رد الشبهات حول المجاهدة
خادم تراب النقشبندية
إن قال قائل: إن رجال التصوف يُحَرِّمون ما أحل الله من أنواع اللذائذ والمتع، وقد قال الله تعالى: {قٌلْ مَنْ حرَّمَ زينة الله التي أخرجَ لعبادِهِ والطيبات من الرزق...} [الأعراف: 32].
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا ما أحلَّ الله لكم ولا تعتدوا إنَّ الله لا يحب المعتدين} [المائدة: 87].
فنقول: إن رجال التصوف لم يجعلوا الحلالَ حراماً، إذْ أسمى مقاصدهم هو التقيد بشرع الله، ولكنهم حين عرفوا أن تزكية النفس فرضُ عين، وأن للنفس أخلاقاً سيئة وتعلقات شهوانية، توصِل صاحبها إلى الردى، وتعيقه عن الترقي في مدراج الكمال، وجدوا لزاماً عليهم أن يهذبوا نفوسهم ويحرروها من سجن الهوى.
وبهذا المعنى يقول الصوفي الكبير الحكيم الترمذي رحمه الله رداً على هذه الشبهة، وجواباً لمن احتج بالآية الكريمة: {قُلْ مَنْ حرَّمَ زينة الله....} [الأعراف: 32]: فهذا الاحتجاج تعنيف، ومن القول تحريف لأنَّا لم نُرِدْ بهذا، التحريمَ، ولكنا أردنا تأديب النفس حتى تأخذ الأدب وتعلم كيف ينبغي أن تعمل في ذلك، ألا ترى إلى قوله جل وعلا: {إنّما حرّم ربيَ الفواحشَ ما ظهر منها وما بطنَ والإثمَ والبَغيَ بغيرِ الحقِّ} [الأعراف: 33]. فالبغيُ في الشيء الحلال حرامٌ، والفخرُ حرام، والمباهاةُ حرام، والرياء حرام، والسرف حرام، فإنما أُوتِيَتِ النفسُ هذا المنعَ من أجل أنها مالت إلى هذه الأشياء بقلبها، حتى فسد القلب. فلما رأيتُ النفس تتناول زينة الله والطيبات من الرزق تريد بذلك تغنياً أو مباهاة أو رياء علمتُ أنها خلطت حراماً بحلال فضيَّعَتِ الشكرَ، وإنما رُزِقَتْ لتشكُرَ لا لِتكْفرَ، فلما رأيتُ سوء أدبها منعتُها، حتى إذا ذلَّت وانقمعت، ورآني ربي مجاهداً في ذاته حق جهاده، هداني سبيله كما وعد الله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سُبُلَنا وإنَّ اللهَ لَمَعَ المحسنين} [العنكبوت: 69] فصرتُ عنده بالمجاهدة محسناً فكان الله معي، ومن كان مع الله فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، وقذفَ في القلب من النور نوراً عاجلاً في دار الدنيا حتى يوصله إلى ثواب الآجل. ألا ترى إلى ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا قُذِفَ النورُ في قلب عبدٍ انفسح وانشرح". قيل: يا رسول الله فهل لذلك من علامة؟ قال: "نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابةُ إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله" وإنما تجافى عن دار الغرور بما قُذفَ في قلبه من النور فأبصر به عيوب الدنيا ودواهيها وآفاتها وخداعها وخرابها، فغاب عن قلبه البغيُ والرياء والسمعة والمباهاة والفخر والخيلاء والحسد، لأن ذلك إنما كان أصله من تعظيم الدنيا وحلاوتها في قلبه، وحبه لها، وكان سببَ نجاته من هذه الآفات - برحمة الله - رياضتُه هذه النفس بمنع الشهوات منها) [كتاب "الرياضة وأدب النفس" للحكيم الترمذي ص124].
وقد تسرع بعض الناس فزعموا جهلاً أن التصوف في مجاهداته ينحدر من أصل بوذي أو بَراهيمي، ويلتقي مع الانحرافات الدينية في النصرانية وغيرها التي تعتبر تعذيب الجسد طريقاً إلى إشراق الروح وانطلاقها، ومنهم من جعل التصوف امتداداً لنزعة الرهبنة التي ظهرت في ثلاثة رهط سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا عنها كأنهم تقالُّوها، فقال أحدهم: أما أنا فأصوم الدهر ولا أُفطر، وقال الثاني: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام، وقال الثالث: أما أنا فأعتزل النساء ولا أتزوج. ولما عُرض أمرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صحح لهم أفكارهم، وردهم إلى الصراط المستقيم والنهج القويم.
والجواب على ذلك: أن التصوف لم يكن في يوم من الأيام شرعة مستقلة ولا ديناً جديداً، ولكنه تطبيق عملي لدين الله تعالى، واقتداء كامل برسوله عليه الصلاة والسلام.
وإنما سرت الشبهة على هؤلاء المتسرعين لأنهم وجدوا في التصوف اهتماماً بتزكية النفس وتربيتها وتصعيدها، ومجاهدتها على أُسس شرعية وضمن نطاق الدين الحنيف، فقاسوا تلك الانحرافات الدينية على التصوف قياساً أعمى دون تمحيص أو تمييز.
ففرقٌ كبير إذاً بين المجاهدة المشروعة المقيدة بدين الله تعالى، وبين المغالاة والانحراف وتحريم الحلال وتعذيب الجسد كما عليه البوذيون الكافرون
ومن الظلم والبهتان أن يُحْكَمَ على كل من جاهد نفسه وزكاها أنه ينحدر من أصل بوذي أو بَراهيمي كما يزعم المستشرقون ومَنْ خُدِعَ بهم، أو أنه يقتدي بهؤلاء الرهط الذي تقالُّوا عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يقوله المتسرعون السطحيون، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحح لهم خطأهم فرجعوا إلى هديه وسُنَّتِهِ.
وإذا وُجد في تاريخ التصوف من حرَّم الحلال أو قام بتعذيب الجسد على غرار الانحرافات الدينية السابقة فهو مبتدع ومبتعد عن طريق التصوف لذا ينبغي التفريق بين التصوف والصوفي. فليس الصوفي بانحرافه ممثلاً للتصوف، كما أن المسلم بانحرافه لا يمثل الإسلام.
والمعترضون لم يفرقوا بين الصوفي والتصوف وبين المسلم والإسلام فجعلوا تلازماً بينهما فوقعوا في الكاملين قياساً على المنحرفين.
وبعد، فإن منتهى آمال السالكين ترقيةُ نفوسهم، فإن ظفروا بها وصلوا إلى مطلوبهم، والنفس تترقى بالمجاهدة والرياضة من كونها أمَّارة إلى كونها لوَّامة ومُلْهَمة وراضية ومَرْضيّة ومطمئنة... إلخ، فالمجاهدة ضرورية للسالك في جميع مراحل سيره إلى الله تعالى، ولا تنتهي إلا بالوصول إلى درجة العصمة ؛ وهذه لا تكون إلا للأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
وبهذا ندرك خطأ بعض السالكين الذي لم يُحكموا شرط سيرهم - وهو مجاهدة النفس - ثم يَدَّعون لأنفسهم المحبة، ويترنمون بكلام المحبين، وينشدون قول ابن الفارض تأييداً لمذهبهم:
وعن مذهبي في الحب ما ليَ مذهب وإن مِلْتُ يوماً عنه فارقتُ مِلَّتي
وما علموا كيف كانت بداية ابن الفارض من حيث مجاهدته لنفسه، وإليك بعض كلامه يصف مجاهداته في سيره مما يدل على أهمية المجاهدة مع العلم أنه ابتدأ سيره إلى الله تعالى من نفس لوامة لا أمارة بالسوء، ويبين أن السالك الذي لا مجاهدة له لا سير له ولا محبة له:
فنفسيَ كانت قبلُ لوَّامةً متى أُطع ها عصتْ أو أعْصِ كانت مطيعتي
فأوردتها ما الموتُ أيسرُ بَعْضِهِ وأتعبتُها كيما تكون مريحتي
فعادت ومهما حُمِّلتْهُ تحملته مني وإنْ خفَّفتُ عنها تَأذَّتِ
وأذهبتُ في تهذيبها كلَّ لذةٍ بإبعادها عن عادِها فاطمأنتِ
ولم يبقَ هولٌ دونها ما ركبتُه وأشهدُ نفسيَ فيه غيرَ زكيَّة
ولهذا كان ابن الفارض يعرِّض بمدَّعي المحبة الذين لم يتركوا حظوظهم ولم يجاهدوا نفوسهم فيقول:
تعرَّض قوم للغرام وأعرضوا بجانبهم عن صحَّتي فيه واعْتَلُّوا
رَضُوا بالأماني وابْتُلوا بحظوظهم وخاضوا بحارَ الحُبِّ دعوى فما ابتَلُّوا
فهم في السُّرى لم يبرحوا من مكانهم وما ظعنوا في السيرِ عنه وقد كلُّوا
فالمجاهدة إذاً شرط أساسي لكل سالك في جميع مراحل سيره، ولكنها تتغير بحسب ترقي المريد في مدارج السمو، ومثاله في ذلك الطالب، يكون في مرحلة الابتدائي، ثم الإعدادي ثم الثانوي ثم الجامعي... وفي كل هذه المراحل يعتبر طالباً، ولكن هناك فرق كبير بين الطالب الابتدائي والطالب الجامعي. وكذلك الفرق شاسع بين كون نفسه أمارة بالسوء تميل إلى الفواحش، وبين كونها مطمئنةً راجعة إلى ربها راضية مرضية.
والخلاصة:
إن المجاهدة أصل من أُصول طريق الصوفية، وقد قالوا: من حقق الأصول نال الوصول، ومن ترك الأصول حُرم الوصول.
وقالوا أيضاً: مَنْ لم تكن له بداية محرقة "بالمجاهدات" لم تكن له نهاية مشرقة. والبدايات تدل على النهايات.
خادم تراب النقشبندية
إن قال قائل: إن رجال التصوف يُحَرِّمون ما أحل الله من أنواع اللذائذ والمتع، وقد قال الله تعالى: {قٌلْ مَنْ حرَّمَ زينة الله التي أخرجَ لعبادِهِ والطيبات من الرزق...} [الأعراف: 32].
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرِّموا ما أحلَّ الله لكم ولا تعتدوا إنَّ الله لا يحب المعتدين} [المائدة: 87].
فنقول: إن رجال التصوف لم يجعلوا الحلالَ حراماً، إذْ أسمى مقاصدهم هو التقيد بشرع الله، ولكنهم حين عرفوا أن تزكية النفس فرضُ عين، وأن للنفس أخلاقاً سيئة وتعلقات شهوانية، توصِل صاحبها إلى الردى، وتعيقه عن الترقي في مدراج الكمال، وجدوا لزاماً عليهم أن يهذبوا نفوسهم ويحرروها من سجن الهوى.
وبهذا المعنى يقول الصوفي الكبير الحكيم الترمذي رحمه الله رداً على هذه الشبهة، وجواباً لمن احتج بالآية الكريمة: {قُلْ مَنْ حرَّمَ زينة الله....} [الأعراف: 32]: فهذا الاحتجاج تعنيف، ومن القول تحريف لأنَّا لم نُرِدْ بهذا، التحريمَ، ولكنا أردنا تأديب النفس حتى تأخذ الأدب وتعلم كيف ينبغي أن تعمل في ذلك، ألا ترى إلى قوله جل وعلا: {إنّما حرّم ربيَ الفواحشَ ما ظهر منها وما بطنَ والإثمَ والبَغيَ بغيرِ الحقِّ} [الأعراف: 33]. فالبغيُ في الشيء الحلال حرامٌ، والفخرُ حرام، والمباهاةُ حرام، والرياء حرام، والسرف حرام، فإنما أُوتِيَتِ النفسُ هذا المنعَ من أجل أنها مالت إلى هذه الأشياء بقلبها، حتى فسد القلب. فلما رأيتُ النفس تتناول زينة الله والطيبات من الرزق تريد بذلك تغنياً أو مباهاة أو رياء علمتُ أنها خلطت حراماً بحلال فضيَّعَتِ الشكرَ، وإنما رُزِقَتْ لتشكُرَ لا لِتكْفرَ، فلما رأيتُ سوء أدبها منعتُها، حتى إذا ذلَّت وانقمعت، ورآني ربي مجاهداً في ذاته حق جهاده، هداني سبيله كما وعد الله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سُبُلَنا وإنَّ اللهَ لَمَعَ المحسنين} [العنكبوت: 69] فصرتُ عنده بالمجاهدة محسناً فكان الله معي، ومن كان مع الله فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، وقذفَ في القلب من النور نوراً عاجلاً في دار الدنيا حتى يوصله إلى ثواب الآجل. ألا ترى إلى ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا قُذِفَ النورُ في قلب عبدٍ انفسح وانشرح". قيل: يا رسول الله فهل لذلك من علامة؟ قال: "نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابةُ إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله" وإنما تجافى عن دار الغرور بما قُذفَ في قلبه من النور فأبصر به عيوب الدنيا ودواهيها وآفاتها وخداعها وخرابها، فغاب عن قلبه البغيُ والرياء والسمعة والمباهاة والفخر والخيلاء والحسد، لأن ذلك إنما كان أصله من تعظيم الدنيا وحلاوتها في قلبه، وحبه لها، وكان سببَ نجاته من هذه الآفات - برحمة الله - رياضتُه هذه النفس بمنع الشهوات منها) [كتاب "الرياضة وأدب النفس" للحكيم الترمذي ص124].
وقد تسرع بعض الناس فزعموا جهلاً أن التصوف في مجاهداته ينحدر من أصل بوذي أو بَراهيمي، ويلتقي مع الانحرافات الدينية في النصرانية وغيرها التي تعتبر تعذيب الجسد طريقاً إلى إشراق الروح وانطلاقها، ومنهم من جعل التصوف امتداداً لنزعة الرهبنة التي ظهرت في ثلاثة رهط سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا عنها كأنهم تقالُّوها، فقال أحدهم: أما أنا فأصوم الدهر ولا أُفطر، وقال الثاني: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام، وقال الثالث: أما أنا فأعتزل النساء ولا أتزوج. ولما عُرض أمرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صحح لهم أفكارهم، وردهم إلى الصراط المستقيم والنهج القويم.
والجواب على ذلك: أن التصوف لم يكن في يوم من الأيام شرعة مستقلة ولا ديناً جديداً، ولكنه تطبيق عملي لدين الله تعالى، واقتداء كامل برسوله عليه الصلاة والسلام.
وإنما سرت الشبهة على هؤلاء المتسرعين لأنهم وجدوا في التصوف اهتماماً بتزكية النفس وتربيتها وتصعيدها، ومجاهدتها على أُسس شرعية وضمن نطاق الدين الحنيف، فقاسوا تلك الانحرافات الدينية على التصوف قياساً أعمى دون تمحيص أو تمييز.
ففرقٌ كبير إذاً بين المجاهدة المشروعة المقيدة بدين الله تعالى، وبين المغالاة والانحراف وتحريم الحلال وتعذيب الجسد كما عليه البوذيون الكافرون
ومن الظلم والبهتان أن يُحْكَمَ على كل من جاهد نفسه وزكاها أنه ينحدر من أصل بوذي أو بَراهيمي كما يزعم المستشرقون ومَنْ خُدِعَ بهم، أو أنه يقتدي بهؤلاء الرهط الذي تقالُّوا عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يقوله المتسرعون السطحيون، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحح لهم خطأهم فرجعوا إلى هديه وسُنَّتِهِ.
وإذا وُجد في تاريخ التصوف من حرَّم الحلال أو قام بتعذيب الجسد على غرار الانحرافات الدينية السابقة فهو مبتدع ومبتعد عن طريق التصوف لذا ينبغي التفريق بين التصوف والصوفي. فليس الصوفي بانحرافه ممثلاً للتصوف، كما أن المسلم بانحرافه لا يمثل الإسلام.
والمعترضون لم يفرقوا بين الصوفي والتصوف وبين المسلم والإسلام فجعلوا تلازماً بينهما فوقعوا في الكاملين قياساً على المنحرفين.
وبعد، فإن منتهى آمال السالكين ترقيةُ نفوسهم، فإن ظفروا بها وصلوا إلى مطلوبهم، والنفس تترقى بالمجاهدة والرياضة من كونها أمَّارة إلى كونها لوَّامة ومُلْهَمة وراضية ومَرْضيّة ومطمئنة... إلخ، فالمجاهدة ضرورية للسالك في جميع مراحل سيره إلى الله تعالى، ولا تنتهي إلا بالوصول إلى درجة العصمة ؛ وهذه لا تكون إلا للأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.
وبهذا ندرك خطأ بعض السالكين الذي لم يُحكموا شرط سيرهم - وهو مجاهدة النفس - ثم يَدَّعون لأنفسهم المحبة، ويترنمون بكلام المحبين، وينشدون قول ابن الفارض تأييداً لمذهبهم:
وعن مذهبي في الحب ما ليَ مذهب وإن مِلْتُ يوماً عنه فارقتُ مِلَّتي
وما علموا كيف كانت بداية ابن الفارض من حيث مجاهدته لنفسه، وإليك بعض كلامه يصف مجاهداته في سيره مما يدل على أهمية المجاهدة مع العلم أنه ابتدأ سيره إلى الله تعالى من نفس لوامة لا أمارة بالسوء، ويبين أن السالك الذي لا مجاهدة له لا سير له ولا محبة له:
فنفسيَ كانت قبلُ لوَّامةً متى أُطع ها عصتْ أو أعْصِ كانت مطيعتي
فأوردتها ما الموتُ أيسرُ بَعْضِهِ وأتعبتُها كيما تكون مريحتي
فعادت ومهما حُمِّلتْهُ تحملته مني وإنْ خفَّفتُ عنها تَأذَّتِ
وأذهبتُ في تهذيبها كلَّ لذةٍ بإبعادها عن عادِها فاطمأنتِ
ولم يبقَ هولٌ دونها ما ركبتُه وأشهدُ نفسيَ فيه غيرَ زكيَّة
ولهذا كان ابن الفارض يعرِّض بمدَّعي المحبة الذين لم يتركوا حظوظهم ولم يجاهدوا نفوسهم فيقول:
تعرَّض قوم للغرام وأعرضوا بجانبهم عن صحَّتي فيه واعْتَلُّوا
رَضُوا بالأماني وابْتُلوا بحظوظهم وخاضوا بحارَ الحُبِّ دعوى فما ابتَلُّوا
فهم في السُّرى لم يبرحوا من مكانهم وما ظعنوا في السيرِ عنه وقد كلُّوا
فالمجاهدة إذاً شرط أساسي لكل سالك في جميع مراحل سيره، ولكنها تتغير بحسب ترقي المريد في مدارج السمو، ومثاله في ذلك الطالب، يكون في مرحلة الابتدائي، ثم الإعدادي ثم الثانوي ثم الجامعي... وفي كل هذه المراحل يعتبر طالباً، ولكن هناك فرق كبير بين الطالب الابتدائي والطالب الجامعي. وكذلك الفرق شاسع بين كون نفسه أمارة بالسوء تميل إلى الفواحش، وبين كونها مطمئنةً راجعة إلى ربها راضية مرضية.
والخلاصة:
إن المجاهدة أصل من أُصول طريق الصوفية، وقد قالوا: من حقق الأصول نال الوصول، ومن ترك الأصول حُرم الوصول.
وقالوا أيضاً: مَنْ لم تكن له بداية محرقة "بالمجاهدات" لم تكن له نهاية مشرقة. والبدايات تدل على النهايات.
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin