لماذا " إلاّ الصـوم فإنّـه لـي " ؟
بقلم : محمود سلطاني
ما أكثر النصوص من الكتاب والسنّة التي تتكلّم عن الصوم ، وعن شهر رمضان !
آيات وأحاديث كنت أقرؤها ، وأفهمها ، وأستوعبها عقلا وروحا من غير مشقّة ، لكني كنت دائما أقف حائرا أمام نصّ حديث قدسيّ ، عاجزا عن فهم القصد البعيد منه .
هذا الحديث الشريف هو ما رواه مسلم رضي الله عنه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « قال الله عز وجل : كلّ عمل ابن آدم له إلا الصّيام. هو لي وأنا أجزي به. فوالذي نفس محمّد بيده لخلفة فم الصائم أطيب عند الله، من ريح المسك »
عجزي كان كامنا في كلمة " له " وكلمة " لي "
ما الذي يقصده الباري تعالى بتلك النسبتين المختلفتين ؟
كنت أقول لنفسي : أَلَيْسَت الصّلاة ، والزّكاة ، والحجّ ، والتصدّق ، وقول الصّدق ، وجميع أعمال البرّ والخير لله ؟ وكان جوابي في كلّ مرّة : بلى .
إذن فلماذا هذه التّفرقة بين عمل وعمل ؟
ولم تكن بعض تفسيرات أهل الرّأي لتقنعني الإقناع الكلّي
يقولون أنّ كلّ عمل من الأعمال يمكن أن يطرقه الرّياء ، ويخالطه الزّيف ، ويظهر للغير ، إلاّ الصوم فإنّه عمل مخفيّ ، في الإمكان عدم العلم به .
وجوابي كان : ولكن في مقدور الصّائم أن يرائي ويتباهى بأنّه صائم . وقد يطّلِع النّاس على صومه ، حتّى في حالة الإخلاص المحض ، إذا طال مكثه فيهم ، خاصّة مع أهل الصّداقة والمودّة .
وفي المقابل ، وإذا افترضنا أن علّة نسبته إلى الله عزّ وجلّ هي في سهولة إخفائه ، فإنّ في مقدور المتنفّلين بالصّلاة كذلك أن يمرّوا دون أن يتنبّه إليهم أحد . يصلّي الفرض مع الجماعة -كما يصوم فرضه في رمضان - فيدخل داره ويصلّي مائة ركعة ، ثمّ يخرج إلى المجالس من غير أن يعلم أحد ماذا فعل أصلا .
قلتُ لنفسي : لا بدّ أنّ ميزة مّا موجودة في المستثنى وغير موجودة في المستثنى منه ، وأنّ سرّ كلمة " له " و" لي " مدّخرة هناك ، ولذلك فلا بدّ من إقامة مقارنة بين الصّوم وبين كلّ ما عداه من أعمال البرّ .
عرفت بعد المقارنة أنّ الفرق كامن في كيفية التطبيق والممارسة . فالصّلاة ، والزّكاة ، والحجّ ، الخ... ، عبادة يشترك فيها الروح والجسد لإنشاء جوهر عمل موضوعي ، أمّا الصّوم فهو إنشاء عمل بالإمتناع عن الأسباب المانعة لحدوثه .
الصيام عمل بواسطة " لا عمل " .
للعبادات من غير الصوم صفة الإيجاد أما له فصفة الإعدام .
العبادات الأخرى خير في بناء ، والصوم خير في تهديم .
خير العبادات الأخرى تراكميّ ، وخير الصّوم وقائي .
العبادات الأخرى موجبة الإشارة ، والصّوم سلبي الإشارة مقابل قيم سلبية .
لا ريب أنّ مقاومة ما طُبِعَت عليه النفوس يتطلّب جهدا جهيدا ، ويقظة دائمة ، لأنّ مقاومة الطّبائع في حقيقة الأمر هي مقاومة لجزء من أسباب وجود المطبوع الضرورية كالأكل والشرب والتناسل ، وصفات أخرى معنوية مودوعة في الذّوات بحكمة الله تعالى لضمان استمرار الحياة ، والإقبال على إعمار الدنيا . هي إذن نقطة تقاطع بين حالتين متضادّتين لكائن واحد تتطلّب حراسة شديدة حتّى لا يتحوّل طهر الفطرة الربانية إلى أداة بيد إبليس .
الصّوم ابتلاء واختبار .
إنّه عملية اجتياز للرّوح إلى النّعيم على سلّم عناء ، وعذاب للجسد الذي يحويها ، لا يخوضها إلاّ أهل الصّدق في الحبّ الإلهي ، ومن لم يخلط إيمانه بالأغراض الزّائلة .
الصّوم إذن من أجل الله سبحانه وتعالى .
هل هذا كلّ شيء ؟ هل هذا المعنى النهائي لكلمة " لي " ؟
قطعا لا !
لقد قلت : أليس ترك النوم اللذيذ ، والفراش الدّافئ للصّلاة عناء ؟
أليس إسباغ الوضوء في الشتاء بطهور بارد عذابا ؟
أليس إخراج أموال كثيرة لتزكية الثّروة مقاومة مضنية لشحّ النفس ؟
أليس الخروج للحجّ ، والجهاد ، والعلم ، والعمل ، وفراق الأوطان ، وفلذات الأكباد والأحبّة ، والتّعرّض للهلاك ، مصدر آلام ؟
لماذا يكون الصّوم وحده المتفرّد بالإنتساب إلى الله برغم ما ذكرنا من صفات مشتركة بينه وبين غيره ، وهي مثله أركان وعبادات مفروضة ؟
قلّبتُ المسألة مدّة ، ثمّ انقدحت الإجابة .
إنّ الصّوم المذكور في الحديث القدسي ليس فقط الصّوم الإصطلاحي الذي حدّده الإسلام ، وهو الكفّ عن الأكل والشّرب من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس ، ولكنه الصّوم بمعنى الإمتناع ، والمقاومة ، على نطاقه المطلق .
لقد كانت تساؤلاتي مشروعة ، وفي صميم الحقيقة ، لأنّي عرفت أنّ في كلّ عبادة ، أو عمل من أعمال البرّ صوم سابق له ، وضروري لفعله ، لأنّه منوط به مناط النتائج بأسبابها . وبعبارة أخرى فإنّ أيّ عمل في الإسلام ينقسم إلى قسمين : قسم ظاهر وهو العمل بحدّ ذاته ، وقسم خفيّ معنويّ يسبقه ، يهيّئ جميع الظروف اللاّزمة والمناسبة لإنجازه . هو مقاومة الكسل ، والشحّ ، والتغلّب على نفور النّفس من المكاره ، وحملها على النهوض والتضحية والإقدام ، وترويضها على السّير في غير سبيل الشّيطان ، والصّبر على وطأة الغرائز .
القسم الأوّل لابن آدم لأنّه ربح عاجل أو آجل يناله ، والقسم الثاني لله تعالى لأنّ دوافعه إيمانية خالصة ، غير متعلّقة بغرض سوى غرض إرضاء الحقّ عزّ وجلّ ، وتوخّي حبّه .
هذا هو القصد من التعبير بـ" له " و" لي " في الحديث القدسي .
انطلاقا من هذه القاعدة ، يمكننا القول أنّ المسلم يكون صائما بقدر ما يكون قائما في أوامر مولاه ، فإذا غلبت عليه مراقبة الله طول وقته ، وامتلأت ساعات عمره كلّها بالطّاعات ، فإنّه يكون - بلا شكّ - في صيام مستمرّ ، وتختم أعماله التي " له " بختم " لي " ، وهي علامة على القبول ، والفوز بالمأمول .
وماذا عن رمضان نفسه ؟
رمضان هو الصيام بالصيام ، وهو كلّه ينضوي تحت النسبة الإلهية الصّرفة المعبّر عنها بـ" لي " . فإذا كانت المقاومة والإمتناع شرط للفعل في كافّة العبادات ، فإنّه في الصوم الإصطلاحي - رمضان أو غيره - شرط لعدم الفعل ، أو قل إن شئت فعلُ عدم الفعل ، والمتمثّل في مستوى من الإمتناع من أجل مستوى أرفع من الإمتناع . الإمتناع والكفّ عن اتّباع النفس ، وشهوتها ، وثقل إلحاحها ، للتمكّن من الإمتناع عن ضروراياتها بمقدار .
بهذين الإمتناعين يتبوّء الصائم الحقّ حالة نورانية ملائكية ، ويمارس التضحية بأكمل أدواتها ، ويسمو إلى ذرى عوالم الحبّ الإلهي ، فإذا ذاق من أوانيها ذهل عن نفسه وضروراياتها ، وباع نفسه بنفسه للمحبوب ، فأصبح هو وعمله له .
بعدما كتبت موضوعي ، وجدت في سنن الإمام أبي داود رضي الله عنه – كتاب الصلاة - حديثا يدعم دعما جليّا ما ذهبنا إليه من رأي .
فعن أبي السائب مولى هشام بن زهرة قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : « قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : من صلّى صلاةً لم يقرأ فيها بأمِّ القرآن فهي خداجٌ فهي خداجٌ فهي خداجٌ غير تمامٍ قال : فقلت يا أبا هريرة : إنّي أكون أحياناً وراء الإِمام ، قال : فغمز ذراعي وقال : اقرأ بها يافارسيُّ في نفسك فإِني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : قال اللّه عزّ وجلّ : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين : فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل . قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : اقرؤوا يقول العبد الحمد للّه ربِّ العالمين ، يقول اللّه عزّ وجلّ : حمدني عبدي ، يقول الرحمنِ الرحيم ، يقول اللّه عزّ وجلّ : أثنى عليَّ عبدي ، يقول العبد مالكِ يومِ الدين ، يقول اللّه عزّ وجلّ : مجّدَني عبدي ، يقول العبد إيّاك نعبد وإيّاك نستعين ، فهذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل . »
ما لفت انتباهي في الحديث الشريف هو المقطع التّالي : « فنصفها لي ونصفها لعبدي » ، وبالرّغم من اختلاف هذا الموضوع عن موضوع الصيّام ، إلاّ أنّ الإشارة فيه إلى وجود النصيب الإلهي الخاص في كلّ عمل من الأعمال في الإسلام واضحة .
والله ورسوله أعلم
بقلم : محمود سلطاني
ما أكثر النصوص من الكتاب والسنّة التي تتكلّم عن الصوم ، وعن شهر رمضان !
آيات وأحاديث كنت أقرؤها ، وأفهمها ، وأستوعبها عقلا وروحا من غير مشقّة ، لكني كنت دائما أقف حائرا أمام نصّ حديث قدسيّ ، عاجزا عن فهم القصد البعيد منه .
هذا الحديث الشريف هو ما رواه مسلم رضي الله عنه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « قال الله عز وجل : كلّ عمل ابن آدم له إلا الصّيام. هو لي وأنا أجزي به. فوالذي نفس محمّد بيده لخلفة فم الصائم أطيب عند الله، من ريح المسك »
عجزي كان كامنا في كلمة " له " وكلمة " لي "
ما الذي يقصده الباري تعالى بتلك النسبتين المختلفتين ؟
كنت أقول لنفسي : أَلَيْسَت الصّلاة ، والزّكاة ، والحجّ ، والتصدّق ، وقول الصّدق ، وجميع أعمال البرّ والخير لله ؟ وكان جوابي في كلّ مرّة : بلى .
إذن فلماذا هذه التّفرقة بين عمل وعمل ؟
ولم تكن بعض تفسيرات أهل الرّأي لتقنعني الإقناع الكلّي
يقولون أنّ كلّ عمل من الأعمال يمكن أن يطرقه الرّياء ، ويخالطه الزّيف ، ويظهر للغير ، إلاّ الصوم فإنّه عمل مخفيّ ، في الإمكان عدم العلم به .
وجوابي كان : ولكن في مقدور الصّائم أن يرائي ويتباهى بأنّه صائم . وقد يطّلِع النّاس على صومه ، حتّى في حالة الإخلاص المحض ، إذا طال مكثه فيهم ، خاصّة مع أهل الصّداقة والمودّة .
وفي المقابل ، وإذا افترضنا أن علّة نسبته إلى الله عزّ وجلّ هي في سهولة إخفائه ، فإنّ في مقدور المتنفّلين بالصّلاة كذلك أن يمرّوا دون أن يتنبّه إليهم أحد . يصلّي الفرض مع الجماعة -كما يصوم فرضه في رمضان - فيدخل داره ويصلّي مائة ركعة ، ثمّ يخرج إلى المجالس من غير أن يعلم أحد ماذا فعل أصلا .
قلتُ لنفسي : لا بدّ أنّ ميزة مّا موجودة في المستثنى وغير موجودة في المستثنى منه ، وأنّ سرّ كلمة " له " و" لي " مدّخرة هناك ، ولذلك فلا بدّ من إقامة مقارنة بين الصّوم وبين كلّ ما عداه من أعمال البرّ .
عرفت بعد المقارنة أنّ الفرق كامن في كيفية التطبيق والممارسة . فالصّلاة ، والزّكاة ، والحجّ ، الخ... ، عبادة يشترك فيها الروح والجسد لإنشاء جوهر عمل موضوعي ، أمّا الصّوم فهو إنشاء عمل بالإمتناع عن الأسباب المانعة لحدوثه .
الصيام عمل بواسطة " لا عمل " .
للعبادات من غير الصوم صفة الإيجاد أما له فصفة الإعدام .
العبادات الأخرى خير في بناء ، والصوم خير في تهديم .
خير العبادات الأخرى تراكميّ ، وخير الصّوم وقائي .
العبادات الأخرى موجبة الإشارة ، والصّوم سلبي الإشارة مقابل قيم سلبية .
لا ريب أنّ مقاومة ما طُبِعَت عليه النفوس يتطلّب جهدا جهيدا ، ويقظة دائمة ، لأنّ مقاومة الطّبائع في حقيقة الأمر هي مقاومة لجزء من أسباب وجود المطبوع الضرورية كالأكل والشرب والتناسل ، وصفات أخرى معنوية مودوعة في الذّوات بحكمة الله تعالى لضمان استمرار الحياة ، والإقبال على إعمار الدنيا . هي إذن نقطة تقاطع بين حالتين متضادّتين لكائن واحد تتطلّب حراسة شديدة حتّى لا يتحوّل طهر الفطرة الربانية إلى أداة بيد إبليس .
الصّوم ابتلاء واختبار .
إنّه عملية اجتياز للرّوح إلى النّعيم على سلّم عناء ، وعذاب للجسد الذي يحويها ، لا يخوضها إلاّ أهل الصّدق في الحبّ الإلهي ، ومن لم يخلط إيمانه بالأغراض الزّائلة .
الصّوم إذن من أجل الله سبحانه وتعالى .
هل هذا كلّ شيء ؟ هل هذا المعنى النهائي لكلمة " لي " ؟
قطعا لا !
لقد قلت : أليس ترك النوم اللذيذ ، والفراش الدّافئ للصّلاة عناء ؟
أليس إسباغ الوضوء في الشتاء بطهور بارد عذابا ؟
أليس إخراج أموال كثيرة لتزكية الثّروة مقاومة مضنية لشحّ النفس ؟
أليس الخروج للحجّ ، والجهاد ، والعلم ، والعمل ، وفراق الأوطان ، وفلذات الأكباد والأحبّة ، والتّعرّض للهلاك ، مصدر آلام ؟
لماذا يكون الصّوم وحده المتفرّد بالإنتساب إلى الله برغم ما ذكرنا من صفات مشتركة بينه وبين غيره ، وهي مثله أركان وعبادات مفروضة ؟
قلّبتُ المسألة مدّة ، ثمّ انقدحت الإجابة .
إنّ الصّوم المذكور في الحديث القدسي ليس فقط الصّوم الإصطلاحي الذي حدّده الإسلام ، وهو الكفّ عن الأكل والشّرب من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس ، ولكنه الصّوم بمعنى الإمتناع ، والمقاومة ، على نطاقه المطلق .
لقد كانت تساؤلاتي مشروعة ، وفي صميم الحقيقة ، لأنّي عرفت أنّ في كلّ عبادة ، أو عمل من أعمال البرّ صوم سابق له ، وضروري لفعله ، لأنّه منوط به مناط النتائج بأسبابها . وبعبارة أخرى فإنّ أيّ عمل في الإسلام ينقسم إلى قسمين : قسم ظاهر وهو العمل بحدّ ذاته ، وقسم خفيّ معنويّ يسبقه ، يهيّئ جميع الظروف اللاّزمة والمناسبة لإنجازه . هو مقاومة الكسل ، والشحّ ، والتغلّب على نفور النّفس من المكاره ، وحملها على النهوض والتضحية والإقدام ، وترويضها على السّير في غير سبيل الشّيطان ، والصّبر على وطأة الغرائز .
القسم الأوّل لابن آدم لأنّه ربح عاجل أو آجل يناله ، والقسم الثاني لله تعالى لأنّ دوافعه إيمانية خالصة ، غير متعلّقة بغرض سوى غرض إرضاء الحقّ عزّ وجلّ ، وتوخّي حبّه .
هذا هو القصد من التعبير بـ" له " و" لي " في الحديث القدسي .
انطلاقا من هذه القاعدة ، يمكننا القول أنّ المسلم يكون صائما بقدر ما يكون قائما في أوامر مولاه ، فإذا غلبت عليه مراقبة الله طول وقته ، وامتلأت ساعات عمره كلّها بالطّاعات ، فإنّه يكون - بلا شكّ - في صيام مستمرّ ، وتختم أعماله التي " له " بختم " لي " ، وهي علامة على القبول ، والفوز بالمأمول .
وماذا عن رمضان نفسه ؟
رمضان هو الصيام بالصيام ، وهو كلّه ينضوي تحت النسبة الإلهية الصّرفة المعبّر عنها بـ" لي " . فإذا كانت المقاومة والإمتناع شرط للفعل في كافّة العبادات ، فإنّه في الصوم الإصطلاحي - رمضان أو غيره - شرط لعدم الفعل ، أو قل إن شئت فعلُ عدم الفعل ، والمتمثّل في مستوى من الإمتناع من أجل مستوى أرفع من الإمتناع . الإمتناع والكفّ عن اتّباع النفس ، وشهوتها ، وثقل إلحاحها ، للتمكّن من الإمتناع عن ضروراياتها بمقدار .
بهذين الإمتناعين يتبوّء الصائم الحقّ حالة نورانية ملائكية ، ويمارس التضحية بأكمل أدواتها ، ويسمو إلى ذرى عوالم الحبّ الإلهي ، فإذا ذاق من أوانيها ذهل عن نفسه وضروراياتها ، وباع نفسه بنفسه للمحبوب ، فأصبح هو وعمله له .
بعدما كتبت موضوعي ، وجدت في سنن الإمام أبي داود رضي الله عنه – كتاب الصلاة - حديثا يدعم دعما جليّا ما ذهبنا إليه من رأي .
فعن أبي السائب مولى هشام بن زهرة قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : « قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : من صلّى صلاةً لم يقرأ فيها بأمِّ القرآن فهي خداجٌ فهي خداجٌ فهي خداجٌ غير تمامٍ قال : فقلت يا أبا هريرة : إنّي أكون أحياناً وراء الإِمام ، قال : فغمز ذراعي وقال : اقرأ بها يافارسيُّ في نفسك فإِني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : قال اللّه عزّ وجلّ : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين : فنصفها لي ونصفها لعبدي ، ولعبدي ما سأل . قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : اقرؤوا يقول العبد الحمد للّه ربِّ العالمين ، يقول اللّه عزّ وجلّ : حمدني عبدي ، يقول الرحمنِ الرحيم ، يقول اللّه عزّ وجلّ : أثنى عليَّ عبدي ، يقول العبد مالكِ يومِ الدين ، يقول اللّه عزّ وجلّ : مجّدَني عبدي ، يقول العبد إيّاك نعبد وإيّاك نستعين ، فهذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، يقول العبد اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل . »
ما لفت انتباهي في الحديث الشريف هو المقطع التّالي : « فنصفها لي ونصفها لعبدي » ، وبالرّغم من اختلاف هذا الموضوع عن موضوع الصيّام ، إلاّ أنّ الإشارة فيه إلى وجود النصيب الإلهي الخاص في كلّ عمل من الأعمال في الإسلام واضحة .
والله ورسوله أعلم
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin