طريقة المجاهدة
خادم تراب النقشبندية
وأول مرحلة في المجاهدة عدم رضى المرء عن نفسه، وإيمانُه بوصفها الذي أخبر عنه خالقها ومبدعها: {إنَّ النفس لأمَّارةٌ بالسوء}
[يوسف: 53].
وعلمه أن النفس أكبر قاطع عن الله تعالى [والقواطع عن الله تعالى أربعة: النفس، والدنيا، والشيطان، والخلق. أما عداوة النفس والشيطان فظاهرة، وأما الخلق فملاحظة مدحهم وذمهم تعرقل سير السالك إلى ربه، وأما الدنيا فالاهتمام بها وانشغال القلب بتقلباتها قاطع كبير عن الله تعالى، ففي حالة الفقر تكثر هموم المرء فتشغله عن الله، وفي حال الغنى ينشغل بزينتها وزخرفها عن الله تعالى: {إنَّ الإنسانَ ليطغَى . أنْ رآهُ استغنَى} [العلق: 6 -7]. أما إذا أخرج حبها من قلبه فإنها لا تضره، كما قال شيخ الصوفية سيدي عبد القادر الجيلاني رحمه الله: (أخرج الدنيا من قلبك، وضعها في جيبك أو في يدك فإنها لا تضرك) وراجع بحث الزهد في هذا الكتاب]. كما أنها أعظم موصل إليه وذلك أن النفس حينما تكون أمَّارة بالسوء لا تتلذذ إلا بالمعاصي والمخالفات، ولكنها بعد مجاهدتها وتزكيتها تصبح راضية مرضية لا تُسَرُّ إلا بالطاعات والموافقات والاستئناس بالله تعالى.
وإذا اكتشف المسلم عيوب نفسه وصدق في طلب تهذيبها لم يعد عنده متسع من الوقت للانشغال بعيوب الناس وإضاعة العمر في تعداد أخطائهم، وإذا رأيت أحداً من الناس قد صرف وقته في إحصاء أخطاء الآخرين غافلاً عن عيوب نفسه فاعلم أنه أحمق جاهل. قال أبو مدين:
ولا تر العيب إلا فيك معتقداً عيباً بدا بَيِّناً لكنه استترا
وقال بعضهم:
لا تلم المرء على فعله وأنت منسوب إلى مثله
من ذم شيئاً أتى مثلَه فإنما دل على جهله
ولذا قالوا: (لا ترَ عَيْبَ غيرك ما دام فيك عيب، والعبد لا يخلو من عيب أبداً).
فإذا عرف المسلم ذلك أقبل على نفسه يفطمها عن شهواتها المنحرفة وعاداتها الناقصة، ويلزمها بتطبيق الطاعات والقربات.
ويتدرج في المجاهدة على حسب سيره، فهو في بادىء الأمر يتخلى عن المعاصي التي تتعلق بجوارحه السبعة، وهي:
اللسان والأذنان والعينان واليدان والرجلان والبطن والفرج. لكل جارحة من الجوارح السبعة معاصٍ تتعلق بها، فمن معاصي اللسان: الغيبةُ والنميمة والكذب والفحش. ومن معاصي الأذنين: سماعُ الغيبة والنميمة والأغاني الفاحشة وآلات اللهو. ومن معاصي العينين: النظرُ للنساء الأجنبيات وعورات الرجال. ومن معاصي اليدين: إيذاءُ المسلمين وقتلهم، وأخذ أموالهم بالباطل، ومصافحة النساء الأجنبيات. ومن معاصي الرجلين: المشيُ إلى محلات المنكرات والفجور. ومن معاصي البطن: أكل المال الحرام، وأكل لحم الخنزير، وشرب الخمور. ومن معاصي الفرج: الزنا واللواطة...، ثم يحلي هذه الجوارح السبعة بالطاعات المناسبة لكل منها. فمن طاعات اللسان: قراءة القرآن الكريم، وذكر الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن طاعات الأذنين: سماع القرآن الكريم والأحاديث نبوية والنصائح والمواعظ. ومن طاعات العينين: النظر إلى وجوه العلماء والصالحين، والنظر إلى الكعبة المشرفة، والنظر التأملي لآيات الله في الكون. ومن طاعات اليدين: مصافحة المؤمنين، وإعطاء الصدقات. ومن طاعات الرجلين: المشي إلى المساجد وإلى مجالس العلم، وعيادة المريض، والإصلاح بين الناس. ومن طاعات البطن: تناول الطعام الحلال بنية التقوِّي على طاعة الله تعالى. ومن طاعات الفرج: النكاح المشروع بغية الإحصان وتكثير النسل.. فهذه الجوارح السبعة منافذ على القلب إما أن تصب عليه ظلمات المعاصي فتكدره وتمرضه، وإما أن تُدخل عليه أنوار الطاعات فتشفيه وتنوره.
ثم ينتقل في المجاهدة إلى الصفات الباطنة فيبدل صفاته الناقصة كالكبر والرياء والغضب... بصفات كاملة كالتواضع والإخلاص والحِلم.
وبما أن طريق المجاهدة وعر المسالك متشعب الجوانب، يصعب على السالك أن يَلِجَهُ منفرداً كان من المفيد عملياً صحبة مرشد خبير بعيوبها، عالم بطرق معالجتها ومجاهدتها، يستمد المريد من صحبته خبرة عملية بأساليب تزكية نفسه، كما يكتسب من روحانيته نفحات قدسية تدفع المريد إلى تكميل نفسه وشخصيته، وترفعه فوق مستوى النقائص والمنكرات. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المرشد الأول والمزكي الأعظم الذي ربَّى أصحابه الكرام وزكَّى نفوسهم بقاله وحاله، كما وصفه الله تعالى بقوله: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً مِنْهُم يتلو عليهم آياتِه ويُزكِّيهم ويُعلِّمُهم الكِتاب والحِكمَةَ وإن كانوا من قَبْلُ لَفي ضلالٍ مُبينٍ} [الجمعة: 2]. من هنا نجد أن التزكية شيء وتعليم الكتاب والحكمة شيء آخر، لذا قال الله تعالى: {ويزكيِّهمْ ويعلِّمهمُ الكتابَ والحكمةَ} ففرقٌ كبير بين علم التزكية وحالة التزكية، كما يلاحظ الفرق الواضح بين علم الصحة وحالة الصحة، إذ قد يكون الطبيب الماهر الذي عنده علم الصحة فاقداً حالة الصحة ومصاباً بالأمراض والعلل الكثيرة. وكذلك الفرق ظاهر بين علم الزهد وحالة الزهد، كالمسلم الذي عنده علم واسع بالآيات والأحاديث والشواهد المتعلقة بالزهد ولكنه يفقد حالة الزهد ويتصف بالطمع والشره والتكالب على الدنيا الفانية.
والذي يحقق النفع للمريد هو استقامته على صحبة مرشده واستسلامه له كاستسلام المريض للطبيب، فإذا ما أدخل الشيطان على قلب المريد داء الغرور والاكتفاء الذاتي فأُعجب بنفسه واستغنى عن ملازمة شيخه باء بالفشل ووقف وهو يظن أنه سائر، وقُطِعَ وهو يظن أنه موصول.
قال الشيخ إسماعيل حقي رحمه الله في تفسيره: (فإن كثيراً من متوسطي هذه الطائفة "الصوفية" تعتريهم الآفات في أثناء السلوك عند سآمة النفس من المجاهدات وملالتها من كثرة الرياضات، فيوسوس لهم الشيطان، وتسول لهم أنفسهم أنهم قد بلغوا في السلوك رتبة قد استغنوا بها عن صحبة الشيخ وتسليم تصرفاته، فيخرجون من عنده، ويشرعون في الطلب على وفق أنفسهم، فيقعون في ورطة الخذلان وسخرة الشيطان) ["تفسير روح البيان" للشيخ إسماعيل حقي ج2/ص149].
خادم تراب النقشبندية
وأول مرحلة في المجاهدة عدم رضى المرء عن نفسه، وإيمانُه بوصفها الذي أخبر عنه خالقها ومبدعها: {إنَّ النفس لأمَّارةٌ بالسوء}
[يوسف: 53].
وعلمه أن النفس أكبر قاطع عن الله تعالى [والقواطع عن الله تعالى أربعة: النفس، والدنيا، والشيطان، والخلق. أما عداوة النفس والشيطان فظاهرة، وأما الخلق فملاحظة مدحهم وذمهم تعرقل سير السالك إلى ربه، وأما الدنيا فالاهتمام بها وانشغال القلب بتقلباتها قاطع كبير عن الله تعالى، ففي حالة الفقر تكثر هموم المرء فتشغله عن الله، وفي حال الغنى ينشغل بزينتها وزخرفها عن الله تعالى: {إنَّ الإنسانَ ليطغَى . أنْ رآهُ استغنَى} [العلق: 6 -7]. أما إذا أخرج حبها من قلبه فإنها لا تضره، كما قال شيخ الصوفية سيدي عبد القادر الجيلاني رحمه الله: (أخرج الدنيا من قلبك، وضعها في جيبك أو في يدك فإنها لا تضرك) وراجع بحث الزهد في هذا الكتاب]. كما أنها أعظم موصل إليه وذلك أن النفس حينما تكون أمَّارة بالسوء لا تتلذذ إلا بالمعاصي والمخالفات، ولكنها بعد مجاهدتها وتزكيتها تصبح راضية مرضية لا تُسَرُّ إلا بالطاعات والموافقات والاستئناس بالله تعالى.
وإذا اكتشف المسلم عيوب نفسه وصدق في طلب تهذيبها لم يعد عنده متسع من الوقت للانشغال بعيوب الناس وإضاعة العمر في تعداد أخطائهم، وإذا رأيت أحداً من الناس قد صرف وقته في إحصاء أخطاء الآخرين غافلاً عن عيوب نفسه فاعلم أنه أحمق جاهل. قال أبو مدين:
ولا تر العيب إلا فيك معتقداً عيباً بدا بَيِّناً لكنه استترا
وقال بعضهم:
لا تلم المرء على فعله وأنت منسوب إلى مثله
من ذم شيئاً أتى مثلَه فإنما دل على جهله
ولذا قالوا: (لا ترَ عَيْبَ غيرك ما دام فيك عيب، والعبد لا يخلو من عيب أبداً).
فإذا عرف المسلم ذلك أقبل على نفسه يفطمها عن شهواتها المنحرفة وعاداتها الناقصة، ويلزمها بتطبيق الطاعات والقربات.
ويتدرج في المجاهدة على حسب سيره، فهو في بادىء الأمر يتخلى عن المعاصي التي تتعلق بجوارحه السبعة، وهي:
اللسان والأذنان والعينان واليدان والرجلان والبطن والفرج. لكل جارحة من الجوارح السبعة معاصٍ تتعلق بها، فمن معاصي اللسان: الغيبةُ والنميمة والكذب والفحش. ومن معاصي الأذنين: سماعُ الغيبة والنميمة والأغاني الفاحشة وآلات اللهو. ومن معاصي العينين: النظرُ للنساء الأجنبيات وعورات الرجال. ومن معاصي اليدين: إيذاءُ المسلمين وقتلهم، وأخذ أموالهم بالباطل، ومصافحة النساء الأجنبيات. ومن معاصي الرجلين: المشيُ إلى محلات المنكرات والفجور. ومن معاصي البطن: أكل المال الحرام، وأكل لحم الخنزير، وشرب الخمور. ومن معاصي الفرج: الزنا واللواطة...، ثم يحلي هذه الجوارح السبعة بالطاعات المناسبة لكل منها. فمن طاعات اللسان: قراءة القرآن الكريم، وذكر الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن طاعات الأذنين: سماع القرآن الكريم والأحاديث نبوية والنصائح والمواعظ. ومن طاعات العينين: النظر إلى وجوه العلماء والصالحين، والنظر إلى الكعبة المشرفة، والنظر التأملي لآيات الله في الكون. ومن طاعات اليدين: مصافحة المؤمنين، وإعطاء الصدقات. ومن طاعات الرجلين: المشي إلى المساجد وإلى مجالس العلم، وعيادة المريض، والإصلاح بين الناس. ومن طاعات البطن: تناول الطعام الحلال بنية التقوِّي على طاعة الله تعالى. ومن طاعات الفرج: النكاح المشروع بغية الإحصان وتكثير النسل.. فهذه الجوارح السبعة منافذ على القلب إما أن تصب عليه ظلمات المعاصي فتكدره وتمرضه، وإما أن تُدخل عليه أنوار الطاعات فتشفيه وتنوره.
ثم ينتقل في المجاهدة إلى الصفات الباطنة فيبدل صفاته الناقصة كالكبر والرياء والغضب... بصفات كاملة كالتواضع والإخلاص والحِلم.
وبما أن طريق المجاهدة وعر المسالك متشعب الجوانب، يصعب على السالك أن يَلِجَهُ منفرداً كان من المفيد عملياً صحبة مرشد خبير بعيوبها، عالم بطرق معالجتها ومجاهدتها، يستمد المريد من صحبته خبرة عملية بأساليب تزكية نفسه، كما يكتسب من روحانيته نفحات قدسية تدفع المريد إلى تكميل نفسه وشخصيته، وترفعه فوق مستوى النقائص والمنكرات. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المرشد الأول والمزكي الأعظم الذي ربَّى أصحابه الكرام وزكَّى نفوسهم بقاله وحاله، كما وصفه الله تعالى بقوله: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً مِنْهُم يتلو عليهم آياتِه ويُزكِّيهم ويُعلِّمُهم الكِتاب والحِكمَةَ وإن كانوا من قَبْلُ لَفي ضلالٍ مُبينٍ} [الجمعة: 2]. من هنا نجد أن التزكية شيء وتعليم الكتاب والحكمة شيء آخر، لذا قال الله تعالى: {ويزكيِّهمْ ويعلِّمهمُ الكتابَ والحكمةَ} ففرقٌ كبير بين علم التزكية وحالة التزكية، كما يلاحظ الفرق الواضح بين علم الصحة وحالة الصحة، إذ قد يكون الطبيب الماهر الذي عنده علم الصحة فاقداً حالة الصحة ومصاباً بالأمراض والعلل الكثيرة. وكذلك الفرق ظاهر بين علم الزهد وحالة الزهد، كالمسلم الذي عنده علم واسع بالآيات والأحاديث والشواهد المتعلقة بالزهد ولكنه يفقد حالة الزهد ويتصف بالطمع والشره والتكالب على الدنيا الفانية.
والذي يحقق النفع للمريد هو استقامته على صحبة مرشده واستسلامه له كاستسلام المريض للطبيب، فإذا ما أدخل الشيطان على قلب المريد داء الغرور والاكتفاء الذاتي فأُعجب بنفسه واستغنى عن ملازمة شيخه باء بالفشل ووقف وهو يظن أنه سائر، وقُطِعَ وهو يظن أنه موصول.
قال الشيخ إسماعيل حقي رحمه الله في تفسيره: (فإن كثيراً من متوسطي هذه الطائفة "الصوفية" تعتريهم الآفات في أثناء السلوك عند سآمة النفس من المجاهدات وملالتها من كثرة الرياضات، فيوسوس لهم الشيطان، وتسول لهم أنفسهم أنهم قد بلغوا في السلوك رتبة قد استغنوا بها عن صحبة الشيخ وتسليم تصرفاته، فيخرجون من عنده، ويشرعون في الطلب على وفق أنفسهم، فيقعون في ورطة الخذلان وسخرة الشيطان) ["تفسير روح البيان" للشيخ إسماعيل حقي ج2/ص149].
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin