19 - شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 326 - 727 .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)
شُروح وَدرَاسَات من الأبيات 326 - 727 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 326 - 727
شرح حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى
( 325 ) جوهر الرسالات السماوية واحد . ولقد جاء كل رسول في أحد الأدوار الزمنية ، وحمل إلى البشر رسالة السماء . وما دام الجوهر واحداً فلا ينبغي التفريق بين الرسل .
( 326 ) هذا الملك كان مصاباً بحول عقلي ، جعله يرى الجوهر الواحد جوهرين فيفرق بين الرسل الذين سلكوا جميعاً أقوم السبيل وأهداها .
( 327 - 332 ) كانت هذه القصة معروفة قبل جلال الدين .
وقد ذكر نيكولسون النص التالي من “ أسرار نامة “ للعطار :
يكي شاگرد أحول داشت أستاد * مگر شاگرد را جايي فرستاد
كه ما را يك قرابه روغن آنجاست * بياور زود آن شاگرد برخاست
چو آنجا شد كه گفت أو ديده بگماشت * قرابه چون دو ديد أحول عجب داشت
براستاد آمد گفت أي پير * دو ميبينم قرابه من چه تدبير
زخشم أستاذ گفتش أي بداختر * يكي بشكن دگر يك را بياور
چو أو در ديدن أو شك نميديد * بشد اين يك شكست اين يك نميديد
وترجمة النص كما يلي :
“ كان لأستاذ تلميذ أحول ، فأرسله إلى أحد الأماكن ( قائلًا ) :
“ إن لي زجاجة هناك ، فسارع بإحضارها “ . فقام التمليذ ، وحينما وصل إلى حيث أمره أستاذه ، أرسل الطرف ، فلما رأى الزجاجة اثنتين ، عجب الأحوال ! فذهب إلى أستاذه وقال : “ أيها السيد ! إني أرى زجاجتين ، فما التدبير ؟ “ فقال الأستاذ غاضباً : “ أيها السيء الطالع ! اكسر واحدة وأحضر الأخرى ! “
“ 476 “
فهذا الأحول - إذ لم يشك في إبصاره - كسر إحدى الزجاجتين فلم ير الأخرى ! “ وليس معنى هذا أن جلال الدين اقتبس القصة من “ أسرار نامه “ .
ذلك لأنها كانت من القصص الشعبية التي استخدمها الشعراء ، واستخلصوا العبرة منها ، كل على طريقته . وجلال الدين يستخدمها لينطلق منها إلى الحديث عن الميل مع الهوى الذي وصفه بأنه حول عقلي يعمي عن الحق .
( 333 ) “ الغضب والشهوة يجعلان الرجل أحول “ . هذا القول ينطبق على حقيقة مشهوة هي أن الغضب لا يتيح للإنسان أن يرى الأشياء على حقيقتها . وكذلك الشهوة . فهذان يفعلان بالعقل ما يفعله الحول بالعين .
( 338 ) عبر الشاعر عن مقدرة الوزير على الغش والخداع بأنه كان يستطيع أن يربط في الماء عقداً .
( 340 ) الدين المستقر في القلب لا يمكن أن يُعرف ، وليس كالأفعال الظاهرة يمكن إدراكه ، ومحاسبة الناس عليه .
( 366 ) الغول هو ذلك الكائن الأسطوري الذي ورد في أساطير العرب . وقد صووه بأنه يظهر للناس في الصحراء ويحاول أن يضلهم السبيل ويقودهم إلى التهلكة . والنفس الغول هي النفس التي بأهوائها تقود صاحبها إلى الهلاك بعد أن تخرج به عن سبيل الصدق والاستقامة ، وتذهب به كل مذهب .
( 370 ) يتجلى ذلك في مبالغة بعض الصحابة في التعبد ، واتهام النفس ، بصورة جعلت الرسول يدعوهم إلى التزام الاعتدال ، حتى في النسك والعبادة .
( 373 ) الدجال هو الذي يكون ظهوره - على ما يُروى - من
“ 477 “
علامات اقتراب الساعة . وسوف يحكم أربعين يوماً ثم يقضي عليه المسيح عيسى بن مريم .
يقول الجيلي في كتاب الإنسان الكامل ( ج 2 ، ص 55 ) : “ ومن أمارات الساعة الكبرى خروج الدجال ، وأن تكون له جنة عن يساره ونار عن يمينه . وأنه مكتوب بين عينيه كافر باللَّه ، وأنه يعطش الناس ويجوعون حتى لا يجدوا مأكلا ولا مشربا ، إلا عند هذا الملعون .
وأن كل من آمن به فإنه يسقيه من مائه ويطعمه من طعامه ، ومن أكل من ذلك أو شرب منه لا يفلح أبداً.
وأنه يدخل المؤمن به جنته ، ومن دخل جنته قلبها اللَّه عليه ناراً .
وأنه يدخل من لا يؤمن به ناره ومن دخل ناره قلبها اللَّه عليه جنة . وأن من الناس من يأكل من حشيش الجزر إلى أن يرفع اللَّه عنه هذا الضر .
وأن اللعين لا يزال يدور في أقطار الأرض إلا مكة والمدينة فإنه لا يدخلهما .
وأنه يتوجه إلى بيت المقدس ، فإذا بلغ رملة لدّ وهي قرية قريبة من بيت المقدس ، بينهما مسيرة يوم وليلة ، أنزل اللَّه عيسى عليه السلام على منارة هناك ، وفي يده الحربة ، فإذا رآه اللعين ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فيضربه بالحربة فيقتله “ .
( 374 - 380 ) في هذه الأبيات صورّ الشاعر ضعف الإنسان أمام مغريات الحياة ، وكيف أنها تقوده إلى الوقوع في أحابيل المعاصي .
وهناك قوة الخير تخلصه كل مرة ، ولكنه يعود فيقع من جديد في تلك الشباك .
ويرسم الشاعر بصوره الفنية الوسيلة التي تؤدي إلى سدّ الثغرات التي يتطرق منها الهوى إلى نفس الإنسان .
( 377 ) القمح رمز للأعمال الصالحة التي يعملها الإنسان . فهو يجتهد في الإتيان بهذه الأعمال ويبذل جهده ، ولكنه رغم ذلك لا يجد حصيلة كبيرة ، لأن السيئات تذهب بالحسنات ، فلا يجد له رصيداً كبيراً ، رغم توهمه أنه قد تملك مثل هذا الرصيد .
“ 478 “
( 378 ) الفأر هنا رمز للسيئات ، والقمح رمز للحسنات . فالسيئات تفعل بالحسنات ما يفعله الفأر بالقمح .
( 379 ) منذ وجد الهوى سبيله إلينا ، قضى على ما قدمناه من حسنات “ .
( 380 ) اعملي أيتها النفس على مقاومة الهوى ونزواته ، ثم اجتهدي بعد ذلك في إتيان الحسنات .
( 387 ) قوة اللَّه الخيرة تجعل الإنسان في مأمن مهما أحاطت به خدع الشيطان وفخاخه .
( 388 ) النوم يحرر الروح من سلطان الجسد . والشاعر في الشطر الأول من البيت يشبه الجسد بفخ يمسك بالروح .
أما اقتلاع الألواح الذي ذكره الشاعر في الشطر الثاني من البيت ففي رأيي أنه صورة ثانية لتحرير الروح من سجن الجسد . ففي النوم تقتلع ألواح هذا السجن ، وتنطلق الروح .
فالجسم الذي تجتلى إرادته في الحواس ، يصبح عديم الإرادة حين النوم ، ولا يبقى له سلطان على الروح . فالعين لا لا تبصر والأذن لا تسمع والأنف لا يشم وهكذا .
وطبيعي أن هذا الفهم مرتبط بفهم الأقدمين للأحلام وطبيعتها .
وقد تغيرت مدلولات الحلم بصورة جوهرية بعد أن أعلن فرويد نظرياته في تفسير الأحلام .
وقد ذهب نيكولسون في ترجمته إلى أن الألواح هي العقول الواعية ولست أوافقه على ذلك .
( 392 ) العارفون نائمون عن هذه الدنيا ، فهم - حتى في يقظتهم - منصرفون عنها كأنهم نيام . وهم في ذلك يشبهون أهل الكهف ، الذين ناموا السنين الطوال ، وكانوا يتقلبون في النوم فيبدون أيقاظاً وهم رقود .
( 393 ) العارفون لا يحتاجون إلى النوم ليصرفهم عن أحوال الدنيا ، فهم نائمون عنها بالليل وكذلك بالنهار ، وقد تخلصوا من إرادتهم ،
“ 479 “
واستسلموا لخالقهم استسلاماً كاملًا ، وكأنهم قلم في قبضته .
( 395 ) عامة الخلق لا يغلب حواسهم ، ولا يخلصهم - بعض الوقت - من سيطرتها عليهم ، سوى النوم .
( 397 - 400 ) عند النوم تنطلق الروح من الجسد لكنها تعود إليه عند اليقظة . وهي تفارقه مفارقة كاملة عند الموت . فاللَّه يقبض الأرواح عند النوم ثم يرسلها فتعود إلى أجسادها .
قال تعالى في سورة الزمر :” اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “. ( 39 : 42 ) .
( 401 ) شبّه الأرواح المنطلقة ساعة النوم يجياد ترتعي في مرج واسع ، وقد رُبطت أقدام كل منها بوثاق طويل ، فهي منطلقة ولكنها في ذات الوقت مقيدة . وقد قال طرفة في معلقته بيتاً ينطوي على مثل هذه الصورة عن الإنسان ومصيره المحتوم .لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى * لكالطول المرخى وثنياه باليد.
( 405 ) وكثيرون هم الذين ناموا عن أحوال الدنيا ، فلم يعد لها تأثير عليهم ، ولجأوا إلى كهف روحي عصمهم من الشهوات .
( 406 ) لا يستطيع أحد أن يدرك أحوال هؤلاء العارفين إلا إذا كان شبيهاً بهم . أما من يكون بالنسبة غارقاً فلا الحسّ ، فلا جدوى له من وجود هؤلاء إلى جانبه ، فمثله - بالنسبة للمدركات الروحية - كمن ختم اللَّه على بصره بالنسبة للمدركات الحسيّة .
( 407 - 408 ) اتخذ الشاعر عن قصة ليلى والمجنون مثالًا للعشق الصوفي . فلالحب هو الذي يجعل المجنون ينظر إلى ليلى بكل هذا الإعجاب ، حتى يخرجه حبها عن عقله ، على حين أن هذا لم يحدث لغيره ، لأنه لم يتملكه هذا الحب . وحب المجنون هنا رمز للتنبه الروحي ، أما سؤال الخليفة فدليل على الوقوف عند الحس ومدركاته ، وهذا ما
“ 480 “
جعله يتساءل عما جعل المجنون يفقد عقله من أجل مثل هذه المرأة التي لم تكن تتميز بجمال ظاهري خاص .
( 410 ) عندما لا تكون الأرواح مستقيقظة للحق ، فإن اليقظة تكون مثل قضبان السجون ، لأنها - حينذاك - تكون يقظة حسية تجلس الإنسان في نطاقها ، وتجعل السبيل مستغلقاً أمام الروح ومدركاتها .
( 417 ) طائر السماء يمثل الوجود الحقيقي ، بينما الظل يمثل الخيال والوهم . فالأبله يسعى جاهداً وراء هذا الخيال حتى تنفد قواه ، ولا يحقق من وراء ذلك شيئاً .
( 422 ) لو أن مرشداً كاملًا رعى هذا الغافل الخلصه من الخيال ، وما يلقيه في نفسه من أوهام .
( 425 ) أشار الشاعر في هذا البيت إلى قوله تعالى :” أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا . ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً “. ( 25 : 45 - 46 ) .
والشاعر يفسر الظل هنا بأنه صورة أولياء اللَّه . والظل يتبع الشمس ، وكذلك هؤلاء الأولياء ، يتبعون شمس الحقيقة ، وهم الدليل المنبىء عن وجودها كما أن الظل دليل على وجود الشمس .
( 426 ) على الطالب أن يسترشد في سيره بدليل يكون من رجال الحق المخلصين . وهذا الدليل يجب ألا يكون من الآفلين ، بل يكون مستمداً نوره من النور الخالد الذي لا يخبو . وفي البيت إشارة إلى قصة الخليل المروية في القرآن الكريم .” وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ “. ( 6 : 75 - 76 ).
( 428 ) حسام الدين هو حسن حسام الدين تلميذ الشاعر وصديقه .
“ 481 “
وكان جلال الدين يملي عليه المثنوي . وقد أشاد به في المقدمة المنثورة المثنوي ، وكذلك في الأبيات الأولى من كل جزء من المنظومة ما عدا الجزء الأول . وقد أصبح حسام الدين شيخاً للطريقة المولوية بعد وفاة جلال الدين عام 672 هـ ، وبقي كذلك حتى توفى في عام 683 هـ .
( 429 ) يحذّر الشاعر تلاميذه من الحسد . وقد كان هؤلاء التلاميذ يغارون من أصدقاء جلال الدين وتلاميذه المقربين إليه ، من أمثال شمس الدين التبريزي وحسام الدين . وقيل إنّ شمس الدين قد ذهب ضحية لهذا الحسد .
( 433 ) يقصد هنا جسد الأنبياء والأولياء .
( 434 ) يشير هنا إلى ما أمر به اللَّه إبراهيم وإسماعيل من تطهير الكعبة من الأصنام . والظاهر أنّ الشاعر قد اتخذ من ذلك رمزاً لتطهير القلب من أوثان الهوى والشهوات . وإذا طهر القلب طهر الجسد أيضاً .
فالسجم مستقرّ القلب والروح ، والمنطوي على النور وإن كان سره في التراب .
( 440 ) الإدراك الروحي يقود الإنسان إلى عالم الروح المفعم بأريج المعرفة ، فمن أفقد نفسه مثل هذا الإدراك فلا سبيل له إلى تلك الديار .
( 442 ) من وهب المعرفة الروحية ثم لم يقم بالشكر عليها ، فهو فاقد للحواس ، غير أهل لتلقي مثل هذه المعرفة .
( 443 ) الشاكرون ، هم رجال اللَّه المقدّرون لنعمة المعرفة الروحية الشاكرون ربهم على تلقيها .
( 463 - 499 ) الأقوال المذكورة في هذه الأبيات تتناول مبادئ عامة عن الإنسان وموقفه من الخالق .
وكلها مبادئ متناقصة تمثل إتجاهات ومواقف مختلفة . وقد نسبها الشاعر إلى الوزير المخادع الذي علمّ كل فريقّ من النصارى مبدأ يناقض ما علمّه للفريق الآخر ، ليوقع الفتنة بين أتباع المسيح . وقد ذكر نيكولسون في التعليق على هذه الأبيات أنها تنضمن آراء إسلامية ، وإن كان لا يستبعد أنّ هذه الآراء تأثرت في أوائل عهدها بالمسيحية فكراً وعملًا . ولست أرى أنّ هذه
“ 482 “
الآراء قابلة لأن تنسب إلى الإسلام دون المسيحية ، فكلها مبادئ عامة في السلوك الإنساني وموقف الإنسان من اللَّه ، وليست ذات طابع مذهبي محدد .
[ شرح من بيت 450 إلى 600]
( 465 ) الرياضة هي مقاومة الإنسان لغرائزه ورغباته . والجوع إحدى الرياضات . وقد جعله الوزير - في أحد منشوراته - شرطاً للتوبة والرجوع إلى اللَّه .
( 467 ) قوله : “ إن جوعك وجودك إشراك منك بمعبودك “ ، يراد به أن كل عمل من أعمال العبادة يشعر الإنسان بوجوده الذاتي في مواجهة خالقه ، لا يعدو أن يكون من قبيل الشرك .
( 470 - 471 ) يعبرّ الشاعر في هذين البيتين عن فكرة الجبر وأن كل أعمال العباد مفروضة عليهم . وليست أوامر اللَّه ونواهيه ممكنة الاتباع وإنما هي لبيان عجز الناس أمام اللَّه .
( 472 - 473 ) في هذه البيتين إثبات لقدرة الإنسان على خلق أعماله ودعوة له إلى اعتبار هذه القدرة نعمة وهبها الخالق للإنسان .
( 474 ) لا تنظر إلى ذاتك ، ولا إلى قدرتك وعجزك ، وعليك ألا ترى شيئاً سوى الخالق . وكل ما اتسع له بصرك بعد ذلك فهو وثن .
( 475 ) انظر إلى ما حولك ، ولا تغفل عما يحيط بك . فالبصر هو الذي ينير لك السبيل للتأمل الباطني .
( 477 - 479 ) في هذه الأبيات دعوة إلى الانصراف عن الدنيا .
فكل من تخلى عما حوله من المرئيات ونام عنها ، وهبه اللَّه نور الباطن الذي يجعله ينعم بآلاف المشاهد الروحية . ومع هذا ، تقبل عليه الدنيا ، لأنها كالمرأة المحبوبة تقلع عن دلالها ، وتسعى إلى حبيبها ، حينما تلمس فيه الصبر على هجرانها .
( 480 - 481 ) في هذين البيتين دعوة إلى أن ينطلق الإنسان على طبيعة ، يلذّ بما يجد مذاقه سائغاً ، ولا يقاوم رغبات نفسه .
“ 483 “
( 482 ) يتضمن هذا البيت دعوة إلى مقاومة النفس وميلها ، فهو على نقيض البيتين السابقين .
( 485 - 487 ) في هذا الأبيات دعوة إلى حياة القلب والروح وإلى نبذ حياة المادة والحس . فحياة القلب هي الحياة الحقيقة وأما حياة الحس فلا حاصل لها ولا ثمرة .
( 490 - 492 ) دعوة إلى اتخاذ مرشد يكون وسيلة إلى الهداية وعاصماً من الزلل . وتعزو هذه الأبيات ضلال الأمم إلى أنها اتبعت هواها ، ولم تستعن في سلوكها بالمرشدين من أهل السداد والكمال .
( 493 - 494 ) على النقيض من الأبيات السابقة دعا الوزير في هذين البيتين إلى نبذ المرشد والاعتماد على النفس اعتماداً كلياً .
( 495 ) في هذا البيت تعبير عن مذهب وحدة الوجود . فكل ما في الوجود يرمز إلى كل واحد وإلى حقيقة واحدة .
( 496 ) يسخر الوزير في هذا البيت من فكرة وحدة الوجود ، على عكس ما فعل في البيت السابق ، إذ جعلها أساساً لإحدى دعاويه .
( 500 - 501 ) يربط الثعلبي في كتابه قصص الأنبياء “ 1 “ بين عيسى في صباه وبين صناعة الصباغة . يقول : “ قال عطاء : سلمت مريم عيسى - بعد أن أخرجته من الكتّاب - إلى أعمال شتى ، فكان آخر ما دفعته إلي الصباغين ، فدفعته إلى رئيسهم ليتعلم منه ، فاجتمع عنده ثياب مختلفات ، فعرض للرجل سفر ، فقال لعيسى . إنك قد تعلمت هذه الحرفة ، وأنا خارج في سفر ، لا أرجع إلى عشرة أيام .
وهذه ثياب مختلفات الألوان . وقد علمت كل واحد منها على اللون الذي يصبغ به فأحب أن تكون فارغاً منها وقت قدومي . ثم خرج فطبخ عيسى عليه السلام جباً واحداً على لون واحد . وأدخل فيه جميع الثياب ، وقال
...............................................................
( 1 ) طبعة القاهرة ( مكتبة الجمهورية المصرية ) ، ص 439 ، 440 .
“ 484 “
لها : “ كوني بإذن اللَّه على ما أريد منك “ فقدم الصباغ والثياب كلها في جب واحد . فقال : “ يا عيسى ! ما فعلت ؟ “ قال : فرغت منها .
قال : أين هي ؟ قال : في الجب . فقال : كلها ؟ قال : نعم . قال : كيف تكون كلها في جب واحد ؟ لقد أفسدت الثياب . قال : قم فانظر ، فقام فأخرج عيسى ثوباً أصفر وثوباً أخضر وثوباً أحمر إلى أن أخرجها على الألوان التي أرادها . فجعل الصباغ يتعجب ، وعلم أن ذلك من اللَّه عز وجل “ .
وليس مفهوم هذه المعجزة المنسوبة إلى عيسى بمنطبق على بيتي جلال الدين .
ولكنّ جبّ الصباغة الذي استخدمه المسيح - كما تذكر هذه المعجزة - وعاء عجيب ، والشاعر متفق مع القصة في ذلك .
وهذان البيتان يعبران بطريقة رمزية عن رسالة عيسى المبنية على المحبة ، والتي عبرت عن جوهر قد تختلف صوره بين عيسى وغيره الرسل ، ولكنه يظل واحداً عند من يتجاوزون الصور الظاهرية إلى الجوهر الحقيقي . ورسالة عيسى إنما هي محاولة لتوحيد البشيرية في ظل عقيدة واحدة تطبعهم بطابع جوهري واحد ، مهما اختلفت أصولهم وأجناسهم .
( 503 - 504 ) السمك لا يمل اللون الواحد أو اللالون الذي يعيش به وكذلك الصوفية ، لا تلفت أنظارهم تلك الألوان العديدة التي تحفل بها الحياة المادية ، بل يفرون إلى عالم الروح ، عالم الوحدة اللونية ، فهو الذي يجمع الحقائق التي تجردت من الظاهر المادي ، والصورة اللونية .
وفرارهم من المادة إلى عالمهم كفرار السمك من اليابسة إلى اليّم .
مولانا جلال الدين محمد بن محمد البلخيَّ المعروف بالرومي (604 - 672 هـ)
شُروح وَدرَاسَات من الأبيات 326 - 727 .الجزء الأول د. محمد عبد السلام الكفافي
شُروح وَدرَاسَات الأبيات من 326 - 727
شرح حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى
( 325 ) جوهر الرسالات السماوية واحد . ولقد جاء كل رسول في أحد الأدوار الزمنية ، وحمل إلى البشر رسالة السماء . وما دام الجوهر واحداً فلا ينبغي التفريق بين الرسل .
( 326 ) هذا الملك كان مصاباً بحول عقلي ، جعله يرى الجوهر الواحد جوهرين فيفرق بين الرسل الذين سلكوا جميعاً أقوم السبيل وأهداها .
( 327 - 332 ) كانت هذه القصة معروفة قبل جلال الدين .
وقد ذكر نيكولسون النص التالي من “ أسرار نامة “ للعطار :
يكي شاگرد أحول داشت أستاد * مگر شاگرد را جايي فرستاد
كه ما را يك قرابه روغن آنجاست * بياور زود آن شاگرد برخاست
چو آنجا شد كه گفت أو ديده بگماشت * قرابه چون دو ديد أحول عجب داشت
براستاد آمد گفت أي پير * دو ميبينم قرابه من چه تدبير
زخشم أستاذ گفتش أي بداختر * يكي بشكن دگر يك را بياور
چو أو در ديدن أو شك نميديد * بشد اين يك شكست اين يك نميديد
وترجمة النص كما يلي :
“ كان لأستاذ تلميذ أحول ، فأرسله إلى أحد الأماكن ( قائلًا ) :
“ إن لي زجاجة هناك ، فسارع بإحضارها “ . فقام التمليذ ، وحينما وصل إلى حيث أمره أستاذه ، أرسل الطرف ، فلما رأى الزجاجة اثنتين ، عجب الأحوال ! فذهب إلى أستاذه وقال : “ أيها السيد ! إني أرى زجاجتين ، فما التدبير ؟ “ فقال الأستاذ غاضباً : “ أيها السيء الطالع ! اكسر واحدة وأحضر الأخرى ! “
“ 476 “
فهذا الأحول - إذ لم يشك في إبصاره - كسر إحدى الزجاجتين فلم ير الأخرى ! “ وليس معنى هذا أن جلال الدين اقتبس القصة من “ أسرار نامه “ .
ذلك لأنها كانت من القصص الشعبية التي استخدمها الشعراء ، واستخلصوا العبرة منها ، كل على طريقته . وجلال الدين يستخدمها لينطلق منها إلى الحديث عن الميل مع الهوى الذي وصفه بأنه حول عقلي يعمي عن الحق .
( 333 ) “ الغضب والشهوة يجعلان الرجل أحول “ . هذا القول ينطبق على حقيقة مشهوة هي أن الغضب لا يتيح للإنسان أن يرى الأشياء على حقيقتها . وكذلك الشهوة . فهذان يفعلان بالعقل ما يفعله الحول بالعين .
( 338 ) عبر الشاعر عن مقدرة الوزير على الغش والخداع بأنه كان يستطيع أن يربط في الماء عقداً .
( 340 ) الدين المستقر في القلب لا يمكن أن يُعرف ، وليس كالأفعال الظاهرة يمكن إدراكه ، ومحاسبة الناس عليه .
( 366 ) الغول هو ذلك الكائن الأسطوري الذي ورد في أساطير العرب . وقد صووه بأنه يظهر للناس في الصحراء ويحاول أن يضلهم السبيل ويقودهم إلى التهلكة . والنفس الغول هي النفس التي بأهوائها تقود صاحبها إلى الهلاك بعد أن تخرج به عن سبيل الصدق والاستقامة ، وتذهب به كل مذهب .
( 370 ) يتجلى ذلك في مبالغة بعض الصحابة في التعبد ، واتهام النفس ، بصورة جعلت الرسول يدعوهم إلى التزام الاعتدال ، حتى في النسك والعبادة .
( 373 ) الدجال هو الذي يكون ظهوره - على ما يُروى - من
“ 477 “
علامات اقتراب الساعة . وسوف يحكم أربعين يوماً ثم يقضي عليه المسيح عيسى بن مريم .
يقول الجيلي في كتاب الإنسان الكامل ( ج 2 ، ص 55 ) : “ ومن أمارات الساعة الكبرى خروج الدجال ، وأن تكون له جنة عن يساره ونار عن يمينه . وأنه مكتوب بين عينيه كافر باللَّه ، وأنه يعطش الناس ويجوعون حتى لا يجدوا مأكلا ولا مشربا ، إلا عند هذا الملعون .
وأن كل من آمن به فإنه يسقيه من مائه ويطعمه من طعامه ، ومن أكل من ذلك أو شرب منه لا يفلح أبداً.
وأنه يدخل المؤمن به جنته ، ومن دخل جنته قلبها اللَّه عليه ناراً .
وأنه يدخل من لا يؤمن به ناره ومن دخل ناره قلبها اللَّه عليه جنة . وأن من الناس من يأكل من حشيش الجزر إلى أن يرفع اللَّه عنه هذا الضر .
وأن اللعين لا يزال يدور في أقطار الأرض إلا مكة والمدينة فإنه لا يدخلهما .
وأنه يتوجه إلى بيت المقدس ، فإذا بلغ رملة لدّ وهي قرية قريبة من بيت المقدس ، بينهما مسيرة يوم وليلة ، أنزل اللَّه عيسى عليه السلام على منارة هناك ، وفي يده الحربة ، فإذا رآه اللعين ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فيضربه بالحربة فيقتله “ .
( 374 - 380 ) في هذه الأبيات صورّ الشاعر ضعف الإنسان أمام مغريات الحياة ، وكيف أنها تقوده إلى الوقوع في أحابيل المعاصي .
وهناك قوة الخير تخلصه كل مرة ، ولكنه يعود فيقع من جديد في تلك الشباك .
ويرسم الشاعر بصوره الفنية الوسيلة التي تؤدي إلى سدّ الثغرات التي يتطرق منها الهوى إلى نفس الإنسان .
( 377 ) القمح رمز للأعمال الصالحة التي يعملها الإنسان . فهو يجتهد في الإتيان بهذه الأعمال ويبذل جهده ، ولكنه رغم ذلك لا يجد حصيلة كبيرة ، لأن السيئات تذهب بالحسنات ، فلا يجد له رصيداً كبيراً ، رغم توهمه أنه قد تملك مثل هذا الرصيد .
“ 478 “
( 378 ) الفأر هنا رمز للسيئات ، والقمح رمز للحسنات . فالسيئات تفعل بالحسنات ما يفعله الفأر بالقمح .
( 379 ) منذ وجد الهوى سبيله إلينا ، قضى على ما قدمناه من حسنات “ .
( 380 ) اعملي أيتها النفس على مقاومة الهوى ونزواته ، ثم اجتهدي بعد ذلك في إتيان الحسنات .
( 387 ) قوة اللَّه الخيرة تجعل الإنسان في مأمن مهما أحاطت به خدع الشيطان وفخاخه .
( 388 ) النوم يحرر الروح من سلطان الجسد . والشاعر في الشطر الأول من البيت يشبه الجسد بفخ يمسك بالروح .
أما اقتلاع الألواح الذي ذكره الشاعر في الشطر الثاني من البيت ففي رأيي أنه صورة ثانية لتحرير الروح من سجن الجسد . ففي النوم تقتلع ألواح هذا السجن ، وتنطلق الروح .
فالجسم الذي تجتلى إرادته في الحواس ، يصبح عديم الإرادة حين النوم ، ولا يبقى له سلطان على الروح . فالعين لا لا تبصر والأذن لا تسمع والأنف لا يشم وهكذا .
وطبيعي أن هذا الفهم مرتبط بفهم الأقدمين للأحلام وطبيعتها .
وقد تغيرت مدلولات الحلم بصورة جوهرية بعد أن أعلن فرويد نظرياته في تفسير الأحلام .
وقد ذهب نيكولسون في ترجمته إلى أن الألواح هي العقول الواعية ولست أوافقه على ذلك .
( 392 ) العارفون نائمون عن هذه الدنيا ، فهم - حتى في يقظتهم - منصرفون عنها كأنهم نيام . وهم في ذلك يشبهون أهل الكهف ، الذين ناموا السنين الطوال ، وكانوا يتقلبون في النوم فيبدون أيقاظاً وهم رقود .
( 393 ) العارفون لا يحتاجون إلى النوم ليصرفهم عن أحوال الدنيا ، فهم نائمون عنها بالليل وكذلك بالنهار ، وقد تخلصوا من إرادتهم ،
“ 479 “
واستسلموا لخالقهم استسلاماً كاملًا ، وكأنهم قلم في قبضته .
( 395 ) عامة الخلق لا يغلب حواسهم ، ولا يخلصهم - بعض الوقت - من سيطرتها عليهم ، سوى النوم .
( 397 - 400 ) عند النوم تنطلق الروح من الجسد لكنها تعود إليه عند اليقظة . وهي تفارقه مفارقة كاملة عند الموت . فاللَّه يقبض الأرواح عند النوم ثم يرسلها فتعود إلى أجسادها .
قال تعالى في سورة الزمر :” اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “. ( 39 : 42 ) .
( 401 ) شبّه الأرواح المنطلقة ساعة النوم يجياد ترتعي في مرج واسع ، وقد رُبطت أقدام كل منها بوثاق طويل ، فهي منطلقة ولكنها في ذات الوقت مقيدة . وقد قال طرفة في معلقته بيتاً ينطوي على مثل هذه الصورة عن الإنسان ومصيره المحتوم .لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى * لكالطول المرخى وثنياه باليد.
( 405 ) وكثيرون هم الذين ناموا عن أحوال الدنيا ، فلم يعد لها تأثير عليهم ، ولجأوا إلى كهف روحي عصمهم من الشهوات .
( 406 ) لا يستطيع أحد أن يدرك أحوال هؤلاء العارفين إلا إذا كان شبيهاً بهم . أما من يكون بالنسبة غارقاً فلا الحسّ ، فلا جدوى له من وجود هؤلاء إلى جانبه ، فمثله - بالنسبة للمدركات الروحية - كمن ختم اللَّه على بصره بالنسبة للمدركات الحسيّة .
( 407 - 408 ) اتخذ الشاعر عن قصة ليلى والمجنون مثالًا للعشق الصوفي . فلالحب هو الذي يجعل المجنون ينظر إلى ليلى بكل هذا الإعجاب ، حتى يخرجه حبها عن عقله ، على حين أن هذا لم يحدث لغيره ، لأنه لم يتملكه هذا الحب . وحب المجنون هنا رمز للتنبه الروحي ، أما سؤال الخليفة فدليل على الوقوف عند الحس ومدركاته ، وهذا ما
“ 480 “
جعله يتساءل عما جعل المجنون يفقد عقله من أجل مثل هذه المرأة التي لم تكن تتميز بجمال ظاهري خاص .
( 410 ) عندما لا تكون الأرواح مستقيقظة للحق ، فإن اليقظة تكون مثل قضبان السجون ، لأنها - حينذاك - تكون يقظة حسية تجلس الإنسان في نطاقها ، وتجعل السبيل مستغلقاً أمام الروح ومدركاتها .
( 417 ) طائر السماء يمثل الوجود الحقيقي ، بينما الظل يمثل الخيال والوهم . فالأبله يسعى جاهداً وراء هذا الخيال حتى تنفد قواه ، ولا يحقق من وراء ذلك شيئاً .
( 422 ) لو أن مرشداً كاملًا رعى هذا الغافل الخلصه من الخيال ، وما يلقيه في نفسه من أوهام .
( 425 ) أشار الشاعر في هذا البيت إلى قوله تعالى :” أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا . ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً “. ( 25 : 45 - 46 ) .
والشاعر يفسر الظل هنا بأنه صورة أولياء اللَّه . والظل يتبع الشمس ، وكذلك هؤلاء الأولياء ، يتبعون شمس الحقيقة ، وهم الدليل المنبىء عن وجودها كما أن الظل دليل على وجود الشمس .
( 426 ) على الطالب أن يسترشد في سيره بدليل يكون من رجال الحق المخلصين . وهذا الدليل يجب ألا يكون من الآفلين ، بل يكون مستمداً نوره من النور الخالد الذي لا يخبو . وفي البيت إشارة إلى قصة الخليل المروية في القرآن الكريم .” وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ “. ( 6 : 75 - 76 ).
( 428 ) حسام الدين هو حسن حسام الدين تلميذ الشاعر وصديقه .
“ 481 “
وكان جلال الدين يملي عليه المثنوي . وقد أشاد به في المقدمة المنثورة المثنوي ، وكذلك في الأبيات الأولى من كل جزء من المنظومة ما عدا الجزء الأول . وقد أصبح حسام الدين شيخاً للطريقة المولوية بعد وفاة جلال الدين عام 672 هـ ، وبقي كذلك حتى توفى في عام 683 هـ .
( 429 ) يحذّر الشاعر تلاميذه من الحسد . وقد كان هؤلاء التلاميذ يغارون من أصدقاء جلال الدين وتلاميذه المقربين إليه ، من أمثال شمس الدين التبريزي وحسام الدين . وقيل إنّ شمس الدين قد ذهب ضحية لهذا الحسد .
( 433 ) يقصد هنا جسد الأنبياء والأولياء .
( 434 ) يشير هنا إلى ما أمر به اللَّه إبراهيم وإسماعيل من تطهير الكعبة من الأصنام . والظاهر أنّ الشاعر قد اتخذ من ذلك رمزاً لتطهير القلب من أوثان الهوى والشهوات . وإذا طهر القلب طهر الجسد أيضاً .
فالسجم مستقرّ القلب والروح ، والمنطوي على النور وإن كان سره في التراب .
( 440 ) الإدراك الروحي يقود الإنسان إلى عالم الروح المفعم بأريج المعرفة ، فمن أفقد نفسه مثل هذا الإدراك فلا سبيل له إلى تلك الديار .
( 442 ) من وهب المعرفة الروحية ثم لم يقم بالشكر عليها ، فهو فاقد للحواس ، غير أهل لتلقي مثل هذه المعرفة .
( 443 ) الشاكرون ، هم رجال اللَّه المقدّرون لنعمة المعرفة الروحية الشاكرون ربهم على تلقيها .
( 463 - 499 ) الأقوال المذكورة في هذه الأبيات تتناول مبادئ عامة عن الإنسان وموقفه من الخالق .
وكلها مبادئ متناقصة تمثل إتجاهات ومواقف مختلفة . وقد نسبها الشاعر إلى الوزير المخادع الذي علمّ كل فريقّ من النصارى مبدأ يناقض ما علمّه للفريق الآخر ، ليوقع الفتنة بين أتباع المسيح . وقد ذكر نيكولسون في التعليق على هذه الأبيات أنها تنضمن آراء إسلامية ، وإن كان لا يستبعد أنّ هذه الآراء تأثرت في أوائل عهدها بالمسيحية فكراً وعملًا . ولست أرى أنّ هذه
“ 482 “
الآراء قابلة لأن تنسب إلى الإسلام دون المسيحية ، فكلها مبادئ عامة في السلوك الإنساني وموقف الإنسان من اللَّه ، وليست ذات طابع مذهبي محدد .
[ شرح من بيت 450 إلى 600]
( 465 ) الرياضة هي مقاومة الإنسان لغرائزه ورغباته . والجوع إحدى الرياضات . وقد جعله الوزير - في أحد منشوراته - شرطاً للتوبة والرجوع إلى اللَّه .
( 467 ) قوله : “ إن جوعك وجودك إشراك منك بمعبودك “ ، يراد به أن كل عمل من أعمال العبادة يشعر الإنسان بوجوده الذاتي في مواجهة خالقه ، لا يعدو أن يكون من قبيل الشرك .
( 470 - 471 ) يعبرّ الشاعر في هذين البيتين عن فكرة الجبر وأن كل أعمال العباد مفروضة عليهم . وليست أوامر اللَّه ونواهيه ممكنة الاتباع وإنما هي لبيان عجز الناس أمام اللَّه .
( 472 - 473 ) في هذه البيتين إثبات لقدرة الإنسان على خلق أعماله ودعوة له إلى اعتبار هذه القدرة نعمة وهبها الخالق للإنسان .
( 474 ) لا تنظر إلى ذاتك ، ولا إلى قدرتك وعجزك ، وعليك ألا ترى شيئاً سوى الخالق . وكل ما اتسع له بصرك بعد ذلك فهو وثن .
( 475 ) انظر إلى ما حولك ، ولا تغفل عما يحيط بك . فالبصر هو الذي ينير لك السبيل للتأمل الباطني .
( 477 - 479 ) في هذه الأبيات دعوة إلى الانصراف عن الدنيا .
فكل من تخلى عما حوله من المرئيات ونام عنها ، وهبه اللَّه نور الباطن الذي يجعله ينعم بآلاف المشاهد الروحية . ومع هذا ، تقبل عليه الدنيا ، لأنها كالمرأة المحبوبة تقلع عن دلالها ، وتسعى إلى حبيبها ، حينما تلمس فيه الصبر على هجرانها .
( 480 - 481 ) في هذين البيتين دعوة إلى أن ينطلق الإنسان على طبيعة ، يلذّ بما يجد مذاقه سائغاً ، ولا يقاوم رغبات نفسه .
“ 483 “
( 482 ) يتضمن هذا البيت دعوة إلى مقاومة النفس وميلها ، فهو على نقيض البيتين السابقين .
( 485 - 487 ) في هذا الأبيات دعوة إلى حياة القلب والروح وإلى نبذ حياة المادة والحس . فحياة القلب هي الحياة الحقيقة وأما حياة الحس فلا حاصل لها ولا ثمرة .
( 490 - 492 ) دعوة إلى اتخاذ مرشد يكون وسيلة إلى الهداية وعاصماً من الزلل . وتعزو هذه الأبيات ضلال الأمم إلى أنها اتبعت هواها ، ولم تستعن في سلوكها بالمرشدين من أهل السداد والكمال .
( 493 - 494 ) على النقيض من الأبيات السابقة دعا الوزير في هذين البيتين إلى نبذ المرشد والاعتماد على النفس اعتماداً كلياً .
( 495 ) في هذا البيت تعبير عن مذهب وحدة الوجود . فكل ما في الوجود يرمز إلى كل واحد وإلى حقيقة واحدة .
( 496 ) يسخر الوزير في هذا البيت من فكرة وحدة الوجود ، على عكس ما فعل في البيت السابق ، إذ جعلها أساساً لإحدى دعاويه .
( 500 - 501 ) يربط الثعلبي في كتابه قصص الأنبياء “ 1 “ بين عيسى في صباه وبين صناعة الصباغة . يقول : “ قال عطاء : سلمت مريم عيسى - بعد أن أخرجته من الكتّاب - إلى أعمال شتى ، فكان آخر ما دفعته إلي الصباغين ، فدفعته إلى رئيسهم ليتعلم منه ، فاجتمع عنده ثياب مختلفات ، فعرض للرجل سفر ، فقال لعيسى . إنك قد تعلمت هذه الحرفة ، وأنا خارج في سفر ، لا أرجع إلى عشرة أيام .
وهذه ثياب مختلفات الألوان . وقد علمت كل واحد منها على اللون الذي يصبغ به فأحب أن تكون فارغاً منها وقت قدومي . ثم خرج فطبخ عيسى عليه السلام جباً واحداً على لون واحد . وأدخل فيه جميع الثياب ، وقال
...............................................................
( 1 ) طبعة القاهرة ( مكتبة الجمهورية المصرية ) ، ص 439 ، 440 .
“ 484 “
لها : “ كوني بإذن اللَّه على ما أريد منك “ فقدم الصباغ والثياب كلها في جب واحد . فقال : “ يا عيسى ! ما فعلت ؟ “ قال : فرغت منها .
قال : أين هي ؟ قال : في الجب . فقال : كلها ؟ قال : نعم . قال : كيف تكون كلها في جب واحد ؟ لقد أفسدت الثياب . قال : قم فانظر ، فقام فأخرج عيسى ثوباً أصفر وثوباً أخضر وثوباً أحمر إلى أن أخرجها على الألوان التي أرادها . فجعل الصباغ يتعجب ، وعلم أن ذلك من اللَّه عز وجل “ .
وليس مفهوم هذه المعجزة المنسوبة إلى عيسى بمنطبق على بيتي جلال الدين .
ولكنّ جبّ الصباغة الذي استخدمه المسيح - كما تذكر هذه المعجزة - وعاء عجيب ، والشاعر متفق مع القصة في ذلك .
وهذان البيتان يعبران بطريقة رمزية عن رسالة عيسى المبنية على المحبة ، والتي عبرت عن جوهر قد تختلف صوره بين عيسى وغيره الرسل ، ولكنه يظل واحداً عند من يتجاوزون الصور الظاهرية إلى الجوهر الحقيقي . ورسالة عيسى إنما هي محاولة لتوحيد البشيرية في ظل عقيدة واحدة تطبعهم بطابع جوهري واحد ، مهما اختلفت أصولهم وأجناسهم .
( 503 - 504 ) السمك لا يمل اللون الواحد أو اللالون الذي يعيش به وكذلك الصوفية ، لا تلفت أنظارهم تلك الألوان العديدة التي تحفل بها الحياة المادية ، بل يفرون إلى عالم الروح ، عالم الوحدة اللونية ، فهو الذي يجمع الحقائق التي تجردت من الظاهر المادي ، والصورة اللونية .
وفرارهم من المادة إلى عالمهم كفرار السمك من اليابسة إلى اليّم .
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin