الرحمن
60 - لكل اسم إلهي وجهة في إطلاق وجوده ، هو فيها مطلق في تقيده ، مقيد في إطلاقه. فـ "لنفس الرحمن" سکون في وجهته المطلقة، وسكون في انبساطه باطنا على عموم القابليات.
61 - فسكون الألف واللام في رحمن البسملة ، حالة اندراجهما، بناء سكون النفس في الحالتين.
وإنما ظهرت الحركة العلوية مع التضعيف في رائه المبتدأ به ، لتشعر ببسط الرحمة الوجودية الرحمانية باطنة وظاهرة على كل ما تطور به وظهر مد النفس الرحماني فإن الراء في نفس الإنسان لتطوير تكرر في مستوى سلك اللام المتطور بصور الحروف التي هي صفير تقاطعه في المخارج. ولذلك تخرج الراء من مصدر النطق مكررة . فهو ظاهر اللام ، من حيث كونه معبرة عن تطور مستواه بصور الحروف.
62 - ولما كان مد النفس من مستوى اللام على قسمين :
قسم يلي مبتدأ امتداده ، وقسم يلي منتهاه
فالأول معارج الترقي ؛ والثاني أدراك التردي ؛
فقسم الرحمة الماية الرحمانية،
في القسم الأول درجات ماية "مائة"؛ وفي الثاني درکات ماية "مائة" .
فشمول حيطة الراء على القسمين بتكرره جمع من العدد مائتين .
في "الألف" الفائت في الرحمن ، لعموم الرحمة وإطلاقها .
و«اللام» الساكن ، سلسلة الحكمة باطنة. و"الراء" سلسلة انتظام الأطوار والأكوان حسب اقتضاء الحكمة ظاهرا. فافهم.
63 - وأما «الحاء» فهو عماد الحيطة الرحمانية وحامل سر الحي القيوم فيها . فإن بسط الرحمة المطلقة الرحمانية على القابليات الكائنة إنما يتوقف أولا على نفخ الروح الأعظم امتنانة في قابلية الموجود الأول الظاهر بكماله الجمعي الإجمالي في حاق وسط العماء.
64 - وسر هذا العماد في الروح المنفوخ في القابل الأول الحياة التي هي كماله الأول، وفي الحياة الروح الذي به قيامها .
وظهور هذا السر من الموجود الأول باعتبار انطباعه في الصورة الأولى الطبيعية العرشية التي هي مستوى الرحمن .
ولكن في عماد قام من مركز محيط العرش إلى فوقیته المسماة من وجه بالمستوى الأعلى . فهذا العماد هو مسرى الروح والحياة والقيومية .
وهو ساق حامل في طور تنزل الوجود الرحماني أعباء الحي القيوم ؛ وفي طور ترقيه ، أسرار ذي المعارج . وهو المقول عليه :"يوم يكشف عن ساق" [القلم :47] .
فمنه تنبسط الروح والحياة إلى أقطار الكون وأنحائه .
فالصورة العدلية القائمة بحقوق مظهرية هذا الروح والحياة والقيومية، صورة إنسانية نشأت من طينة نقطة الكعبة التي هي في أديم الأرض محاذية لمركز محيط العرش ولنقطة فوقيته ، المعبر عنها بالمستوى .
وهذه الصورة التي هي محط أعباء الحياة والقيومية في طور التنزل الغائي ، هي التي خلقت في أكمل الوجوه وأعدلها على صورة الرحمن.
""إشارة لحديث : " خلق الله آدم على صورته ". أخرجه البخاري ومسلم وطبقات الحنابلة "".
65 - ولما اتصل الساق من الحيثية الفوقية بالمستوى العرشي الذي هو أول الأجرام الطبيعية المشتملة على الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ؛ ومن الحيثية التحتية بنقطة الكعبة المحاذية لمركز العنصريات التي منه انفتق الأسطقسات الأربع ، أخذ "الحاء"، المحمول بسره على الساق من العدد ثمانية . ""الأسطقسات الأربع = العناصر الأربعة الماء الهواء التراب والنار""
وحيث امتد الساق من مستوى العرش الذي هو محل انطباع لوح القضاء ومستوى الرحمن ومجمع الأركان الأربع الطبيعية ،
على الكرسي الذي هو محل انطباع لوح القدر ومستوى الرحيم وموقع تفصيل كل شيء، مما ظهر من الاعتدالات الطبيعية القائمة من أركانها الأربع؛
وسری حكم العرش في الكرسي وحكم الكرسي في العرش، بكون أحدهما سقف الجنة والآخر أرضها، صارت الثمانية "الحائية" ، الروحية ، الحياتية عدد "أبوابها"، وصارت دارها مقولا فيها : "وإن الدار الآخرة لهى الحيوان" [العنكبوت : 64] . وحيث امتد ساق العرش على السماوات السبع ، وسری سر "الحاء" بروحه وحياته فيها، تكرر "الحاء" في "الحواميم" التي هي من صدور الكتاب السماوي سبع مرات.
وقد امتد الساق الحامل بسر "الحاء" مادة الحياة والقيومية إلى أن صار منتهاه مرتبة الإنسان الأكمل الفرد الظاهر بصورته من طينة "الكعبة" ؛ فإن مرتبته في المراتب الكلية الإلهية والكونية ثامنة وهذه المراتب الكلية هي :
الإلهيات والآمريات والطبيعيات والعنصريات والمعادن والنبات والحيوان والإنسان.
التفصيلية التي هي سر الحاء ، كان في مراتب تنزل الوجود ثامنا. وذلك من العقل الكل، إلى النفس الكلية ، إلى الهيولى الكل، إلى الطبيعة الكلية، إلى الجسم الكل، إلى الشكل، إلى العرش، إلى الكرسي .
وكذلك باعتبار ترقي الوجود في المراتب السماوية : فمن سماء القمر التي هي للسماوات كالمركز إلى الثانية ، إلى الثالثة ، إلى الرابعة ، إلى الخامسة ، إلى السادسة، إلى السابعة ، إلى الكرسي.
67 - وقد سكن الحاء في الرحمن سکون حي ، ليشعر بخفاء الروح الذي منه مادة الحياة ومعنى القيومية فيما ظهر وتطور في معارج الترقي وأدراك التردي.
68 - ولما كان مخرج الميم منقطع النفس ومحط خصایص التقاطع المخرجية وأنهی منزل الألف ، ألحق بالحاء الرحمن ليشعر بكمال انبساط الرحمة العامة الرحمانية ، في اللطيفة الروحية المحتجبة بالحقيقة الإسرافيلية القاصدة بنفخها إيصال مد نفس الرحمن إلى «میم» مرکز الصورة العامة ، من «میم» محيطها فإن محيطها فم قرنها فافهم.
69 - والمخلص من البيان الأوضح، أن الميم في منقطع النفس بناء انبساط الرحمة ظاهرة على عالم الخفض كـ "الياء" من «الميمات» الثلاث ، التي هي أنباء عموم فيض الوجود على العوالم الجمة : عالم الرفع والخفض وعالم السواء ولذلك كانت مفردات عالم الخفض کعدد «الياء» مع عدد مراتبه سبعة عشر
لأن سنخ الطبيعة له أركان أربع نزيهة، كالحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ؛ وأركان أربع عنصرية ، كالنار والهواء والماء والتراب ؛ والمخلوق من الأربع الأول ، العرش والكرسي، وهما محلا انطباع لوحي القضاء والقدر؛ والمخلوق من الأربع الثانية ، السماوات السبع ، وهي محال انطباع لوح المحو والإثبات ، فالمجموع سبعة عشر.
70 - في «الياء» بعدده وعدد مراتبه بمطابقة هذه المفردات سبعة عشر. إذ عدده عشرة، وله في مرتبته ومراتب الجيم والميم والسين والشين والعين والغين سبعة . ولذلك يكرر الميم بمضاهاته إياه في الصدور المنزلة سبعة عشر مرة ، لكل عين في تمام صورته ، ميم.
71 - فانبساط الرحمة الرحمانية يكون أولا على الأركان الأربع الطبيعية في الصورة المحيطة العرشية ، المنعطف أولها على آخرها وآخرها على أولها ؛ ثم على الكرسي المحيط على عموم الحصص الوجودية ؛ ثم على المحيطات السماوية المخلوقة من الأركان الأربع العنصرية؛ ثم على المركبات المنحصرة أنواعها في المواليد الثلاث ؛ ثم على القابليات الإنسانية ؛ ثم على القائمة منها بحقوق كمال الوجود جمعة وتفصيلا، ثم على قابلية غائية ، يدور فلك كمالها جمعة في تفصيل ، وتفصيلا في جمع ، من نفسها على نفسها، حيث تجد فيها كل شيء ، بل تجد في كل شيء كل شيء. فافهم.
72 - فهذه القابلية الغائية التي هي في منتهی مساق الرحمة العامة الوجودية ، هي رحمة الكافة وصلة القابليات الجمة والوصلة الرافعة كثرة الجمهور.
73 - فالجمعية الميمية هي الجمعية بعد التفصيل الألفي بصور الحروف في النفس الإنساني كجمعية الإنسان بعد تفصيل شؤون أحدية الجمع في صور أعيان النفس الرحماني.
ولما كانت جمعية الميم بعدية ، خلت إحاطته عن الجمعية قبل التفصيل؛ فاتصل الألف به تتميمة وتكميلا لإحاطته .
فإن جمعية الألف قبلية، فإن صلاحياته إنما تنفصل بعد ظهوره بصور الحروف .
كما أن صلاحيات نفس الرحمن إنما تظهر في تطوره في المراتب التفصيلية بصور الأكوان.
ولما حصلت للميم بجمعيته الإحاطية في أدنى المراتب طبية عالم الخفض، في كونها مقيدة بـ "الباء" المختص بالكون الأسفل، ومقتضی منزلة القطب في كماله الجمعي الإحاطي، سوائية لا تنحصر في ميل وقيد وعلامة ، كقطبية الواو الرافعة بقيامها وسوائيتها ميل الأيمن والأيسر، فأيدت قطبية الميم في الإحاطة الرحمانية أولا بانتصابه بالفتحة التي هي مادة سوائيته التي لا تقبل الانحصار في حكم وثانية بنقل ألفه المتصل به من قوته وسكونه الميت المنافي له، في کونه قطبة لدائرة منتهى الظهور، إلى سكون حي يناسب مقامه ظهورة.
74 - وأما «النون» فقد جعل في «الرحمن» أم الكتاب المفصلات الرحيمية المخصصة بالحصص الوجودية ، ولذلك حرك بالخفضة ليشعر ذلك بتنزل الرحمة الرحمانية إلى حيطة رحيمية ، تقبل التحصيص والتخصيص إلى لا غاية .
واتصل «النون» بـ "الراء"، حاملا سر حرف التعريف باطنا، ليظهر بقلم تطوير «الراء» مفصلا ما بطن في سواد إجماله جمعا فإن «النون» ظاهرا نصف دائرة ، تشعر نقطته الوسطية بنصف آخر معقول ، به تتم الدائرة، فيكون النصف المعقول غيبة ، والنصف المحسوس شهادة.
ولكن تفصيل ما في قوسه لا ظهور له في سواد إجماله إلا بقلم تطوير الراء ، القاضي بتخصيص الحصص وتقييدها على حكم المراتب في الدرجات المالية والدركات الماية .
75 - فالتجلي الوجودي الرحماني بمقتضی حیطة النون ، إنما دار على فلك الباطن والظاهر، وتطور على مقتضی حیطة الراء بحقائق الصور وصور الحقائق حتى إذا ظهر في قوس الظاهر عين من حروف نفس الرحمن مع حرف من حروف نفس الإنسان قابله من قوس الباطن اسم من أسمائه ، إلى أن انتهت سلسلة وجوده المنبسط إلى أنهی منزلة منحصرة مراتبها الكلية على عدد حروف النفس الإنساني ، وهو ثمانية وعشرون.
76 - فما ظهر أولا من حروف نفس الرحمن في مبدأ قوس الظاهر الرحماني ، الموجود الأول، المسمى بالعقل الكل والقلم الأعلى ولوح القضاء وحضرة التدبير والتفصيل ، بنسبة "الهمزة" في أول مخارج نفس الإنسان ؛ فقابله من قوس الباطن الرحماني الاسم «البديع»، ثم النفس الكلية المسماة باللوح المحفوظ ولوح القدر،
ثانيا : بنسبة «الهاء» في نفس الإنساني .
فقابلها من قوس الباطن الاسم «الباعث». ثم الطبيعة الكلية ،
ثالثا : بنسبة «العين» في نفس الإنسان؛ فقابله من قوس الباطن الاسم «الباطن» .
ثم الهباء المسمى بالهيولى : بنسبة «الحاء» في نفس الإنسان؛ فقابله من قوس الباطن الاسم "الآخر"،
ثم الشكل : بنسبة «الخاء» في نفس الإنسان؛ فقابله من قوس الباطن ، الاسم «الظاهر» ،
ثم الجسم الكلي : بنسبة «الغين» في نفس الإنسان ؛ فقابله من قوس الباطن الاسم «الحكيم» ،
ثم العرش : بنسبة «القاف» في نفس الإنسان؛ فقابله من قوس الباطن الاسم «المحيط»،
ثم الكرسي : بنسبة «الكاف» في نفس الإنسان ؛ فقابله من قوس الباطن الاسم «الشكور» ،
ثم الأطلس : بنسبة «الجيم» في نفس الإنسان ؛ فقابله من قوس الباطن الاسم «الغني»،
ثم المنازل : بنسبة «الشين» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن الاسم «المقتدر»،
ثم سماء الكيوان : بنسبة «الياء» في نفس الإنسان ، فقابله من قوس الباطن "الرب"،
ثم سماء المشتري : بنسبة «الضاد» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن الاسم "العليم" ،
ثم سماء المريخ : بنسبة «اللام» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «القاهر»،
ثم سماء الشمس : بنسبة «النون» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «النور»،
ثم سماء الزهرة : بنسبة «الراء» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «المصور»،
ثم سماء عطارد : بنسبة «الطاء» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «المحصي»،
ثم سماء القمر: بنسبة "الدال" في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «المبين»،
ثم الأثير : بنسبة «التاء» في نفس الإنسان ، فقابله من قوس الباطن «القابض»،
ثم الهواء : بنسبة «الراي» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «الحي»،
ثم الماء : بنسبة «السين» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «المحيي»
ثم التراب : بنسبة «الصاد» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «المميت»
ثم المعدن : بنسبة «الظاء» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «العزيز»،
ثم النبات : بنسبة «الثاء» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «الرزاق» ،
ثم الحيوان : بنسبة "الذال" في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «المذل»،
ثم الملك : بنسبة «الفاء» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «القوي»،
ثم الجن : بنسبة «الباء» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «اللطيف»،
ثم الإنسان : بنسبة «الميم» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن "الجامع"
ثم المرتبة : بنسبة «الواو» في نفس الإنسان، فقابله من قوس الباطن «رفيع الدرجات» وقد أخرنا «الواو» في هذا الترتيب عن «الميم» ليكون بناء المرتبة ، فتصح الآخرية في ترتيب الأعيان للإنسان و«الواو» عند البعض آخر الشفويات.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin