كتاب التجليات الإلهية الشيخ الأكبر والنور الأبهر سيدى الإمام محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
77 - شرح تجلي العزة
77 - متن نص تجلي العزة
لإن قيل لك بماذا وجدت الحق ؟
فقل : بقبوله الضدين معاً ....الذين يصح أن ينسبا إليه :كالأول والآخر والظاهر والباطن والاستواء والنزول والمعية وما جاء من ذلك .
فإن قيل لك : ما معنى قبول الضدين ؟!
فقل : ما بين كونٍ ينعت أو يوصف بأمرٍ إلا وهو مسلوب من ضد ذلك الأمر عندما ينعت به من ذلك الوجه وهذا الأمر لا يصح في نعت الحق خصوصاً إذ ذاته لا تشبه الذوات فالحكم عليه لا يشبه الأحكام وهذا وراء طور العقل .
فإن العقل لا يدري ما أقول وربما يقال لكن هذا يخيله العقل .
فقل الشأن هنا إذا صح أن يكون الحق تعالى من مدركات العقول حينئذٍ تمضي عليه أحكامها لئن لم تنته لتشقين شقاء الأبد .
ما لك وللحق آية مناسبة بينك وبينه في أي وجه تجتمع .
أترك الحق للحق فلا يعرف الحق إلا الحق .
وعزة الحق لا عرفت نفسك حتى أجليك لك وأشهدك إياك فكيف تعرفني . تأدب فما هلك إمرؤ عرف قدره اقتد بالمهتدين من عبادي .
77 - إملاء ابن سودکین :
« ومن تجلي العزة وهذا نصه : إن قيل لك : بماذا وجدت الحق.. واقتد بالمهتدين من عبادي .
قال جامعه مستجلي مشاهدة البروق اللامعة من ثغور الفهوانية عند تجليها من الحضرة الخطابية ، نفع الله به :
سمعت شيخي وإمامي مظهر التجليات ومفيضها على المحلات القابلات المنفرد في وقته بدرج النهايات ورتب الكمالات ، محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن العربي الطائي رضي الله تعالی عنه وأرضاه وجمعني معه في كل موطن جمعا أقوم فيه بحق حرمته وكمال رتبته بمنه وفضله ، يقول في أثناء شرحه لهذا التجلي ما هذا معناه : تجلي العزة .
المراد به هنا المنع وما يقع فيه من الغلبة .
قوله : تأدب وغيره ، وذلك عند منازعة العقول خاصة . والمنع ذاتي لنفسه، والغلبة إنما تكون عند وجود الخصم.
واعلم أيها القابل للفيض الإلهي ، أن النفس تدرك بالعقل الأمور المعقولة ، وتدرك بالحواس الأمور المحسوسة ، ولها مدرك آخر لذاتها من غير آلة من القوى .
فما أدركته بمجرد ذاتها من غير آلة من القوى .
فما أدركته بمجرد ذاتها من غير آلة، كان ذلك المدرك وراء طور العقل ؛ وهو لأصحاب الفيض الإلهي أرباب الحقایق ، وهم المخاطبون بلسان هذه الحضرة دون غيرهم .
وإذا علم هذا فاعلم أن الحق تعالى لما وصف نفسه بالجمع بين الضدين من كونه أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، كان للعقل هاهنا مدرك آخر، وهو إثبات هذه الأضداد من وجوه مختلفة ، وذلك مدرك العقل وحده ، فما من كون موصوف بأمر ما إلا ويسلب عنده ضده .
كقولنا : فلان عالم بزید ، فمحال أن يكون جاهلا. به من وجه علمه به .
وأما الفيض الإلهي فإنه أعطى أن ذلك من وجه واحد للحق تعالى ، فهو "أول" من حيث هو "آخر"، و"ظاهر" من حيث هو باطن . وهذا مدرك اللطيفة الإنسانية مجردة ، خاصة بالفيض الإلهي .
فكل نسبة نسبناها إلى الحق لو كانت من وجهين مختلفين تستحقها الذات لكان هو تعالى في نفسه محلا للكثرة وهو تعالی واحد من جميع الوجوه فینزه عن ذلك تعالى ثم يقال : بم أنكر المنكر اتصاف الجسم بالجمع بين الضدين؟
فيقال : بمعرفتنا بحقيقة الجسم حكمنا عليه بذلك.
فيقال : هل عرفتم ذات الحق بالحد والحقيقة، لتعلموا هل يصح قبول الضدين أم عدمهما؟ فهذا يظهر لك الفرق وعدم التحكم على الله تعالى . إذ الذات مجهولة .
وقد أضاف هو تعالى إليها أحكاما وأضدادا لا يمكننا رفعها عقلا الجهلنا بالذات الموصوفة بقبول الأضداد وغير ذلك.
واعلم أن المجهول الذات لا يصح لكون أن يحكم عليه أصلا. إنما يحكم عليه بما حكم به تعالى على نفسه.
فلا يصح أن يقال : إنه يقبل النفي والإثبات والعدم والوجود.
ويكون هذا جدلا من الخصم. كقولنا: إنه جمع بين الضدين، من كونه سبحانه أطلق ذلك على نفسه فقال : "هو الأول والأخر والظهر والباطن " [الحديد:3] ،
فرأينا جميع الذوات التي نحن عارفون بحدها وحقيقتها تقبل هذه الأولية والأخرية على البدل . فتكون أولا بنسبة ، وآخر بنسبة أخرى . فنسبنا إليها ما يليق بها .
ونظرنا إلى الحق تعالى ، الذي أجمع الخصم معنا على وحدانيته فرأيناه مجهول الذات.
وقد قال : ليس كمثله شيء. فنفينا عنه ما قبله الكون.
وسلمنا له ما قال عن نفسه من الوجه الذي تقتضيه الوحدانية من جميع الوجوه على ما تقتضيه ذاته.
وقوله سلام الله عليه : اترك الحق للحق . هذا خطاب المكاشف صاحب الفيض الإلهي للعقل الذي ادعى أن مدركه هو الغاية . وحكم بأن ما وراء مدرکه مدرك . فقال له : مالك وللحق اترك بنا الحق معة فإني مع كوني في مرتبة أعلى من مرتبتك ، ما عرفت الحق إلا بنسبة ما .
فكيف بك مع القصور عن طوري ورتبتي . ومع كوني أدركت زایدا عنك ، فقد ثبت عندي أنه تعالى لا يصح أن يعرفه سواه . فتحقق » .
77 - شرح تجلي العزة
398 - العزة : المنعة والغلبة . هذا التجلي يعطي الاطلاع شهودا على وجه يعطي منع العقول عن إدراك حقيقة الحق وجمعها بين الضدين من وجه واحد.
ويعطي الغلبة عند منازعة العقول في طلب هذا المدرك الممنوع عنها .
والغلبة إنما تظهر عند وجود الخصم.
قال قدس سره : (إن قيل لك:ماذا وحدت الحق ؟ فقل: بقبوله الضدين معا اللذين يصح أن ينسب إليه کالأول والآخر والظاهر والباطن والاستواء والنزول والمعية وما جاء من ذلك) أي من حيثية واحدة .
فإن قبولهما من حيثيتين مختلفتين من مدارك العقول. (فإن قيل لك: ما معنى قبول الضدين فقل: ما من كون ينعت أو يوصف بأمر إلا وهو) أي ذلك الكون (مسلوب من ضد ذلك الأمر عندما ينعت به من ذلك الوجه) الذي نعت فيه به.
كما تقول : فلان عالم بزید ، فمحال أن يكون جاهلا به من وجه ما هو عالم به . بخلاف الحق تعالى فإنه أول من حيث هو آخر.
(وهذا الأمر) أي قبول الضدين من وجه واحد (لا يصح في نعت الحق خصوصا، إذ ذاته لا تشبه الذوات، والحكم عليه لا يشبه الأحكام وهذا) أي قبول الضدين معا. (وراء طور العقل) فإن النفس الإنسانية إنما تدرك المعقولات بعقلها والمحسوسات بحواسها ولها مدرك آخر بذاتها المجردة خاصة ، وذلك هو وراء طور العقل المختص علمه وشهوده بأرباب الفيض الإلهي ، الفائزين بالمواهب اللدنية .
399 - (فإن العقل لا يدري ما أقول. وربما يقال لك:هذا يخيله العقل) إذ لا يثبت العقل اجتماع الضدين إلا من جهتين مختلفتين .
فلا يدري كون باطنية الحق عين ظاهريته، وظاهريته عين باطنيته أبدا .
بل يدري باطنية الذوات التي يعرفها بحدها وحقيقتها بنسبة ما وظاهريتها بنسبة أخرى.
فلا يصح حكمه على الذات المجهولة بحدها وحقيقتها إلا بما أعطاه إخبارها عن نفسها أو أعطاه الشهود الناتج لصاحب المنحة الإلهية من عين المنة .
ولذلك قال قدس سره : (فقل: الشأن هنا) أي التجلي الظاهر بالآثار الأقدسية من عين المنة ، (إذا صح أن يكون الحق تعالی من مدركات العقول، حينئذ تمضي عليه أحكامها) بنفي وإثبات وجمع بينهما معا.
400 - (لئن لم تنته) يخاطب العقل (لتشقى شقاء الأبد) هذا الخطاب من الشأن الإلهي بلسان القائم بحق مظهريته للعقل الذي ادعى أن مدركه في الحق هو الغاية وليس وراء مدرکه مدرك .
ولذلك زاد صاحب الفيض في تبكيته فقال : (ما لك وللحق ؟ أية مناسبة بينك وبينه؟ في أي وجه تجتمع معه؟) ألم تعلم أن القرب الأقرب والبعد الأبعد بين الشيئين بقدر المناسبة والمباينة بين ذاتياتيهما؟
فلولا البعد الأبعد بين ذاتیاتك وذاتیاته تعالى لما سمعت منه تعالى : والله غني عن العالمين .
(اترك الحق للحق) ولا تقصد حمل أعباء معرفة ذاته تعالی و ذاتیاتها إذ لا يحمل البحر منقار العصفور، ولا يثبت الظل مع استواء النور، ولا تقابل البعوضة الريح العاصف .
(فلا يعرف الحق إلا الحق) والمخصوص بالفيض الإلهي ، مع كونه أعرف بالحق من العقل . لم يعرفه إلا بنسبة ما.
401 - كأنما (يقول الحق) للعقل الموقوف دون حجاب العزة .
( وعزة الحق ، لا عرفت نفسك حتى أجليك لك) بإلقاء نوري الأقدس على بصيرتك لتجليتها عن آثار الغلبة الإمكانية وأقتارها (وأشهدك إياك) بالقوة الكاشفة لك عن بعض ذاتیاتك في المشاهد التنزيهية .
( فكيف تعرفني) بك وبما اختص بقابليتك من الإدراك . وأنت عاجز عن معرفة نفسك بإدراكك القاصر عنها (تأدب) ولا تدعي فيما ليس لك من ذاتك . (فما هلك امرؤ عرف قدره) ولم يتعد طوره .
(واقتد بالمهتدين من عبادي) الذين جاسوا خلال ديار اليقين وميزوا ما لي عما لهم. بي لا بهم.
77 - شرح تجلي العزة
77 - متن نص تجلي العزة
لإن قيل لك بماذا وجدت الحق ؟
فقل : بقبوله الضدين معاً ....الذين يصح أن ينسبا إليه :كالأول والآخر والظاهر والباطن والاستواء والنزول والمعية وما جاء من ذلك .
فإن قيل لك : ما معنى قبول الضدين ؟!
فقل : ما بين كونٍ ينعت أو يوصف بأمرٍ إلا وهو مسلوب من ضد ذلك الأمر عندما ينعت به من ذلك الوجه وهذا الأمر لا يصح في نعت الحق خصوصاً إذ ذاته لا تشبه الذوات فالحكم عليه لا يشبه الأحكام وهذا وراء طور العقل .
فإن العقل لا يدري ما أقول وربما يقال لكن هذا يخيله العقل .
فقل الشأن هنا إذا صح أن يكون الحق تعالى من مدركات العقول حينئذٍ تمضي عليه أحكامها لئن لم تنته لتشقين شقاء الأبد .
ما لك وللحق آية مناسبة بينك وبينه في أي وجه تجتمع .
أترك الحق للحق فلا يعرف الحق إلا الحق .
وعزة الحق لا عرفت نفسك حتى أجليك لك وأشهدك إياك فكيف تعرفني . تأدب فما هلك إمرؤ عرف قدره اقتد بالمهتدين من عبادي .
77 - إملاء ابن سودکین :
« ومن تجلي العزة وهذا نصه : إن قيل لك : بماذا وجدت الحق.. واقتد بالمهتدين من عبادي .
قال جامعه مستجلي مشاهدة البروق اللامعة من ثغور الفهوانية عند تجليها من الحضرة الخطابية ، نفع الله به :
سمعت شيخي وإمامي مظهر التجليات ومفيضها على المحلات القابلات المنفرد في وقته بدرج النهايات ورتب الكمالات ، محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن العربي الطائي رضي الله تعالی عنه وأرضاه وجمعني معه في كل موطن جمعا أقوم فيه بحق حرمته وكمال رتبته بمنه وفضله ، يقول في أثناء شرحه لهذا التجلي ما هذا معناه : تجلي العزة .
المراد به هنا المنع وما يقع فيه من الغلبة .
قوله : تأدب وغيره ، وذلك عند منازعة العقول خاصة . والمنع ذاتي لنفسه، والغلبة إنما تكون عند وجود الخصم.
واعلم أيها القابل للفيض الإلهي ، أن النفس تدرك بالعقل الأمور المعقولة ، وتدرك بالحواس الأمور المحسوسة ، ولها مدرك آخر لذاتها من غير آلة من القوى .
فما أدركته بمجرد ذاتها من غير آلة من القوى .
فما أدركته بمجرد ذاتها من غير آلة، كان ذلك المدرك وراء طور العقل ؛ وهو لأصحاب الفيض الإلهي أرباب الحقایق ، وهم المخاطبون بلسان هذه الحضرة دون غيرهم .
وإذا علم هذا فاعلم أن الحق تعالى لما وصف نفسه بالجمع بين الضدين من كونه أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، كان للعقل هاهنا مدرك آخر، وهو إثبات هذه الأضداد من وجوه مختلفة ، وذلك مدرك العقل وحده ، فما من كون موصوف بأمر ما إلا ويسلب عنده ضده .
كقولنا : فلان عالم بزید ، فمحال أن يكون جاهلا. به من وجه علمه به .
وأما الفيض الإلهي فإنه أعطى أن ذلك من وجه واحد للحق تعالى ، فهو "أول" من حيث هو "آخر"، و"ظاهر" من حيث هو باطن . وهذا مدرك اللطيفة الإنسانية مجردة ، خاصة بالفيض الإلهي .
فكل نسبة نسبناها إلى الحق لو كانت من وجهين مختلفين تستحقها الذات لكان هو تعالى في نفسه محلا للكثرة وهو تعالی واحد من جميع الوجوه فینزه عن ذلك تعالى ثم يقال : بم أنكر المنكر اتصاف الجسم بالجمع بين الضدين؟
فيقال : بمعرفتنا بحقيقة الجسم حكمنا عليه بذلك.
فيقال : هل عرفتم ذات الحق بالحد والحقيقة، لتعلموا هل يصح قبول الضدين أم عدمهما؟ فهذا يظهر لك الفرق وعدم التحكم على الله تعالى . إذ الذات مجهولة .
وقد أضاف هو تعالى إليها أحكاما وأضدادا لا يمكننا رفعها عقلا الجهلنا بالذات الموصوفة بقبول الأضداد وغير ذلك.
واعلم أن المجهول الذات لا يصح لكون أن يحكم عليه أصلا. إنما يحكم عليه بما حكم به تعالى على نفسه.
فلا يصح أن يقال : إنه يقبل النفي والإثبات والعدم والوجود.
ويكون هذا جدلا من الخصم. كقولنا: إنه جمع بين الضدين، من كونه سبحانه أطلق ذلك على نفسه فقال : "هو الأول والأخر والظهر والباطن " [الحديد:3] ،
فرأينا جميع الذوات التي نحن عارفون بحدها وحقيقتها تقبل هذه الأولية والأخرية على البدل . فتكون أولا بنسبة ، وآخر بنسبة أخرى . فنسبنا إليها ما يليق بها .
ونظرنا إلى الحق تعالى ، الذي أجمع الخصم معنا على وحدانيته فرأيناه مجهول الذات.
وقد قال : ليس كمثله شيء. فنفينا عنه ما قبله الكون.
وسلمنا له ما قال عن نفسه من الوجه الذي تقتضيه الوحدانية من جميع الوجوه على ما تقتضيه ذاته.
وقوله سلام الله عليه : اترك الحق للحق . هذا خطاب المكاشف صاحب الفيض الإلهي للعقل الذي ادعى أن مدركه هو الغاية . وحكم بأن ما وراء مدرکه مدرك . فقال له : مالك وللحق اترك بنا الحق معة فإني مع كوني في مرتبة أعلى من مرتبتك ، ما عرفت الحق إلا بنسبة ما .
فكيف بك مع القصور عن طوري ورتبتي . ومع كوني أدركت زایدا عنك ، فقد ثبت عندي أنه تعالى لا يصح أن يعرفه سواه . فتحقق » .
77 - شرح تجلي العزة
398 - العزة : المنعة والغلبة . هذا التجلي يعطي الاطلاع شهودا على وجه يعطي منع العقول عن إدراك حقيقة الحق وجمعها بين الضدين من وجه واحد.
ويعطي الغلبة عند منازعة العقول في طلب هذا المدرك الممنوع عنها .
والغلبة إنما تظهر عند وجود الخصم.
قال قدس سره : (إن قيل لك:ماذا وحدت الحق ؟ فقل: بقبوله الضدين معا اللذين يصح أن ينسب إليه کالأول والآخر والظاهر والباطن والاستواء والنزول والمعية وما جاء من ذلك) أي من حيثية واحدة .
فإن قبولهما من حيثيتين مختلفتين من مدارك العقول. (فإن قيل لك: ما معنى قبول الضدين فقل: ما من كون ينعت أو يوصف بأمر إلا وهو) أي ذلك الكون (مسلوب من ضد ذلك الأمر عندما ينعت به من ذلك الوجه) الذي نعت فيه به.
كما تقول : فلان عالم بزید ، فمحال أن يكون جاهلا به من وجه ما هو عالم به . بخلاف الحق تعالى فإنه أول من حيث هو آخر.
(وهذا الأمر) أي قبول الضدين من وجه واحد (لا يصح في نعت الحق خصوصا، إذ ذاته لا تشبه الذوات، والحكم عليه لا يشبه الأحكام وهذا) أي قبول الضدين معا. (وراء طور العقل) فإن النفس الإنسانية إنما تدرك المعقولات بعقلها والمحسوسات بحواسها ولها مدرك آخر بذاتها المجردة خاصة ، وذلك هو وراء طور العقل المختص علمه وشهوده بأرباب الفيض الإلهي ، الفائزين بالمواهب اللدنية .
399 - (فإن العقل لا يدري ما أقول. وربما يقال لك:هذا يخيله العقل) إذ لا يثبت العقل اجتماع الضدين إلا من جهتين مختلفتين .
فلا يدري كون باطنية الحق عين ظاهريته، وظاهريته عين باطنيته أبدا .
بل يدري باطنية الذوات التي يعرفها بحدها وحقيقتها بنسبة ما وظاهريتها بنسبة أخرى.
فلا يصح حكمه على الذات المجهولة بحدها وحقيقتها إلا بما أعطاه إخبارها عن نفسها أو أعطاه الشهود الناتج لصاحب المنحة الإلهية من عين المنة .
ولذلك قال قدس سره : (فقل: الشأن هنا) أي التجلي الظاهر بالآثار الأقدسية من عين المنة ، (إذا صح أن يكون الحق تعالی من مدركات العقول، حينئذ تمضي عليه أحكامها) بنفي وإثبات وجمع بينهما معا.
400 - (لئن لم تنته) يخاطب العقل (لتشقى شقاء الأبد) هذا الخطاب من الشأن الإلهي بلسان القائم بحق مظهريته للعقل الذي ادعى أن مدركه في الحق هو الغاية وليس وراء مدرکه مدرك .
ولذلك زاد صاحب الفيض في تبكيته فقال : (ما لك وللحق ؟ أية مناسبة بينك وبينه؟ في أي وجه تجتمع معه؟) ألم تعلم أن القرب الأقرب والبعد الأبعد بين الشيئين بقدر المناسبة والمباينة بين ذاتياتيهما؟
فلولا البعد الأبعد بين ذاتیاتك وذاتیاته تعالى لما سمعت منه تعالى : والله غني عن العالمين .
(اترك الحق للحق) ولا تقصد حمل أعباء معرفة ذاته تعالی و ذاتیاتها إذ لا يحمل البحر منقار العصفور، ولا يثبت الظل مع استواء النور، ولا تقابل البعوضة الريح العاصف .
(فلا يعرف الحق إلا الحق) والمخصوص بالفيض الإلهي ، مع كونه أعرف بالحق من العقل . لم يعرفه إلا بنسبة ما.
401 - كأنما (يقول الحق) للعقل الموقوف دون حجاب العزة .
( وعزة الحق ، لا عرفت نفسك حتى أجليك لك) بإلقاء نوري الأقدس على بصيرتك لتجليتها عن آثار الغلبة الإمكانية وأقتارها (وأشهدك إياك) بالقوة الكاشفة لك عن بعض ذاتیاتك في المشاهد التنزيهية .
( فكيف تعرفني) بك وبما اختص بقابليتك من الإدراك . وأنت عاجز عن معرفة نفسك بإدراكك القاصر عنها (تأدب) ولا تدعي فيما ليس لك من ذاتك . (فما هلك امرؤ عرف قدره) ولم يتعد طوره .
(واقتد بالمهتدين من عبادي) الذين جاسوا خلال ديار اليقين وميزوا ما لي عما لهم. بي لا بهم.
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin