبعض العارفين بالله عز وجل مريد صادق وكان هو وارث سره فأشهده الله تعالى من شيخه أموراً كثيرة منكرة ومع ذلك لم يتحرك له وساوس فلما مات شيخه وفتح الله عليه شاهد تلك الأمور وعلم أن الصواب مع الشيخ فيها، وليس فيها ما ينكره شرعاً إلا أنها اشتبهت عليه، في ذلك أن امرأة كانت من جيران الشيخ وكانت تذكر بالسوء اشتبهت بين باب الدار وبين البيوت وكان المريد لا يبلغ إليه وإنما يقف بالباب فاتفق أن دخلت المرأة المشهورة بالسوء على المريد وهو بالباب فجازت للدار واتفق أن خرجت امرأة الشيخ الشبيهة بها فدخلت على الشيخ الخلوة وكان الشيخ أرسل إليها ليقضي حاجته منها فدخلت وقام إليها الشيخ ومرت الشبيهة بها نحو البيوت فرمى المريد ببصره إلى الخلوة فرأى المرأة مع الشيخ وهو يقضي حاجته منها فما شك أنها المشهورة بالسوء، وربط الله على قلبه فلم يستفزه الشيطان ثم خرجت المرأة وحانت الصلاة فخرج الشيخ للصلاة وتيمم وكان به مرض منعه من الاغتسال فما شك المريد أن الشيخ قد تيمم من غير ضرورة وربط الله على قلب المريد وكان بالشيخ مرض منعه من هضم الطعام فصنعوا له ماء الفلنيص عصروه وأتوا له بمائه ليشربه فدخل المريد فوجده يشربه فما شك أنه ماء خمر وربط الله على قلبه فلم يتحرك عليه وسواس فلما فتح الله عليه علم أن المرأة التي وطئها الشيخ امرأته لا المرأة المشهورة بالسوء وعلم أن التيمم الذي فعله الشيخ لضرر كان بجسده وعلم أن الماء الذي شربه الشيخ ماء فلنيص لا ماء خمر والله الموفق" (الإبريز ص178) أ.هـ.
    ولست أدري كيف يتأتى هذا التخليط: شيخ مريض عاجز عن الوضوء ولكنه قادر على الزنا وشرب الخمر.. وما معنى قول الكاتب في هذه القصة وربط الله على قلبه.. والحق أن يقال وطمس الله أبصارهم وبصائرهم. والعجب أنهم لم يكتفوا بطمس أبصار المريدين وبصيرتهم حتى لا يروا ما عليه شيوخهم من الفسق والفجور بل جعلوا رؤية ما عليه هؤلاء الشيوخ دليلاً على شقاوة المريدين، والمشاهدين.
    يقول صاحب (الإبريز) أيضاً: "(وسمعته رضي الله عنه) يقول: إن الولي الكبير فيما يظهر للناس يعصي وهو ليس بعاص وإنما روحه حجبت ذاته فظهرت في صورتها فإذا أخذت في المعصية فليست بمعصية لأنها إذا أكلت حراماً مثلاً فإنها بمجرد جعلها في فيها فإنها ترميه إلى حيث شاءت وسبب هذه المعصية الظاهرية شقاوة الحاضرين والعياذ بالله تعالى فإذا رأيت الولي الكبير ظهرت عليه كرامة فاشهد للحاضرين بأن الله تعالى أراد بهم الخير أو معصية فاشهد بشقاوتهم وكما أن أرواحهم هي التي تتولى كراماتهم كذلك هي التي تتولى معاصيهم الظاهرة والله أعلم" (الإبريز ص196).
    أليس من العجيب أن يكون مثل هذا الفكر منسوباً إلى المسلمين وجزءاً من تراثهم الذي يتوارثونه ويحسبه من يحسبه منهم كتباً للهداية والدلالة على الله.
    ولم يكتف أرباب الفكر الصوفي بجعل معاصي الشيوخ من شؤم من يشاهدونها من الناظرين بل جعلوا الشيخ ربما تعمد المعصية خشية على ذاته الترابية أن تتحول من شدة التجلي إلى ذات نورانية فتتلاشى!!..
    يقول السلجماسي أيضاً: "وسمعته (رضي الله عنه) يقول: إن الولي قد يغلب عليه الشهود فيخاف على ذاته الترابية من التلاشي فيستعمل أموراً ترده إلى حسه وإن كان فيها ما يعاب عليه من باب إذا التقى ضرران ارتكب أخفهما فإذا رآه شخص ارتكب ذلك الأمر ولا يعلم الوجه الذي ارتكبه لأجله ربما بادر إلى الإنكار عليه فيحرم بركته وقد تقرر في الشرع أي في الشريعة المطهرة أن العضو إذا أصابته الأكلة وخيف على الذات منها فإنه يباح قطعه لتسلم الذات مع أن العضو معصوم ولكنه من باب إذا التقى ضرران ارتكب أخفهما وكذلك الشخص إذا خاف على نفسه من الهلاك من شدة الجوع فإنه يباح له أكل الميتة حتى يشبع ويتزود منها"..
    وهذا اعتذار في غاية القبح وكذب في غاية الوضوح لأن الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم كان الوحي يتنزل عليهم والملائكة تكلمهم وما كانوا يخشون على ذاتهم الترابية.. وأنا أعلم أن مثل هذه الحجج لا تناقش لأنها لا تنطلي إلا على سذج وأغبياء أو أناس فقدوا عقولهم وصوابهم ولكن ماذا نعمل إذا كان العالم الإسلامي قد ابتلي بهؤلاء وأفسدوا أجيالاً كثيرة من أبناء المسلمين وانظروا إلى الحكاية الآتية:
    يقول أحمد بن مبارك: "قال (رضي الله عنه) وإذا أراد الله شقاوة قوم وعدم انتفاعهم بالولي سخرهم الحق فيما هم فيه من قبح ومخالفة فيظنون أنه على شاكلتهم وليس كذلك حتى إنه يتصور في طور ولاية أن يقعد الولي مع قوم يشربون الخمر وهو يشرب معهم فيظنونه شارب خمر وإنما تصورت روحه في صورة من الصور وأظهرت ما أظهرت وفي الحقيقة لا شيء وإنما هو ظل ذاته تحرك فيما تحركوا فيه مثل الصورة التي تظهر في المرآة إنك إذا أخذت بالكلام تكلمت وإذا أخذت في الأكل أكلت وإذا أخذت في الشرب شربت وإذا أخذت في الضحك ضحكت وإذا أخذت في الحركة تحركت وتحاكيك في كل ما يصدر منك وفي الحقيقة لم يصدر منها أكل ولا غيره لأنها ظل ذاتك وليست بذاته الحقيقية فإذا أراد الله شقاوة قوم ظهر الولي معهم بظل ذاته وجعل يرتكب ما يرتكبون والله الموفق" (الإبريز ص195).
    والعجب أن هؤلاء الذين هذا هو مستواهم في التقوى والعلم والصلاح وهذه هي أخلاقهم وأعمالهم استطاعوا أيضاً الاستحواذ على أموال الناس. وهذا باب واسع جداً سنبسطه في غير هذا الموضع إن شاء الله تعالى ولكننا نذكر هنا هذه الحكاية من حكاياتهم لنبين كيف يربي المريد أيضاً على سلب ماله وإعطائه لشيخه بل سلب عقله وشرفه..
    قال ابن مبارك أيضاً: "سمعته (رضي الله عنه) يقول كان لبعض المريدين أخ في الله عز وجل فمات ذلك الأخ وبقي المريد فجعل إذا فتح الله عليه بشيء يقسمه بين أولاده وبين أولاد الأخ في الله وكان لهذا المريد أرض مع إخوته فبعث عليهم من جانب المخزن ظلماً فلما أخذوا ثمنها كان نصيب المريد منها أربعين مثقالاً (سكة زماننا) فقال له إخوته ما تفعل بدراهمك فقال أقسمها بيني وبين أولاد أخي في الله؛ فاستحمقوه وقالوا ما رأينا مثلك في نقصان العقل تسبب (أي تاجر بها وأبذل سبباً لنمائها) بدراهمك واشتر بها كذا واصنع بها كذا واترك عنك هذه الحماقة التي أنت مشتغل بها فأرادت نفسه أن تميل إلى قولهم فقال لها يا نفسي ما تقولي لله عز وجل إذا وقفت بين يديه غداً حيث يقول لي رزقتك أربعين مثقالاً فاستأثرت بها وضيعت حق الأخوة فاليوم أضيعك كما ضيعتها فوفقه الله فقسم الدراهم بينه وبين أولاد أخيه في الله فلما خرج من عندهم فتح الله عليه وأعطاه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وجعله من العارفين لصدق نيته ولصداقة عزمه ونفوذ جزمه والله الموفق" (الإبريز ص178).
    5- وحتى يتم تذليل المريد تذليلاً كاملاً ويلغي عقله إلغاءً تاماً فإن شيخه يأمره بأوامر في غاية الغرابة بل فيها المعصية الواضحة والكفر الصريح امتحاناً لطاعته، ومعرفة من الشيخ هل بقي من المريد مسكة عقل، أو أثارة علم، أو بقية غيرة أو دين غير الدين الصوفي الباطني فبعضهم يأمرون مريدهم بإحضار زوجاتهم لشيوخهم ليختلي بهن فإن تلكأ أو شك في عفة الشيخ علم أنه غير صادق وشيخ آخر يأمر تلاميذه ومريديه بما هو أقبح من ذلك وهذه بعض حكاياتهم في هذا الصدد.
    يقول أحمد بن مبارك مبيناً كيف يكون المريد صادقاً مع شيخه مطيعاً له ولو أمره بقتل والديه يقول: "سمعت من الشيخ رضي الله عنه قال كان لبعض المشايخ مريد صادق فأراد أن يمتحن صدقه يوماً فقال له يا فلان أتحبني قال نعم يا سيدي فقال أرأيت إن أمرتك أن تأتيني برأس أبيك أتطيعني فقال يا سيدي فكيف لا أطيعك ولكن الساعة ترى فذهب من حينه وكان ذلك بعد أن رقد الناس فتسور جدار دارهم وعلا فوق السطح ثم دخل على أبيه وأمه في منزلهما فوجد أباه يقضي حاجته من أمه فلم يمهله حتى يفرغ من حاجته ولكن برك عليه وهو فوق أمه فقطع رأسه وأتى به للشيخ وطرحه بين يديه فقال له ويحك أتيتني برأس أبيك فقال يا سيدي نعم أما هو هذا فقال ويحك إنما كنت مازحاً فقال له المريد أما أنا فكل كلامك عندي لا هزل فيه فقال له الشيخ رضي الله عنه انظر هل هو رأس أبيك فنظر المريد فإذا هو ليس برأس أبيه فقال له الشيخ رأس من هو فقال له رأس فلان العلج قال وكان أهل مدينتهم يتخذون العلوج كثيراً بمنزلة العبيد السودانيين قال وكان أبوه غاب تلك الليلة فخانته زوجته في الفراش وواعدت عليه كافراً ومكنته من نفسها وكوشف الشيخ (رضي الله عنه) بذلك فأرسل المريد ليقتله على الصفة السابقة ليمتحن صدقه فعلم أنه جبل من الجبال فكان وارث سره والمستولي بعده على فتحه والله الموفق" (الإبريز ص186).
    وهذه الحكاية الملفقة المكذوبة ما أريد بها إلا تعليم السالك في طريق التصوف أن يطيع أمر الشيخ مهما كان ولو أمره بقتل والديه وأن تنفيذه لأمر الشيخ خير له بكل حال.. فأين هذا من قول الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [ الممتحنة:12].
    فانظر إلى قوله تعالى وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فاشترط سبحانه طاعة النبي في المعروف علماً أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بالمعروف ولكن هذا ليتعلم غير النبي أنه ليس له أن يأمر إلا بمعروف وليس لأحد أن يطيعه إلا في معروف.. ولذلك لما أمر رسول الله أميراً على عدد من المسلمين في سرية ما قال هذا الأمير لأصحابه ألست أميركم قالوا بلى، قال ألم يأمركم الرسول بطاعتي قالوا بلى، قال: فإني آمركم أن تدخلوا هذه النار، وكان قد جمع حطباً وأشعله، فقالوا: والله ما آمنا إلا فراراً من نار الآخرة فكيف ندخل النار الآن..
    ولما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الواقعة قال صلى الله عليه وسلم والله ((لو دخلوها ما خرجوا منها)) (6) .
    ولكن الأمر يختلف تماماً عند مشايخ التصوف إذ العلوم والأسرار التي يجب على المريد أن يتلقاها من شيخه بالغة مبلغها في القبح والنكارة وما لم يكن المريد متهيئاً لقبول هذه الدواهي فإنه حتماً سينفر ويخرج من الطريق ولذلك فلا بد من تهيئته تهيئة كاملة. وتوطئته لتحمل العقيدة الصوفية.. إذ كيف سيفاجئ الشيخ مريده عندما يطلب منه المريد السر الصوفي كيف سيقول له يا بني اعلم أنه ليس هناك إله غيري وغيرك فما هذا العالم الذي نعيش فيه إلا الله بكل مظاهره ومصنوعاته فهو عالم قد خلق نفسه بنفسه لنفسه فليس ثم غير.. كيف سيستطيع المريد تقبل ذلك كله إلا أن يكون الشيخ الصوفي قد تمكن من عقل مريده عن آخره من دينه إلى نهايته ومن أخلاقه وشرفه حتى لا يبقى من ذلك شيئا إلا عبادة شيخه والتصديق أنه وساطته إلى الله وأنه لا نجاة له ولا فلاح له، إلا أن يكون هذا الشيخ هو كل شيء في حياته.. هذه هي الغاية التي يسعى إليها الفكر الصوفي من التربية وهي نقل هذه الأفكار الفلسفية الخبيثة إلى أذهان أبناء الإسلام ولذلك فلا بد من سلخهم أولاً من الدين حتى يكونوا بعد ذلك مطية سهلة لهؤلاء الشيوخ يغرسون في أذهانهم ما شاءوا من الخرافات والخزعبلات والهذيان الذي لم تعرف البشرية في كل عصورها مثالاً له..
    6- لا حركة ولا سكون للمريد إلا بإذن الشيخ:
    الأدب السادس من آداب المريد الصوفي مع شيخه أنه لا يجوز له أن يتحرك أو يسكن، أو يتصرف في نفسه أو ماله أو زوجته، أو سفره أو إقامته إلا بإذن شيخه، وأنه لا يجوز أن يجلس في مجلسه إلا بإذنه وأن يظهر قدمه أمام شيخه، أو يرفع صوته، أو يسأله من عند نفسه لأن الشيخ أعلم بما في نفس مريده فلا يجوز أن يبدأ بالسؤال، أو يستفسر عن إشكال وإنما ينتظر في كل ذلك ما يجود به شيخه.. لأنه في زعمهم هو أعلم بحاله.. وليس وراء ذلك عبودية في الأرض.. والعجيب أن المتصوفة قد أخذوا كل الحقوق والخصوصيات التي جعلها الله لرسوله فجعلوها حقاً أيضاً للشيوخ فانظر مثلاً ما يقوله صاحب (الرائية) وما يشرح به أحمد بن مبارك:
    "قال: ولا ترفعوا أصواتكم فوق صوته ولا تجهروا كجهر الذي هو في قفر
    يقول السلجماسي: والله أعلم لا ترفعوا أيها المريدون أصواتكم فوق صوت الشيخ فإن ذلك يخل بالأدب ولا تجهروا له بالقول كجهر سكان القفار والبوادي الذين معهم جفاء وجلافة ولكن عظموه وفخموه وقولوه يا سيدي ويا أستاذي ويا ولي الله ونحو ذلك وأصل هذا الكلام الآية الشريفة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ[الحجرات:2]قال السهروردي في العوارف (رضي الله عنه) ومن تأديب الله تعالى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ[الحجرات:2]كان ثابت بن قيس بن شماس في أذنه وقر وكان جهوري الصوت وكان إذا تكلم جهر بصوته وربما كان يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فيتأذى بصوته فأنزل الله الآية تأديباً له ولغيره ثم قال بعد أن ذكروا آية في سبب نزولها وأنها نزلت في منازعة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بحضرته قال فكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمع كلامه حتى يستفهم وقيل لما نزلت الآية إلى أبو بكر أن لا يتكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا كأخفى السر فهكذا ينبغي أن يكون المريد مع شيخه فلا ينبسط برفع الصوت وكثرة الضحك والكلام إلا إذا باسطه الشيخ" انتهي (الإبريز ص256).
    وقد غاب عن هؤلاء الذين قرروا لشيوخهم ما أمر الله به نحو رسوله لمنزلته الخاصة غاب عنهم أن الله سبحانه وتعالى قال كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ فالمسلمون من شأنهم أن يجهر بعضهم في الكلام لبعض وأما مع النبي صلى الله عليه وسلم فيجب أن يكون للمسلمين معه أدب خاص في معاملتهم له صلى الله عليه وسلم..
    وليت أنهم أعطوا الشيخ من الحقوق ما يجب على المسلم نحو الرسول واكتفوا بذلك بل جعلوا لشيوخهم من الحقوق على مريديهم ما لم يجعله الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم فقد جعلوا من حق الشيخ أن لا تنطق عنده إلا بإذنه وأن تطيل إذا أحب منك الإطالة وتختصر إذا أراد الاختصار.
    قال صاحب (الرائية):
    "ولا تنطقن يوماً لديه فإن دعا إليه فلا تعدل إلى الكلم النزر
    وقال الشارح يقول والله أعلم لا تنطق في وقت من الأوقات عند شيخك فإن سألك عن شيء فلا تعدل عن الجواب الذي تدعو إليه الحاجة إلى الإكثار والتطويل فإن ذلك يزيل هيبة الشيخ وهذا والله أعلم ما لم يطلب منه الشيخ الإكثار من الكلام فإن طلب منه ذلك وكان للشيخ فيه غرض فإنه ينبغي له حينئذ الإسهاب والتطويل مراعياً خاطر الشيخ فإذا رآه شبع من الكلام فإنه يجب عليه الرجوع إلى أدبه وقد سبق ما كان يقوله لنا الشيخ رضي الله عنه حين يغيب في المشاهدة أهدروا علي كثيراً فإن الله يأجركم على ذلك يعني لأنه يرجع بذلك إلى حسه. أصل هذا الكلام الذي في البيت لصاحب (العوارف) قال فيها بعد أن ذكر تأويلات في قوله تعالى لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ الحجرات:1] وقيل نزلت في أقوام كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء خاضوا فيه وتقدموا بالقول والفتوى فنهو عن ذلك وهكذا دأب المريد في مجلس الشيخ ينبغي أن يلزم السكون ولا يقول شيئا بحضرته من كلام حسن إلا إذا استأمر الشيخ في ذلك ووجد من الشيخ فسحة" أ.هـ (الإبريز ص205).
    وقد جاوزوا هنا ما أمر الله به المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[الحجرات:1]معناها أي لا تفتوا قبل أن يفتي ولا تحكموا في شيء حتى يأتيكم حكمه من الله ورسوله. وليس معناه لا تبدأوا في أي كلام وإلا فالصحابة كثيراً ما كانوا يبدأون ويعيدون في شؤون كثيرة والنبي جالس يستمع وربما تبسم صلى الله عليه وسلم عندما يتكلمون أحياناً في شؤون الجاهلية. كما ثبت في صحيح مسلم وغيره أن الصحابة كانوا يجلسون مع النبي بعد صلاة الصبح يستمع لهم وربما تبسم صلى الله عليه وسلم.. وأما هؤلاء الصوفية فإنهم جعلوا على المريد حجراً أن لا يتكلم بحضرة شيخه إلا أذن له.. وأن يختصر حيث أراد الشيخ أن يطيل إذا أمره الشيخ بذلك فجعلوه آلة ميتة يتحرك بحركة الشيخ ولماذا نذهب بعيداً وقد أجملوا هذه الآداب مع شيخهم بقولهم: "كن بين يدي شيخك كالميت بين يدي المغسل".. والعجيب أنهم لم يكتفوا بهذا أيضاً بل جعلوا من جملة الآداب في خطاب الشيخ أن يسأل الله التوفيق قبل أن يبدأ أمام الشيخ بالكلام.. انظر ما يقولون:

      الوقت/التاريخ الآن هو 24/9/2024, 07:23