23ــ العهد الثامن: إكرام العلماء
مقتطفات من كتاب العهود المحمدية للشعراني
مقدمة الدرس:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول الإمام سيدي الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه الله تعالى في العهد الثامن:
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن نكرم العلماء، ونجلَّهم ونوقرَهم، ولا نرى لنا قدرة على مكافأتهم، ولو أعطيناهم جميع ما نملك، أو خدمناهم العمر كله).
روى البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ).
وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (البركة مع أكابركم).
وروى الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا).
وفي رواية للإمام أحمد عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ)
وروى الطبراني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ، وَتَعَلَّمُوا لِلْعِلْمِ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَعْلَمُونَ مِنْهُ).
وروى الطبراني أيضاً عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (ثَلاثَةٌ لا يَسْتَخِفُّ بِحَقِّهِمْ إِلا مُنَافِقٌ: ذُو الشَّيْبَةِ فِي الإِسْلامِ، وَذُو الْعِلْمِ، وَإِمَامٌ مُقْسِطٌ).
وروى البيهقي عن عبد الله بن بسر، قال : (كان يقال: إذا جلست في قوم فيهم عشرون رجلاً أقل أو أكثر فتصفحت وجوههم فلم تر فيهم أحداً يُهاب في الله عز وجل فاعلم أن الأمر قد رق).
وروى الطبراني عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : (لا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلا ثَلاثَ خِلالٍ وذكر منها: وَأَنْ يَرَوْا ذَا عِلْمِهِمْ فَيُضَيِّعُوهُ وَلا يُبَالُونَ عَلَيْهِ).
أقول أيها الإخوة الكرام:
أولاً: روى أبو داود والترمذي وَعَنْ أبي الدَّرْداءِ ، رضي اللَّه عَنْهُ ، قَال: سمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، يقولُ: (منْ سلك طَريقاً يَبْتَغِي فِيهِ علْماً سهَّل اللَّه لَه طَريقاً إلى الجنةِ ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضاً بِما يَصْنَعُ ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ في الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ ، وفَضْلُ الْعَالِم على الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سائر الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَاراً وَلا دِرْهَماً وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ).
عَرَضَ لنا الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صورة طالب العلم في بداية طريقه، ثم ينقلنا فجأة إلى مقام العالم عند الله تعالى.
إذا كان طالب العلم في بدايته وقبل أن ينهل من العلم الصافي، وقبل أن يشتد عوده، ويتلألأ نور العلم في وجهه، قد سلك طريق الجنة، والملائكة بسطت أجنحتها له، فكيف بالعالم الذي يُعَلِّم هذا الطالب؟
العالم الذي ينشر العلم الشريف لا يعرف قدره إلا الله تعالى، وقد أشار النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى مكانة العالم عند الله تعالى بقوله: (وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ في الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ ، وفَضْلُ الْعَالِم على الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سائر الْكَوَاكِبِ). الكون كله يستغفر للعالم، طيور وسحاب ونجوم وكواكب وملائكة، وبحار بما فيها، والبراري وساكنوها، والجبال الراسيات، كلها تستغفر للعالم، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ * وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}.
كيف آمن المؤمن؟ وكيف تاب العاصي؟ وكيف اتبع المؤمن سبيل الله؟ لقد آمن المؤمن وتاب العاصي، واتبع سبيل الله تعالى بفضل الله تعالى ثم ببركة العالم الذي علمه،فإذا كان المتعلم هكذا، فكيف بالمعلم؟ إذا كانت الملائكة تستغفر لعامة المؤمنين، فكيف بخاصتهم؟
ثانياً: يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (وفَضْلُ الْعَالِم على الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سائر الْكَوَاكِبِ). انظر كيف شبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم العالم، لقد شبهه بالقمر الذي يضيء الآفاق، ويمتد نوره إلى العالم، أما الكواكب فنوره لا يجاوز نفسه أو ما قرب منه، وهذا هو الفارق بين العابد والعلم، ورحم الله القائل:
والعِلمُ يَجلُو العَمَى عن قلبِ صاحبِه *** كما يُجلي سوادَ الظُّلمةِ القَمَرُ
وليسَ ذُو العِلم بالتَّقوى كَجـاهِـلِها *** ولا البَصيرُ كأعمَى ما له بَصَرُ.
ثالثاً: يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ) وهذا من أعظم المناقب للعلماء، فالأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام خيرُ خلق الله على الإطلاق، وخيرُ هؤلاء الأخيارِ سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولا شك بأنَّ وارث النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
وفي هذه المنقبة إشارة للأمة بوجوب طاعةِ العلماء، واحترامِهم وتعرِيزهم وتقديرِهم وإجلالِهم، حتى قال بعض المفسرين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}. المقصود بأولي الأمر هم العلماء، حيث أنهم هم الأمراء على الأمراءِ والأمةِ.
وفي هذه المنقبة إشارة للأمة على وجوبِ محبتِهم، وأن بغضهم منافٍ للدين، كما هو ثابتٌ لمورثِهم، يقول سيدنا علي رضي الله عنه: محبة العلماء دينٌ يُداُن اللهُ به.
ورحم الله القائل:
فلولا العلمُ ما سعدتْ رجالٌ *** ولا عُرفَ الحلالُ ولا الحرامُ
وقال بعض العلماء:
حرام على قلب أن يدخله النور وفيه شئ مما يكره اللهُ عز وجل، والقلب المظلم المشحون ببغض العلماء على خطر.
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
أيها الإخوة الكرام: يقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى:
الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب، لأن الطعام والشراب يُحتاج إليه فى اليوم مرة أو مرتين، والعلمُ يُحتاج إليه بعدد الأنفاس.
لذلك ساق الإمام الشعراني رحمه الله تعالى الأحاديث الشريفة التي تحرضنا على توقير واحترام وإجلال العلماء، لأن الكون كله منفعل لهم، لأنهم وُرَّاث سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أسأل الله تعالى أن يوَّفقنا لتوقير واحترام وُرَّاث الحبيب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. آمين.
مقتطفات من كتاب العهود المحمدية للشعراني
مقدمة الدرس:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول الإمام سيدي الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه الله تعالى في العهد الثامن:
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن نكرم العلماء، ونجلَّهم ونوقرَهم، ولا نرى لنا قدرة على مكافأتهم، ولو أعطيناهم جميع ما نملك، أو خدمناهم العمر كله).
روى البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ).
وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (البركة مع أكابركم).
وروى الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا).
وفي رواية للإمام أحمد عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ)
وروى الطبراني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ، وَتَعَلَّمُوا لِلْعِلْمِ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ، وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَعْلَمُونَ مِنْهُ).
وروى الطبراني أيضاً عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (ثَلاثَةٌ لا يَسْتَخِفُّ بِحَقِّهِمْ إِلا مُنَافِقٌ: ذُو الشَّيْبَةِ فِي الإِسْلامِ، وَذُو الْعِلْمِ، وَإِمَامٌ مُقْسِطٌ).
وروى البيهقي عن عبد الله بن بسر، قال : (كان يقال: إذا جلست في قوم فيهم عشرون رجلاً أقل أو أكثر فتصفحت وجوههم فلم تر فيهم أحداً يُهاب في الله عز وجل فاعلم أن الأمر قد رق).
وروى الطبراني عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : (لا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلا ثَلاثَ خِلالٍ وذكر منها: وَأَنْ يَرَوْا ذَا عِلْمِهِمْ فَيُضَيِّعُوهُ وَلا يُبَالُونَ عَلَيْهِ).
أقول أيها الإخوة الكرام:
أولاً: روى أبو داود والترمذي وَعَنْ أبي الدَّرْداءِ ، رضي اللَّه عَنْهُ ، قَال: سمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، يقولُ: (منْ سلك طَريقاً يَبْتَغِي فِيهِ علْماً سهَّل اللَّه لَه طَريقاً إلى الجنةِ ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضاً بِما يَصْنَعُ ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ في الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ ، وفَضْلُ الْعَالِم على الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سائر الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَاراً وَلا دِرْهَماً وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ).
عَرَضَ لنا الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صورة طالب العلم في بداية طريقه، ثم ينقلنا فجأة إلى مقام العالم عند الله تعالى.
إذا كان طالب العلم في بدايته وقبل أن ينهل من العلم الصافي، وقبل أن يشتد عوده، ويتلألأ نور العلم في وجهه، قد سلك طريق الجنة، والملائكة بسطت أجنحتها له، فكيف بالعالم الذي يُعَلِّم هذا الطالب؟
العالم الذي ينشر العلم الشريف لا يعرف قدره إلا الله تعالى، وقد أشار النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى مكانة العالم عند الله تعالى بقوله: (وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ في الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ ، وفَضْلُ الْعَالِم على الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سائر الْكَوَاكِبِ). الكون كله يستغفر للعالم، طيور وسحاب ونجوم وكواكب وملائكة، وبحار بما فيها، والبراري وساكنوها، والجبال الراسيات، كلها تستغفر للعالم، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ * وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}.
كيف آمن المؤمن؟ وكيف تاب العاصي؟ وكيف اتبع المؤمن سبيل الله؟ لقد آمن المؤمن وتاب العاصي، واتبع سبيل الله تعالى بفضل الله تعالى ثم ببركة العالم الذي علمه،فإذا كان المتعلم هكذا، فكيف بالمعلم؟ إذا كانت الملائكة تستغفر لعامة المؤمنين، فكيف بخاصتهم؟
ثانياً: يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (وفَضْلُ الْعَالِم على الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سائر الْكَوَاكِبِ). انظر كيف شبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم العالم، لقد شبهه بالقمر الذي يضيء الآفاق، ويمتد نوره إلى العالم، أما الكواكب فنوره لا يجاوز نفسه أو ما قرب منه، وهذا هو الفارق بين العابد والعلم، ورحم الله القائل:
والعِلمُ يَجلُو العَمَى عن قلبِ صاحبِه *** كما يُجلي سوادَ الظُّلمةِ القَمَرُ
وليسَ ذُو العِلم بالتَّقوى كَجـاهِـلِها *** ولا البَصيرُ كأعمَى ما له بَصَرُ.
ثالثاً: يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ) وهذا من أعظم المناقب للعلماء، فالأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام خيرُ خلق الله على الإطلاق، وخيرُ هؤلاء الأخيارِ سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولا شك بأنَّ وارث النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم خير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
وفي هذه المنقبة إشارة للأمة بوجوب طاعةِ العلماء، واحترامِهم وتعرِيزهم وتقديرِهم وإجلالِهم، حتى قال بعض المفسرين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}. المقصود بأولي الأمر هم العلماء، حيث أنهم هم الأمراء على الأمراءِ والأمةِ.
وفي هذه المنقبة إشارة للأمة على وجوبِ محبتِهم، وأن بغضهم منافٍ للدين، كما هو ثابتٌ لمورثِهم، يقول سيدنا علي رضي الله عنه: محبة العلماء دينٌ يُداُن اللهُ به.
ورحم الله القائل:
فلولا العلمُ ما سعدتْ رجالٌ *** ولا عُرفَ الحلالُ ولا الحرامُ
وقال بعض العلماء:
حرام على قلب أن يدخله النور وفيه شئ مما يكره اللهُ عز وجل، والقلب المظلم المشحون ببغض العلماء على خطر.
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
أيها الإخوة الكرام: يقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى:
الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب، لأن الطعام والشراب يُحتاج إليه فى اليوم مرة أو مرتين، والعلمُ يُحتاج إليه بعدد الأنفاس.
لذلك ساق الإمام الشعراني رحمه الله تعالى الأحاديث الشريفة التي تحرضنا على توقير واحترام وإجلال العلماء، لأن الكون كله منفعل لهم، لأنهم وُرَّاث سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أسأل الله تعالى أن يوَّفقنا لتوقير واحترام وُرَّاث الحبيب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. آمين.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin